إشكالية الطلاق البائن بينونة كبري بحكم قضائي
الطلاق أبغض الحلال عند الله عز وجل ، وهو حق تقرر لرفع الضرر عن طرفي العلاقة الزوجية وخاصة المرأة التي خولت حق طلب الفرقة أو ما يعرف بالتطليق ، لأن الرجل يملك شرعا الطلاق بالارادة المنفردة ، رغم أن القانون رقم 10 لسنة 1984م بشأن الزواج والطلاق قد حاول تقييد هذا الحق ، إلا أن تعارضه مع أحكام الشريعة حال دون تطبيق نص المادة 35 المعنونة ” الطلاق باتفاق الطرفين ” واقتصر دور المحكمة على اثبات الطلقة ، أما إبطال الطلاق فمستحيل شرعا ، وبالتالي قانونا ، وظلت المعالجة القانونية المقررة بموجب النص المشار إليه رهنا بارادة الزوج ورغبته فى ان يتم الطلاق بالتراضي من عدمه ، سواء بحضوره وزوجه او وكيليهما بوكالة خاصة ، وفى حال اتفاقهما ألزمت المحكمة بأن تعين حكمين ممن لهما الخبرة والقدرة على الاصلاح وأهل الثقة بمعرفة الزوجين ليتوليا الإصلاح بينهما .
وعليه فان الزوج يطلق بإرادته المنفردة وفى غيبة الزوجة ودون علمها ، حتى أن البعض منهن فوجئن بالطلاق وهن فى زيارات لاهلهن مما يعد اساءة لهن وفى الوقت ذاته اساءة استخدام الحق أو السلطة التي منحها الله تعالي للزوج ، ومع ذلك لايمكن التغاضي عن الاثار المترتبة على الطلاق وهي أحكام دقيقة مرتبطة باعتبار الانسان والنسب ، ولاختلاف تلك الاثار بحسب عدد الطلقة ؛ فالأولي طلقة رجعية لاينتهي بها عقد الزوجية إلا بانتهاء عدة الزوجة ، والطلقة الثانية هي طلقة بائنة بينونة صغري يمكن فيها للزوج أن يعود لزوجته بعد إبرام عقد زواج جديد ليتحمل مسئولية تهوره وعدم التريث فى اتخاذ قراراته ، اما الطلقة الثالثة فيترتب عليها استحالة عودة الطرفين الى بعضهما ، إلا إذا تزوجت المرأة بآخر لا بقصد ان يكون محلل شرعي لان ذلك مكروه ومنهي عنه .
والواقعة التي حفزتني لكتابة هذا الموضوع أن الزوج طلق زوجته طلقتين وعادا إلى بعضهما ولكنه استمرفى مسلكه السلبي باعتدائه عليها بالضرب وعدم احترامها مما ارغم الزوجة على اللجؤ للقضاء طلبا للفرقة لما لحق بها من ضرر وفشلت مساعي الحكمين ووجد القاضي نفسه مدفوعا لاصدار حكم بتطليقهما مما يتحقق به نظريا الطلقة الثالثة التي تجعل الزوجة محرمة شرعا على الزوج ، والحكم موضوع الحديث لازال منظورا أمام المحكمة الاستئنافية لعدم قبول الزوج بحكم الطلاق ولتمكسه بزوجه وابنائه ورغبته فى اصلاح ذات البين ، لذلك وجدت نفسي اطرح سؤالا . هل حكم قاضي الاحوال الشخصية لاول درجة ؛ الذي لم يكتسب الحجية ولم يصبح عنوانا للحقيقة بحسب القواعد العامة يمكن مخالفته اذا تصالح الزوجان وقبلت الزوجة المتضررة بالتصالح حفاظا على وحدة أسرتها إذا رأت أن هناك أملا فى تحسن سلوك الزوج وشعوره بالندم لتفريطه فى زوجه الصالحة وابنائه ؟ وإنه بتصالحهما لا يرتب الطلاق الذي أوقعه القاضي أثاره لان أطرافه لم يقبلا به .
ومما يوقعنا فى حيرة هذا التخبط بين أحكام قانون الأحوال الشخصية الذي كان يجب أن يكون منسجما مع أحكام الشريعة الاسلامية كي لايخلق ثغرات لا مبرر لها خاصة عندما يتعلق الأمر بحكم الطلاق البائن بينونة كبرى إذا قضت به المحكمة ، أو الزواج بأخرى وفق عقد توافرت فيه الشروط الشرعية ، لذلك فأننا بحاجة ماسة لتعديل هذا القانون وقصر سلطة القاضي على إيقاع الطلاق البائن بينونة صغري بناء على طلب الزوجة فى الأحوال التي يكون فيها طلب الفرقة لسوء العشرة والضرر ، وأن الفرقة التي يوقعها القاضي لا يتكامل بها الطلاق الثالث لأنه لم يصدر عن إرادة حرة للزوج مالم يقبل به صراحة ويعبر عنه … وللحديث بقية بأذن الله تعالي والحمد الله رب العالمين .
اترك تعليقاً