ما الإطار القانوني لإسكان العمال الوافدة في المخططات السكنية؟
صلاح بن خليفة المقبالي
في زاويتنا لهذا الأسبوع عبر صحيفة أثير سنقف على مشكلة باتت تقض مضاجع المجتمع بصورة كبيرة، وأضحت تحتاج إلى تدخل تشريعي لتجنيب المجتمع مخاطرها، وكما هو بيّن من عنوان الزاوية، فالحديث سيكون عن مسألة تسكين العزاب “العمالة الوافدة” في المواقع أو المخططات المعدة للسكن، وهذا الأمر كما توضح الإحصائيات في سجلات البلاغات والسجلات الجرمية نوعٌ من التجمعات السكنية للعزاب يؤدي إلى إيجاد مجموعة من الجرائم التي تهدد أمن المجتمع واستقراره، كمثل السرقات والتحرش والاتجار بالخمور والمواد الممنوعة، وهذا الأمر كان بعيدا عن المجتمع في وقت سابق، وما ظهرت هذه المشكلة إلا عندما أصبحت المخططات السكنية وبالأخص القديمة منها تعج بإسكان العمالة الوافدة.
وعلى ذلك، فإن إسكان العزاب “العمالة الوافدة” يكون بصورتين في هذه المخططات السكنية، فإما أن يكون عن طريق عقد إيجار، أو عن طريق تصرف المالك في ملكه بأن يكون العمال تحت كفالة مالك العقار أو يعملون لديه، وفي كلتا الحالتين يكون التصرف مشروعا في ظاهره، إذ لا يجوز أن يُمنع المالك من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون، وذلك بأن لا يكون تصرفه منطويًا على مخالفة للقانون، وإذا ما كان العقد إيجارا فإن المشرع لم يمنع من إبرام عقد إيجار بهذه الحالة، إلا متى ما اتضح أن المقصد من الإيجار هو لممارسة عمل غير مشروع، ولكن المشلكة الراهنة هي في وجود مجموعة كبيرة من العمالة الوافدة تسكن في مكان واحد داخل المخططات السكنية، وهنا قد يقول قائل بأن المشرع لم يمنع تسكينهم في المناطق السكنية، وأن مالك العين المؤجرة يتصرف فيها تصرف المالك في ملكه والذي هو محمي وفق النظام الأساسي للدولة، وردا على هذا القول نقول: صحيحٌ أن المشرع لم يمنع ذلك نصا وأنه وفر الحماية القانونية للملكية الفردية، ولكن هذه الحرية ليست بعيدة عن التنظيم والمبادئ العامة التي تحكم كافة علاقات الأفراد، فسلطة المالك ليست مطلقة بل هي محدودة بأن لا تسبب ضررًا للغير، ومتى ما كان استعمال الحق يترتب عليه ضرر على الغير فإن صاحب الحق يمنع من التصرف في حقه، فضلاً عن أنه يكون عليه – وجوبًا- تعويض من ترتب عليه ضرر من استعمال هذا الحق إن كان استعمال الحق فيه نوع من التعسف، وكان الضرر خارج الأضرار المألوفة.
وبالتالي فإن مسألة إسكان عمالة أو عزاب في منطقة معدة للسكن العائلي ينطوي على أضرار بالغة بهذا المجتمع، ودرء مفسدة ذلك أولى من حماية مصلحة مالك العين المؤجرة، وبالتالي فإن الضرر الأعلى يدفع بالضرر الأدنى، فيترتب على ذلك أن يبطل عقد الإيجار، ويلزم مالك العين المؤجرة بإخلائها أو حتى وإن كان العمال تابعين له فيلزم بنقلهم إلى مكان آخر بعيدا عن مساكن العوائل، كون ذلك ينطوي على أضرار جسيمة، درؤها أولى من معالجتها بعد وقوعها، ولكن استعمال حق الإبطال لهذه التصرفات القانونية يكون بيد القاضي فقط، فهو الذي يكون بيده ترجيح المضار والمنافع، فطالما لا يوجد لهذه الحالة تنظيم تشريعي فإن إعمال مقتضيات العدالة يكون بيد القاضي فقط وهو الذي يكون له الحق في إبطال التصرفات القانونية متى ما تجاوز استعمال الحق حدوده.
ومن جانب آخر فإن بلدية مسقط كان لها السبق في هذا الجانب حين قامت بتنظيم إسكان العزاب في المخططات السكنية، ونظمت منعه وذلك بموجب الأمر المحلي رقم (23/92) في شأن تنظيم المباني بمسقط وتعديلاته، وذلك في الباب الثاني “الشروط المعمارية والفنية” وفق المادة (31) التي نصت في البند “د” منها على أنه: “… د- لا يسمح بإقامة مجمعات أو مباني لسكن العمال أو العزاب بالمناطق السكنية أو السكنية التجارية ولا يقبل أي تصميم مهما يوحي بذلك، وكما لا يسمح بإقامة مبنى يجمع بين السكن العائلي وسكن العزاب. …” وهذا التعديل كان بموجب الأمر المحلي رقم (28/94) الصادر بتاريخ 16/8/1994م، وأصبح كل من يقوم بإسكان العزاب مخالفا للقانون، ويترتب لبلدية مسقط حق التدخل لإزالة أسباب المخالفة وإخلاء الموقع، وذلك وفقا لما قرره البند “3” من المادة (134) من ذات الأمر المحلي، والمتمثلة في: “… 3- لواحدة أو أكثر من العقوبات التالية في حالة المخالفات الأخرى: أ- غرامة لا تقل عن 25 ريالا عمانيا ولا تزيد على 50 ريالا عمانيًا. ب- غرامة استمرارية لا تقل عن (5) ريالات ولا تزيد على (10) ريالات يوميا. ج- السجن لمدة لا تزيد على ستة أشهر حسب جسامة المخالفة. د- قيام البلدية بإزالة المخالفة وتحميل مرتكبيها كافة المصاريف”.
وعلى هذا النحو يفضل أن يتدخل المشرع لتنظيم إسكان العزاب في جميع مناطق السلطنة بما يؤدي إلى ضمان صون أمن المجتمع وحماية الحقوق والحريات، وذلك لسد باب الاجتهاد في هذا الجانب، وكذلك لسرعة التنظيم وتدخل السلطات من جانب آخر لوقف ارتكاب مثل هذه الأفعال بسرعة أكبر.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً