المخاطر المرتبطة بالاعتمادات المستندية
د. عبد القادر ورسمه غالب
تعتمد التجارة الخارجية لحد كبير على تمويل البنوك للاعتمادات المستندية التي تجمع عدة أطراف من عدة أماكن والحبل السري الذي يربط بينهما ويغذيهما يتمثل في تقديم الاعتمادات المستندية التي يتم تمويلها عبر منافذ البنوك التجارية.
ولولا وجود هذه الخدمة المصرفية المتميزة لتأثر، ولحد كبير، دولاب التجارة العالمية بل قد يتوقف لعدم وجود الرابط الذي تتوفر عبره ميكانيكية انسياب الأموال لتحريك السفن والناقلات التي تمخر عبر البحار وعلى ظهرها البضائع المتنوعة لشتى أرجاء المعمورة. وفي حقيقة الأمر، فان البنوك ترصد يوميا مبالغ كبيرة جدا لمقابلة التزامات زبائنها الخاصة بالاعتمادات المستندية المتعلقة بطلباتهم من التجارة العالمية بالتصدير أو الاستيراد.
وعبر هذا النشاط المصرفي، ولثقة الأطراف في تعاملات البنوك، تدور رحي التجارة شرقا وغربا ويجد كل شخص ما يرغب فيه من شتي المصادر والمصانع والمزارع.وهناك، من دون شك، مخاطر عديدة ومتنوعة مرتبطة بالتجارة الخارجية العالمية مما قد يعرض كافة أطرافها من التجار والمنتجين والمستهلكين للعديد من المصاعب والأزمات، وعلى الجميع قبول حدوث مثل هذه المخاطر كأمر واقع مع ضرورة التعايش معها والعمل علي حسن إدارتها لتقليل الخسائر وما قد ينجم عنها من انتكاسات إلى أكبر حد.
ولكن ما يهمنا في هذا المجال الشائك، ليست المخاطر التي تتعرض لها التجارة الدولية وإنما تلك المخاطر الخاصة فقط والمرتبطة بالاعتمادات المستندية المتعلقة بهذه التجارة.
وبالطبع، هناك العديد من المخاطر المرتبطة بالاعتمادات المستندية، التي يجب علي الأطراف العلم بها والعمل علي حسن إدارتها عند حدوثها أو لتلافي حدوثها.
وحسن الإدارة، في هذا الخصوص، قد يتمثل في ذلك التنبؤ أو الاستشعار الأولي “عن بعد” بإمكانية حدوث مثل هذه المخاطر أو بعضها وبالتالي أخذ الحيطة والحذر بوضع شروط أو فقرات احترازية معينة وتضمينها في وثائق الاعتمادات المستندية أو كملاحق إضافية.
هذا مع مراعاة أن تكون هذه الشروط المعنية واضحة ولدرجة كافية تشكل وتوفر الضمان المطلوب لمقابلة المخاطر التي قد تحدث. وهنا يحدث الفرق، وهو كبير جدا، بين من يفكر في المخاطر ويستعد لها ومن لا يهتم بأمر المخاطر ولا يفكر في حدوثها ويتفاجأ بمفاجآتها.
أنواع المخاطر والأخطار التي تحدق بالعمليات المرتبطة بالاعتمادات المستندية عديدة ومتعددة وتشمل حزمة المخاطر التي تعرف في مجملها بـ”المخاطر لاقتصادية و أو التجارية” وهذه المخاطر غالباً ما تتسبب في أو ينتج عن حدوثها خسائر مالية قد تكون كبيرة وتضر بالأطراف والعملية التجارية بينهما.
والمخاطر الاقتصادية تشمل عدة مخاطر مثل تلك المخاطر أو الأخطار التي تنتج عن الحرائق الكبيرة أو السرقة أو الفقدان.. وما يترتب علي هذا من ضياع وفقدان الممتلكات والبضائع والآثار الضارة التي تنجم عن هذا الوضع.
وكذلك فهي تشمل، خطر الزلازل والبراكين وخطر الحروب والمنازعات الخارجية والداخلية… وغير هذا مما يسبب حدوث خسائر كبيرة.
وأغلب هذا النوع من المخاطر يعرف قانونا بالظروف القاهرة “فورس ماجير” أو الكوارث الطبيعية التي تأتي من الطبيعة. وعموما، هذه الفئة تشملها الأحكام العامة في الـ”يو سي بي 600” وتعديلاتها، وهي تشمل تلك الظروف التي قد تحدث من دون علم الأطراف ومن دون أن يكون لهم فيها أي يد، وكذلك لا يستطيع الأطراف ولو اتحدوا إيقافها لأنها خارج عن طاقتهم بل وطاقة كل البشرية في معظم الحالات مثل التسونامي أو الايبولا أو الحروب البغيضة الدائرة في هذه الأيام…
المخاطر الاقتصادية، بصفة عامة، تشمل كل المخاطر التجارية أو غيرها من المخاطر العامة غير التجارية. هذا مع العلم أن بعض المخاطر التجارية قد يتسبب في حدوثها الإنسان بنفسه وأن كان لا يعلم ما يأتي عنها من نتائج، وهل سيؤدي حدوثها إلي حدوث ربح أو خسارة؟.
فعندما يقوم التاجر باستيراد بضاعة لبيعها، ففي هذا مخاطر لأنه قد يحقق أرباحا أو يحقق خسارة من هذا العمل. والمخاطر التجارية، التي يجب التنبه لها، قد تكون “عامة” تنطبق علي الجميع مثل انخفاض أسعار النفط الذي حدث هذه الأيام بصورة مفاجئة وغير متوقعة لهذا الحد.
أو قد تكون مخاطر “خاصة” تتعلق بالأطراف فقط أو بالعملية التجارية الخاصة بهم مثل اختفاء الطائرة التي تحمل البضائع أو المستندات أو الأشخاص. وبالنسبة للاعتمادات المستندية، قد تفلس البنوك المرتبطة مباشرة بهذه العملية أو تتم تصفيتها أو يتم وضعها تحت الحراسة القضائية… أو قد يحدث نفس الشيء للشركات والتجار المرتبطين بالاعتمادات المستندية…
أو قد يحدث ضرر في البضاعة أو المحصول أو المكان موضوع التعاقد… الخ. كل هذا جزء من المخاطر التجارية التي تحدث يوميا، كما يقولون لأرقي العائلات، وبالتالي فمن الطبيعي أن تحدث كذلك للأطراف المرتبطة بالاعتمادات المستندية المعنية أو قد تحدث لأحدهم في أو أثناء أو قبل استلام المستندات أو ما يرتبط بها…
وحدوث أي من هذه المخاطر بالطبع تتضرر منه مباشرة العملية التجارية المعنية ويتضرر منه الأطراف لأن كامل العمل يتوقف تماما في حينه عند حدوث هذه المخاطر، وفي توقفه أضرار جمة لها انعكاساتها على خدمة الاعتمادات المستندية.
وما يهمنا هنا، أن نشير الى أنه بالرغم من إمكانية حدوث مثل هذه المخاطر الاقتصادية والتجارية وغيرها إلا أن الأطراف لا يتناولونها من قريب أو بعيد عند مناقشة تفاصيل الاعتمادات المستندية لاحتمال حدوث أي منها وكيفية إدارتها والاستعداد للتعامل معها.
والاعتمادات المستندية في مجملها تشكل عقدا قانونيا بين الأطراف والعقد شريعة المتعاقدين، ومن حق الأطراف تناوله بحثا ونقاشا و خلافا واتفاقا…. وبعد ذلك يتم وضع فقرات وأحكام العقد، وليس ما يمنع أن يتناول هذا العقد تحديدا كيفية التعامل عند حدوث الإفلاس أو التصفية أو حدوث أي من مسببات الظروف القاهرة أو الكوارث الطبيعية أو الكوارث التجارية كانخفاض الأسعار الحاد وتدخل الحكومات…
وبصفة خاصة، نقول أن الكثير تضرر بسبب الإفلاسات التي اجتاحت بعض البنوك وتضررت منها الالتزامات المتعلقة بالاعتمادات المستندية بسبب عدم التطرق المباشر لكيفية معالجة مثل هذه المستجدات والأخطار…
ومن المستحسن أخذ كل هذه المخاطر في الاعتبار، علي حسب كل منطقة وكل نوع من أنواع التجارة، وإعادة صياغة وثائق الاعتمادات المستندية بطريقة توفر أدني حدود الحماية المطلوبة. وهذا أمر احترازي قد يكون وجوده مفيدا في بعض الحالات…
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً