ارتكاب جناية أو جنحة في الخارج يعاقب عليها القانون الأردني
تشترط المادة (10\4) لقيام الإختصاص العالمي أن يرتكب الفاعل جناية أو جنحة في الخارج، يعاقب عليها القانون الأردني. لمعالجة هذا المطلب فقد قمنا بتقسيمه إلى فرعين وهما ارتكاب جناية أو جنحة في الخارج، وأن تكون هذه الجناية أو الجنحة معاقبا عليها حسب القانون الأردني.
الفرع الأول: ارتكاب جناية أو جنحة في الخارج
تشترط المادة (10\4) لقيام الاختصاص العالمي أن يكون الفعل المرتكب في الخارج جناية أو جنحة بغض النظر عن نوعها وجسامتها، بخلاف كثير من التشريعات المتقدمة، التي سيأتي عنها الحديث لاحقا، فقد اشترطت لقيام الاختصاص العالمي أن يكون الفعل المرتكب في الخارج من قبيل الجرائم الدولية الجسيمة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل موقف المشرِّع الأردني من هذا الشرط موفق، أم كان ينبغي عليه إتباع التشريعات المتقدمة وإقصار الأمر على الجرائم الدولية الجسيمة؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من التعرض للاتفاقيات الدولية، وللتشريعات القانونية المتقدمة في هذا المجال. تقضي الفقرتان الرابعة والعاشرة من ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بأن الجرائم الخطيرة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب، وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني والدولي. كما يقضيان بأنه من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية جسيمة.
وبالاعتماد على هاتين الفقرتين، واللتين تحدثتا عن الجرائم الخطيرة ولم يتحدثا عن كل الجنايات والجنح، يمكن القول: بأن موقف المشرِّع الأردني من هذا الشرط غير موفق، لذا فقد كان لزاما عليه أن يقصر الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الخطيرة، وألا يجيز تطبيقه على كل الجنايات والجنح.
ما يؤيد ذلك أن الاختصاص العالمي، والذي يجيز للدول تطبيق قوانينها الداخلية على الجرائم التي ترتكب في الخارج، هو في الأصل نظام قانوني يخرق مبدأ سيادة الدول على إقليمها ومبدأ إقليمية قانون العقوبات، أُجيز الأخذ به من أجل حماية المجتمع الدولي من الجرائم الدولية الخطيرة التي لا يجوز أن يقف مبدأ سيادة الدول على إقليمها ومبدأ إقليمية قانون العقوبات عائقا أمام ملاحقتها. ما يؤيد ذلك،أيضا، أن قصر الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الجسيمة يخفف العبء على القضاء الأردني، ويجنب الأردن الكثير من الإحراجات الدولية ، ويمنع خرق مبدأ سيادة الدول على إقليمها دون المبرر القانوني المتمثل بحماية المجتمع الدولي.
ولا يختلف الأمر على صعيد التشريعات الدولية المقارنة، فالمطالع للمادة (6) قانون العقوبات الألماني،وللمادة (689-11) قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي (CCP) يجد بأن كلا التشريعين يقصران الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الجسيمة، أما بالنسبة للجرائم الأخرى، والتي لا تشكل جرائم دولية جسيمة، فلا تؤثر على المجتمع الدولي، بل على المجتمع التقليدي الذي وقعت فيه، لذا فإذا امتنع المجتمع التقليدي عن الملاحقة فليس هناك داعٍ لأن نجيز للمجتمع الدولي الملاحقة على أساس الاختصاص العالمي .
وفي حال عدم اقتناع المشرِّع الأردني بقصر الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الجسيمة، كما فعلت التشريعات والاتفاقيات الدولية السالفة الذكر، فلا بد، برأينا، على الأقل من قصر هذا المبدأ على الجرائم ذات الخطورة الأشد، وهذا ما فعله المشرِّع العراقي في المادة (13) قانون العقوبات، حيث قصر الاختصاص العالمي على جرائم التخريب أو التعطيل لوسائل المخابرات والمواصلات الدولية، وعلى جرائم الاتجار بالنساء، أو بالصغار، أو بالرقيق.
أما إذا تم الاقتناع بذلك الأمر وتم قصر الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الجسيمة، فلا بد من إخضاع معيار ما إذا كان الفعل يشكل جريمة دولية جسيمة أم لا للقانون الوطني الأردني، لا لقانون الدولة التي وقع فيها الفعل أو التابع لها الفاعل بجنسيته، وهذا ما فعله المشرِّع البلجيكي في المادة (7) قانون الإجراءات الجنائية، حيث قال: بأن مسألة ما إذا كان الفعل يشكل جريمة دولية جسيمة أم لا هو من اختصاص القانون الوطني البلجيكي.
كذلك الأمر، فلا بد من تبيان ماهية الجرائم الدولية الجسيمة، وما هي المعايير المعتمدة لذلك الأمر. لتحقيق هذه المسألة يمكن مطالعة إحدى الخطط الآتية: أول هذه الخطط جاءت في المادة (6) قانون العقوبات الألماني التي تحدد الجرائم الدولية الجسيمة بثماني جرائم أذكر منها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، وجريمة الإرهاب، وجريمة أخذ الرهائن، وجريمة التعذيب، وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية.
وثاني هذه الخطط جاءت في المادة (11) من الملحق البرتوكولي الإضافي الأول لعام 1977، التي تقضي بان الجرائم الدولية الجسيمة هي تلك التي تمس حقوق الإنسان المقررة في المواثيق الدولية، أو في القانون الدولي العرفي، وهي: الحق في الحياة، وفي السلامة البدنية، وفي الحرية وعدم الاستعباد، وفي حرية المعتقد والدين والحق، وفي حماية النسل دون تمييز.
وثالث هذه الخطط جاءت من بعض الفقه الغربي والعربي، حيث يقرر بعض الفقه الغربي بأن الجرائم الدولية الجسيمة هي تلك التي تثير اهتمام الناس، أو تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية، أو للقيم الأخلاقية أو للمبادئ الإنسانية العالمية، أو للقانون الدولي الإنساني، أو تلك التي تنال من المجتمع الدولي، ومن الأمثلة على ذلك جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم العدوان، وجرائم التعذيب.
أما الفقه العربي فيرى بعضهم منه بأن الجريمة الدولية هي كل “مخالفة للقانون الدولي، سواء كان يحظرها القانون الوطني أم يقرها، تقع بفعل أو ترك من فرد يحتفظ بحريته في الاختيار إضرارا بالأفراد والمجتمع الدولي بناء على طلب الدولة أو تشجيعها أو رضائها في الغالب، ويكون من الممكن مجازاته جنائيا عنها طبقا لأحكام ذلك القانون”.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما هو الوضع القانوني لهذا الشرط إذا تقادمت الجريمة المرتكبة في الخارج، فهل يجوز ملاحقتها على أساس الاختصاص العالمي؟ المتابع للمادة (10\4) يجد بأنها لم تتعرض لهذه المسألة معتمدة ربما على المادة (29) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المصادقة عليه الأردن، والتي تقضي بأن الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لا تتقادم. على الرغم من أن الأردن من الدول المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه ينبغي على المشرِّع الأردني أن يتعرض لهذه المسألة بنص خاص وألا يعتمد على المادة (29) من النظام الأساسي، وذلك لأن هذه المادة جاءت للجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولم تتحدث عن الجرائم التي تدخل في الاختصاص العالمي للدول. ما يؤيد هذا الأمر نص المادة (4) من اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لعام 1968 وقانون العقاب على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني البلجيكي لعام 1999، وقانون عدم تقادم الجرائم ضد الإنسانية عام 1964 ، فعلى الرغم من مصادقة بلجيكا على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلا أنها أوجدت نصا خاصا يقضي بعدم تقادم الجرائم الدولية الجسيمة.
وفي مجال الحديث عن هذا الموضوع نلفت النظر إلى مسألة على قدر كبير من الأهمية ألا وهي، ما هو الوضع القانوني للاختصاص العالمي إذا كان الفعل المرتكب في الخارج من قبيل جرائم الحرب، إلا أنه غير مقنن في المادة (41) قانون العقوبات العسكري رقم (58) لسنة 2006 والتي حددت سلوكات جرائم الحرب على سبيل الحصر؟ فالمتابع للمشرِّع الأردني، والذي يعالج جرائم الحرب في المادة (41) قانون العقوبات العسكري، يجد بأنه قد حدد جرائم الحرب بسلوكات محددة على سبيل الحصر، كما أنه لم يبين بصورة صريحة ما إذا كان النزاع غير المسلح، أو النزاع الداخلي المسلح يصلحان لقيام جرائم الحرب؟
وعلى الرغم من أن بيان السلوكات التي تحدد الجرائم من الأمور المهمة، وذلك انطلاقا من القاعدة القانونية القائلة: بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، إلا أنه لا نتفق مع هذه الخطة خصوصا في الجرائم الدولية الجسيمة التي قد يصعب حصرها بسلوكات محددة، لذا نقترح على مشرِّعنا أن لا يحصر جرائم الحرب بسلوكات محددة، وألا أن يأتي بسلوكات فضفاضة تتسع لكل السلوكات التي يمكن أن تشكل جرائم حرب في المستقبل. إضافة إلى ذلك نقترح على مشرِّعنا أن يشير بصورة صريحة إلى أن النزاع غير المسلح، والنزاع الداخلي المسلح يصلحان لقيام جرائم الحرب.
ما يؤيد ذلك نص المادة (8\2\أ، ب، ج، د) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ونص المادة (2، 3) من اتفاقية جنيف الأربع لعام 1949، والمادة (8) من قانون الجرائم الهولندي زمن الحرب رقم (408) الصادر عام 1958، ولجنة خبراء الأمم المتحدة في يوغسلافيا السابقة التي أنشأها مجلس الأمن في قراره رقم (789) عام 1992 واللواتي لم يحصرن جرائم الحرب بسلوكات محددة، كما وقررن بأن كل النزاعات، سواء كانت دولية أم داخلية تصلح لقيام جرائم الحرب.
الفرع الثاني: أن تكون الجناية أو الجنحة معاقب عليها حسب القانون الأردني
تشترط المادة (10\4)، لقيام الاختصاص العالمي، أن يكون الفعل المرتكب في الخارج معاقبا عليه حسب القانون الأردني، وإن كان غير معاقب عليه حسب قانون الدولة التي وقع فيها، وهذا ما يؤكده معنى المخالفة للمادة (10\4) قانون العقوبات (المجالي، 2005). والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل المشرِّع الأردني كان موفقا في هذا الشرط؟ يبدو للوهلة الأولى بأن المشرِّع الأردني قد أجاد في صياغة هذا الشرط، الذي تتطلبه الكثير من التشريعات المتقدمة، وذلك لأنه، وعن طريق هذا الشرط، يضمن ملاحقة الجرائم التي ترتكب في الخارج، في حال عدم ملاحقتها من قبل الدولة التي وقع فيها، أو في حال عدم ملاحقتها من قبل الدول الأخرى المختصة تقليديا.
وعلى الرغم من أن المشرِّع الأردني قد حذا بهذا الشرط حذو كثير من التشريعات المتقدمة، إلا أننا لا نتفق مع هذا الشرط، ليس لذاته، وإنما لأنه لا يتفق مع أحد الشروط السالفة الذكر، وهو أن يكون الفعل المرتكب في الخارج من قبيل الجنايات أو الجنح، فإذا عدّل المشرِّع الأردني هذا الشرط، وقصر الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الجسيمة فقط وليس لكل الجنايات والجنح، ففي هذه الحالة يمكن القول بأن المشرِّع الأردني قد أجاد في صياغة شرطنا محل هذه الدراسة. ما يؤيد ذلك أن هذا الشرط، وفي ظل عدم تعديل الشرط السالف الذكر، يخرق مبدأ سيادة الدولة على إقليمها دون مبرر حماية المجتمع الدولي من الجرائم الدولية الجسيمة المخلة بأمنه واستقراره.
وفي حال عدم تعديل الشرط السالف الذكر، فإنه إذا كان الفعل المرتكب في الخارج جنحة مثلا معاقب عليها حسب القانون الأردني، وغير معاقب عليها حسب قانون الدولة التي وقعت فيها، ففي هذه الحالة يمكن ملاحقة هذه الجريمة على أساس الاختصاص العالمي، علما بأن هذه الجريمة لا تخل بأمن المجتمع الدولي واستقراره، وإنما بأمن المجتمع الذي وقعت فيه. أما لو كان المشرِّع الأردني يقصر الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الجسيمة ففي هذه الحالة يمكن القول بجواز ملاحقة هذا الفعل على أساس الاختصاص العالمي، والتضحية بمبدأ سيادة الدول على إقليمها، حتى ولو كان الفعل غير معاقب عليه في قانون الدولة التي وقع فيها وذلك لأنه يخل بأمن المجتمع الدولي واستقراره.
ما يؤيد ذلك موقف كثير من التشريعات المقارنة، فالمتابع للمشرعين الفرنسي والألماني والنمساوي يجد بأنهم يقصرون الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية، ويفرقون بعد ذلك، بالنسبة لهذا الشرط، بين الجرائم الدولية الجسيمة وغير الجسيمة، فإذا كان الفعل جسيما فلا يشترطوا لقيام الاختصاص العالمي أن يكون الفعل معاقبا عليه، حسب قانون الدولة التي وقع فيها، بخلاف أما إذا كان غير جسيم فيشترطوا في هذه الحالة أن يكون الفعل معاقبا عليه، أيضا، حسب قانون الدولة التي وقع فيها. وهذا ما تؤكده المواد:
(689-1و689\11) قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، والمواد: (6و7) قانون العقوبات الألماني، و(63-65) قانون العقوبات النمساوي.
ما يؤيد ذلك، أيضا، موقف بعض الفقه الألماني، والذين اشترطوا لقيام الاختصاص العالمي، أن يكون الفعل أولا من الجرائم الدولية، وثانيا غير معاقب عليه،حسب قانون الدولة التي وقع فيها، وذلك بحجة أن هذا الأمر راجع للقانون الداخلي للدولة صاحبة الحق في تطبيق الاختصاص العالمي.
وبالاعتماد على الهدف من الاختصاص العالمي والذي جاء من أجل ملاحقة الجرائم الدولية، ومنع إفلات مرتكبيها من العقاب يمكن القول بوجوب قصر الاختصاص العالمي، أولا على الجرائم الدولية، ومن ثم التفريق بين الجرائم الدولية الجسيمة وغير الجسيمة، كما فعل المشرِّعان الألماني والنمساوي، وأن نتطلب عدم ضرورة اشتراط أن يكون الفعل معاقبا عليه،حسب قانون الدولة التي وقع فيها، إذا كان الفعل من قبيل الجرائم الدولية الجسيمة وذلك لضمان ملاحقته، بخلاف الأمر بالنسبة للجرائم الدولية غير الجسيمة.
وعلى الرغم من أن هذا الرأي يتفق مع منهج بعض الدول المتقدمة، إلا أنه نقترح على مشرِّعنا أن يقصر الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الجسيمة بخلاف غير الجسيمة، وذلك لأن هذا الأمر سيشكل إرهاقاً مالياً للقضاء الأردني، وسيؤدي إلى توتر علاقات الأردن الخارجية. ما يؤيد ذلك، وهو قصر الاختصاص العالمي على الجرائم الدولية الجسيمة فقط، الفقرتان الثالثة والرابعة من ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واللتان يقضيان بأن الجرائم الخطيرة هي الجرائم التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، وهذه الجرائم يجب ألا تمر دون عقاب، وأنه يجب ضمان ملاحقتها.
وفي حال ما إذا تبنى المشرِّع الأردني فكرة المنهج المقارن السالف الذكر، وقسم الجرائم الدولية إلى قسمين: جرائم دولية جسيمة وغير جسيمة، واشترط أن تكون الجرائم الدولية غير الجسيمة معاقبا عليها حسب قانون الدولة التي وقعت فيها لقيام الاختصاص العالمي، تثور مسألة على قدر كبير من الأهمية، ألا وهي ما هو الوضع القانوني إذا كان الفعل خاضعا حسب قانون الدولة التي وقع فيها للتقادم، أو للعفو، أو لمانع من موانع العقاب، أو لمانع من موانع المسؤولية، أو لسبب من أسباب التبرير، فهل يمكن القول بقيام الاختصاص العالمي؟
لم يتعرض المشرِّع الأردني لهذه المسألة، شأنه كشأن المشرع الألماني، أما بالنسبة للفقه الألماني فقد تعرض لهذه المسألة واختلف في مسألتين، وهما إذا كان الفعل خاضعا للتقادم أو للعفو، حسب قانون الدولة التي وقع فيها، بخلاف الأمر بالنسبة للبراءة فلم يختلف على هذه الحالة. جانب من الفقه يقول: بأنه إذا كان الفعل الدولي من الجرائم الدولية غير الجسيمة، وتقادم هذا الفعل أو خضع للعفو،حسب قانون الدولة التي وقع فيها فلا يمكن القول بتطبيق الاختصاص العالمي، وذلك لأن القانون المعتبر لتحديد مسألة التقادم والعفو بالنسبة لهذا الفعل هو قانون الدولة التي وقع فيها الفعل، لا قانون الدولة المختصة عالميا. ما يؤيد ذلك أن الاختصاص العالمي هو اختصاص استثنائي، وليس أصلياً، كما هو الأمر بالنسبة للاختصاص التقليدي.
على النقيض من ذلك، هناك جانب آخر من الفقه يجيز قيام الاختصاص العالمي حتى ولو كان الفعل خاضعا للتقادم أو للعفو، حسب قانون الدولة التي وقع فيها، وذلك لضمان ملاحقته وعدم تواطؤ الدولة المختصة تقليديا مع الفاعل، ولاختلاف مدد التقادم ومعايير العفو العام بين الدول. ما يؤيد هذا الأمر، حسب رأي ذلك الفقه، هو أن الدولة المختصة عالميا هي دولة صاحبة اختصاص، أيضا، ولها الحق في تطبيق قانونها حتى ولو كان اختصاصها استثنائيا لا أصليا.
أما إذا كان الفعل خاضعا لسبب من أسباب التبرير، أو لمانع من موانع العقاب، أو لمانع من موانع المسؤولية، حسب قانون الدولة التي وقع فيها فهناك اتفاق فقهي تقريبا على عدم جواز قيام الاختصاص العالمي في هذه الحالة، وذلك لأن الفعل لا يشكل أي جريمة من الأصل أو لا يستوجب عقابا، بخلاف الأمر بالنسبة للفعل في حال التقادم أو العفو، فهو مجرم ومعاقب عليه، ولكن ملاحقة هذا الفعل غير ممكنة.
على النقيض من ذلك جاء المشرِّع النمساوي بنصوص واضحة لحل تلك المسائل،ولم يخضع الأمر للاجتهاد الفقهي، كما فعل المشرِّع الألماني، فالمتابع للمادة (65\4) قانون العقوبات النمساوي يجد بأن هذه المادة لا تجيز تطبيق الاختصاص العالمي على مرتكب الجرائم الدولية غير الجسيمة، إذا ألغيت العقوبة في الدولة التي وقع فيها الفعل، أو إذا تم تبرئته من القضية، أو إذا أوقفت الملاحقة، أو إذا تم محاكمته نهائيا ونفذ العقوبة، أو إذا أُعفي منها، أو إذا تقادمت، أو إذا أُفرج عنه بعد تنفيذ العقوبة كاملة أو جزء منها.
وفي حال اشتراط أن يكون الفعل معاقبا عليه في الخارج لقيام الاختصاص العالمي، تثور مسألة أخرى على قدر كبير من الأهمية، ألا وهي ما هو الوضع القانوني إذا كانت العقوبة التي سينطق بها القاضي الأردني تزيد على عقوبة ذلك الفعل في الدولة التي وقع فيها؟ يعالج المشرِّع النمساوي هذه المسألة في المادة (65\2) قانون العقوبات قائلا: بعدم جواز أن تكون العقوبة التي سيُنطق بها على أساس الاختصاص العالمي أكثر من عقوبة الفعل في الدولة التي وقع فيها. بتعبير آخر يمكن القول: بأنه إذا اشترط المشرِّع الأردني في بعض الجرائم لقيام الاختصاص العالمي أن يكون الفعل معاقبا عليه في الخارج فلا يجوز أن تكون العقوبة التي سينطق بها القاضي الأردني على أساس الاختصاص العالمي أكثر من عقوبة الفعل في الدولة التي وقع فيها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً