إجراءات حجز المنقول:
ينقسم الحجز التنفيذي للمنقولات المادية إلى مرحلتين: إحداهما مرحلة الحجز والأخرى مرحلة البيع – وقد تتخلل هاتين المرحلتين مرحلة ثالثة هى مرحلة تصفية المنازعات وسنرجئ الحديث عن المرحلة الثالثة إلى ما بعد. أما الآن فنعالج الإجراءات في مرحلتي الحجز والبيع.
إجراءات الحجز:
تتم إجراءات حجز المنقول بانتقال المحضر إلى مكان وجود المحجوزات وتحرير محضر يبين فيه مفردات ما حجز عليه وأوصافها وهو ما يسمى (بمحضر الحجز). ويجب ألا يكون الدائن حاضراً في مكان الحجز وقت توقيعه وإلا كان الحجز باطلاً. والحكمة من ذلك هى منع الاصطدام أو الاحتكاك بين الدائن والمدين: لأن وجود الدائن وقت توقيع الحجز قد يحمل على معنى التحدي للمدين أو التشفي فيه وهو ما يؤدى إلى إيجاد الحزازة بين الطرفين أو يجرح مشاعر المدين أو يحرجه – وقد راعى المشرع هذه الاعتبارات الإنسانية فحضر على الدائن الحضور وقت توقيع الحجز وجعل البطلان جزاء على مخالفة هذا المنع. على أن ذلك لا يمنع من وجود مرشد من قبل الدائن لإرشاد المحضر عما ينبغي حجزه وعن مكان وجوده. ويجب أن يتم الحجز في مكان وجود الأشياء المحجوز عليها وهو ما يقتضى انتقال الحضر إلى ذلك المكان.
فإذا ادعى المدين أن المحضر قد حرر محضر الحجز من الذاكرة أو بإملاء من الدائن دون أن ينتقل إلى مكان وجود المحجوزات – فإن هذا القول لا يقبل منه متى أثبت المحضر في محضره أنه انتقل لأن محضر الحجز ورقة رسمية فلا يجوز نفسى البيانات الواردة فيه على لسان محرره (عما شاهده بنفسه) إلا بطريق الطعن بالتزوير على محضر الحجز – وهو أمر يبدو إثباته عسيراً. ويا حبذا لو اشترط المشرع على المحضر أن يصطحب معه شاهدين عند إيقاع الحجز كما كان الحال في الماضي (في القانون القديم) حتى نضمن انتقال المحضر إلى مكان وجود المحجوزات لأن ترك الأمر للمحضر (منه لنفسه) دون رقابة – وتصديقه فيما يقرره بمحضره على اعتباره ورقة رسمية – قد يكون مثابة إلى التهاون أو التسيب وتحرير محضر الحجز في مكان آخر غير مكان وجود المحجوزات (وهو ما يسمى عملاً بالحجز المكتبي أو الحجز خارج العين) مما لا يتسنى معه للمدين العلم بواقعة الحجز وقد يؤدى ذلك إلى وقوعه تحت طائلة قانون العقوبات إذا ما ذكر المحضر في محضره أنه قد عين المدين حارساً على المنقولات: لأنه إذا جاء محضر يوم البيع ولم يجد المنقولات أو لم يتقدم إليه المدين بها فإنه سيعتبره عندئذ مبدداً للمنقولات المحجوز عليها ويحرر بذلك محضراً (محضر تبديد) مما يعرض المدين للعقاب وهو لا يدرى من أمر الحجز شيئاً.
لذلك نحبذ وجود أشخاص مع الحضر يكونون شهداء على الحجز: ورقباء على المحضر في ذات الوقت: ولا شك في أن ذلك ينطوي على حماية المحضر نفسه من الاعتداءات أو الادعاءات كما ينطوي على حماية المدين – وفيه أيضاً حماية للدائن نفسه. وينبغي أن يذكر المحضر في محضر الحجز الذى يحرره مفردات الأشياء المادية المنقولة التي يوقع الحجز عليها مع بيان وصفها حتى يمكن تمييزها عن سواها وحتى لا تستبدل. كما تبين في محضر الحجز كذلك قيمة الأشياء المحجوزة بالتقريب وفقاً لتقدير المحضر ما لم تكن من المصوغات أو المجوهرات فإنها تقوم بمعرفة خبير يرفق تقريره بالمحضر (مادة 358 مرافعات).
وتعتبر المنقولات محجوزة بمجرد ذكرها في محضر الحجز. ولكن جرت العادة على أن يعين المحضر حارساً على المنقولات المحجوزة ليتولى تقديمها للمحضر عند حلول موعد البيع. ويمكن أن يكون الحارس هو المدين نفسه بل هو أولى الناس بأن تسند ِإليه هذه المهمة – إلا أنه إذا كان غائباً وقت الحجز أو رفض الحراسة فمن حق المحضر أن يعين حارساً غيره بشرط ألا يكون من أقارب المحضر أو أصهاره أو أزواجه أو ممن يعملون في خدمته. كذلك لا يجوز أن يكون من أقارب الدائن الحاجز أو أصهاره أو أزواجه أو ممن يعملون في خدمته كبواب العمارة مثلاً (تراجع المادة 364 مرافعات).
والحراسة هنا نوع من “الخفارة” فحارس الحجز لا يعدو أن يكون غفيراً. ولا تختلط الحراسة هنا بالحراسة القضائية التي قد تفرض على عقار أو منقول أو مجموعة من العقارات والمنقولات لحفظها أو لاستغلالها وإدارتها والتي يعتبر الحارس القضائي فيها نائباً عن المدين والدائنين معاً في إدارة الأموال الخاضعة للحراسة وفى استغلالها بالطريقة الملائمة – إذ يجب في الحراسة القضائية أن يصدر حكم قضائي بتعيين الحارس أما (حارس الحجز) فهو لا يعين بحكم قضائي ولا يستمد سلطته من القضاء ولذلك فإنه لا يعتبر حارساً قضائياً وإنما هو مجرد (أمين) ينصبه المحضر ويقتصر دوره على تقديم المحجوزات إلى المحضر يوم البيع ولكن لا صفة له في إدارة المنقولات المحجوزة أو في استغلالها أن كانت قابلة لأن تدار أو تستغل – وهذا على خلاف الحال في الحراسة القضائية حيث يعتبر الحارس القضائي هو وحده صاحب الصفة في الإدارة والاستغلال – وفى التقاضي أيضاً فلا يعتد باختصام المدين أو الدائن دونه عند المنازعة بل لابد من أن يختصم الحارس القضائي: وقد يكتفى به وحده في المخاصمة لأن الصفة ثابتة له ومسندة إليه وحده ولهذا فإنه يغنى عن غيره في هذا المقام.
على أنه يجب أن نشير إلى أن المحضر قد تصادفه صعوبات أو عقبات عند شروعه في التنفيذ كما لو وجد المكان (الذى توجد به المحجوزات) مغلقاً ولا أحد فيه – أو امتنع المدين عن إدخاله – فماذا يفعل المحضر عندئذ؟ يقرر القانون أن المحضر يستطيع أن يقتحم الأبواب المغلقة وان يكسرها ويدخل لأداء مهمته إلا أنه يجب لذلك أن يصطحب معه أحد رجال الضبط حتى يكون فعله مشروعاً. وقد جرت عادة المحضرين أخيراً على الالتجاء في مثل هذه الحالات إلى قاضى التنفيذ لاستصدار إذن منه بالكسر والدخول بالقوة مع أن ذلك ليس بلازم قانوناً فإن المحضر قادر على أن يفعل ذلك بنفسه دون تصريح من قاضى التنفيذ أو غيره – فمن حقه أن يلجأ مباشرة إلى رجال الشرطة أو النيابة طالباً إمداده بالقوة اللازمة للتنفيذ وغالباً ما يصطحب معه ضابطاً أو أحد أمناء الشرطة مع نجار أو كوالينى يتولى كسر الأبواب أو فض الأقفال بطريقة فنية لا تؤدى إلى إتلافها. وإذا دخل المحضر إلى المكان ووجد غرفة مغلقة أو دولابا مغلقاً أو حقيبة أو درجاً وترى له أن يكسر المغلق ويحجز على ما بالداخل جاز له ذلك بحضور الشرطة وغالباً ما يرجع إلى قاضى التنفيذ لاستئذانه حتى لا يتحمل المسئولية.
أما إذا حجز على الدولاب المغلق دون أن يحجز على ما فيه أو حجز على الحقيبة أو الدرج دون أن يحجز على محتوياتهما فإنه الحجز لا يشمل سوى الدولاب ذاته أو الدرج أو الحقيبة أما المحتويات فلا تعتبر محجوزة مهما كانت قيمتها. وإذا لم يجد المحضر شيئاً يستحق أن يحجز عليه فإنه يحرر محضراً يسمى (محضر عدم وجود). يثبت فيه خلو المكان من المنقولات أو عدم وجود شيء يستحق الحجز كما لو وجد ركاما أو حطاماً تافهاً. ومثل هذا الحضر (السلبى) الذى يثبت فيه المحضر عدم وجود شيء على الإطلاق أو عدم وجود ما يستحق أن يحجز – مثل هذا المحضر ليس عديم القيمة بل أنه يعتبر عملاً إيجابياً من أعمال التنفيذ أو محاولة جادة للتنفيذ تدل على اتجاه نية الدائن إلى اقتضاء حقه وعدم تراخيه في ذلك تراخياً قد يفسر أو يؤول على معنى التسامح أو التنازل الضمني – ولهذا يعتبر هذا الحضر (السلبى) إجراء إيجابياً قاطعاً للتقادم – فتبدأ به مدة تقادم جديدة يجوز التنفيذ خلالها ولو كن للسند التنفيذي تاريخ قديم يزيد على مدة التقادم المعتادة وهى (15) سنة سابقة على التنفيذ.
وحارس الحجز يتقاضى أجره من الدائن الذى يرجع به على المدين باعتباره من مصاريف الحجز. ويقدر أجر حارس الحجز بمعرفة قاضى التنفيذ بناء على طلب يقدم إليه دون حاجة إلى رفع دعوى بذلك (وأن كان البعض قد أشار برفع دعوى وهو رأى ضعيف). والسند القانوني لإعطاء أجر لحارس الحجز مستمد من نص القانون الذى يحرم حارس الحجز من أجر الحراسة إذا استعمل الأشياء المحجوزة أو استغلها أو أعارها للغير فيفهم من ذلك بطريق الاستنتاج العكسي (أي بمفهوم المخالفة) أن الأصل هو استحقاق الأجر للحارس – وإلا ففيما كان حرمانه منه إذا أساء استعمال المحجوز. على أنه إذا كان المدين هو الذى عين كحارس للمنقولات، فأنه لا يتقاضى أجراً كما سبق القول، ويجوز له أن يستعمل الأشياء لأنها لا تزال مملوكة له وفى حيازته ولم تخرج من ذمته المالية ولا من حوزته، وليس في القانون نص يحرم المدين أو يمنعه من استعمال ماله أو استغلاله أو إدارته كما أن مبدأ إلحاق الثمار خاص بالعقارات فلا يسرى على المنقول.
ولذلك فإن ثمار المنقول تعتبر حقاً خالصاً للمدين، وكذلك نماء المنقول ونتاجه فإن كان المحجوز بقرة وولدت بعد الحجز عجلاً فالعجل بمعزل عن الحجز لأنه لم يذكر في محضر الحجز ضمن مفردات الأشياء المحجوزة، وإن كان المحجوز دجاجة وباضت فالبيض الناتج عنها لا يعتبر محجوزاً عليه لأن حجز المنقول لا يقع إلا على مال حاضر أي موجود وقت توقيع الحجز أما البيض فوجوده طارئ بعد الحجز فلا يشمله – وإن كان المحجوز عليه من المنقولات التي تدر إيراداً كسيارة تاكسي أو عربة كارو مثلاً فإن ما ينتج عن تشغيلها من إيرادات لا يكون محجوزاً عليه بالتبعية لأن إلحاق الثمار بالشيء المحجوز حكم خاص بالحجز العقاري كما سبق القول – وليس ثمة سند قانونيا لتطبيق هذا الحكم بالنسبة للمنقولات.
وقد أطلنا الكلام في هذه المسألة بالذات لأن بعض الفقهاء كان قد ذهب إلى أن الثمار تلحق بالشيء المحجوز ولو كان منقولاً واستثنى من ذلك بيض الدجاج فسمح للمدين بأن يأكله نيئاً أو مقلياً كما سمح له بشرب لبن الماشية وبرر هذا التعطف أو (الاعفاء) من الحجز بأنه في مقابل حراسة المدين للشيء المحجوز عليه لأنه لا يتقاضى عن ذلك أجراً فأعطاه أجره بيضاً أو لبناً، والواقع أن عدم إعطاء أجر للمدين عن حراسته للأشياء المحجوزة راجع إلى أنه هو الملزم بأجر الحراسة باعتباره من مصاريف الحجز فإن أخذ أجراً فكأنما يأخذه من نفسه أي أن مقاصة تجرى هنا بين ما هو مستحق له من أجر الحراسة وما هو ملزم به منها فلا يعطي ولا يأخذ. والصواب في هذا الموضوع هو ما قلناه من أن ثمار المنقول لا تلحق به نتيجة الحجز ولا تعتبر محجوزاً عليها ولا تباع مع المنقول ولا يوزع ثمنها مع ثمنه لأن الإلحاق استثناء تقرر بنص خاص في حجز العقار فلا سبيل إلى القياس عليه أو إلى اتخاذه أساسا لتقرير قاعدة عامة.
هذا، ويجب على المحضر أن يثبت في محضر الحجز جميع الخطوات التي قام بها والصعوبات التي صادفته وكيف ذللها. وإذا انتهى الوقت ولم يتم الحجز تماماً فيؤجل إلى اليوم التالي وتتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على الحالة القائمة (كتعيين أحد رجال الشرطة للحراسة المؤقتة مع تشميع أبواب المحل أو المكان الذى يجرى فيه الحجز. ذلك بأن المحضر لا يستطيع أن يستمر في عمله بعد الساعة الخامسة مساء أو في أيام العطلات إلا بأذن كتابي من قاضى الأمور الوقتية وفى حالات الضرورة فقط (مادة 7 مرافعات) – أو إذا اقتضى الحال الاستمرار لإنهاء الإجراءات التي بدأت.
ويحدد المحضر في محضر الحجز موعدا للبيع مع بيان الزمان والمكان. ويوقع المحضر على المحضر كما يوقع عليه المدين أن كان حاضراً وكذلك يوقع عليه الحارس. وتسلم صورة منه إلى كل من المدين والحارس. أما إذا تم الحجز في غيبة المدين أو في غير موطنه فإنه يجب إعلان محضر الحجز إليه في اليوم التالي على الأكثر. أما الحارس فإنه إذا رفض استلام صورة من المحضر أو رفض التوقيع عليه فإن صورة المحضر تسلم لجهة الإدارة في ذات اليوم مع اخطار الحارس بالبريد المسجل خلال 24 ساعة واثبات ذلك في المحضر.
وعقب اقفال محضر الحجز يقوم المحضر بإلصاق إعلانات موقع عليها منه يبين فيها نوع الأشياء المحجوزة ووصفها وصفا اجمالياً مع بيان يوم البيع وساعته مكانه – وتلصق هذه الإعلانات (1) على باب المكان الذى تم فيه الحجز على المنقولات (2) وعلى باب العمدة أو الشيخ أو المقر الإداري التابع له مكان المحجوزات (3) وفى اللوحة المعدة لذلك بمحكمة المواد الجزئية المهيمنة على مكان الحجز. ويحرر باللصق محضر يلحق بمحضر الحجز. ثم يتم النشر عن البيع في الصحف المقررة لنشر الإعلانات القضائية، وقد يكون من الخير أن نكرر هنا أن المنقولات التي تذكر في محضر الحجز تعتبر بذلك محجوزة دون حاجة إلى أي إجراء أخر أي حتى لو لم يعين عليها حارس (مادة 361 مرافعات).
والأصل أن تظل المنقولات في مكانها لأن الحجز لا يقتضى نقلها من موضعها إلا إذا وجدت ظروف تستلزم ذلك كأن يقع الحجز مثلا في مكان مهجور لا يوجد فيه من يمكن اسناد الحراسة إليه فيرفع المحضر الأمر إلى قاضى لتكليف أحد رجال الإدارة في المنطقة بالحراسة مؤقتاً أو ليأمر بنقل المحجوزات وإيداعها عند أمين يقبل الحراسة يختاره الحاجز أو المحضر (مادة 365).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً