تعدُّ الوثيقة الاعتيادية من اكثر وثائق التأمين البحري شيوعاً، فبمقتضى هذه الوثيقة يضمن المؤمن مالاً معيناً من خطر او اخطار معينة تشترك في ظروف نشوئها”(1).اذ تعدّ وثيقة التأمين الاعتيادية وثيقة الشحنة الواحدة التي يجري التأمين فيها على بضائع معينة لرحلة معينة واحدة على واسطة نقل معينة منذ البداية ، اي منذ بداية التعاقد مع المؤمن (شركة التأمين). وينتهي مفعول هذه الوثيقة وفقاً لقواعد الانتهاء المثبتة في شروط التأمين ، في الوثيقة ذاتها او عند وصول البضاعة الى اماكن ايداع البضائع العائدة للمؤمن له(2). وبناءً على ذلك نجد انه بمقتضى هذه الوثيقة يتم تحديد اسم السفينة الناقلة للبضاعة المؤمن عليها ، وكذلك طبيعة وكمية البضاعة وطريق الرحلة الذي تسلكه ، والدولة المصدرة والمستوردة للبضاعة مسبقاً. وبذلك يمكن القول ان الوثيقة الاعتيادية تختلف عن وثيقة التأمين العائمة في نواحي عديدة يمكن ايرادها بالاتي:
اولاً : من حيث التحديد القيمي
يمكن ان تصنف وثائق التأمين البحري (بضائع) على نوعين وثائق تأمين محددة القيمة ووثائق تأمين غير محددة القيمة. وتعدَّ الوثيقة الاعتيادية محددة القيمة ، لانه يتم تثبيت مبلغ البضاعة بالتحديد، ولذلك نجد انه في حالة تعرض الشحنة الى خسارة لايتم اعادة تقدير القيمة بل يتم التعويض على ضوء التحديد المثبت في اصل العقد، والذي يكون بمثابة اعتراف من المؤمن بان المبلغ المؤمن به يمثل القيمة الفعلية للشيء المؤمن عليه بشكل غير قابل لاثبات العكس(3). ولقد اشار قانون التأمين البحري الانكليزي(4) لسنة 1906 في م27 منه الى الوثيقة المحددة القيمة، اذ نصت على “الوثيقة القيمية هي التي تعين القيمة المتفق عليها لمحل التأمين”. اما فيما يخص الوثيقة العائمة، فشركة التأمين (المؤمن) لاتستطيع ان تتوصل الى معرفة مقدار البضاعة التي تُشحن لصالح المؤمن له او البضاعة التي يشحنها هو، سواء من حيث الكمية او من حيث النوعية، ومن ثم لايمكن التوصل الى معرفة مبلغ التأمين الخاص بتلك البضاعة ، إذ أنَّ مقدار الشحنة لايتم معرفته الا بعد وصول الاقرار(5) .من المؤمن له، من ثم يتم التوصل لمعرفة مقدار قسط التأمين الخاص بتلك الشحنة او البضائع. واذا كانت الوثيقة التي لايعَتّنْ مقدار البضاعة المؤمن عليها تعدُّ وثيقة غير قيمية، وهذا ما أشارت اليه م(28) من قانون التأمين البحري الانكليزي لسنة 1906 عند تحديد مفهوم الوثيقة غير القيمية، التي نصت على ما يلي: “تعتبر الوثيقة التي لاتعين قيمة محل التأمين وثيقة غير قيمية، الا انها وبحدود المبلغ المؤمن به تترك القيمة التأمينية للتأكد منها بعد ذلك وذلك بعدم اعطاء تصريح بالقيمة الا بعد الاشعار بالخسارة او الوصول فقط”. واذا كان من الصحيح القول بان وثيقة التأمين العائمة لايتم تحديد قيمة محل التأمين اي لايتم تحديد اياً من البيانات اللازمة في معرفة نوع او كمية البضاعة عند اصدار هذه الوثيقة، لكن هذا لايعني ان تكون هذه الوثيقة وثيقة غير قيمية بل ان المؤمن له عندما يقدم الاقرار الخاص بكل شحنة في الوقت المتفق عليه ، فان قيمة محل التأمين سوف تحدد ومن ثم تكون هذه الوثيقة وثيقة قيمية. وما يؤيد قولنا هذا نص (ف4/ م29) من قانون التأمين البحري الانكليزي لسنة 1906 ، والتي نصت “مالم تنص الوثيقة بغير ذلك فان عدم اعطاء تصريح بالقيمة الا بعد الاشعار بالخسارة او الوصول فان حكم هذه التصريحة بالنسبة لمحل التأمين تكون كوثيقة غير قيمية (Unvalued Policy)”. اي ان تقديم الاقرار قبل حصول الخسارة او قبل وصولها الى ميناء الوصول . يعني ان وثيقة التأمين العائمة ، تعدّ بمثابة وثيقة قيمية، وذلك عند الاخذ بالمفهوم المعاكس لنص (ف4/ م29) من قانون التأمين البحري الانكليزي . أَمَّا عند تقديم الاقرار بعد الخسارة او بعد الوصول فأن هذا يجعل من الوثيقة العائمة بالنسبة لتلك الشحنة وثيقة غير قيمية، طبقاً لنص القانون الانكليزي. وهذا الامر يجعل وثيقة التأمين العائمة تتصف بسمة الازدواجية من حيث التحديد القيمي، فهي وثيقة قيمية بالنسبة للشحنات التي يقدم الاقرار عنها قبل الخسارة او الوصول ، لكنها تعدّ وثيقة غير قيمية بالنسبة لمحل التأمين للشحنة التي يقدم عنها الاقرار بعد تحقق الخسارة او وصول البضاعة.
