ان الشخص الطبيعي لا يكون في كل الاحوال ذو موطن معلوم بحيث يمكن تبليغه بشكل يسير، اذ يمكن ان يكون الشخص المراد تبليغه مجهول محل الاقامة أو ليس له موطن معلوم يمكن مخاطبته عن طريقه، مما يقتضي الامر في هذه الحالة ان تتخذ اجراءات خاصة من اجل الحاق العلم لذلك الشخص، من هنا سعت التشريعات الى اتخاذ السبل الكفيلة والتي تهدف الى اعلام المراد تبليغه بما يتخذ ضده من اجراءات وذلك عن طريق ورقة التبليغ، كل ذلك ينبع من حرص هذه التشريعات الى تحقيق ضمانات كافية لذلك الشخص متمثلة بوجوب تبليغه بالشكل المقرر، ولئلا يشك ذلك الشخص بالإجراءات المتخذة ضده فيما بعد. لقد بين المشرع العراقي(1).كيفية تبليغ الشخص الذي ليس له محل اقامة أو مسكن معلوم أو لم يكن موجوداً، حيث يتم تبليغه عن طريق النشر في صحيفتين يوميتين تصدر من منطقة المحكمة أو اقرب منطقة لها ان لم يكن في منطقة المحكمة صحيفة تصدر، كل ذلك بعد تحقق المحكمة والاستفسار من جهة ذات اختصاص عن مجهولية إقامة أو مسكن المطلوب تبليغه، ويعد تاريخ النشر المتأخر تاريخاً للتبليغ، ويجوز اذاعة التبليغ بواسطة وسائل الاعلام الأخرى. تجدر الإشارة ان تبليغ مجهول الاقامة بطريق النشر كان قد اقتصر على النشر في الجريدة الرسمية، الا انه تقرر العودة الى النص الذي كان معمولاً به قبل صدور القرار الذي كان ينص على التبليغ بطريق النشر بالجريدة الرسمية، فاصبح النشر في صحيفتين محليتين، واذا ما نشر الاعلان في صحيفتين فان تاريخ النشر الثاني هو المعول عليه في احتساب المدد(2).
ان التبليغ الموجه بطريق الصحف لا يكون إلا بعد التأكد على وجه اليقين من مجهولية محل إقامة المطلوب تبليغه، اذ لا عبرة بالتأويلات في هذا المجال وإلا كان ذلك التبليغ باطلاً، وبهذا الصدد جاء في قرار لمحكمة استئناف بغداد بصفتها التمييزية(3). “لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً، ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد انه صحيح وموافق للقانون لان عدم وجود المدعى عليه في الدار عند اجراء التبليغ لاول مرة لا يعني الاتجاه الى تبليغه بواسطة الصحف لان التبليغ بهذه الطريقة يتم اذا تأييد ان المطلوب تبليغه مجهول الاقامة وهذا غير متحقق في حالة المدعى عليه وكان على المبلغ العودة ثانية لاجراء التبليغات وحيث ان التبليغ بالانذار بهذا الوصف يشوبه عيب الابطال استناداً لاحكام المادة (27) من قانون المرافعات المدنية فهو لا يصلح ان يكون سبباً لإقامة الدعوى مما يجعلها واجبة الرد وهو ماقضت به محكمة الموضوع بقرارها المميز لذلك قرر تصديقه…“.
كما جاء في قرار لمحكمة استئناف نينوى بصفتها التمييزية(4).”لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية لذا قرر قبوله شكلاً، ولدى النظر في الحكم المميز فقد وجد انه غير صحيح ومخالف للقانون لصدوره قبل اكمال التحقيقات اللازمة لحسم الدعوى ذلك لان المدعى عليه/ المميز/ قد تبلغ بعريضة الدعوى حسب عنوانه المثبت فيها، وبعد صدور الحكم الغيابي تبلغ اعلاناً بالنشر في جريدة الحدباء والتضامن خلافاً لاحكام المادة (21/ 1) من قانون المرافعات المدنية، لان للمميز/المدعى عليه/ محل اقامة ومسكن معلوم فكان يقتضي التوصل الى خلاف ذلك بالاستماع الى شهادة مختار المنطقة وجيرانه، لذا قرر نقض الحكم المميز وإعادة إضبارة الدعوى الى محكمتها…“.أما في حالة كون المطلوب تبليغه قد اختار محلاً للتبليغ أو انه قد ذكر عنواناً في العقود والوثائق موضوع الدعوى، وتبين انه قد انتقل الى محل اخر وذلك اثناء التبليغ، عندها يشرح القائم بالتبليغ ذلك ويعيد الورقة الى المحكمة لاجراء التبليغ وفقاً للبيان الجديد الذي يقدمه طالب التبليغ اذا كانت الجهة التي انتقل اليها معلومة وان كانت مجهولة فيتم وفقاً لما تقدم انفاً(5).ويعد الشخص المطلوب تبليغه مجهول الاقامة في نظر المشرع العراقي(6).
كذلك فيما لو كان المحل المختار أو العنوان الذي ورد بالعقود والوثائق موضوع الدعوى وهمياً، ففي هذه الحالة يقوم القائم بالتبليغ شرح ذلك، بعدها يتم التبليغ عن طريق النشر في صحيفتين يوميتين .أما وضع المسألة لدى المشرع المصري(7). ففي حالة عدم معلومية موطن المعلن اليه فيتوجب في هذه الحالة ان تشتمل الورقة على اخر موطن معلوم له في جمهورية مصر العربية اوفي الخارج وبعدها تسلم صورتها للنيابة العامة. وقد جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية(8). “يتعين ان تشتمل ورقة الاعلان في مواجهة النيابة على آخر موطن معلوم للمعلن اليه في مصر أو في الخارج، حتى تستطيع النيابة الاهتداء اليه وتسليمه الصورة، ولتراقب المحكمة مدى ما استنفذ من جهد في سبيل التحري عن موطنه، وذلك بغير تفرقة بين الاشخاص المقيمين في مصر واولئك الذين غادروها للخارج“.
في حين ان المشرع اللبناني(9). بين انه في حال اذ لم يكن للشخص المطلوب تبليغه مقام معلوم، عندها يجري التبليغ الاستثنائي، وذلك بعد ان تتثبت المحكمة من هذا الامر، وان مسألة تثبت المحكمة من كون المطلوب تبليغه مجهول الاقامة يكون بالاستناد الى تحقيق دقيق وواف يقوم به مأمور التبليغ لدى اقارب وجيران ومعارف الشخص المطلوب تبليغه وكذلك مختار المحلة حيث كان يقيم. وفي التشريع الأردني(10). اذا وجدت المحكمة انه يتعذر اجراء التبليغ وفقاً للقواعد العامة جاز لها آنذاك ان تقرر اجراء التبليغ بنشر اعلان في صحيفتين محليتين يوميتين ويجب ان يتضمن الاعلان اشعاراً بضرورة مراجعة المطلوب تبليغه قلم المحكمة لتسلم المستندات ان وجدت، وفي كل الاحوال يتعين على المحكمة تحديد موعداً لحضور المطلوب تبليغه امام المحكمة وتقديم دفاعه اذا دعت الحاجة الى ذلك كما تتطلبه الحالة. ويؤكد المشرع الفرنسي(11).انه عندما لايكون للشخص المراد ايصال التبليغ اليه سكن أو محل اقامة أو محل عمل معروف، عندها يقوم المبلغ بكتابه محضر يذكر فيه وبدقة الإجراءات التي قام بها من اجل البحث عن المرسل اليه ويجب ان يذكر المحضر طبيعة الإجراء واسم المدعي، ويقوم المبلغ بارسال التبليغ في اول يوم من ايام الدوام الى المرسل اليه واي عنوان آخر معروف ويرسل ذلك برسالة مسجلة مع طلب وصل استلام ونسخة من المحضر، ويتم انجاز الإجراء بارسال رسالة اعتيادية ترسل في نفس اليوم.
_________________
1- راجع الفقرة (1) من المادة (21) مرافعات عراقي.
2- مدحت المحمود، مصدر سابق، ص 33.
3- القرار التمييزي المرقم 4760/ عقار/ 98 في 13/ 12/ 1998، غير منشور.
4- القرار التمييزي المرقم 421/ ت. ب/ 2002 في 28/ 9/ 2002، غير منشور.
5- راجع الفقرة (2) من المادة (21) مرافعات عراقي.
6- راجع الفقرة (3) من المادة (21) مرافعات عراقي.
7- راجع الفقرة (10) من المادة (13) مرافعات مصري.
8- الطعن المرقم (526) لسنة 35 ق ، جلسة 10/ 2/ 1970 م.م.ق. سنة 21/ أشار اليه خلف محمد، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1980، ص 191ـ 192.
9- راجع المادة (408) أصول لبناني.
10- راجع المادة (12) أصول أردني.
11- راجع المادة (659) إجراءات فرنسي.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً