الطعن 6573 لسنة 55 ق جلسة 30 / 12 / 2009 مكتب فني 55 – 56 ق 25 ص 233
السادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة:
1 – إدوارد غالب سيفين عبده.
2 – سامي أحمد محمد الصباغ.
3 – أسامة محمود عبد العزيز محرم.
4 – محمد البهنساوي محمد الرمام.
5 – حسن عبد الحميد البرعي.
6 – علي محمد الششتاوي إبراهيم.
7 – حمادة مكرم توفيق محمد.
——————
(25)
جلسة 30 من ديسمبر سنة 2009
الطعن رقم 6573 لسنة 55 القضائية عليا
(الدائرة السادسة)
( أ ) قانون – الأثر الرجعي والأثر الفوري للنص القانوني – القانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز التي تقع تحت سلطانه، أي في الفترة ما بين تاريخ العمل به وإلغائه – يسري القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز التي تقع أو تمت بعد نفاذه، ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع أو المراكز القانونية التي تقع وتتم قبل نفاذه إلا بنص صريح يقرر الأثر الرجعي.
(ب) قرار إداري – رقابة مشروعيته – مشروعية القرار الإداري توزن بمجموع النصوص القانونية الحاكمة والظروف والأوضاع القائمة وقت صدوره، دون تلك التي تطرأ بعد ذلك – العبرة في كون القرار صحيحًا أو غير صحيح هي بكونه كذلك وقت صدوره لا بما يجد بعد ذلك من نصوص أو وقائع من شأنها أن تغير وجه الحكم عليه.
(جـ) دعوى – دعوى الإلغاء – طلب وقف تنفيذ القرار – لا تعارض بين القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه متى قامت موجباته من توفر ركني الجدية والاستعجال، وإحالة أوراق الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية بعض النصوص المراد تطبيقها على موضوع النزاع – لكل من القضاءين مجاله الذي لا يختلط بالآخر.
(د) دعوى – دعوى الإلغاء – طلب وقف تنفيذ القرار – يكفي لتوفر ركن الجدية أن تكون النصوص القانونية التي استند إليها القرار المطعون عليه مشكوكًا في دستوريتها بحسب الظاهر من الأوراق ودون تغلغل في الموضوع، أو يرجح في نظر المحكمة أنها غير دستورية، مما يرجح معه الحكم بعدم دستوريتها، ومن ثم بإلغاء القرار المطعون فيه عند نظر الموضوع.
(هـ) ولاية – الولاية التعليمية للطفل المحضون – الولاية على النفس والولاية على المال ثابتتان للعَصبة من الرجال، أما الحضانة فولاية للتربية غايتها فقط الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه – كان المستقر عليه قبل صدور القانون رقم 126 لسنة 2008 بتعديل قانون الطفل أن وجود الولد في يد الحاضنة سواء قبل بلوغه سن انتهاء الحضانة أو بعدها لا يغل يد والده عنه ولا يحد من ولايته الشرعية عليه، وترتيبًا على ذلك كان للأب قبل صدور القانون المذكور حق اختيار نوع التعليم الذي يختاره لولده المشمول بولايته (1).
المواد المطبقة:
– أحكام القانون رقم (25) لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية، معدلاً بالقانون رقم (100) لسنة 1985.
– المادة (54/ 2) من قانون الطفل، الصادر بالقانون رقم (12) لسنة (1996)، المعدل بموجب القانون رقم (126) لسنة 2008.
– حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 164 لسنة 19 القضائية دستورية بجلسة 3/ 7/ 1999.
الإجراءات
في يوم الاثنين الموافق 12/ 1/ 2009 أودع الأستاذ/… المحامي تقريرًا بالطعن، جرى قيده بقلم كتاب هذه المحكمة بالرقم الموضح بصدر هذا الحكم، مقررًا الطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (دائرة الإسماعيلية) في الدعوى رقم 20499 لسنة 13ق بجلستها المعقودة بتاريخ 16/ 11/ 2008، القاضي منطوقه بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في الموضوع.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن – للأسباب الواردة به – (أصليًا): الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم والقرار محلي الطعن، مع تنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان، وفي الموضوع بإلغاء الحكم والقرار موضوع الطعن، مع ما يترتب على ذلك من آثار، و(احتياطيًا): إحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 54 من قانون الطفل المعدلة بالقانون رقم 126 لسنة 2008، أو تكليف الطاعن بإقامة الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا على النحو المقرر قانونًا بالمادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا.
وجرى إعلان الطعن إلى المطعون ضدهم، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، خلصت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعن المصروفات.
ونظرت دائرة فحص الطعون الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وفي جلستها المعقودة بتاريخ 5/ 5/ 2009 قررت إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة (موضوع) لنظره أمامها بجلسة 1/ 7/ 2009.
وإذ نظرت الدائرة السادسة (موضوع) الطعن المائل بجلستها المعقودة بتاريخ 1/ 7/ 2009 فقد قررت تأجيل نظره إلى جلسة 2/ 7/ 2009 مع تكليف كلا الطرفين بتقديم مذكرة حول الدفع بعدم دستورية المادة 54 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 معدلاً بالقانون رقم 126 لسنة 2008، وبجلسة 2/ 7/ 2009 أودع الطاعن مذكرة اختتمها بطلب الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وبوقف الدعوى للطعن بعدم دستورية النص المذكور، وأودعت المطعون ضدها مذكرة اختتمها بطلب الحكم برفض الطعن، وقررت المحكمة تأجيل نظر الطعن إلى جلسة 8/ 7/ 2009 للإطلاع.
وبجلسة 8/ 7/ 2009 قررت المحكمة تأجيل نظر الطعن إلى جلسة 7/ 10/ 2009، وأمهلت الطاعن مدة غايتها ثلاثة أشهر اعتبارًا من جلسة الأربعاء 8/ 7/ 2009 لإقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستورية المادة 54/ 2 من قانون الطفل معدلاً بالقانون رقم 126 لسنة 2008 فيما تضمنته من أن تكون الولاية التعليمية للحاضن.
وبجلسة 7/ 10/ 2009 أودع الطاعن حافظة طويت على شهادة رسمية من جدول المحكمة الدستورية العليا تفيد بأن الطاعن أقام أمام المحكمة الدستورية الدعوى رقم 1670 لسنة 31 القضائية دستورية بتاريخ 2/ 8/ 2009، يطعن فيها بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 54 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 معدلاً بالقانون رقم 126 لسنة 2008، وبجلسة 28/ 10/ 2009 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 8/ 11/ 2009، ومُدَّ أجل النطق بالحكم به إلى جلسة 2/ 12/ 2009 ثم إلى جلسة 9/ 12/ 2009 ثم إلى جلسة 23/ 12/ 2009 ثم إلى جلسة اليوم 30/ 12/ 2009، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
ومن حيث أن الطاعن يطلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وبوقف الدعوى إلى حين الفصل في دستورية المادة 54 من قانون الطفل معدلاً بالقانون رقم 126 لسنة 2008.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فإن المحكمة تقضي بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 25/ 9/ 2006 أقام الطاعن الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون عليه بإيداع عريضتها ابتداءً أمام محكمة شرعي أسرة بندر الزقازيق قيدت بجدولها برقم 7405 لسنة 2006، طالبًا في ختامها الحكم بإلحاق ابنته/ هبة بالصف الثاني الابتدائي بالتعليم الأزهري بالزقازيق، وإلزام المدعى عليها الأولى (المطعون ضدها الأولى) المصروفات.
وأسس المدعى دعواه على سند من أن المدعى عليها الأولى هي مطلقته وحاضنة ابنتها الصغيرة/ هبه، التي أمضت مرحلة الحضانة في مدرسة اللغات التجريبية، ثم ألحقتها الحاضنة بمدرسة… الخاصة للغات، وأنه يرغب في إلحاق ابنته بالتعليم الأزهري، وترفض الحاضنة ذلك، رغم حصوله على أمر على عريضة يلزمها تقديم الصغيرة للاختبار الذي تقرر إجراؤه لإلحاقها بالتعليم الأزهري، لكنها امتنعت عن تنفيذ هذا الأمر وحالت ببينه وبين إلحاق ابنته بالتعليم الذي يرغبه لها.
وفي جلستها المعقودة بتاريخ 27/ 3/ 2007 حكمت تلك المحكمة بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالإسماعيلية التي أحيلت إليها الدعوى – بعد تأييد الحكم استئنافيا – ، وقيدت بجدولها العام تحت رقم 2099 لسنة 13 ق وجرى تداولها أمامها، حيث أبدى المدعي (الطاعن) طلباته الختامية بعريضة معلنة، وهي وقف تنفيذ وإلغاء قرار الجهة الإدارية السلبي بالامتناع عن تحويل انه/ هبة من الصف الرابع الابتدائي بمدرسة…. الابتدائية الخاصة بالزقازيق إلى نفس الصف الدراسي بالمعهد الأزهري الابتدائي لغات النموذجي بمدينة الزقازيق، وما يرتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان.
وفي جلستها المعقودة بتاريخ 16/ 11/ 2008 قضت محكمة القضاء الإداري (دائرة الإسماعيلية) في الدعوى بحكمها المطعون عليه القاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وألزمت المدعي المصروفات، وألزمت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة الإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.
وأسست المحكمة قضاءها المذكور على أن المادة 54/ 2 من قانون الطفل رقم 12/ 1996 معدلة بالقانون رقم 126 لسنة 2008 تقضي بأن تكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، وأنه لما كانت المدعي عليها (المطعون ضدها الأولى) هي حاضنة الطفلة، ولم تقدم بطلب التحويل المحضونة إلى المعهد الأزهري ولا ترغب في ذلك، وأن طلب التحويل جرى تقديمه من المدعي (الطاعن) الذي هو والد الطفلة وليس حاضنا لها؛ فإن قرار رفض هذا الطلب يكون متفقًا من حيث الظاهر من الأوراق وأحكام القانون، وينتفي بذلك ركن الجدية ي طلب وقف تنفيذه بما لا حاجة معه إلى استظهار ركن الاستعجال، وعليه أصدرت المحكمة قضاءها المتقدم المطعون عليه.
ومن حيث إن الطاعن لم يرتض ذلك القضاء فأقام الطعن الماثل ناعيا على الحكم الطعين:
(أولا) أخطأ في فهم القانون وتطبيقه من حيث تطبيقه لقاعدة قانونية لا تنطبق على واقعات الدعوى الصادر فيها الحكم، ذلك أن واقعات الدعوى الصادر فيها الحكم الطعين تعود إلى عام 2005 حينما استصدر الطاعن أمرًا على عريضة يتضمن إلزام المطعون ضدها الأولى تقديم الطفلة/ هبة للامتحان المقرر أداؤه بالمعهد الأزهري النموذجي بالزقازيق لإلحاقها به، ثم أقام دعواه – الصادر فيها الحكم المطعون عليه – بإيداع عريضتها بتاريخ 25/ 9/ 2006، و لم يكن في هذا التاريخ قد صدر بُعد القانون رقم 126 لسنة 2008 بتعديل قانون الطفل الذي أقامت المحكمة قضاءها استنادًا إليه، بل كان يحكم النزاع القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 2005، وكان يتعين إعمال أحكام هذا القانون بحسبانه الواجب التطبيق، وليس قانون الطفل المعدل الذي صدر في 15/ 6/ 2008 متضمنًا معنى جديدًا للولاية وجعلها للمرأة الحاضنة, ومن ثم فإن الحكم المطعون عليه خالف أحكام القانون عندما طبق قانونًا على واقعات بأثر رجعي ما كان ينبغي أن يكون هو القانون المطبق عليها، وهو بذلك أهدر الحقوق المكتسبة للطاعن وأخل بالقواعد الدستورية التي جعلت تقرير رجعية القوانين رهينًا بنص خاص في قانون، أي جعل هذه الرخصة التشريعية الاستثنائية ذات الخطر البالغ من اختصاص السلطة التشريعية وحدها.
(ثانيًا) مخالفة القانون رقم 1216 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الذي شيدت عليه المحكمة حكنها الطعين أحكام الدستور في المواد: 2 و9 و10 و11 و12 منه التي جعلت مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وأوجبت على الدولة أن تكفل الحفاظ على الطاعن الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد كما تكون الأسرة التي هي أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق الوطنية، وألزمت الدولة كذلك أن تعمل على التمكين للتقاليد المصرية الأصيلة والتراث التاريخي للشعب؛ ذلك أن قانون الطفل المعدل إذ تقل الولاية التعليمية على الطفل من وليه الطبيعي إلى الحاضنات من النساء فقد خالف أصلا من الأصول الراسخة والمفاهيم المستقرة في الشريعة الإسلامية ولدى المجتمع، وعصف بحق الأب كولي طبيعي في أن يحدد مصير أبناءه وطريقة تكوينهم وإعداد ثقافتهم، وعليه خلص الطاعن إلى الحكم بآليات المذيل بها تقرير الطعن.
– ومن حيث إنه عما ينعاه الطاعن على الحكم الطعين من الخطأ في تطبيق القانون لاستناده إلى نص قانوني لا يحكم واقعة النزاع وإعماله هذا النص بأثر رجعي على وقائع اكتملت عناصرها قبل صدوره فهو نعي سديد؛ ذلك أن قانون بوجه عام يحكم الوقائع والمراكز التي تقع تحت سلطانه، أي في الفترة ما بين تاريخ العمل به وإلغائه، وهذا هو مجال تطبيقه الزمني، ويسري القانون الجديد بأثره المباشر على الوقائع والمراكز التي تقع أو تمت بعد نفاذه، ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع أو المركز التي تقع وتتم قبل نفاذه، ولا يسري بأثر رجعي على الوقائع أو المركز القانونية التي تقع وتتم قبل نفاذه إلا بنص صريح يقرر الأثر الرجعي، وعليه فإن مشروعية القرار الإداري إنما توزن بمجموع النصوص القانونية الحاكمة والظروف والأوضاع القائمة وقت صدوره، دون تلك التي تطرأ بعد ذلك، بحيث ينظر في تقدير مشروعية القرار إلى الملابسات التي أحاطت به وقت وصدوره ومدى تأثيرها في تصرف جهة الإدارة حين ذاك، فإن كانت تبرر هذا التصرف وتقضي ماديًا وقانونيًا إلى النتيجة التي انتهت إلهيا جهة الإدارة كان القرار سليمًا وقائمًا على سببه الصحيح وإلا كان معيبًا، إذ العبرة في كون القرار صحيحًا أو غير صحيح هي بكونه كذلك وقت صدوره لا بما يجدُّ بعد ذلك كم نصوص أو وقائع من شأنها أن تغير وجه الحكم عليه، فلا يسوغ في مقام الحكم على مشروعية القرار ومدى سلامته جعل أثر للظروف أو النصوص اللاحقة المستجدة ينعطف على الماضي لإبطال قرار صدر صحيحًا أو تصحيح قرار صدر باطلاً في حينه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن ابنة الطاعن كانت مقيدة بالمستوى الثاني رياض الأطفال في العام الدراسي 2004/ 2005 بمدرسة الزقازيق التجريبية للغات بنات التابعة لإدارة غرب الزقازيق التعليمية، واجتازت هذه السنة بنجاح وأصبحت مؤهلة للانتقال إلى المرحلة الابتدائية من التعليمي الأساسي، وطلب الطاعن من إدارة هذه المدرسة الموافقة على نقلها على الصف الأول الابتدائي بالتعليم الأزهري بمعهد الزقازيق الأزهري النموذجي, حيث حصل على موافقة هذا المعهد لإلحاق ابنته به, وإزاء رفض هذه المدرسة تمكين الطاعن من سحب أوراق ابنته وإلحاقها بالصف الأول الابتدائي بالتعليم الأزهري بالزقازيق فقد وجه إنذارًا على يد محضر بتاريخ 13/ 7/ 2005 إلى المدرسة التجريبية للغات بالزقازيق, أشار فيه إلى أنه الولي الطبيعي لابنته, وأنه يرغب في توجيهها إلى التعليم الأزهري وإلحاقها بالصف الأول الابتدائي بهذا التعليم اعتبارًا من العام الدراسي 2005/ 2006, وطلب تمكينه من سحب أوراقها لتقديمها إلى المعهد الديني الأزهري النموذجي للغات بالزقازيق الذي حدد يومي 20 و21/ 7/ 2005 موعدًا لمقابلة الابنة, غير أن إدارة المدرسة استعصمت برفضها وامتنعت عن الموافقة على تحويل ابنة الطاعن إلى المعهد الأزهري النموذجي بالزقازيق, وتمسكت تلك المدرسة والإدارة التابعة لها بقرارها برفض الموافقة على تحويل ابنة الطاعن رغم أن الإدارة العامة للشئون القانونية (إدارة الفتوى والتشريع) بوزارة التربية والتعليم أعدت مذكرة في الموضوع – بناء على شكوى الطاعن – خلصت فيها إلى حق الأب باعتباره الولي الطبيعي في اختيار نوع التعليم ومستواه الذي يرغب فيه لأبنائه, حتى ولو كان الابن في حضانة الأم ما دام أنه اختار مدرسة تقع في محل إقامة الحاضنة, وأشار هذا الإفتاء إلى فتوى إدارة الفتوى لوزارات التربية والتعليم بمجلس الدولة رقم 178 بتاريخ 14/ 3/ 2005 ملف رقم 18/ 21/ 560, وإلى فتوى جار الإفتاء المصرية رقم 31/ 166 في 26/ 1/ 2004 المتضمنتين أن الأب هو صاحب الولاية الكاملة على الصغير, وله السلطة على أبنائه في اختيار المدارس والتعليم وأي شئ يتعلق بالصغير, حتى وإن كان في حضانة الأم التي لها الرعاية والاعتناء بالصغير (حافظة مستندات الطاعن المقدمة أمام القضاء الإداري بجلسة 19/ 10/ 2008), وهو الأمر الذي لجأ معه الطاعن إلى إقامة دعواه الصادر فيها الحكم المطعون عليه بإيداع عريضتها بتاريخ 25/ 6/ 2006, مختصما قرار الجهة الإدارية برفض تحويل ابنته إلى التعليم الأزهري الذي يرومه لها.
فالحاصل هديا بما تقدم أن قرار امتناع الجهة الإدارية المطعون ضدها عن الموافقة على تحويل ابنة الطاعن إلى التعليم الأزهري كان قبل صدور القانون رقم 126 لسنة 2008 بتعديل قانون الطفل الذي جعل الولاية التعليمية على الطفل المحضون للحاضنة, أما عند صدور ذلك القرار المطعون عليه واكتمال عناصره فكان المستقر عليه في ظل أحكام القانون رقم 25 لسنة 1929 معدلا بالقانون 100 لسنة 1985 أن الولاية كاملة على النفس تكون للأب ومن بعده الجد سواء قبل بلوغهما سن انتهاء الحضانة أو بعدها – وعلى ما تضمنته المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 100 لسنة 1985 – لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما, فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبر أمورهما, وولايته عليهما كاملة, وإنما يد الحاضنة للحفظ والتربية والقيام بالضروريات التي لا تحتمل التأخير (1), وقد تواترت في ظل ذلك أحكام المحكمة الدستورية العليا المؤكدة على أن الولاية على النفس والولاية على المال ولايتان ثابتتان للعَصبة من الرجال, أما الحضانة فهي ولاية للتربية غايتها فقط الاهتمام بالصغير وضمان رعايته والقيام على شئونه التي لا يستغنى فيها عن النساء ممن لهم الحق في تربيته شرعًا. (في هذا المعنى حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 164 لسنة 19 القضائية دستورية بجلسة 3/ 7/ 1999 + مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ج9 ص 328).
ومن حيث إنه ومن جماع ما تقدم فإن القرار المطعون عليه حين صدور لم يكن يظاهره سند من نصوص القانون أو أحكام المحاكم أو إفتاء جهات الإفتاء القانونية أو الشرعية, الأمر الذي يصمه – من حيث الظاهر من الأوراق ــ بعيب مخالفة القانون، فضلا عن إساءة استعمال السلطة والانحراف بها؛ إذ في الوقت الذي امتنعت فيه الجهة الإدارية عن قبول تحويل ابنة الطاعن بناء على طلبه إلى المعهد الأزهري النموذجي بالزقازيق حال كونه الولي الطبيعي على ابنته وله الحق الكامل في ممارسة هذه الولاية عليها، وأخص مظاهرها في هذه المرحلة اختيار نوع التعليم الذي يختاره لابنته المشمولة بولايته، في هذا الوقت تستجيب إلى طلب الحاضنة وتوافق بناء على رغبتها على تحويل الابنة المحضونة إلى إحدى المدارس الخاصة للغات وهي مدرسة… الخاصة للغات بالزقازيق في ذات العام الدراسي 2005/ 2006، حيث ألحقتها الحاضنة بالصف الأول الابتدائي بهذه المدرسة الخاصة.
ولما كان الأمر كذلك، وكان الظاهر من الأوراق أن القرار أن القرار المطعون عليه صدر مخالفًا لأحكام القانون عاصفًا بالولاية الشرعية الثابتة للطاعن، مهدرًا حقه في اختيار نوع التعليم الذي يرومه لابنته، فإن ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ ذلك القرار يغدو متوفرًا، لاسيما وأن رغبة الطاعن في إلحاق ابنته بالتعليم الأزهري لتتعارض ولا تنال من حق الحاضنة (المطعون ضدها الأول) في ممارسة حقها في الحضانة؛ إذ إن الظاهر إذ إن الظاهر من الأوراق أن المعهد الأزهري النموذجي للغات يقع في ذات المدينة التي تقيم فيها الحاضنة ومعها محضونتها الصغيرة، فضلاً عن نوع الدراسة المتميزة التي يلقاها التلاميذ في مثل هذه المعاهد الأزهرية النموذجية للغات، كما أنه لا ريب في توفر ركن الاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه والمتمثل في المساس بحق الطاعن وابنته فيس الالتحاق بالتعليم الأزهري في الوقت المناسب الذي تستطيع فيه الطفلة متابعة الدروس ذات الطبيعة الخاصة التي ليس لها نظير في التعليم العام، هذا فضلاً عن أن البادي من قواعد التحويل إلى المعاهد الأزهرية – المرفقة بالأوراق – أنه لا يتسني قبول التلاميذ في هذه المعاهد إذا ما تجاوز التلميذ الصف الأول الإعدادي، حيث يشترط لقبول التحويل أن يكون التلميذ مقيدا في أي من فرق المرحلة الابتدائية أو الصف الأول الإعدادي، الأمر الذي يتوفر معه ركن الاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وإذ بلغت الطفلة نجله الطاعن الصف الرابع الابتدائي حاليا، ومقتضى ما سلف أن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه قام على سنده المبرر له قانونا، وتوفر له ركناه، الأمر الذي يتعين معه القضاء بوقف تنفيذه، وما يترتب على ذلك من آثار.
وإذ ذهب الحكم المطعون عليه إلي غير هذا المذهب فإن المحكمة تقضي بإلغائه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إلحاق ابنة الطاعن بمعهد الزقازيق الأزهري النموذجي للغات في ذات الفرقة الدراسية التي بلغتها حاليا في التعليم الخاص بمدرسة… بالزقازيق.
– ومن حيث أنه لا ينال من هذا القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه أن هذه المحكمة – بهيئة مغايرة – سبق أن صرحت للطاعن بإقامة دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا طعنا على ما تضمنه القانون رقم 126 لسنة 2008 بتعديل قانون الطفل من عقد الولاية التعليمية على الطفل المحضون لحاضنته، حيث أقام فعلا الدعوى الدستورية رقم 167 لسنة 31 القضائية دستورية بإيداع عريضتها قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 2/ 8/ 2009؛ ذلك أن أحكام مجلس الدولة سواء أحكام محكمة القضاء الإداري أو أحكام المحكمة الإدارية العليا ما انفك استقرارها على أنه لا تعارض بين القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه متى قامت موجباته من توفر ركني الجدية والاستعجال، وإحالة أوراق الدعوى إلي المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريه بعض النصوص المراد تطبيقها على موضوع النزاع؛ إذا لكل من القضاءين مجاله الذي لا يختلط بالآخر، فالأول خاص بالطلب المستعجل وهو يقوم على ركني الجدية والاستعمال ومتى توافرا قضي بوقف تنفيذ القرار، بل إنه يكفر لتوفر ركن الجدية أن تكون النصوص القانونية التي استند إليها القرار المطعون عليه – بحسب الظاهر من الأوراق ودون تغلغل في الموضوع – مشكوكا في دستوريتها، أو يرجع في نظر المحكمة أنها غير دستورية مما يرجع معه الحكم بعدم دستوريتها، ومن ثم بإلغاء القرار المطعون فيه عند نظر الموضوع؛ أما الثاني فخاص بالفصل في موضوع الدعوى، وهو طلب إلغاء القرار المطعون عليه، وذلك يتوقف على الفصل في المسألة الدستورية.
(يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2743 لسنة 29 القضائية عليا، بجلسة 4/ 3/ 1984، مجموعه المبادئ التي قررتها هذه المحكمة السنة 29 العدد الثاني ص 791).
– كما لا ينال من ذلك القضاء أن خصومة الطعن الماثل مقصورة على الطلب العاجل فقط؛ ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الطعن أمامها يثير المنازعة برمتها أمام هذه المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون، ثم تنزل حكم القانون على المنازعة التي كانت مطروحة على المحكمة الصادر عنها الحكم الطعين، وإذ كان طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه يرتبط ارتباطا جوهريا بطلب الإلغاء فهو فرع من طلب الإلغاء، ولا يتسنى قبوله إذا أبدي منفردا عن طلب الإلغاء، ومن ثم فإن الفصل في مدى دستورية النصوص المقام بشأنها من الطاعن الدعوى الدستورية رقم 167 لسنة 31 القضائية دستورية المشار إليها، إنما ينصب أثره على طلب الإلغاء لدى نظره للفصل فيه من محكمة القضاء الإداري الصادر منها الحكم المطعون عليه.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بالمادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون عليه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وما يترتب على ذلك من آثار على النحو الموضح بالأسباب، وألزمت المطعون ضدهم من الثاني حتى السادس المصروفات.
(1) باستقراء نصوص القانون رقم (25) لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية والقوانين المعدلة له تبين خلوها من نص يحدد صراحة من له حق الولاية التعليمية على الطفل المحضون، وإن كانت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (100) لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام القانون المذكور قد ذكرت أن “… كما أن وجود الولد ذكرًا كان أو أنثى في يد الحاضنة… لا يغل يد والدهما عنهما، ولا يحل من ولايته الشرعية عليهما، فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبير أمورهما، وولايته عليهما كاملة، وإنما يد الحاضنة للحفظ والتربية، ولها القيام بالضروريات التي لا تحتمل التأخير كالعلاج أو الإلحاق بالمدارس بمراعاة إمكانيات الأب”.
كما خلا قانون الطفل الصادر بالقانون رقم (12) لسنة 1996 لدى إصداره من مثل هذا النص، حتى صدر القانون رقم (126) لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون الطفل، ونص على أن يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة (54) منه النص التالي: “وتكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى يرفع أي من ذوي الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة، بصفته قاضيًا للأمور الوقتية، ليصدر قراره بأمر على عريضة، مراعيًا مدى يسار ولي الأمر، وذلك دون المساس بحق الحاضن في الولاية التعليمية”.
وهذه الفقرة محل طعن أمام المحكمة الدستورية العليا بالقضية رقم (167) لسنة 31 ق دستورية – كما أشار الحكم في حيثياته – ، ولما يفصل فيها حتى إعداد هذه المجموعة.
وكان نص هذه الفقرة قبل استبدالها: “ولا يجوز لصاحب العمل إعاقة الطفل أو حرمانه من التعليم الأساسي، وإلا عوقب بالحبس…”.
يلاحظ أن المنازعة الماثلة ذاتها كانت محل الطلب إبداء رأي بشأنها أمام قسم الفتوى بمجلس الدولة, وقد أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع فتوى فيها (رقم 249 بتاريخ 4/ 5/ 2009 ملف رقم 58/ 1/ 175) اعتدت فيها بنص المادة (54) من قانون الطفل بعد تعديلها بموجب القانون رقم (126) لسنة 2008, وانتهت إلى أنه لا اجتهاد في مورد النص, وأن الفصل في طلبات الشاكي ينعقد لرئيس محكمة الأسرة المختصة بصفته قاضيًا للأمور الوقتية, بموجب قرار يصدره على أمر على عريضة.
اعادة نشر بواسة محاماة نت .
اترك تعليقاً