ثانياً : من حيث تعدد الشحنات
وثائق التأمين البحري قد تكون لرحلة واحدة للتأمين على شحنة واحدة او قد تكون للتأمين على شحنات متعددة(6)، وهذا ما نصت عليه م(342) من مشروع القانون البحري العراقي لسنة 1974، التي نصت “يكون التأمين على البضائع بمقتضى وثيقة لرحلة واحدة او بوثيقة مفتوحة”. ولقد جاء نص هذه المادة موافقاً مع نص م(387) من قانون التجارة البحري المصري رقم 8 لسنة 1990(7). ولانجد نصاً مماثلاً في قانون التجارة البحرية العثماني والسوري والانكليزي لسنة 1906، لذلك يمكن القول أنَّ الوثيقة الاعتيادية هي من وثائق الشحنة الواحدة، إذ أنه بمقتضى الوثيقة الاعتيادية يتم التأمين على شحنة معينة . أما الوثيقة العائمة فإنها تعدَّ من وثائق تعدد الشحنات سواءً أكانت شحنات مختلفة الانواع ام من النوع نفسه، فهي لاتضمن الاخطار التي قد تلحق بشحنة معينة فقط بل لجميع الشحنات التي تعود للمؤمن له(8). ومما يترتب على ذلك ان الوثيقة العائمة وبسبب ضمانها لشحنات متعددة، فانها تعدّ من الوثائق طويلة الاجل، اذ ان مفعول هذه الوثيقة لاينتهي بتاريخ معين او محدد (وهو تاريخ وصول البضاعة الى ميناء الوصول) كما هو الحال بالنسبة للوثيقة الاعتيادية بل نجد ان الوثيقة العائمة تظل نافذةً الى حين انتهاء المبلغ الاجمالي المدفوع من قبل المؤمن له، او بانتهاء مدة التأمين المتفق عليها في الوثيقة العائمة. والغالب ان تكون هذه المدة طويلة الاجل.
ثالثاً : من حيث قسط التأمين(9)
قسط التأمين هو المبلغ الذي يدفعه المؤمن له للمؤمن (شركة التأمين) مقابل تحمل الاخير تبعة الخطر المؤمن منه(10). ويعدّ قسط التأمين بمثابة ثمن الامان الذي يحصل عليه المؤمن له من شركة التأمين في حالة تعرض البضائع للخطر. لذلك يمكن القول أنَّ قسط التأمين بمثابة الثمن في عقدي البيع والايجار فبوجود القسط تتأكد خصيصة عقد التأمين في كونه عقد معاوضة، ومن ثمَّ ينشيء التزاماتً متبادلةً ما بين طرفيه (المؤمن والمؤمن له). فمتى ما انعدم قسط التأمين انعدم عقد التأمين وذلك بسبب اعتباره –اي القسط- بمثابة محل التزام المؤمن له، اذ انه عنصر اساس في عقد التأمين يعادل الخطر من حيث الاهمية ان لم يزد عنه(11). لذلك نجد وبحق (انه لا تأمين بلا خطر فلا تأمين كذلك بلا قسط)(12). وهذا امر طبيعي اذ كيف نطالب المؤمن بتغطية الاخطار على البضاعة مالم يوجد مقابل لتلك التغطية. اذ ينبغي على المؤمن الوفاء بالتزاماته اي دفع مبلغ التأمين عما لحق المؤمن له من خسارة من مجموع الاقساط التي يقوم بتجميعها من المؤمن له، وبغير ذلك لايمكن الوفاء بهذه الالتزامات. لذلك نجد أنّ هناك من يذهب الى القول (بأن عقد التأمين يعتبر عقداً باطلاً فيما لو لم يكن هناك قسط تأمين كما هو الحال في عقد البيع اذ يعتبر باطلاً ايضاً لو لم يتفق طرفاه على الثمن)(13). ويمكن ان نضيف ايضاً ان عقد التأمين بما انه يتكون او يقوم على ثلاثة اركان (هي الخطر ومبلغ التأمين والقسط)(14) فانه وبانتفاء القسط ينتفي التأمين كما هو الحال في حالة ما اذا انتفى الخطر في عقد التأمين اذ يعتبر التأمين باطلاً ايضاً. ومما تجدر الاشارة اليه ان قسط التأمين(15). قد يدفع من قبل المؤمن له مرة واحدة فيسمى بالقسط الواحد او ان يدفع على شكل دفعات (سنوية او نصف او ربع سنوية او ان يدفع شهريا)(16). ومن هذا كله نجد ان قسط التأمين في الوثيقة العائمة يختلف عنه في الوثيقة الاعتيادية للتأمين. إذ ان قسط التأمين لايمكن تحديده عند ابرام الوثيقة العائمة بل ان هذا القسط يتوقف على تحديد مقداره معايير متعددة، منها طبيعة البضاعة التي تشحن لصالح المؤمن له وكذلك كمية او مقدار هذه البضاعة المشحونة خلال الفترة المحددة. لذلك نجد ان القسط يتحدد وفق ما يُقدمْ المؤمن له من معلومات عن طبيعة ونوعية وكمية البضاعة المشحونة من خلال الاقرار المقدّم من قبله – (المؤمن له). أَما في الوثيقة الاعتيادية فنجد ان قيمة البضاعة تقدر بحسب السعر السائد في ميناء الشحن مع جميع الرسوم والنفقات المدفوعة لحين نقلها الى السفينة والاجرة المكتسبة، مهما كان الطارئ، وكذلك يتم تحديد قسط التأمين الخاص بتلك الشحنة وما يمكن ان يتأمل من الربح، هذا في حالة مالم يتم تحديد قيمة البضائع في عقد التأمين(17). ومن ناحية اخرى نجد ان الوثيقة العائمة (المقفلة) لاتصدر الا بوجود مبلغ تأمين اجمالي يلتزم المؤمن له بتسديد قسط التأمين بنسبة المبلغ الاجمالي مقدماً، ويكون هذا المبلغ خاضعاً للتسوية عند انتهاء عملية الشحن(18). بينما لانجد مثل هذا في الوثيقة الاعتيادية.
___________________
1- د. بهاء بهيج شكري، النظرية العامة للتأمين، ط1، بدون ذكر مكان الطبع، 1960، ص204.
2- د. بديع احمد السيفي: التأمين علماً وعملاً ،ط1، بغداد، مطبعة الزهراء، 1972 ، ص193.
قسم الابحاث والدراسات : دراسات في المعرفة التأمينية (انواع وثائق التأمين البحري – بضائع، بحث منشور في مجلة رسالة التأمين، العدد الثالث ، اذار ، 1990 ، ص32.
3- د. عاصم سليمان: التأمين، ج1، العراق ، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، 1974 ، ص234. د. موريس منصور: دراسات في التأمين، ط1، بغداد، مطبعة المعارف، 1978، ص250.
4- ويلحظ ان قانون التجارة البحري العثماني والقانون المدني العراقي ومشروع القانون البحري لسنة 1974 والقوانين محل المقارنة (القانون المصري والسوري) لم تضع مفهوماً محدداً للوثيقة المحددة القيمة باستثناء القانون الانكليزي لسنة 1906 الذي وضع مفهوم الوثيقة المحددة القيمة.
