هل تعاني المرأة القطرية من مشاكل حقوقية؟
*آمنة المري
*مريم الهاجري
في ظل الحديث الأخير عن المرأة القطرية بسطحية واضحة في خطاب يداعب الغرب على حسابها، أصبح لابد من الإشارة إلى حقيقة وجود عقبات وصعوبات تمر بها المرأة القطرية على الصعيد الحقوقي، واستغلال هذا الباب الّذي فُتح للدّفع نحو إعادة إنتاج الخطاب العام عند الحديث عن المرأة القطرية، ومن هنا لابد من فهم سبب هذه العقبات لفهم ما ورائها، هل سببها اجتماعي؟ أم مؤسسات رسمية؟ لا يمكن لهذه المقالة أن تسرد السّياق التاريخي الّذي هيّأ لنشوء تفاوت جندري في المجتمع القطري، ولن تسعى لفهم البنية المجتمعية الكاملة التي ساعدت على ظهور التباين الجندري في قطر، لكنّها ستسعى لتقديم الخطوات الأولى لفهمها، عن طريق الإجابة على مجموعة من الأسئلة.
مَن المسؤول، المجتمع أم المؤسسات الرسمية؟
غالبًا ما تقوم النساء اللواتي عشن في بيئة مرفّهة، حصلن فيها على حقوقهن بالقول بأنّ المشكلة بالدرجة الأولى مجتمعية، وأنّ العائلة الفلانية تقليدية ممّا جعلها تقمع نساءها، غير واعيات أنّ من رسّخ مفاهيم هذه العوائل مؤسّسات أكبر منها، كالتعليم على سبيل المثال. لا أنسى معلّمتي في الصفّ العاشر حين قالت لي أنّ المرأة لن تصلح لشيء غير الزواج والتربية، وعندما اشتكيت على نهجها في التّعليم، لم يتم اتّخاذ أي إجراء معها، بل تمّ اعتبار ما قالته قولاً تربوياً بامتياز. لا أنسى أيضًا حين كانت تُضرب إحدى صديقاتي من قِبَل زوجها، وعندما توجّهت لإحدى مؤسّسات المجتمع المدني من أجل أخذ النّصيحة قالوا لها وبكل بساطة: “زوجك عصبي، كان من الأولى أن لا تجادليه، غيري أسلوبك معه وسيتحسن”، فصبرت حتّى كُسِر أنفها. هذه ليست أمثلة شاذّة، هؤلاء معلّمون ومستشارون، يمثّلون بصورة أو أخرى وجهًا من أوجه النّظام العام الذي لا يضع قضايا المرأة في أولوياته.
نختم هذه الجزئية باقتباس من كتاب التربية الإسلامية (صفحة ٧٤) الّذي يُدَرّس للصف الثاني عشر في الحديث عن مَن يطالب بحقوق المرأة: إنشاء التنظيمات والجمعيات والاتحادات النسائية، وهذه ظاهرها نشر الوعي الثقافي والإصلاحي وتعليم المرأة المهن المختلفة، لكن باطنها سمٌ زعاف؛ حيث تُعلّم المرأة الأفكار والقيم الغربية الخبيثة، وتنقلها من الفكر الإسلامي المستبصر إلى الفكر الغربي المظلم. التظاهر بالدفاع عن حقوق المرأة، وإثارة قضايا تحرر المرأة”، نؤمن بأن المقاربة هنا مُقاربة ظالمة، فتم تصوير الدفع نحو إرجاع الحقوق الطبيعية والشرعية للمرأة في مشهد كأنه يدفع للكفر. أيُّ مساحةٍ نستطيعُ نحن هنا أن نتحرك فيها، إن كانت مناهج التعليم تقول للمرأة كل مطالباتك الحقوقية هي مطالبات دعوة إلى الإنحلال!
ما الهدف مما ورد أعلاه؟
المجتمع نعم يقع عليه جزء من المسؤولية فيما يتعلق بالتمييز ضد المرأة، لكن الملام الأول والرئيس هي المؤسسات الرسمية الّتي ترسّخ التمييز الجنسي والنوعي، ولا تبذل الجهد الكافي من أجل نبذه ، على الرغم من أن الدولة موقعة على التزامات دولية تطالبها بنشر الوعي النوعي ورفع التمييز بخصوصه. لا نود التطرق للقوانين في هذه الجزئية، لكن هنالك ضرورة لطرح المثال التالي لتوضيح ما نقصد بمساعدة المؤسسات الرسمية في تثبيت المفاهيم التي تقوم بالتمييز تجاه المرأة؛ حين الذهاب لتجديد الجواز وطلب وجود ولي أمر كي تقوم المرأة بتجديده، هذه العملية لا ترسل إلا رسالة واحدة للمرأة ومحيطها؛ أنّها ستكون دائمًا وأبدًا قاصرة، ناقصة الأهلية. كيف ستنتظر من مجتمع أن يتيّغر إذا كانت أدوات إعادة إنتاج الثقافة أغلبها في يد مؤسسات رسمية ترسّخ الخطاب النمطي ضد المرأة؟ نحن نتحدث عن مشكلة ثقافية بالدرجة الأولى وقانونية بالدرجة الثانية هنا. نود أن تفهموا من هذه الجزئية التالي؛ إن الحجّة القائلة بأنّ المشكلة في دولة قطر هي مشكلة مجتمعية بالدرجة الأولى هي حجّة باطلة، المؤسسات الرسمية هي مَن تُساعد على أن يبقى الوضع الحالي على ماهو عليه، في حين كان بالإمكان أن يتم تطوير المناهج التعليميّة فيما يتعلق بالمرأة كخطوة أوليّة على الأقل. عندما يُستخدم الدين، والمناصب، والإعلام، والتعليم، ومراكز الإستشارات العائلية لإقناع المرأة بأنها الجنس الآخر، الجنس الدخيل.. بأنها أقل من أن تكون إنسان ثم تذهب في خطوتك الأولى لنقد المجتمع، فهذا لا شيء سوى أنه تسطيح صارخ للب المشكلة.
هل يحمي القانون القطري حقوق المرأة القطرية؟
فيما يلي سوف نستعرض بعض النقاط التي تظهر فيها فجوات في القانون القطري تجاه المرأة.
العنف ضد المرأة:
يوجد غياب لتشريع يجرّم العُنف الأُسَري، إذ تُحال حالات العنف إلى باب الجرائم الماسّة بحياة الإنسان في قانون العقوبات القطري والّتي تُصَنّف ضمن جرائم الشكوى طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية، بينما يُبيح القانون تأديب الزوجة وفقاً للنّص ٤٧ تحت مسمى التأديب الشرعي والذي يقتضي عدم وجود أثر، وقد تضمّن تقرير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تسجيل أكثر من ١٣٠ حالة عنف أسري استقبلها مركز الحماية والتأهيل الاجتماعي ، وأوضح تقرير صادر من وزارة التخطيط التنموي والإحصاء لعام ٢٠١٤ عدم تقبّل المجتمع القطري للإبلاغ عن حالات العنف الأسري من ناحية اجتماعية وثقافية، ولا يُدركُ الكثيرون من ضحايا العنف حقوقهم القانونية وهنالك رهبة من تداعيات المجتمع ضد المعنّفات بينما العنف يجب أن يكون عارًا على المُعنِّف وليس على ضحايا العنف.
الجنسية:
وتستمر مُعاناة المرأة القطرية في حق منح أبنائها الجنسية حيثُ أوصت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان مراجعة التحفّظ الوارد بشأن المادة ٩ في اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، ورفضت الدولة التّوصيات المقدّمة بشأن تحقيق تقدّم حقيقي بشأن حقّ المرأة في منح أبنائها الجنسية، إذ تتعرّض المرأة القطرية المتزوّجة من أجنبي للتمييز وفقاً لقانون الجنسية القطري المادة (٣٤) حيث تواجه القطريات صعوبات في رعاية أبنائهن وحصولهم على فرص عمل، من جهة أخرى يُعدّ قانون الجنسية ذا صفة دستورية، أي أنّ مواده تأخذ حكم المواد الدستورية من ناحية الحصانة الدستورية، ممّا يعني استحالة تعديلها إلا بالإجراءات الّتي يتم تعديل الدستور فيها.
المشاركة السياسية:
بالنسبة للمشاركة السياسية فقد غابت المرأة القطرية عن مجلس الشورى الحالي المُعيّن، بينما أكّد الدّستور القطري على المساواة بين المواطنين وكفالة حق الانتخاب والترشيح ونفي التمييز بحسب الجنس، إلا أن المادة (٧٨) أحالت نظام الانتخاب إلى القانون حيث أشار مشروع قانون انتخاب أعضاء مجلس الشورى والّذي كان مُقدّم من قِبَل مجلس الوزراء في عام ٢٠٠٨ إلى تقييد المشاركة السياسية حسب مسقط رأس القبيلة والّذي يضيّق على المرأة في حق الترشح والانتخاب، لظروف اجتماعية لا تُحمى فيها المرأة بهذا القانون، مما يعني أن جوهر نص الدستور لا يعني شيء في حالة المشاركة السياسية. هنا نجدُ تناقضًا بين الدستور ومشروع القانون؛ الذي يُعطي مساحةً للتمييز ضد المرأة، وإقصائها من المشاركة السياسية (الآن ومستقبلًا).
السكن ومنح الأراضي:
السكن ومعاناة حصول المرأة القطرية على منح الأراضي مساواةً بالرجل لا تنتهي، حيث تواجه العديد من النساء معرقلات وصعوبات لتملكهن أرضًا، إذ رصدت اللجنة الوطنية لحقوق الانسان عدم الالتزام بما هو موضّح للفئات المستحقة للمنح والتي تم عرقلة الكثير منها إمّا بالموافقة والتأجيل أو بالرفض دون مُبرِّر قانوني.
نسعى من هذا المقال:
جميعنا جزء من هذا المجتمع، ولا يمكن أن نسمح للظلم أن يَمس أي فردٍ فيه. إن كان أحدكم لا يقع عليه من الشرور الّتي سردناها شيئًا؛ فضعوا أنفسكم مكان هؤلاء النساء، وتحدثوا نيابةً عن الأرامل، عن مَن تجرعن الضرب خوفًا مِمَا قد يقوله المجتمع عنهنّ إن قدّمن شكوى تجاه مَن عَنّفَهن، عن من سُخِّفت آمالهُن ومُنِعن من السفر لإكمال تعليمهن من قِبَل القانون وأهاليهن، عن مَن لا يستطعن توفير حياةٍ جيّدة لأطفالِهن بسبب سلبهم حق الجنسية. المرأة يا سادة ما زالت تواجه تمييزًا على أساس الجنس، وخيرُ دليلٍ ما جاء في تقرير وزارة التخطيط التنموي والإحصاء لعام ٢٠١٤، فلقد تحدث التقرير عن حقيقة كون عدد النساء الملتحقات بالتعليم الجامعي ضعف عدد الذكور بينما تُبيّن المشاركة الاقتصادية/المجتمعية وجود فجوة مابين الجنسين، فلدينا قاضيتين من أصل ١٩٧ قاضٍ، علاوةً على كون حنان محمد الكواري وزيرة الصحة، المرأة الوحيدة التي تتولّى حقيبة وزارية في التشكيل الأخير للحكومة.
اترك تعليقاً