هل يعد الزواج خارج المحكمه جريمة أم مخالفة تنظيمية ( القانون العراقي )؟
الزواج قوام الحياة الاجتماعية وسر بقاء النوع الإنساني غايته إيجاد النسل وإدامة الحياة وتلبية لدواعي الغريزة لدى الرجل والمرأة ء ولأهمية الزواج في حياة الإنسان فقد ظلت هذه السنة الطبيعية موضع اهتمامه وشغله الشاغل على مر التاريخ وسنت لذلك شرانع وقوانين لتلبي دواعي الطبع الإنساني وتنسجم مع مقتضيات العقل والحكمة المتوخاة من الزواج .
الزواج لغة تعني الاقتران ، وقد ورد بهذا المعنى في قوله تعالى: ((وإذا النفوس زوجت )) أي قرن كل فرد بقرينه ، وعرف الزواج شرعأ واصطلاحأ بأنه : (عقد يبيح لكل من الرجل والمرأة الاستمتاع بالآخر على الوجه المشروع ) وعرف الزواج في قانون الأحوال ألشحصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل المادة (3) بأنه : (عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة ) وقد حفلت السور القرآنية بإبراز جانب الحكمة و الغاية من الزواج إذا قال تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم ازواجأ لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة … سورة الروم الآية 7)) وقوله تعالى: ((والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة …. سورة النمل الآية 72)).
وينعقد الزواج بتحقق أركانه من إيجاب تصدر من أحد العاقين وقبول من الثاني على ما أوجبه الطرف الأول وبتوافر شروطه الشرعية والقانونية (الشكلية ) لدى العاقدين والتي لا مجال للخوض فيها.
معنى الزواج خارج المحكمة :
ويعني آن ملجأ الزوج والزوجه الى إبرام عقد زواجهما خارج المحكمة المختصه بإبرام وتوثيق عقود الزواج ، وعلى يد رجل الدين فيقوم الأخير بالتحقق من أركان العقد ومدى استيفائه للشروط الشرعيه فيبرم عقد زواجهما طبقأ للتعاليم الدينيه التي لا دخل للمشرع الوضعي فيها، وجدير بالذكر هنا، هو (أن عدم استيفاء الزواج الخارجي للشروط القانونية والقيود الوضعيه التي سنها المشرع الوضعي لا يخل بصحة الزواج من الناحية الشرعية، رغم ما يترتب على ذلك الزواج من اثر قانوني كالعقاب مثلا ).. فالمتزوج خارج المحكمة لا يعتمد على إتيان فعل محظور شرعأ ، وانما يقدم على فعل الزواج دون إتباع الخطواط المرسومة له من حيث الشكل والتنظيم من جانب المشرع الوضعي .
توثيق عقد الزواج :
يترتب على عقد الزواج حقوق والتزمات خطيرة في حياه الزوجين، ويمتد أحيانا كثيرة إلى ورثتهما من بعدهما نتيجة هذه الرابطة المقدسة، لذا اشترط المشرع في قانون الأحوال الشخصية العراقي وفي المادة العاشره الفقره (5) منه أن يتم عقد الزواج داخل محكمه الآحوال الشخصية المختصه وأن يسجل بسجلاتها الرسمية الخاصة وبدون رسم ورتب عقابا على من يخالف ذلك .
ولعل من جملة ما يهدف إليه المشرع من النص المذكور هو توثيق الرابطة الزوجية وتجنبب القضاء من الخوض في إجراءات إثبات عقد الزواج ونسب الأولاد الى أبويهم وحمايه حقوق الطرفين وواجباتهما، كما أن الزواج داخل المحكمة تمنع حالات الزواج بالإكراه او تزويج بعض الأولياء لبناتهم في سن لا تؤهلهن للزواج إضافه إلى حضر الزواج لأكثر من واحدة الا بإذن من القاضي – صاحب الولاية العامه – والذي أنيط به التحقق من شروط الكفايه المالية وتوافر المصلحه وإمكانية العدل بين الزوجات من عدمه (المادة 3/ فقرة 4و 5 احوال شخصية ) وأخيرا التثبت من سلامة الزوجين من الآمراض الساريه والموانع الصحية.
وقد سهلت الفقرات ا و 2و 3/ من الماده العاشره من قانون الأحوال الشخصية اجراءات التسجيل بأن جعلته بدون رسم وتسجيل العقد في سجل خاص يدون فيها ملخص العقد واسم الزوجين الثلاثي وعمرهما ومقدار المهر ويوقع بإمضاء العاقدين أو وكيلا هما وبحضورالقاضي ويوثق من قبله ويشهد على ذلك شاهدين معتبرين وبعد ذلك تعطى للزوجين حجة بذلك.
عقوبة الزواج خارج المحكمة :
قلنا بأن آثار الزواج تسري على الإنسان مدى الحياة وتنسحب على أولاده وأحفاده وأسرته لذا كان دومأ موضع اهتمام المصلحين وعلماء الاجتماع والقانون في العالم مثلما كان موضع اهتمام كافه الشرائع والأديان السماوية والوثنيه والقوانين الوضعية، حيث وضعت له سلسلة من الطقوس والاجراءات المعينة التي ينبغي إتباعها عند إبرام وتوثيق عقد الزواج …..
وذهبت معظم التقنينات المدنية العربيه والأجنبيه ومنها العراق، إلى أن الزواج من النظام العام الذي يتعلق بمصلحة الدولة العليا و ان لولي الأمر الحق – طبقأ للقواعد الشرعيه العامة – تنظيم الزواج والعلاقات الأسرية عموماً تبعاً للظروف الاجتماعية والاقتصادية وبما يتفق ومبادئ العدالة وروح العصر والمصلحه العليا للدولة والمجتمع ، مما دفع بالمشرع العراقي إلى جمع الأحكام الشرعية والقوانين الشكلية المتعلقة بالزواج وبالطلاق والنفقة والنسب والميراث والوصيه والايصاء…الخ في قانون واحد هو قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته رقم 188 لسنة 1959 المعدل يمكن الرجوع إليه في الأحوال التي أشرنا إليها فيما تقدم، واختار المشرع فيها الأحكام الشرعية الأكثر موافقة للعرف السائد وانسجامأ مع روح العصر وأنيط بالقضاء حصراً مهمة تطبيق هذا القانون على الجميع إلا من استثني منهم بقانون خاص .
وبخصوص الزواج فقد فرض المشرع عقابا على كل رجل يعقد زواجه خارج المحكمة اذ نصت الفقرة 5 من المادة 10 من قانون الاحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 6 لسنة 2001 الصادر من برلمان كردستان العراق بتاريخ 30/ 1/ 2001 على(عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد على سنة او بغرامة لا تقل عن ثلاثة الاف دينار ولا تزيد على خمسة الاف دينار كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة وتكون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات اذا عقد خارج المحكمة زواجا اخر مع قيام الزوجية) . ونصت الفقرة 6 من المادة 3 احوال شخصية على ما يلي: ( كل من اجرى عقدا بالزواج لاكثر من واحدة خلافا لما ذكر في الفقرتين 4، 5، يعاقب الحبس مدة لا تزيد على سنة او بغرامة بما لا تزيد على الف وخمسمائة دينارا او كليهما) وبالعودة الى نص الفقرة 4 المشار اليها من المادة اعلاه نجد انها تنص على عدم جواز الزواج باكثر من واحدة الا باذن من القاضي ويشترط لاعطاء الاذن تحقق الشرطين التالين لدى طالب الزواج ، هما :-
1. ان يكون للزوج كفاية مالية لاعالة اكثر من زوجة واحدة .
2. ان تكون هناك مصلحة مشروعة .
