المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية
يمكن تعريف المسؤولية الجنائية شرعاً : (( بأنها تحمل الإنسان نتائج الأفعال المحرمة التي يأتيها مختاراً وهو مدرك لمعانيها ونتائجها )) .
كما عرفت : (( بأنها التزام بتحمل النتائج المترتبة على توفر أركان الجريمة )) .
أما في القانون فقد عرفت أنها : (( أهلية الإنسان العاقل الواعي لأن يتحمل جزاء عقابياً نتيجة فعل نهى عنه القانون ، أو ترك ما أمر به باسم المجتمع ولمصلحة المجتمع )) .
ولكي يكون الإنسان أهلاً لتحمل المسؤولية الجنائية لابد من توفر عدة شروط فيه يمكن بيانها باختصار في النقاط الآتية :
1 – أن يكون إنساناً حياً .
لأن الخطاب بالأحكام الشرعية لا يوجه إلا لمن يفهمه ويدركه ، وغير الإنسان لا يستطيع الفهم والإدراك ، وهذا يعني أن الحيوان والجماد والإنسان الميت لا يكون محلاً للمسؤولية الجنائية .
2 – أن يكون بالغاً .
المسؤولية الجنائية ترتبط بالإدراك وجوداً وعدماً ، فالصغير غير المميز لا يكون لديه إدراك فتنعدم المسؤولية الجنائية عنه ، وفي مرحلة الصغير المميز يكون إدراكه ضعيفاً وغير كامل ثم لا يتحمل المسؤولية الجنائية الكاملة ، وإنما يؤدب إذا ارتكب جريمة ما ، أما إذا وصل إلى مرحلة البلوغ فهنا يكون أهلاً لتحمل المسؤولية الجنائية الكاملة .
3 – أن يكون مدركاً .
وهو أن يكون الإنسان مدركاً ماهية العمل الذي يقوم به والنتائج المترتبة عليه .
ويستدل على الإدراك التام عند تمام بلوغ الإنسان عاقلاً ، أي لم يصبه جنون أو عاهة في العقل ؛ لأن العقل السليم هو الوسيلة للإدراك وبدونه لا يكون الإنسان مدركاً .
4 – أن يكون مختاراً .
وهو أن لا يكفي لتحمل المسؤولية الجنائية بلوغ الإنسان عاقلاً مدركاً ، بل يجب أن يكون حراً في اختيار إتيان الفعل أو تركه .
فالاختيار أو الإرادة الحرة شرط أساسي من شروط قيام المسؤولية الجنائية ؛ لأن من يقوم بالفعل وهو مكره أو مضطر فإنه لا يكون مختاراً أو متمتعاً بالإرادة الحرة ثم لا يكون مسؤولاً جنائياً عن فعله .
أما المسؤولية المدنية :
فقد بحثها الفقهاء المسلمون ولكن تحت تسمية أخرى وهي : ( الضمان ) وهذه الكلمة مرادفة لمصطلح المسؤولية المدنية .
فالضمان : ( هو التزام بتعويض مالي عن ضرر للغير ) .
أو هو : ( التزام بتعويض الغير عما لحقه من تلف المال أو ضياع المنافع أو الضرر الجزئي أو الكلي الحادث بالنفس الإنسانية ) .
ودليل مشروعية الضمان أو المسؤولية المدنية ما ورد في القرآن الكريم من آيات مباركة تدل على ذلك ، منها :
قوله تعالى: ] [ .
أما في السنة النبوية الشريفة فقد جاء فيها : (( أهدت بعض أزواج النبي r طعاماً في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها ، فقال النبي r : طعام بطعام وإناء بإناء )) .
أما المسؤولية المدنية في القانون والناتجة عن العمل غير المشروع فيطلق عليها عدة تسميات منها : المسؤولية الفعلية أو المسؤولية عن الفعل الضار أو الضمان أو المسؤولية التقصيرية .
وهذه الأمور ينظمها القانون المدني الذي يقوم بتنظيم العلاقات المالية بين الأفراد .
فالمسؤولية المدنية هي : التزام الشخص بتعويض الضرر الناشئ عن فعله الشخصي أو عن فعل من هم تحت رعايته أو رقابته من الأشخاص أو الاتباع أو تحت سيطرته الفعلية من الحيوان أو البناء أو الأشياء غير الحية الأخرى في الحدود التي يرسمها القانون .
ويمكن تثبيت أهم الفروق بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية في النقاط الآتية :
1 – يعد الضرر أساساً لقيام المسؤولية المدنية ، بينما المسؤولية الجنائية لا يكون الضرر أساساً لقيامها بل يكفي أنه قصد تحقيق الضرر وشرع فيه .
2 – المسؤولية المدنية تستوجب التعويض عن الضرر الذي لحق الغير ، بينما المسؤولية الجنائية تستوجب العقوبة البدنية .
3 – لا يجوز التنازل أو الصلح في المسؤولية الجنائية ، بينما يجوز ذلك في المسؤولية المدنية .
4 – الجهة التي تطالب بالجزاء في المسؤولية الجنائية هو الإمام ومن يمثله أو الإدعاء العام أو النيابة العامة بوصفهم يمثلون المجتمع ، بينما يطالب بالتعويض في المسؤولية المدنية هو المتضرر نفسه أو ورثته .
5 – يشترط لقيام المسؤولية الجنائية البلوغ والعقل والاختيار ، أما المسؤولية المدنية فتقوم بمجرد حصول الضرر بصرف النظر عن توفر تلك الشروط .
6 – تشترط النية في المسؤولية الجنائية ، بينما في المسؤولية المدنية لا تعد شرطاً .
7 – تتناسب العقوبة في المسؤولية الجنائية مع درجة الخطأ ، بينما التعويض في المسؤولية المدنية فيتناسب مع مقدار الضرر .
8 – تهدف العقوبة كجزاء بدني جنائي إلى زجر المجرم وردع غيره ، أما الجزاء المدني فيستهدف إزالة الضرر أو التخفيف منه .
9 – في المسؤولية الجنائية يتحمل العقوبة الجاني فقط ، أما المسؤولية المدنية فيتحملها أيضاً من يكون مسؤولاً عن فعل غيره إذا كان هذا الغير في رعايته .
10 – العقوبة في المسؤولية الجنائية مقدرة مسبقاً ، بينما التعويض في المسؤولية المدنية لا يكون مقدراً مسبقاً بل يقدره القاضي والخبراء .
د. حامد جاسم الفهداوي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً