إرهاصات دستورية
دكتور فتحي فكري
أستاذ ورئيس قسم القانون العام
كلية الحقوق – جامعة القاهرة
بادئ ذي بدء تحية واجبة للدماء النقية الذكية التي تقطرت إبان ثورة 25 يناير 2011، لترتفع رايات الوطن، وهامات المواطن حتى تكاد أن تلامس عنان السماء.
ومن منطلق الشعور بمستقبل يتطلب تضافر الجهود على وتيرة ما بُذل من تضحيات لإزاحة غمة الفساد ووصمة الاستبداد، كان ضرورياً ألا تفوت فرصة الإسهام في أدق عمليات بناء الغد، ألا وهي وضع أساس أو دستور للبلاد يلبي الآمال والطموحات ويعبد الطريق لبلوغ الأهداف والغايات.
من هنا نبعت هذه الإرهاصات، والتي آثرنا أن تعرج على الشكل كما المضمون.
فمن زاوية الشكل نرجح تضخم حجم الوثيقة الدستورية القادمة، لاعتبارات سنعرض لها في حينها (أولاً). أما من زاوية الموضوع فقد اخترنا التركيز على نقاط بعيدة عن بؤرة الأضوء، رغم أن التجارب الدستورية الحديثة في دول ليست غريبة عنا في ظروفها أبانت تأهيلها للإدراج في مصاف المبادئ الدستورية (ثانياً). ولعل وضع تلك النقاط في مرمى النظر يفيد في اتساع الرؤية أمام الجهات المعنية بصياغة إطار حياتنا المستقبلية.
أولاً- حجم الوثيقة الدستورية:
قد يبدو غريباً الحديث عن حجم الوثيقة الدستورية المقبلة، أي التي لم تصدر بعد.
ودافعنا إلى ذلك توقع زيادة عدد مواد الدستور القادم عما كان عليه الحال في الماضي(1)، وهذا التوقع ليس رجماً بالغيب، وإنما مُستقى من قراءة للواقع المعاصر.
وتتأسس تلك القراءة على ثلاث دعائم:
1- أفول النظرية التقليدية الحاصرة للوثيقة الدستورية في الكليات دون الجزئيات.
2- أثر التحول إلى الحكم الديمقراطي في تضخم الوثيقة الدستورية.
3- تطور الحياة الإنسانية والحاجة لتقنين حريات جديدة.
وسوف نعرض تطبيقات ما سبق من تجارب دستورية لدول عدة لنعزز الاقتناع بها.
1) أفول النظرية التقليدية:
لم تعد النظرية التقليدية في صياغة القواعد الدستورية هي السائدة حالياً، فوفقاً لتلك النظرية تقتصر الدساتير على إيراد الأسس العامة، تاركة إرساء التفاصيل للقواعد الأدنى.
فقد تبين أن العهود بالجزئيات إلى السلطتين التشريعية أو التنفيذية لم يؤت دوماً بثمار إيجابية.
فقد أحاطت التفاصيل بالأصول من كل جانب مما جعل حركتها عسيرة ومتعثرة.
يضاف لما سلف أن بعض الفرعيات تبدلت النظرة إليها، بحيث بات ملحاً أن ترتفع معالجتها لمستوى الكليات.
ولعل دستور الهند(2) من أكثر النماذج المعبرة عن ذلك.
فقد عني هذا الدستور ببيان أبسط التفاصيل في العديد من الموضوعات اخترنا منها تنظيم الحماية من الاعتقال أو الاحتجاز.
فوفقاً للمادة 22 “1- لا يحتجز أي شخص يلقي القبض عليه دون إبلاغه، بسرعة قدر الإمكان، بأسس إلقاء القبض عليه، ولا يُحرم من حقه الاستعانة بممارس قانوني من اختياره، ومن حقه أن يدافع عنه ذلك الممارس.
“2- أي شخص يلقى القبض عليه ويحتجز يمثل أمام أقرب محكمة جزئية في غضون مدة أربع وعشرين ساعة من إلقاء القبض عليه غير شاملة الوقت اللازم للانتقال من مكان إلقاء القبض عليه إلى قاضي جزئي، ولا يحتجز أي شخص من هذا القبيل لمدة تتجاوز الفترة المذكورة دون سلطان قاضي جزئي.
“3- لا ينطبق أي شيء يرد في الفقرتين (1، 2) على:
(أ) أي شخص يكون في الوقت الحاضر أجنبياً معادياً، أو
(ب) أي شخص يُلقى القبض عليه أو يعتقل بمقتضى أي قانون ينص على الاحتجاز الوقائي.
“4- لا يأذن أي قانون ينص على الاحتجاز الوقائي باحتجاز شخص لمدة أطول من ثلاثة أشهر ما لم:
“أ- يقدم مجلس استشاري مكّون من أشخاص مؤهلين، أو كانوا مؤهلين، للتعيين كقضاة في محكمة عالية إفادة، قبل انتهاء مدة الثلاثة أشهر المذكورة، بوجود سبب كاف، في رأيه لهذا الاحتجاز:
“بشرط أن لا شيء يرد في الفقرة الفرعية يأذن باحتجاز أي شخص لمدة تتجاوز المدة القصوى المنصوص عليها بموجب أي قانون يصدر عن البرلمان بمقتضى الفقرة الفرعية (2) من الفقرة (7)، أو
“ب- يأذن باحتجاز أي شخص من هذا القبيل وفقاً لأحكام أي قانون يصدر عن البرلمان بموجب الفقرتين الفرعيتين (أ)، (ب) من الفقرة (7).
“5- عند احتجاز أي شخص عملاً بأمر صادر بمقتضى أي قانون ينص على الاحتجاز الوقائي، تُخطر السلطة التي تصدر الأمر، بسرعة قدر الإمكان، ذلك الشخص بأسس صدور الأمر وتتيح له فرصة تقديم عريضة مضادة للأمر.
“6- لا شيء يرد في الفقرة (5) يقتضي من السلطة التي تصدر أي أمر من هذا القبيل على النحو المشار إليه في تلك الفقرة أن تكشف عن حقائق ترى تلك السلطة أن الكشف عنها مضاد للصالح العام.
“7- يجوز للبرلمان أن يحدد بموجب قانون:
(أ) الظروف، أو فئة من فئات الحالات، التي يجوز فيها احتجاز شخص لمدة أطول من ثلاثة أشهر بمقتضى أي قانون ينص على احتجاز وقائي دون الحصول على فتوى من مجلس استشاري وفقاً لأحكام الفقرة الفرعية (أ) من الفقرة (4).
“(ب) المدة القصوى لاحتجاز أي شخص في أي فئة أو فئات من الحالات بمقتضى أي قانون ينص على الاحتجاز الوقائي.
“(ج) الإجراءات التي يجب أن يتبعها مجلس استشاري في مباشرة تحقيق بموجب الفقرة الفرعية (أ) من الفقرة (4)” (3).
اترك تعليقاً