اما الفقرة 5 من المادة 3 احوال فانها تناولت امكانية تحقيق المشرع قد وضع عقابا على كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة – هذا المبدا العام ولكن المشرع اراد الامعان في العقاب اذا كان هذا المتزوج خارج المحكمة متزوج اصلا – وزواجه قائم أي مستمر- فجعل العقوبة الحبس بما لا يقل عن ستة اشهر ولا تزيد على سنة( جنحة بسيطة) او الغرامةللحالة الاولى .
وجعل العقوبة بما لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات في الحالة الثانية( حبس شديد) في حالة قيام الزوجية .
اما نص الفقرة 6 من المادة 3 احوال فتعاقب كل رجل، واقول رجل لان النص يتحدث عنه وحده بدليل قوله باكثر من واحدة( الواحدة هي المؤنث وتعني المراة) فاذن كل رجل عقد زواجه على اكثر من واحدة دون اذن من القاضي يعاقب بالحبس والغرامة المحددة في الققرة 6 من المادة 3 من قانون الاحوال الشخصية وهو لا يزيد على سنة او الغرامة وهي جنحة بسيطة ( المادة 89 عقوبات).
وهنا لا بد ان نلفت عناية القاريء الكريم الى ان العقوبة المنصوص عليها فقرة 6 من المادة 3 احوال لم تعد هناك مجالا لتطبيقها بعد ان نسخت بصدور قانون التعديل الثاني لقانون الاحوال الشخصية رقم 21 لسنة 1978 واصبحت العقوبة المنصوص عليها في المادة 10/ ف 5 احوال هي واجبة التطبيق.
بالاستناد الى ما تقدم يمكننا القول ان هناك في تصور المشرع حالتان تستوجب العقاب :
الاولى : الرجل الذي يعقد زواجه خارج المحكمة وهو اعزب .
الثانية : رجل متزوج يعقد زواجا خارجيا على ثانية او … والزوجية قائم لديه حتى لو حصل هذا الرجل على اذن من القاضي بالزواج من ثانية او ثالثة او … طالما كان زواجه الاخر قد ابرم خارج المحكمة المختصة بابرام وتوثيق عقود الزواج .
وهكذا نجد ان المشرع قد تدرج في العقاب تبعا لكل حالة من الحالات التي اشرنا اليها فيما تقدم .
الخلاصة :
يمكننا القول من كل ما تقدم بان الزواج شرعه الله تعالى واجازته القوانين الوضعية كافة، كما ان التعدد جوزته الشريعة الاسلامية…فلا المشرع جرمه ولا جرم الامتناع عنه….ولكن غاية ما فعله المشرع هو نظم سبيل التحقق من اركان العقد وشروطه وكذلك التحقق من عدل الرجل بزواجه الثاني او الثالث او الرابع فاناط بالقاضي المختص التحقق من ذلك العدل، فالمشرع لم يحرم شيئا، لا امر ولا منع، فهنا عدم الركون للقاضي ليجري تحقيقه من توافر الشروط والاركان انما هو مخالفة الاولي الامر وليس وقاعا في اتيان فعل جرمه المشرع او النكوص عما امر به.
واعتقادنا الشخصي لسنا بصدد جريمة هامة او سلوكا اجراميا وانما امام مخالفة تنظيمية لما امر به اولي الامر، وهو اقدام الرجل على الزواج دون اتباع الخطوات المرسومة له-من حيث الشكل والتنظيم- من جانب المشرع والفرق هنا كبير وجوهري لان المخالفة تكون مع اتيان فعل مشروع بينما الجريمة هو تعمد اتيان فعل محظور….واخيرا لا بد لنا من التذكير باهمية دور وسائل الاعلام المختلفة سيما المرئية منها كذلك خطباء الجوامع ومظمات المجتمع المدني لتوعية الناس باهمية مراجعة المحاكم الشرعية لابرام وتوثيق عقود الزواج لدى تلك المحاكم وبيان الاسباب الموجبة، والاثار المترتبة على من يخالف ذلك.