لا يعدّ العقد صحيحاً إلا إذا توافرت أركانه وشرائط صحته، وإذا تخلف ركن من أركان العقد أو شريطة من شرائط صحته ترتب على ذلك الجزاء الذي يقرره القانون. وهذا الجزاء هو إما البطلان ويسمى بالبطلان المطلق، وإما القابلية للإبطال ويسمى بالبطلان النسبي. وقد ينص القانون صراحة على هذا الجزاء، وفي بعض الأحيان يستدل عليه من صياغة النص.
وقد كرس القانون المدني السوري المواد (139 ـ 145) للإبطال والبطلان، وقد جاءت هذه المواد في الفصل الخاص بالعقد، ولكنها تطبق أيضاً على تصرف الإرادة المنفردة.
أولاً ـ ماهية الإبطال والبطلان :
1 ـ تعريف الإبطال والبطلان:
أ ـ تعريف الإبطال: الإبطال هو الجزاء الذي يؤدي إلى انحلال العقد بعد انعقاده، وذلك نتيجة إخلال في ركن الرضا، إما بسبب قصور
الأهلية وإما بسبب عدم سلامة الإرادة لوجود أحد عيوب الرضا، ويمكن أن يكون نتيجة تطبيق نص خاص، كما في بيع ملك الغير الذي يعد قابلاُ للإبطال لمصلحة المشتري، وفقاً لما جاء في المادة (434) من القانون المدني السوري.
ب ـ تعريف البطلان: البطلان هو عدم اكتساب العقد الوجود الاعتباري في نظر القانون، ويكتسب العقد وجوده الاعتباري إذا توافرت
فيه أركان انعقاده. فمجرد توافر الوجود الحسي للعقد ـ ويكون ذلك بمجرد التعبير عن الإرادة ـ لا يؤدي إلى قيامه. فالتعبير عن الإرادة من دون توافر الوجود الاعتباري لا ينعقد به العقد. فالبطلان إذاً هو مفهوم سلبي لأنه يعني عدم الوجود. وبالتالي
فالبطلان هو جزاء يفرض إما نتيجة تخلف ركن من أركان العقد، كالرضا أو المحل أو السبب أو الشكل في العقود الشكلية أو التسليم في العقود العينية، وإما نتيجة اختلال ركن من أركانه، كعدم مشروعية الباعث أو عدم مشروعية المحل أو عدم تعيينه أو
استحالته، أو بموجب نص قانوني يقرر بطلان العقد على الرغم من توافر أركان انعقاده، ومثال ذلك المادة 439 من القانون المدني السوري التي تمنع القضاة من شراء الحقوق المتنازع عليها.
2 ـ التمييز بين الإبطال والبطلان:
في العقد القابل للإبطال يترتب عليه جميع آثاره وذلك حتى يتقرر إبطاله فتزول هذه الآثار؛ وذلك لأن العقد منعقد نتيجة توافر أركانه، ولكن وقع خلل في شرائط صحته مما يهدده بالزوال بعد انعقاده. أما في العقد الباطل فلا يترتب عليه أي آثار؛ وذلك لأنه لم
ينعقد نتيجة تخلف ركن من أركانه أو اختلاله. وإذا تقرر الإبطال فإنه لا يختلف عن البطلان في شيء وذلك لأنه يؤدي إلى زوال آثار العقد بأثر رجعي. ومع ذلك فإن الإبطال يختلف عن البطلان في بعض الخصائص، ويتفق معه في بعضها الآخر.
ويتبين من ذلك أن أساس التمييز بين الإبطال والبطلان يقوم على التفريق بين شرائط صحة العقد وشرائط انعقاده، إذ إن تخلف شرائط الصحة يؤدي إلى إبطال العقد، في حين أن تخلف شرائط الانعقاد يؤدي إلى بطلان العقد. ويرى البعض أن أساس التمييز بينهما يقوم على المصلحة التي يهدف المشرع إلى حمايتها. فإذا كانت المصلحة التي يريد المشرع حمايتها عامة، فإن مخالفة القواعد التي تقرر هذه المصلحة تستوجب البطلان. أما إذا كانت المصلحة التي يرمي المشرع إلى حمايتها خاصة، فإن مخالفة القواعد التي تقرر هذه المصلحة تستوجب الإبطال.
3 ـ التمييز بين الإبطال والبطلان وبين بعض المفاهيم القانونية الآخرى:
أ ـ التمييز بين الإبطال والبطلان وبين الفسخ والانفساخ:
يكون سبب البطلان دائماً مرافقاً لتكوين العقد، فيمنع هذا التكوين. أما إذا انعقد العقد لتوافر شرائط انعقاده وقت تكوين العقد، ثم ظهر ما يستوجب حل الرابطة العقدية لسبب من الأسباب، بعد انعقادها فلا يسمى هذا الحل أو الانحلال بطلاناً، وإن كان
يؤدي إلى النتائج نفسها، وإنما يسمى بحسب الأحوال إما إبطالاً، وإما فسخاً.
والإبطال هو الجزاء الذي يؤدي إلى انحلال الرابطة التعاقدية بعد انعقادها، وذلك بسبب قصور الأهلية أو عدم سلامة الإرادة لوجود أحد عيوب الرضا أو نتيجة لنص خاص.
وأما الفسخ فهو الحق الذي يعطى لأحد المتعاقدين بطلب حل الرابطة التعاقدية إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه. ويختلف عن الانفساخ الذي هو انحلال الرابطة التعاقدية حكماً عندما يستحيل تنفيذ العقد بسبب لا يد للمتعاقد فيه. ويترتب على ذلك
أنه في حالة البطلان يكون العقد معدوماً من الأصل حيث لا ينعقد، في حين أنه في الإبطال والفسخ والانفساخ يكون العقد موجوداً وقائماً. ويترتب على ذلك أن البطلان يتعلق بالنظام العام فيحق لكل من المتعاقدين أن يطلب ذلك، ويمكن للقاضي أن يحكم به من تلقاء ذاته، في حين أنه في الإبطال والفسخ و الانفساخ، المصلحة التي يحميها المشرع هي مصلحة خاصة، فلا يجوز التمسك بها إلا من قبل صاحب المصلحة في ذلك، أي من تقرر ذلك الجزاء لمصلحته. ومن ناحية ثانية يختلف البطلان و الإبطال عن الفسخ والانفساخ من حيث إن الفسخ والانفساخ لا يكونا إلا في العقود الملزمة لجانبين، في حين أن مجال تطبيق البطلان و الإبطال أوسع من ذلك، إذ إنه يشمل جميع التصرفات القانونية الثنائية والأحادية. ويملك القاضي سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ، في حين أنه يجب عليه أن يحكم بالبطلان أو القابلية للإبطال في حال توافر الشروط المطلوبة قانوناً من دون أن يكون له أي سلطة تقديرية في ذلك، باستثناء قابلية الإبطال بسبب الغبن الاستغلالي فهو جوازي أيضاً للقاضي.
ب ـ التمييز بين الإبطال والبطلان وبين عدم السريان:
يتميز الإبطال والبطلان من عدم السريان من حيث إن العقد في حالة البطلان لا ينعقد، وبالتالي تنعدم آثاره فيما بين المتعاقدين ومع الغير. أما في الإبطال فينعقد العقد، ولكن إذا تمسك صاحب الحق في الإبطال بإبطال العقد فيؤدي ذلك إلى زوال آثاره بأثر
رجعي وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد. وأما في حالة عدم السريان، فإن العقد ينتج آثاره فيما بين المتعاقدين، ولكنه لا يرتب أي أثر بالنسبة للغير، كما هو عليه الحال في الصورية، إذ ينتج العقد الحقيقي آثاره فيما بين
المتعاقدين، ولكنه لا ينتج أي أثر بالنسبة للغير فيما إذا رفض التمسك به. وكذلك الحال في إيجار ملك الغير، إذ إنه صحيح فيما بين المتعاقدين منتج لآثاره، ولكنه لا يسري بحق المالك لأنه لم يكن طرفاً في ذلك العقد. و بالتالي يحق له استرداد العين
المؤجرة من المستأجر، فيما إذا كان الأخير قد تمكن من الانتفاع بها، وتأجيرها إلى شخص آخر ويكون عقده هو النافذ. وكذلك الحال في عقد الهبة الصادر من المدين المعسر إضراراً بدائنيه، فإنه يكون صحيحاً ومنتجاً لآثاره فيما بين المتعاقدين، ولكنه لا
يسري بحق دائني المتبرع الذين يحق لهم الطعن فيه بدعوى عدم نفاذ التصرف، أو الدعوى البولصية.
ثانياً ـ خصائص الإبطال والبطلان:
1 ـ خصائص الإبطال: يمتاز الإبطال بالخصائص الآتية:
أ ـ الإبطال يقبل التجزئة: القاعدة العامة هي أن العقد كل لا يتجزأ، فإذا لحق به سبب من أسباب الإبطال فيبطل كله. ولكن
قد يتضمن العقد شرائط عدة، وقد يرتب التزامات عدة، ويلحق الإبطال بعض هذه الشرائط أو الالتزامات، فعندئذ لا يبطل العقد كله، وإنما يبطل الجزء الذي لحقه الإبطال منه، ويبقى الجزء الآخر صحيحاً شريطة أن تكون نية المتعاقدين قد اتجهت إلى مثل هذه
التجزئة. أما إذا كان الجزء الذي لحق به الإبطال هو الدافع للتعاقد فيبطل العقد كله. وهذا ما كرسته المادة (144) من القانون المدني السوري. فإذا اشترى شخص آن يتين معتقداً أنهما أثريتان، ثم تبين بعد ذلك أن إحداهما أثرية والآخرى ليست كذلك فيحق للمشتري أن يطالب بإبطال العقد، بسبب الغلط الذي وقع فيه، فيما يخص الآنية غير الأثرية، ويبقي على العقد فيما يخص الآنية الأثرية، ما لم يتبين أن المشتري ما كان ليتعاقد من غير الآنية التي وقع عليها الغلط، عندئذٍ يبطل العقد بأكمله. ويقع عبء
إثبات ذلك على المشتري نفسه. ويؤدي تجزئة الإبطال إلى انتقاص العقد، ولا يكفي من أجل تجزئة العقد أن يكون محله قابلاً للتجزئة، وإنما يشترط أن تتجه نية المتعاقدين إلى هذه التجزئة. وبالمقابل إذا تبين أن محل العقد غير قابل للتجزئة، وكان العقد في شق منه قابلاً للإبطال، فإن العقد كله يبطل. كما لو اشترى شخص عربة مع حصان، ثم بعد ذلك نفق الحصان بسبب مرض أصيب به قبل العقد، ولم يعلم البائع المشتري بذلك.
ب ـ لا يستفيد من الإبطال إلا المتعاقد الذي شرع الإبطال لحماية مصالحه: قرر القانون الإبطال لحماية المصالح الخاصة
للمتعاقدين، وبالتالي لا يحق التمسك به إلا للمتعاقد الذي تقرر الإبطال لحماية مصالحه الخاصة، ولا يحق ذلك للمتعاقد الآخر. وقد قرر القانون الإبطال إما لحماية مصالح ناقص الأهلية، وإما لحماية مصالح من شاب إرادته عيب من عيوب الإرادة. وعندما يكون الإبطال بموجب نص قانوني خاص، يحدد هذا النص المتعاقد الذي شرع الإبطال لحماية مصالحه، كالمشتري في بيع ملك الغير وفقاً لما جاء في المادة (434) من القانون المدني السوري. ويجب على الشخص الذي تقرر الإبطال لمصلحته أن يتمسك به أمام محكمة الموضوع، ولا يحق له أن يتمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، زد على ذلك أنه لا يحق للمحكمة الناظرة في الدعوى أن تثير الإبطال من تلقاء نفسها. والحق في الإبطال هو حق مالي، وبالتالي فهو ينتقل إلى الخلف العام لصاحب الحق فيه عن طريق الميراث أو الوصية، كما أنه يجوز لخلفه الخاص أن يتمسك به، وكذلك يجوز لدائنيه أن يتمسكوا به عن طريق الدعوى غير المباشرة، وكذلك يجوز لنائبه القانوني أن يتمسك به نيابة عنه. ويترتب على ذلك أن دعوى الإبطال يمكن أن ترفع من الشخص الذي تقرر الإبطال لحماية مصلحته، أو من نائبه القانوني، أو خلفه العام، أو خلفه الخاص، أو دائنيه.
ج ـ الإبطال يزول بالإجازة: يكون العقد القابل للإبطال منعقداً، وبالتالي ينتج جميع آثاره القانونية. ولكنه مهدد بالزوال فيما لو تمسك صاحب الحق بالإبطال بحقه. ولكن هذا الأمر جوازي له، فهو الذي يقرر ما إذا كانت مصلحته تكمن في إبطال العقد أو في الإبقاء عليه. ويترتب على ذلك أنه يحق لصاحب الحق في الإبطال أن يجيز العقد، فيزول حقه في إبطاله وفقاً لما نصت عليه المادة (140) من القانون المدني السوري. والإجازة هي تصرف إرادة منفردة تؤدي إلى زوال الحق في إبطال العقد، واستقرار العقد استقراراً نهائياً. وبالتالي يشترط لصحة الإجازة أن يكون المجيز عند الإجازة عالماً بأن له الحق في إبطال العقد وأن تتجه
إرادته إلى النزول عن حقه في إبطال العقد، وأن تكون الإجازة نفسها سليمة من أسباب قابلية الإبطال، وبالتالي يشترط لصحة الإجازة زوال السبب الذي أدى إلى إبطال العقد، كما يشترط أن تتوافر في المجيز الأهلية القانونية اللازمة لإبرام العقد الذي يجيزه.
ويمكن أن تكون الإجازة صريحة، ولا يشترط فيها لفظ معين، وإنما تقع بأي لفظ أو بيان يدل عليها من دون لبس أو غموض. كما يمكن أن تكون الإجازة ضمنية تستخلص من العمل الذي يقوم به صاحب الحق في الإبطال، كأن يقوم مثلاً وهو عالم بحقه في إبطال العقد بتنفيذ التزاماته الناجمة عن ذلك العقد، أو أن يقوم المشتري في بيع ملك الغير بالتصرف بالمبيع وهو يعلم بحقه في إبطال ذلك البيع. ويقع عبء إثبات الإجازة على المتعاقد غير المجيز، ويحق له إثباتها بجميع وسائل الإثبات. ويترتب على الإجازة
سقوط الحق في الإبطال، واستقرار العقد، وينقلب صحيحاً منذ تاريخ انعقاده.
ويجب عدم الخلط بين الإجازة والإقرار. فالإجازة تصدر من المتعاقد صاحب الحق في إبطال العقد الذي يحدده المشرع، أما الإقرار فهو أيضاً تصرف إرادة منفردة، ولكنه يصدر من شخص أجنبي عن العقد يقصد به إضافة آثار ذلك العقد إليه، كما في بيع ملك
الغير، الذي يعد قابلاً للإبطال لمصلحة المشتري، وغير نافذ بحق المالك الحقيقي إلا إذا أقره، وفقاً لما ذهبت إليه المادتان 434 و435 من القانون المدني السوري.
د ـ الإبطال يسقط بالتقادم: يسقط حق الإبطال بالتقادم. ومدة التقادم هي سنة تبدأ من تاريخ زوال نقص الأهلية، أو تاريخ
اكتشاف الغلط أو التدليس، أو يوم زوال الإكراه. وإذا لم يتم اكتشاف الغلط أو التدليس، أو لم يزل الإكراه فإن حق الإبطال يسقط بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ انعقاد العقد، وفقاً لما جاء في المادة (141) من القانون المدني السوري. وفي الغبن الاستغلالي تبدأ هذه المدة من تاريخ انعقاد العقد، وفقاً لما نصت عليه المادة (130) من القانون نفسه؛ وذلك لأن هذه المدة هي مدة سقوط، وليست مدة تقادم، وبالتالي لا يسري عليها الوقف ولا الانقطاع. ولا يجوز لصاحب الحق في الإبطال التمسك به بعد سقوط هذا الحق بالتقادم لا عن طريق دعوى أصلية ولا عن طريق الدفع في دعوى قائمة، وذلك لصراحة نص المادة (141/1) من القانون المدني السوري، وذلك لأن العقد ينقلب صحيحاً بانقضاء مدة التقادم. ولكن محكمة النقض الفرنسية قررت أن دعوى البطلان النسبي ـ أي الإبطال ـ تسقط بالتقادم، ولكن الدفع بالبطلان النسبي لا يسقط بالتقادم حتى لو كانت الدعوى قد سقطت بالتقادم، وذلك لأن القول بغير دلك يؤدي إلى إجبار المدين على تنفيذ عقد باطل ولو كان البطلان نسبياً، وهذا الأمر يجافي العدالة.
هـ ـ يحتاج الإبطال إلى حكم قضائي بالإبطال: في حالة الإبطال يكون العقد منعقداً ومنتجاً لآثاره؛ وذلك لأن جميع أركانه متوافرة، إلا أن أحد هذه الأركان أصيب بخلل، وهو ركن الرضا، مما يجعل العقد قابلاً للإبطال بعد انعقاده وبالتالي تكون آثاره مهددة بالزوال. ويتبين من ذلك أن الفرق بين العقد القابل للإبطال والعقد الصحيح هو أن كليهما ينتج آثاره من لحظة انعقاده، ولكن آثار
العقد القابل للإبطال مهددة بالزوال بأثر رجعي، في حين أن آثار العقد الصحيح غير قابلة للزوال. ولكن هذا الفرق يزول عندما يسقط الحق بالإبطال، سواء بالإجازة أم بالتقادم، إذ إن آثاره تصبح غير قابلة للزوال. ويترتب على ذلك أن الإبطال لا يقوم
بذاته، وإنما يحتاج إلى حكم قضائي، ولا تستطيع المحكمة أن تثيره من تلقاء ذاتها، وإنما يتوقف الحكم به على طلب صاحب الحق فيه. وإذا طالب هذا الأخير بإبطال العقد، وكانت شرائط الإبطال متوافرة فلا يملك القاضي أي سلطة تقديرية، وإنما يلزم الحكم
بإبطال العقد ما لم ينص القانون صراحة على أن الإبطال هو جوازي بالنسبة للقاضي، ومثال ذلك إبطال العقد بسبب الغبن الاستغلالي، إذ إن المادة (130/1) نصت صراحة على أن إبطال جوازي للقاضي في هذه الحال.
2 ـ خصائص البطلان:
أ ـ البطلان يقبل التجزئة: يتفق البطلان مع الإبطال في أنه يقبل التجزئة أيضاً. فإذا كان العقد في شق منه باطلاً، فإن هذا الشق وحده يكون باطلاً ما لم يتبين أن العقد ما كان لينعقد من دون الشق الذي وقع باطلاً، فعندئذٍ يكون العقد بأكمله باطلاً، وفقاً لما نصت عليه المادة (144) من القانون المدني السوري. ومثال ذلك عقد القرض بفائدة تزيد على الحد المسموح به وهو 9%، فيبطل الحد الزائد وتخفض الفائدة إلى ذلك الحد وفقاً لما جاء في المادة 228/1 من القانون المدني السوري. وفي البقاء على الشيوع لا يجوز الاتفاق أكثر من خمس سنوات، وما زاد فهو باطل وبالتالي تنقص المدة إلى ذلك الحد طبقاً لما ذهبت إليه
المادة (788) من القانون نفسه. وفي ملكية الأسرة لا يجوز الاتفاق على إنشائها مدة تزيد على خمس عشرة سنة، وفي حال الاتفاق على مدة أطول تخفض إلى ذلك الحد وفقاً لما نصت عليه المادة (807/1) من القانون نفسه.
ب ـ العقد الباطل لا يقبل الإجازة: وذلك لأن الباطل معدوم، والعدم لا ينقلب وجوداً بالإجازة، ولأن البطلان من النظام العام،
والإجازة لا تهدم النظام العام. وهذا ما أكدته المادة (142/1) من القانون المدني السوري عندما نصت على أن البطلان لا يزول بالإجازة. زد على ذلك أن البطلان هو حق لكل ذي مصلحة، وبالتالي لايحق لأحد المتعاقدين أن يجيز العقد الباطل لأن الإجازة في
مثل هذه الحال تؤدي إلى إهدار حقوق بقية الأشخاص ذوي المصلحة في التمسك بالبطلان.
ولكن القول إن الإجازة لا ترد على العقد الباطل لا يمنع من إعادة إبرام العقد من جديد بعد تلافي سبب بطلانه. وفي مثل هذه الحال ينعقد عقد جديد لا صلة له بالعقد الباطل، وينتج آثاره من تاريخ انعقاده.
ج ـ البطلان لا يصححه التقادم ولكن الدعوى بالبطلان تتقادم: البطلان هو عدم، والعدم لا تدب فيه الحياة بمرور الزمن، وبالتالي فإن التقادم لا يصحح البطلان. وإنما تسقط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد، وفقاً لما جاء في المادة (142/2) من القانون المدني السوري. ولا يعني ذلك أن العقد الباطل انقلب صحيحاً، وإنما يبقى العقد باطلاً ولكن يتعذر المطالبة
ببطلانه بموجب دعوى أصلية بعد مرور خمس عشرة سنة على تاريخ انعقاده. ولكن بالمقابل فإن الدفع بالبطلان لا يتقادم أبداً، ويمكن إثارة بطلان العقد عن طريق الدفع مهما طال الزمن، وذلك لأن التقادم لا يبدأ إلا من وقت تمكن صاحب الحق من مباشرته، والدفع لا يمكن مباشرته إلا بعد الدعوى. فمثلاً لو رفع أحد المتعاقدين دعوى بعد خمس عشرة سنة مطالباً بتنفيذ عقد باطل فيحق للآخر الدفع ببطلانه ولو بعد مرور خمس عشرة سنة على تاريخ انعقاده.
د ـ يقع البطلان بحكم القانون: العقد الباطل هو باطل قانوناً لأنه عدم ولا يترتب عليه أي أثر، وبالتالي فإن تقرير البطلان لا يتوقف على حكم القاضي، وذلك لأن القانون هو الذي قرر البطلان. وبالتالي يحق لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته الناشئة عن عقد باطل. وإذا طالب أحد المتعاقدين الآخر بتنفيذ التزاماته فيحق لهذا الأخير أن يدفع مطالبته ببطلان العقد. ففي عقد البيع الباطل يحق للبائع أن يمتنع عن تنفيذ التزامه بتسليم المبيع، كما يحق له أن يتصرف بالمبيع بموجب عقد آخر حتى قبل أن يتقرر بطلان العقد الأول، وذلك لأن المبيع لم ينتقل إلى المشتري في العقد الباطل، وإنما يبقى في ملك البائع.
أما إذا قام أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته قبل أن يعلم ببطلان العقد فيحق له بعد ذلك أن يرفع دعوى ببطلان العقد، خلال مدة خمس عشرة سنة من وقت العقد، ويطلب استرداد ما قام بتنفيذه. كما يحق لمن له مصلحة في البطلان أن يطالب ببطلانه بموجب دعوى حتى قبل تنفيذ التزاماته، وذلك عندما يكون سبب البطلان فيه خفاء، وبالتالي يرجع ذلك إلى السلطة التقديرية للقاضي، كأن يكون سبب البطلان مخالفة النظام العام أو الآداب العامة. وحكم القاضي الصادر في دعوى البطلان هو كاشف وليس منشئاً للبطلان.
هـ ـ البطلان حق لكل ذي مصلحة: يحق لكل ذي مصلحة التمسك بالبطلان، وللمحكمة أن تحكم به من تلقاء ذاتها، وفقاً لما ذهبت إليه المادة (142/1) من القانون المدني السوري. ويقصد بالمصلحة هنا المصلحة التي تستند إلى حق يؤثر فيه بطلان العقد. وبالتالي البطلان هو حق لكلا المتعاقدين، إذ إنه يحق حتى للمتعاقد الذي لم يتصل به سبب البطلان أن يطالب به، كما لو كان البائع مجنوناُ فيحق للمشتري أيضاً أن يطالب ببطلان العقد لأن له مصلحة في استرداد الثمن. وكذلك يحق للخلف العام لكلا المتعاقدين أن يطالب ببطلان العقد، كما يحق التمسك بالبطلان للخلف الخاص لكلا المتعاقدين، ويحق أيضاً لدائني كل من المتعاقدين أن يتمسكوا بالبطلان بموجب دعوى مباشرة بأسمائهم لا عن طريق الدعوى غير المباشرة، وذلك لأن لهم
مصلحة في المحافظة على الضمان العام لمدينهم. كما يحق للغير أن يطالب ببطلان العقد إذا كانت له مصلحة مشروعة ببطلانه ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسبب البطلان، فالجار يحق له أن يطالب ببطلان عقد بيع منزل مجاور له إذا كان المشتري قد خصصه للدعارة. ولكن لا يحق له المطالبة ببطلان العقد ـ إذا كان سببه عدم جدية الثمن ـ من أجل التخلص من مشترٍ لم ينسجم معه، لأن مصلحته هنا لا ترتبط بسبب البطلان ارتباطاً وثيقاً. زد على ذلك أنه يحق للمحكمة أن تثير البطلان من تلقاء ذاتها، لأنه يتعلق
بالنظام العام الذي يهدف إلى حماية المصلحة العامة. ويحق لصاحب المصلحة في التمسك بالبطلان أن يتمسك به في أي مرحلة من مراحل الدعوى، حتى لو لأول مرة أمام محكمة النقض وفقاً للاجتهاد الفقهي.
ثالثاً ـ آثار الإبطال والبطلان:
1 ـ آثار الإبطال والبطلان بين المتعاقدين:
ينعقد العقد القابل للإبطال وينتج آثاره من وقت انعقاده، ولكن هذه الآثار مهددة بالزوال إذا تمسك صاحب الحق في الإبطال بحقه وطالب بإبطال العقد. وإذا تقرر الإبطال فتزول آثار العقد بأثر رجعي. أما العقد الباطل فلا ينعقد، وبالتالي لا يترتب عليه أي آثار، وهو لا يعد تصرفاً قانونياً، وإنما هو واقعة قانونية، و يتبين من ذلك أنه لا فرق بين العقد الباطل والعقد القابل للإبطال الذي تقرر إبطاله من حيث الآثار، فيترتب على كليهما إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، وهذا هو المبدأ. ولكن يرد على ذلك استثناءات عديدة حيث يترتب معها بعض آثار العقد الصحيح على العقد الباطل ولا بد من ذلك أن يكون هناك نص يكرس هذا الاستثناء صراحة أو ضمناً.
أ ـ المبدأ: إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد: إذا كان العقد باطلاً أو قابلاً للإبطال وتقرر إبطاله يجب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، طبقاً لما جاء في المادة (143/1) من القانون المدني السوري. ويسهل تطبيق هذا المبدأ في حال عدم تنفيذ الالتزامات الناشئة من العقد الباطل أو القابل للإبطال، أما إذا تم تنفيذ هذه الالتزامات، فكل متعاقد يقوم باسترداد ما أداه. ففي عقد البيع الباطل يقوم البائع باسترداد المبيع والمشتري باسترداد الثمن، ولكن قد يستحيل في بعض الحالات ـ كما في العقود المستمرة ـ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فعندئذٍ يحكم بتعويض عادل. ففي عقد الإيجار الباطل يستحيل على المؤجر استرداد المنفعة من المستأجر، لذا يحكم على هذا الأخير بتعويض معادل على أساس الإثراء بلا سبب لمصلحة المؤجر. وقد كان القانون الروماني يستثني من هذا المبدأ حالة بطلان العقد لعدم مشروعية المحل أو السبب إذا كان من يطالب بالبطلان قد تلوث بسبب البطلان لأنه لا يجوز له أن يتمسك بغشه كي يطالب ببطلان العقد واسترداد ما أداه. وقد طبق القضاء الفرنسي هذه القاعدة على الرغم من عدم تكريس التقنين المدني لها صراحة، ثم ما لبث
أن قصر القضاء الفرنسي نطاق تطبيق هذه القاعدة على العقود المخالفة للآداب العامة فقط، وذلك نتيجة الانتقادات التي وجهت إلى هذه القاعدة، وأهمها أنها تؤدي إلى تأكيد آثار العقد الباطل، وتعطيل مفعول البطلان. فإذا اتفق رجل مع امرأة على ممارسة
علاقات جنسية غير مشروعة مقابل مبلغ من المال، ثم تقرر بعد ذلك بطلان العقد لمخالفته للآداب العامة، فلا يحق للرجل استرداد ما دفعه لأنه ملوث بسبب البطلان.
ويلاحظ من خلال ذلك أن هذه القاعدة لا تمنع من رفع دعوى البطلان والحكم به، وإنما تمنع المتعاقد الملوث بالبطلان من استرداد ما أداه. ولم يكرس القانون المدني السوري هذه القاعدة، وبالتالي مبدأ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد يطبق حتى لو كان العقد مخالفاً للآداب العامة وكان أحد المتعاقدين أو كلاهما ملوثاً بالبطلان. ولكن كان حرياً بالمشرع تكريس هذه القاعدة، على أن يتم مصادرة ما يحكم باسترداده لمصلحة الخزينة العامة، أو لمصلحة جمعية خيرية على غرار ما أخذت به بعض القوانين الغربية.
ب ـ الاستثناءات على مبدأ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد: ترد على الأثر الرجعي للبطلان و الإبطال
استثناءات عدة، أهمها:
ـ عقد الزواج غير الصحيح: تخضع أحكام الزواج لقانون الأحوال الشخصية، وأحكام المذهب الحنفي، والزواج الباطل لا ينتج حكمه
الأصلي من حل الاستمتاع الزوجي، واستحقاق المرأة النفقة الزوجية، ولا يثبت فيه التوارث. أما الزواج الفاسد، وهو باطل غير منعقد، كالزواج من دون شهود، إذا حصل فيه دخول يترتب عليه بعض أحكام الزواج الصحيح وهي خمسة آثار، وهي: استحقاق المرأة للمهر (مهر المثل على ألا يزيد على المهر المسمى)، والنسب بجميع نتائجه، وحرمة المصاهرة، ووجوب عدة الفراق على المرأة، ونفقة العدة للمرأة.
ـ تجزئة البطلان والإبطال: إذا كان العقد في شق منه باطلاً أو قابلاً للإبطال فإن هذا الشق وحده يبطل ما لم يتبين أن العقد ما كان لينعقد من دون الشق الباطل أو القابل للإبطال، فعندئذٍ يبطل العقد برمته، وفقاً لما ذهبت إليه المادة (144) من القانون المدني السوري.
ـ تحول العقد: إذا كان العقد باطلاً أو قابلاً للإبطال، وتقرر إبطاله فيؤدي ذلك إلى زواله بأثر رجعي. ولكن قد يتضمن هذا العقد، بعدّه واقعة مادية عناصر عقد آخر، عندها يخرج هذا العقد الصحيح من العقد الباطل أو القابل للإبطال. وبمعنى آخر يتحول العقد الباطل إلى عقد صحيح. ويعود أصل هذه النظرية إلى القانون المدني الألماني، وكرسها القانون المدني السوري في المادة (145) منه. ومثال ذلك تحول سند السحب أو السفتجة الباطلة التي لم تتوافر فيها الشروط المطلوبة قانوناً إلى سند عادي صحيح، وكذلك تحول عقد البيع في سند رسمي إذا ثبت بطلانه بسبب صورية السبب إلى عقد هبة. ويشترط من أجل تطبيق نظرية تحول العقد توافر الشروط الآتية: أن يكون التصرف الأصلي باطلاً، وأن يتضمن التصرف الأصلي عناصر تصرف آخر، وأن تتجه
إرادة المتعاقدين المحتملة إلى التصرف الآخر، ويستخلص ذلك من ظروف الحال.
ـ التنفيذ الاختياري للهبة الباطلة شكلاً: إذا كانت الهبة باطلة لعدم توافر الشكلية التي يتطلبها القانون، ومع ذلك قام الواهب أو ورثته بتنفيذها طوعاً فلا يحق لهم بعد ذلك أن يطالبوا باسترداد ما سلموه، وفقاً لما نصت عليه المادة (457) من القانون المدني السوري. ولا يعني ذلك أن الهبة انقلبت صحيحة، وإنما ينشأ عن تنفيذ الهبة الباطلة بسبب عدم توافر الشكلية المطلوبة
لانعقادها طوعاً التزام طبيعي يمنع من قام بالتنفيذ من استرداد ما سلمه.
ـ نظرية الخطأ عند تكوين العقد: وقال بهذه النظرية الفقيه الألماني ايهرنج ، ومفادها أن العقد يرتب ـ إضافة إلى الالتزامات الناشئة عنه ـ على كل من المتعاقدين التزاماً بتعويض المتعاقد الآخر عن الضرر الذي يلحق به بسبب بطلان العقد إذا كان هو السبب في بطلان العقد من دون علم المتعاقد الآخر بذلك. ويؤدي البطلان إلى زوال العقد، ولكن التزام التعويض يبقى. وبالتالي تكون مسؤولية المتعاقد الذي تسبب ببطلان العقد عن تعويض الضرر الذي لحق بالمتعاقد الآخر مسؤولية عقدية مستمدة من العقد الباطل ذاته، كما لو باع شخص شيئاً هالكاً لا علم للمشتري به. ولكن هذه النظرية مهجورة، وهذا لا يعني أن المتعاقد الذي تسبب ببطلان العقد لا يسأل عن تعويض الضرر الذي لحق بالمتعاقد الآخر، وإنما يكون مسؤولاً عن ذلك، ولكن بما أن العقد غير موجود يكون التعويض على أساس المسؤولية التقصيرية. ويشمل التعويض الضرر الفعلي فقط أي ما لحق المتعاقد من خسارة جراء بطلان العقد المذكور، ولا يدخل في ذلك ما فاته من كسب. ولكن لولا وجـود هذا العقد لما ترتب الحق بالتعويض. ويعد العقد
واقعة مادية ألحقت ضرراً بالغير.
ومن تطبيقات هذه المسؤولية في القانون المدني السوري لجوء ناقص الأهلية إلى طرق احتيالية لإخفاء نقص أهليته، ومن ثم تمسك بحقه في إبطال العقد بسبب نقص أهليته، فإذا أدى إبطال العقد إلى إلحاق ضرر بالمتعاقد الآخر يحق له المطالبة بالتعويض إذا تبين أن تلك الطرق كانت دافعة إلى التعاقد. ويكون الحكم بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية، إذ إن اللجوء إلى طرق احتيالية يعدّ خطأ يستوجب التعويض إذا نجم عنه ضرر. ومثال الطرق الاحتيالية استعمال شهادة ميلاد أو بطاقة هوية شخصية مزورة، وكذلك الحال إذا تمسك المشتري ـ في بيع ملك الغير ـ بحقه في إبطال العقد استناداً إلى المادة (436) من القانون المدني السوري، وأدى ذلك إلى إلحاق ضرر به يحق له مطالبة البائع بالتعويض عن ذلك الضرر شريطة أن يكون حسن النية. وتقوم مسؤولية البائع سيئ النية على أساس الخطأ، أما البائع حسن النية فتقوم مسؤوليته على أساس تحمل التبعة. وهي مسؤولية تقصيرية في الحالتين.
ـ حيازة الشيء محل العقد: إذا قام المتعاقدان بتنفيذ التزاماتهما الناشئة عن عقد باطل أو قابل للإبطال، ثم تقرر إبطاله، ونجم عن ذلك انتقال حيازة الشيء محل العقد من متعاقد إلى الآخر، فقد تؤدي هذه الحيازة في بعض الحالات إلى اكتساب الحائز حقاً على الشيء يمنع من إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد. ومن ذلك اكتساب الحائز حسن النية ملكية الثمار طبقاً لما نصت عليه المادتان (186/1 و929) من القانون المدني السوري، وكذلك اكتساب الحائز ملكية المنقول أو العقار غير المسجل بالسجل العقاري الذي يحوزه نتيجة عقد باطل بالتقادم الطويل، وفقاً لما جاء في المادة (917) من القانون المدني السوري.
ـ إبطال العقد بسبب نقص الأهلية: إذا تقرر إبطال العقد بسبب نقص الأهلية فإن ناقص الأهلية لا يلزم إلا رد ما عاد عليه من منفعة نتيجة تنفيذ العقد، طبقاً لما جاء في المادة (143/2) من القانون المدني السوري فإذا باع ناقص الأهلية شيئاً يملكه، كجهاز هاتف نقال، وقبض ثمنه بعد أن سلم المبيع للمشتري كامل الأهلية، ثم بعد ذلك تمسك ناقص الأهلية بحقه في إبطال العقد نتيجة نقص أهليته، وصدر حكم بإبطاله، فيترتب على ذلك أن ناقص الأهلية يسترد المبيع كاملاً، ولكنه لا يلزم إلا رد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ ذلك العقد. فإذا كان ناقص الأهلية قد أنفق جزءاً من الثمن على نزواته وأهوائه، وأنفق الجزء الآخر على تعليمه فلا يلزم إلا رد الجزء الأخير لأن ذلك عاد عليه بمنفعة محتسبة قانوناً. ويقصد بالمنفعة هنا المنفعة الفعلية، سواء تمثلت في إشباع حاجة مادية، كالمأكل والملبس، أم تمثلت في إشباع حاجة معنوية، كالتعليم والتدريب. والتزام ناقص الأهلية الرد في مثل هذه الحال يكون على أساس الإثراء بلا سبب. ويبدو من ظاهر نص المادة (143/2) أن تطبيقه يقتصر على ناقص الأهلية، وهو القاصر والسفيه وذو الغفلة بعد شهر قرار الحجر عليهما. ولكن نص هذه المادة هو تطبيق لقاعدة عامة، نصت عليها المادة (187) من القانون المدني السوري، مفادها إذا كان من تسلم غير المستحق لا تتوافر فيه أهلية التعاقد فلا يلتزم إلا رد ما أثرى به. وبالتالي فإن حكم المادة (143/2) يشمل أيضاً عديم الأهلية. ويقع عبء إثبات أن ناقص الأهلية قد انتفع من الأداء الذي تلقاه بسبب العقد الذي تقرر إبطاله على المتعاقد الآخر.
ـ حالات آخرى يرتب القانون فيها على العقد الباطل آثاره الأصلية كاملة:
وهنا يكون العقد الباطل منشئاً للحقوق والالتزامات التي ينشئها في حال صحته وذلك ضماناً لاستقرار التعامل، وصيانةً للحقوق المكتسبة، ومن أشهر الأمثلة على ذلك عقد الشركة الذي يعد باطلاً إذا لم يكن مكتوباً، وفقاً لما نصت عليه المادة (475) من القانون المدني السوري. ومع ذلك تبقى آثاره سارية وفقاً لشروطه المتفق عليها بين المتعاقدين إلى أن يطلب أحدهما بطلانه، ولا يسري البطلان بأثر رجعي. وتسمى هذه الحال بـالشركة الواقعية أو الفعلية، وهذا ما أكدته المادة (4) من قانون الشركات رقم 3 تاريخ 13/3/2008، والنافذ بدءاً من 1/4/2008. وكذلك الحال في العقد الصوري، حيث إنه بالنظر إلى الإرادة الحقيقية غير موجود، ولكنه يعد موجوداً بالنسبة للغير حسن النية الذي تعامل مع أحد الطرفين إذا تمسك به.
2 ـ أثر الإبطال والبطلان في الغير:
يقصد بالغير هنا كل شخص تلقى حقاً مالياً على الشيء محل العقد الباطل أو العقد القابل للإبطال الذي تقرر إبطاله سواء بعوض أم على سبيل التبرع. وبمعنى آخر يقصد بالغير الخلف الخاص للمتعاقدين. فإذا كان العقد باطلاً أو قابلاً للإبطال، وتقرر إبطاله، ثم تبين أن أحد المتعاقدين قد تصرف بالشيء الذي تلقاه نتيجة ذلك العقد إلى شخص آخر، فهل تطبق قاعدة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد على الغير في مثل هذه الحال؟
أ ـ المبدأ: سريان أثر البطلان أو الإبطال على الغير: الأصل أن أثر قاعدة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد في حالتي بطلان العقد وإبطاله لا يقتصر على المتعاقدين وحدهما، وإنما يسري على الغير أيضاً الذي يكون قد تلقى حقاً على الشيء محل ذلك العقد من أحد المتعاقدين. والسبب في ذلك هو أن المتعاقد الذي تصرف للغير بذلك الشيء يكون قد تصرف
بشيء لا يملكه؛ لأن بطلان العقد أو إبطاله يستلزم إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد. فإذا كان عقد البيع باطلاً، ثم تبين أن المشتري في ذلك العقد قد تصرف بالمبيع إلى مشترٍ ثانٍ، فمن مقتضى قاعدة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد أن يتمكن البائع من استرداد المبيع من المشتري الثاني. ولكن هذا المبدأ يؤدي إلى عدم استقرار التعامل؛ لذلك فقد أورد المشرع استثناءات عدة عليها.
ب ـ الاستثناءات: أورد المشرع والقضاء استثناءات عدة على مبدأ سريان أثر بطلان العقد وإبطاله على الغير، وبالتالي أضفى
حماية عليه من نتائج البطلان أو الإبطال. وتقوم حماية الغير في مثل هذه الحال على تحقيق استقرار التعامل، وترسيخ الأمان القانوني، ورعاية الثقة المشروعة بين المتعاقدين. وهذه الاستثناءات هي:
1 ـ حماية الغير الذي اكتسب حقاً عينياً على عقار بحسن نية: إذا اشترى شخص عقاراً بموجب عقد، وانتقلت ملكية العقار إلى
اسمه في قيود السجل العقاري، ثم بعد ذلك باع المشتري العقار من مشترٍ ثانٍ وانتقلت ملكية العقار إلى المشتري الثاني بالتسجيل في السجل العقاري، ثم رفع البائع الأول دعوى ببطلان عقد البيع الأول أو بإبطاله وقيد دعواه على صحيفة العقار في السجل العقاري بعد انتقال ملكية العقار إلى المشتري الثاني في السجل العقاري، فإن الحكم ببطلان العقد أو بإبطاله لا يسري على المشتري الثاني مادام حسن النية، وهذا ما أكدته المادة (13) من القرار 188 لعام 1926. ويستمد المشتري الثاني حقه من قيود السجل العقاري وفقاً لما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض السورية. ويبدو أن محكمة النقض السورية قد خالفت هذا الاجتهاد المستقر في قرار صادر عنها حديثاً، إذ جاء فيه:
«وحيث إن تملك المدعى عليهم للعقار استناداً إلى ملكية يعقوب الباطلة فإن ملكيتهم للعقار تكون باطلة لأن أثر البطلان لا يقتصر على المتعاقدين بل يجاوزهما إلى الغير. وحيث إنه لا يسوغ للغير أن يتذرع بمفعول القيد العقاري ما دام هناك شوائب تشوب
القيد العقاري ولا مجال للاحتجاج بحسن نية المدعى عليهم…». ويعدّ هذا القرار مخالفة صارخة لنص المادة (13) من القرار 188 لعام 1926، ولاجتهادات الهيئة العامة لمحكمة النقض في هذا الخصوص، مما يضفي عليه صفة الخطأ الجسيم. ويجب على المحكمة المحال عليها الملف بعد نقض حكمها عدم التقيد بهذا القرار نتيجة مخالفته لاجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض، ولأحكام المادة (13) المشار إليها أعلاه.
2 ـ حماية الغير الذي يحوز منقولاً مادياً بحسن نية: إذا تصرف أحد المتعاقدين بالشيء الذي تلقاه بسبب عقد باطل أو قابل للإبطال للغير بموجب تصرف قانوني، وانتقلت حيازة الشيء للغير، فإن هذا الأخير يكتسب ملكية الشيء إذا كان يجهل وقت حيازته سبب بطلان العقد الأول أو إبطاله استناداً إلى القاعدة التي تقول إن الحيازة في المنقول سند الحائز، والتي تكرسها المادة 927/1 من القانون المدني السوري.
3 ـ عقود الإدارة: إذا رتب المتعاقد على عقار ـ تلقاه نتيجة عقد باطل أو قابل للإبطال ـ إيجاراً بحسن نية في الفترة الممتدة
بين انعقاد العقد ورفع دعوى البطلان أو الإبطال، فيبقى عقد الإيجار صحيحاً على الرغم من إبطال عقد المؤجر مادام من أعمال الإدارة الحسنة، وأن مدة الإيجار لا تتجاوز ثلاث سنوات.
4 ـ حماية الغير الذي يتلقى حقاً من وارث ظاهر: يضفي القضاء الحماية على الغير الذي يتعاقد مع وارث ظاهر، ويبقي على تصرفات هذا الأخير على الرغم من ظهور الوارث الحقيقي، وذلك شريطة أن يكون الوارث الظاهر حسن النية، أي لا يعلم وقت تعاقده مع الغير بوجود وارث آخر يحجبه.
1 نوفمبر، 2019 at 1:02 م
السلام عليكم ورحمة الله
طيب ماهي شروط البطلان والابطال انا لدي المشكلة التالية
قام اخوتي ببيع منزل امي المتوفية بدون توقيعي على العقد وانا وزوجة ابي واختي غير موافقين عليه ولا على قيمة البيع المكتوبة بلعقد ..هل يحق لي ابطال العقد واعادة الامور الى ما كانت عليه؟