5- ومما يّجدر ملاحظته أن القيمة المثبتة في الاقرار تمثل القيمة الحقيقية للبضاعة ، وبذلك تختلف عما يسمى بالقيمة المقبولة والتي تعدّ بمثابة قيمة مؤقتة للشيء المؤمن عليه وقت التعاقد. إذ قد يتعذر على المؤمن له تحديد قيمة الشيء المؤمن عليه بالضبط، ولذلك جرى العمل على ان يقوم المؤمن له بتقويم الشيء ويقبل المؤمن هذا التقويم، ويجوز للمؤمن دائماً اقامة الدليل على ان القيمة المقبولة اعلى من القيمة الحقيقة للشيء. اما فيما يخص للقيمة المثبتة في الاقرار الذي يقدمه المؤمن له في الوثيقة العائمة، يمكن عدّها قيمة نهائية للشيء محل التأمين من خلال وجود ما يؤيد تلك القيمة من قوائم الشراء والشحن وغيرها من المستندات.
د. مصطفى كمال طه: الوجيز في القانون البحري، القاهرة، المكتب العصري الحديث للطباعة والنشر، سنة 1971، ص476-477.
6- حسن النجفي: البيوع البحري، بغداد، مطابع دار الشعب، 1973، ص193.
7- انظر نص م(414) من القانون البحري الاماراتي ، م (406) من قانون البحري اليمني.
8- د. منى محمد عمار وعلي السيد الديب: التأمين البحري، القاهرة، مطبعة التعليم المفتوح، بدون ذكر سنة الطبع ، ص87.
9- يسمى المبلغ النقدي الذي يدفعه المؤمن له للمؤمن القسط في حالة كون المؤمن شركة التأمين، لكن اذا كان المؤمن جمعية للتأمين التبادلي او التعاوني فان ما يدفع في هذه الحالة يسمى اشتراكاً (Cotisation).
د.محمد حسن قاسم: محاضرات في عقد التأمين ، بيروت ، الدار الجامعية للطباعة والنشر، 1999 ، ص136.
10- د.البشير زهرة: التأمين البحري، دراسة تحليلة وشرح لعقود التأمين ، تونس، دار بو سعيد للطباعة والنشر والتوزيع، 1975 ،ص75.
11- د. محمد حسن قاسم: محاضرات في عقد التأمين، بيروت ، الدار الجامعية للطباعة والنشر، 1999، ص135.
12- د.عبد الحي حجازي: عقد التأمين ، (بدون ذكر مكان او سنة الطبع) ، ص152.
13- اشار الى ذلك د.محمد حسن قاسم: مصدر سابق ،ص135.
14- د.عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني ، المجلد الثاني، ج7، عقود الغرر والتأمين، ص1143.
15- ان القسط الذي يلتزم المؤمن له بدفعه للمؤمن يتكون من عنصرين جوهرين هما : القسط الصافي وأعباء القسط او علاواته.
فالقسط الصافي : هو المبلغ الذي يقابل الخطر وبذلك يغطيه تماماً من دون زيادة او نقصان، ويتخذ لحساب القسط الصافي اساس من وحدة قيمية ووحدة زمنية. والقسط الصافي (او ما يعرف بالقسط النظري) يتحدد بواسطة قواعد الاحصاء.
أَما أَعباء القسط او علاواته فهي التي يجب ان يسهم المؤمن له في تحملها ، وتكون من مجموع القسط الصافي واعباء القسط التجاري الذي يلتزم بدفعه المؤمن له.
وتقوم شركة التأمين هنا بتقدير القسط الصافي ومن ثم تجري عليه عملية اضافة مبلغ يعادل المقدار الحقيقي للعلاوة. د. عبد الحي حجازي: عقد التأمين، بدون ذكر مكان او سنة الطبع ، ص153، ص162.
د.محمد حسن قاسم: مصدر سابق ، ص136.
د. عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني، المجلد الثاني، ج7، عقود الغرر وعقد التأمين، ، ص1147.
16- د.محمد حسن قاسم : مصدر سابق ، ص136.
17- د. مصطفى كمال طه: مبادئ القانون البحري، الدار القومية للطباعة والنشر، بدون ذكر سنة الطبع ، ص242-243.
د.عادل علي المقدادي : القانون البحري (السفينة – اشخاص الملاحة البحرية، النقل البحري، الحوادث البحرية، البيوع البحرية، التأمين البحري)، عمان ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1999 ، ص262 ،263.
18- د. بهاء بهيج شكري، النظرية العامة للتأمين، ط1، بدون ذكر مكان الطبع، 1960، ص204.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً