أوجه الفرق بين القانون العام و القانون الخاص
1- تمهيد:
من المعروف أن القانون – وهو علم من العلوم الاجتماعية التي تبحث في الإنسان بصفته عضوًا يعيش وسط جماعة بشرية – ينقسم إلى قسمين: القانون العام وهو مجموع القواعد التي تنظم علاقة الفرد بالدولة أو علاقة الدولة بغيرها من سائر الدول، والقانون الخاص ويتضمن مجموع القواعد التي تحكم علاقات الأفراد فيما بينهم.
ويرجع هذا التقسيم إلى عهد القانون الروماني فلقد أورده إيلبيان في موسوعته، كما أن بعض الشراح تدجروا على إيجاد فروع لكل قسم من هذين القسمين القصد منه تسهيل تنظيم الدراسة دون أن يهدف إلى وجود أساس علمي لذلك.
2- معيار التقسيم:
فالقانون العام هو قانون السلطة الآمرة هو قانون الهيئات، هو قانون لا يرعى إلى المصالح العامة مصالح عموم الأفراد.
أما القانون الخاص فهو قانون الأفراد هو قانون استقلال الإرادة وسيادتها هو قانون حرية الأفراد في تنظيم علاقاتهم فيما بينهم.
ولا شك أن اختلاف هذين القانونين ناشئ من التعارض بين الحياة العامة والحياة الخاصة، فالحياة العامة قائمة على فكرة انعدام المساواة بين الفرد والدولة، أم الحياة الخاصة تستند إلى اعتبار المساواة التامة بين الأفراد في أوجه نشاطهم، هذا التعارض اقتضى وجود هذين القسمين منذ أمد بعيد لكل قواعده الخاصة وروحه التي تميزه عن الآخر، الأمر الذي أدى إلى انقسام الفقهاء إلى قسمين تبعًا لذلك فيقال بوجود فقهاء للقانون العام وبوجود فقهاء للقانون الخاص.
3- منهج البحث:
إلا أن الباحث في العلوم القانونية بصفة مجردة، والمفكر في الدراسات الفقهية بطريقة فلسفية يشعر أن هذا التقسيم تحكمي، ويجد أنه تقسيم نسبي انعدمت فيه صفة الإطلاق فاعترته عوامل التغيير إذ استبان وجود علاقات متبادلة بين هذين القسمين وتأثيرًا تبادليًا بينهما فكل قسم يؤثر في أحكام القسم الآخر، الأمر الذي دعا إلى بيان أثر القانون العام في القانون الخاص وأثر القانون الخاص في القانون العام.
4- أثر القانون العام في القانون الخاص:
يظهر ذلك بجلاء من دراسة مبدأ سلطان الإرادة، هذا المبدأ المزعوم الذي يقضي بأن للأفراد الحق في تنظيم علاقاتهم القانونية فيما بينهم طبقًا لما تنعقد عليه إرادتهم دون تدخل من المشرع في هذا السبيل، ولكن هذا المبدأ قد أصابه تغيير وتقييد شديدان في غضون القرن العشرين كأثر من آثار تدخل الدولة في العلاقات الفردية تدخلاً بصفتها سلطة عامة مرجعه القانون العام من شأنه إهدار الحرية التعاقدية التي هي مظهر من مظاهر الحرية الفردية.
ولقد أفضى هذا التدخل إلى فقدان القانون الخاص لخصائصه الأساسية بسبب اكتساح القانون العام له ووضعه إياه تحت وصايته.
فلقد توسعت الدولة في فكرة النظام العام ونطاقها وفي مدى احترام القوة الملزمة للعقد وذلك بسبب التوسع في حرية القاضي في تفسير العقود وإرادات الأفراد توسعًا أقره المشرع في جملة مواضع، كما تدخلت الدولة في إيقاف بعض العقود أو امتداد أجلها أو حلها أو تغيير أحكامها التي تواضع الطرفان عليها فلم يعد هناك قوة ملزمة للعقود بالمعنى المطلق لها.
وإن الدارس لفكرة العقد المفروض coutrat forcè ou iwposè ليدرك حق الإدراك مدى تدخل السلطة العامة والقانون العام في العلاقات الخاصة، ففي العقد المفروض يلزم القانون الأفراد بالتعاقد وألا يتعرضون لجزاءات مدنية أو إدارية أو جنائية مثالها جريمة الامتناع عن بيع سلعة مسعرة.
كل ذلك يؤدي إلى البعد عن القانون الخاص بقضائه على الحرية التعاقدية وإلى الغرب من محيط القانون العام الذي تكون الدولة طرفًا فيه.
5- أثر القانون الخاص في القانون العام:
ليست فكرة سيادة الدولة هي التي أدت إلى قيام قانون عام بجانب القانون الخاص وإنما هو النشاط الذي تقوم به الدولة للقيام بوظائفها وتحقيق سير المرافق العامة، لقد استدعى ذلك النشاط إنشاء قواعد معينة غير القواعد التي تنطبق في علاقات الأفراد.
ومن هنا وجدت نظرية الدوين العام وما هي في الحقيقة إلا النظرية المدنية في حق الملكية مع بعض تعديلات طرأت عليها اقتضتها المصلحة العامة.
وكذلك أيضًا نظرية الالتزامات في القانون العام فما هي في حقيقة الأمر إلا النظرية العامة في الالتزامات في القانون المدني مع بعض تغييرات في قواعدها واختلاف في أحكامها أملتها طبيعة الإدارة وأوجبتها الحياة العامة.
وأن الباحث في القانون العام وبخاصة في القانون الإداري ليدرك مدى هذا التأثير ويقدر حق التقدير إلى أي حد تدخل القانون الخاص في دوائر القانون العام.
كما أن بعض القواعد المدنية تنطبق دون غيرها في علاقات الأفراد بالإدارة في محيط القانون العام فتنقلنا إلى القانون الخاص مثل المرافق العامة الصناعية والتجارية.
6- رأي العلامة الألماني كلسن:
كل ذلك جعل العلامة كلسن ينتقد هذا التقسيم بين القانون العام والقانون الخاص منتهيًا إلى ضرورة استبعاده من نطاق الدراسات القانونية ومن ثم فلا يعتبر إلا شيء واحد هو فكرة القانون وحدها.
7- نظرية العميد ديجي:
أما العميد ديجي فيؤكد ضرورة دراسة القانون بقسيمة العام والخاص بروح واحدة وفكرة مجردة ونظرة شاملة هي العدالة في حد ذاتها هي غاية كل قانون وهدف كل تشريع يستوي في ذلك علاقات الأفراد فيما بينهم أو علاقاتهم مع الدولة.
ومن ثم فلا حاجة إلى هذا التقسيم فليس هناك سوى قانون واحد ذي خصائص وميزات واحدة.
إلا أنه رغم ذلك فيرى العميد ديجي أنه يتعين الاحتفاظ بهذا التقسيم لاختلاف القسمين في فكرة واحدة هي احتكار الدولة لسلطة الإكراه والتنفيذ الجبري، هذه السلطة التي لا يمكن للدولة أن تباشرها ضد نفسها إذ أن في علاقات القانون العام لا يتصور ممارسة الدولة لسلطة التنفيذ الجبري ضد نفسها في حالة مخالفتها للقواعد القانونية، ومن هنا جاء هذا التقسيم بين القانون العام والقانون الخاص.
8- خاتمة:
ولكنني لا يسعني إلا أن أوافق أغلب الفقهاء في هذا الصدد مؤكدًا ضرورة احترام هذا التقسيم مع عدم المغالاة في التفاوت بين أحكام هذين القسمين، وإنما يتعين دراسة كل قسم منهما بنظرياته الخاصة وقواعده التي يمتاز بها على الآخر مع مراعاة المبادئ العامة التي تنطبق عليهما سويًا.
والحقيقة من الأمر أن كل قسم من هذين القسمين يحوي مزيجًا من القواعد بعضها من صميم القانون العام والبعض الآخر من القانون الخاص وينحصر الخلاف بينهما في نسبة هذا المزيج فيظهر عند تفاعل هذه القواعد تفاعلاً قانونيًا ومن هنا قيل بوجود قانون عام وبوجود قانون خاص فلم يعد هناك قانون عام بصفة مطلقة أو قانون خاص بصفة مطلقة وإنما يوجد خليط في كل قانون.
وفي الختام فلم يصبح بين دارس القانون وشراحه فقهاء للقانون العام بصفة مطلقة وفقهاء للقانون الخاص بصفة مطلقة وإنما هناك فقهاء فحسب.
اترك تعليقاً