معاناة استحصال الزوجة لنفقتها مع وجود الحلول القانونية
القاضي سالم روضان الموسوي
إن محاكم الأحوال الشخصية تعد من أكثر المحاكم التي تنظر في القضايا الداخلة في اختصاصها ومنها نسبة كبيرة لدعاوى النفقة التي تقيمها الزوجة على زوجها، ويلاحظ المواطن والمحامي وغيرهم من له صلة في ذلك الأمر، حجم المعاناة التي تصادف تلك الدعاوى عند التحري عن الموارد المالية للزوج لغرض تقدير النفقة للزوجة بما يتناسب ومقدار موارده المالية، ولا تنتهي تلك المعاناة عند إصدار القرار بل تكاد تكون معاناة تنفيذ الحكم القضائي اشد مضاضة على الزوجة، لان الزوج يتعمد إخفاء موارده المالية نكاية بالزوجة ومن ثم تطول مدة استحصال النفقة، وأحياناً ما ينفق على الإجراءات أكثر من مقدار النفقة المقدرة لها في الحكم القضائي، مما يدعو البعض إلى تركها ومن ثم ضياع حق الزوجة فيها ، وعند البحث في هذه المشكلة نجد إن المنظومة القانونية العراقية قد أوجدت الحل وقد أشار إليها تفصيلاً القاضي مدحت المحمود في كتابه الموسوم (شرح قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980 وتطبيقاته العملية) ، لكن السلطة التنفيذية الممثلة بالحكومة وبوزارة العدل لم تلتفت الى تلك النصوص التشريعية مما زادت في معاناة الزوجة والأطفال ووزارة العدل على وجه الخصوص لانها هي من تتولى تنفيذ إحكام القضاء من خلال دوائر التنفيذ المرتبطة بها، والحلول القانونية تنحصر بأربعة تشريعات ما زالت نافذة، إلا إن برئاسة الوزراء ووزارة المالية ووزارة العدل ومعها السلطة التشريعية الممثلة بمجلس
النواب لم تلتفت إلى هذه التشريعات وتفعيلها لإنهاء معاناة الزوجة والأطفال أو على الأقل التقليل من حجم الضرر الناشئ عنها ، وهذه التشريعات التي تعالج كيفية استحصال نفقة الزوجة تتمثل بقانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980 المعدل وثلاث قرارات لمجلس قيادة الثورة المنحل وجميعها ما زالت نافذة ولم تلغى او تعدل وسأعرض لها على وفق الآتي :
1. قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 19809 المعدل وفيه أحكام تتولى تنظيم تنفيذ الأحكام القضائية وبشكل عام ومنها أحكام القضاء المتعلقة بالنفقات وليس لهذه الأحكام اي صفة مميزة سوى جواز حبس المدين بالنفقة المحكوم بها حتى وان كان من الزواج والذين في الديون الأخرى لا يجوز حبسه وعلى وفق أحكام المادة (41/3) من قانون التنفيذ وكذلك جواز حجز الراتب بالنفقة غير المتراكمة مهما بلغت قيمتها حتى وان تعدت خمس الراتب ومنحها صفة الدين الممتاز وعلى وفق أحكام المادة (82/3) من قانون التنفيذ ولا يوجد أي امتياز للنفقة عند التنفيذ سوى ما تقدم ذكره وهذا لم ينهي المعاناة الزوجة والتي تعج دوائر التنفيذ بآلاف الأحكام القضائية المتعلقة بتلك النفقات
2. قرار مجلس قيادة الثورة رقم 253 لسنة 1980 : وفي هذا القرار تم إنشاء صدوق يسمى (صندوق النفقات المؤقتة) يمول من الميزانية العامة، تكون مهمته تسليف المحكوم لهم بنفقة مؤقتة، ويذكر بان محاكم الأحوال الشخصية تقضي أحيانا بنفقات مؤقتة للزوجة أو للأطفال أو لكليهما لغرض تدارك حالة الفاقة أو العوز لأنها من ضرورات العيش واستمرار الحياة خصوصاً إذا كانت الزوجة لا تملك مورد مالي مستقل وإنها ربة
بيت، لكن مما يؤسف له ان اغلب هذه النفقات المؤقتة تكون غير قابلة للتنفيذ بسبب الالتفاف على الوقائع من قبل المدين لذلك فان إنشاء هذا الصندوق كان ضرورة ملحة، لكن مع الأسف لم يفعل لغاية الآن مع وجود الميزانيات الانفجارية الهائلة التي خصصت في العراق ومنذ عام 2003 ولغاية الآن بل لم يلتفت إليها احد لا في وزارة العدل ولا في وزارة المالية ولا مجلس النواب عند مناقشة الميزانية العامة للدولة على الرغم من تنبيه المعنيين لأكثر من مرة وبشكل رسمي وشخصي من خلال اللقاءات الرسمية والودية أو النشر عبر الصحف المحلية , وفي هذا القرار رسم آلية استحصال النفقة المؤقتة حيث تخصص ميزانية لذلك الصندوق من الموازنة العامة ومن ثم يتم تسليف الزوجة المحكوم لها بالنفقة مقدار تلك النفقة ومن ثم تعود دائرة التنفيذ على الزوج بالمطالبة بالوفاء بهذه المبالغ باعتبارها دين من ديون الجولة الممتازة وعلى وفق أحكام المادة (7) من القرار أعلاه كما ان المشرع احتاط لأمر الخداع والاحتيال لاستغلال تلك الفسحة التنفيذية من ضعاف النفوس فوضع عقوبة لهؤلاء تصل إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات، ولم يجعل لها عقوبة بديلة مثل الغرامة وإنما اقتصر الأمر على الحبس وذلك لحماية المال العام ، واعتقد إن تفعيل هذا القرار ليس بحاجة إلى أموال كبيرة أو طائلة وإنما بضعة أرقام سوف تسهم في حل المشكلة وبعد ذلك يتم تدوير المبالغ المستوفاة ونصل إلى حد الاكتفاء والتوقف عن التخصيص من الموازنة العامة.
3. قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 1040 لسنة 1980 : وفي هذا القرار معالجة لكيفية استحصال نفقة الزوجة من الزوج الذي لم يكن (موظفًا او عسكريًا او رجل شرطة او عاملا او متقاعدًا، او ممن يتقاضى راتبًا
اجرًا من الدولة) حيث رسم طريق قانوني وذلك بمضاعفة مبلغ النفقة المحكوم بها إذا لم يسددها في موعدها المحدد له من قبل دائرة التنفيذ وان كرر الامتناع عن الدفع فان أمواله المنقولة وغير المنقولة يتم حجزها وبيعها عن طرق دائرة التنفيذ لاستيفاء مقدار النفقة ومضاعفاتها حتى ولو لم تطلب الزوجة ذلك لان القرار أعلاه جعل من دائرة التنفيذ هي المكلفة بالمتابعة وليس الزوجة وهذا أضفى قوة على الإجراء المتخذ كذلك لا يستطيع الزوج المحكوم بالنفقة من التعلل بان ما لديه من أموال فقط دار السكن لا يجوز بيعها لكن بموجب ذلك القرار فإنها تكون خاضعة لإجراءات الحجز والبيع لان القرار أعلاه هو استثناء من أحكام قانون التنفيذ وانه لاحق على صدوره حيث صدر قانون التنفيذ بتاريخ 2/3/1980 بينما القرار 1040 لسنة 1980 كان قد صدر بتاريخ 29/6/1980 ، لكن في واقع الحال لم أجد تطبيق لهذا القرار وعليه لابد من الالتفات إليه عند التنفيذ ومبادرة وزارة العدل لتفعيله عبر التعليمات التي تصدرها لتطبيقه او لتوجيه دائرة التنفيذ من اجل تخفيف معاناة الزوجة عند تنفيذ حكم النفقة.
4. قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 1239 لسنة 1980 : حيث جاء هذا القرار لمعالجة حالة النفقة المحكوم بها الزوج إلى الزوجة عندما يكون من الموظفين أو العمال او الأجراء في الدولة أو الذين يتقاضون أجور ثابتة ومعلومة من دوائر الدولة، حيث يتم تخصيص مبلغ معين من ميزانية وزارة العدل بعد أن يكون ويودع لدى دائرة التنفيذ بحساب في احد المصارف الحكومية وتتولى رئاسة التنفيذ تسليف مبلغ النفقة المحكوم بها الزوجة إلى الزوجة، ومن ثم تتولى دائرة التنفيذ متابعة استحصالها من راتب
الزوج بالتنسيق مع الدوائر التي يعمل فيها الأزواج وعلى وفق ما جاء في القرار أعلاه، وبذلك تم نقل عبء المتابعة من الزوجة إلى دوائر التنفيذ وفرض غرامة على الموظف المسؤول عن استقطاع النفقة من راتب الزوج المدين في حال تخلفه عن ذلك وجعل من تلك المبالغ دين حكومي للدولة وله صفة الامتياز وقوة التنفيذ.
ومن خلال عرض تلك القوانين والتشريعات النافذة والتي ستسهم كثيرا في حل مشكلة استحصال النفقات للزوجة والأطفال وتقلل من معاناتهم بشكل كبير وتسهم ايضاً في الحفاظ على الأسرة من التفكك والتشرد والانحراف لان العوز قاتل وسبب لا يقاوم عند الميل عن جادة الاخلاق والانحراف عنها، ولا يحتاج الى جهد كبير سوى تفعيل تلك النصوص بمبالغ بسيطة جداً قياساً للموزانات العامة الانفجارية والمليارية ، إلا أن حصيلتها ستكون كبيرة عندما توفر لنا أسرة كريمة في بحبوحة عيش يسيرة نسبياً.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً