الفرق بين محكمة الاستئناف ومحكمة النقض (أو التمييز):
تأخذ أغلب التشريعات الحديثة، ومنها التشريع الكويتي والمصري، بمبدأ: “التقاضي على درجتين”. هما “محكمة أول درجة” و “محكمة الاستئناف”.
ومن ثم فيوجد في النظام القضائي (الكويتي والمصري) طبقتان من المحاكم. فالحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى يُمكن أن يُستأنف أمام المحكمة الاستئنافية، أي أمام محكمة الدرجة الثانية.
ومحكمة النقض (أو التمييز) ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي، بل هي طبقة بذاتها أعلى من محاكم الدرجة الأولى والثانية. ووظيفة محكمة النقض (أو التمييز) تختلف عن وظيفة المحكمة الاستئنافية.
فالاستئناف هو طريق طعن عادي، به يطرح الخصم الذي صدر الحكم كلياً أو جزئياً لغير صالحه، القضية كلها أو جزءا منها أمام محكمة أعلى من تلك التي أصدرت الحكم، وهي محكمة الاستئناف. ومن ثم، فمحل الاستئناف ليس “حكم أول درجة” ولكنه “نفس القضية” التي نظرها قاضي أول درجة. أما ما يكون في الحكم المطعون فيه من عيوب سواء اتصلت بعدالته أو بصحته فإنها تواجه في الاستئناف بطريق غير مباشر. فالمحكمة الاستئنافية لا تبحث ولا تحاكم حكم محكمة أول درجة لتراقب صحته أو عدالته، وإنما هي تبحث القضية من جديد (كمحكمة موضوع)، أي تبحثها للمرة الثانية بذات السلطات التي كانت مخولة لمحكمة الدرجة الأولى (فكلاهما محكمة موضوع)، تبحث الوقائع وتعيد تقدير الأدلة …الخ. فحتى لو كان حكم أول درجة معيباً فإن محكمة الاستئناف تبحث موضوع القضية مباشرة دون حاجة لبحث عيوب هذا الحكم، وهي عندما تصدر حكماً في هذا الموضوع فإنه يحل محل حكم أول درجة ويكون هو الحكم الوحيد في القضية.
أما محكمة النقض (أو التمييز) فهي لا تبحث القضية من جديد، من حيث الوقائع وتقدير الأدلة، وإنما هي تحاكم الحكم الاستئنافي من حيث صحة تطبيق القانون (سواء القانون الموضوعي “مثل القانون المدني أو التجاري مثلاً”، أو القانون الإجرائي “مثل قانون المرافعات المدنية والتجارية مثلا”). فالقضية التي أمام محكمة النقض (أو التمييز) هي: “عدالة الحكم الاستئنافي أو صحته”، وهي قضية تختلف عن تلك التي كانت معروضة على محكمة الموضوع في أول وثاني درجة. لذا فمحكمة النقض (أو التمييز) ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي سواء في الكويت أو في مصر.
وعليه، فالطعن بالنقض (أو التمييز) هو طريق طعن غير عادي، لا يكون إلا لعيوب معينة على سبيل الحصر تلحق بالحكم المطعون فيه وتجعله مخالفاً للقانون. والطعن بالنقض (أو التمييز) لا يؤدي إلى طرح نفس القضية الموضوعية التي نظرتها محكمة الموضوع، وإنما يطرح قضية أخرى هي: “البحث حول مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون”. ولهذا فمحكمة النقض (أو التمييز) لا تعيد نظر النزاع من جديد وإنما تبحث مدى صحة وعدالة الحكم المطعون فيه، لذا فليس من مهمتها بعد نقض الحكم (أو تمييزه) نظر الموضوع لإحلال حكم جديد محله الذي ألغته، وإنما هي تعيد – كأصل عام – الدعوى لمحكمة الاستئناف لتفصل فيه من جديد بهيئة مغايرة للهيئة التي أصدرته.
هذا، ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: “الطعن بطريق النقض ليس امتداداً للخصومة الأولى، ولا درجة من درجات التقاضي، حتى يصح أن يكون للخصوم فيه من الحقوق والمزايا ما كان لهم أمام محكمة الموضوع بدرجتيها من تقديم طلبات أو أوجه دفاع جديدة لم يسبق عرضها من قبل على كلتي المحكمتين، وإنما هي خصومة خاصة حرم فيها المشرع على محكمة النقض إعادة نظر الموضوع للفصل فيه من جديد إلا على النحو المبين بالقانون، وجعل مهمتها مقصورة على القضاء في مدى صحة الأحكام الإنتهائية من حيث أخذها أو عدم أخذها بحكم القانون فيما يكون قد عرض على محكمة الموضوع من الطلبات وأوجه الدفاع”.
(نقض مدني في الطعن رقم 973 لسنة 51 قضائية – جلسة 27/3/1985).
كما تواتر قضاء محكمة النقض المصرية على أن: “الأمر الذي يعرض على محكمة النقض ليس هو الخصومة التي كانت مرددة بين الطرفين أمام محكمة الموضوع، وإنما هو في الواقع مخاصمة الحكم النهائي الذي صدر فيها”.
(نقض مدني في الطعن رقم 1083 لسنة 53 قضائية – جلسة 29/10/1984. وفي الطعن رقم 14 لسنة 40 قضائية “أحوال شخصية” .)
مرجع: “الوسيط في قانون القضاء المدني” – للدكتور/ فتحي والي – الطبعة الثالثة 1981، القاهرة – بند 133 صـ 249 ، وبند 350 صـ 782 ، وبند 367 صـ 840. ومرجع: “النقض المدني – تأصيل وتطبيق لنظام الطعن بالنقض في الأحكام المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية” – للمستشار/ محمد وليد الجارحي – طبعة نادي القضاة، عام 2000، القاهرة – بند 7 – صـ 74 وما بعدها).
وهدياً بما تقدم، فإن القول بوجوب “محاكمة الحكم” هو قول صحيح في حالة ما إذا كنا بصدد طعن بطريق النقض أو التمييز لأنهما محكمة قانون وظيفتها مراقبة صحة تطبيق الأحكام للقوانين الموضوعية والإجرائية، أما في مرحلة خصومة الطعن بالاستئناف، فمحكمة الاستئناف محكمة موضوع، يتعين عليها أن تعيد بحث النزاع من جديد بكل عناصره الواقعية والقانونية، بصرف النظر عن تعييب الحكم المطعون فيه من عدمه، فحتى إذا كان الحكم المطعون فيه معيباً ولكن المستأنف لم يثبت حقه وادعائه فمحكمة الاستئناف لن تلغي الحكم القاضي برفض دعواه وإنما ستغير أسبابه بإضافة أسباب أخرى جديدة صحيحة، أما إذا أثبت المستأنف حقه ودعواه فستلغي المحكمة حكم أول درجة وتقضي مجدداً له بطلباته مكتفية بالعبارة المشهورة في هذا الصدد: “… وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون بما يتعين معه القضاء بإلغائه”. وذلك بعد سرد وإثبات الحق الموضوعي ودون التعرض تفصيلاً لعيوب الحكم المطعون فيه.
وكما سبق أن بينا، وعلى ما ذكره الدكتور/ فتحي والي: فحتى لو كان حكم أول درجة معيباً فإن محكمة الاستئناف تبحث موضوع القضية مباشرة دون حاجة لبحث عيوب هذا الحكم، وهي عندما تصدر حكماً في هذا الموضوع فإنه يحل محل حكم أول درجة ويكون هو الحكم الوحيد في القضية (المرجع سالف الذكر).
لذا فيجب أن ينصب الاهتمام – اهتمام الجميع، لا سيما القانونيين منهم – بإثبات الحق الموضوعي وإثبات صحة إدعاء المستأنف، بدلاً من التركيز على بيان المطاعن والمآخذ والمثالب والعيوب التي وقع فيها الحكم المستأنف، فبيان هذه العيوب ومحاكمة الحكم وحدها لن تجدي نفعاً في حالة ما إذا لم يقم المستأنف بإثبات حقه الموضوعي فيما يدعيه.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً