استقلال القضاء في الدولة الإسلامية / د. صفوان القيسي
( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك السبيل )
صدق الله العظيم
أولى الإسلام العدالة أهمية كبيرة , وألزم أولي الأمر بنشرها والعمل بموجبها , وولاية القضاء في الشريعة الإسلامية في الفرائض الجليلة ومن اشرف العبادات وأفضل القربات وهي فرض كفاية كالإمامة والقضاء في النظام الإسلامي من مناصب الخلافة حيث يتم تعين القاضي و عزله من قبل الخليفة , وأول من عهد من عهد بالقضاء لغيره من الخلفاء عمر بن خطاب رضي الله عنه .
أبدع المسلمون في قواعد وأحكام القضاء وتعتبر رسالة القضاء التي ذاع صيتها من الخليفة الفاروق إلى قاضيه أبو موسى الأشعري شروطا محكمة في القضاء , والتي جاء بها في بعضها : ( اما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة … , آ س الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك , حتى لا يطمع شريف في حيفك وييأس ضعيف من عدلك …, المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا … ظنينا في ولاء أو قرابة …, الفهم ,الفهم فيها ادلي إليك , مما ورد عليك مما ليس في القران ولا سنه …)
تشدد الخلفاء المسلمون في اختيار القضاة , وتابعوهم بالنصح والإرشاد لصيانة حقوق الأفراد والد وله إقامة الحدود بالعدل والإنصاف.
كتب الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الاشتر لنخعي واليه على مصدر يوصيه بالقضاء قائلاً : (… اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك , ممن لا تضيق به الأمور , ولا تحكمه الخصوم ولا يتمادى في الذلة…وأعطه المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك , فيامن اغتيال الرجال عندك ).
روي ان معاوية بن أبي سفيان والى بلاد الشام خالف عباده بن الصامت قاضي فلسطين , فأغلظ له معاوية بالقول , فترك عبادة فلسطين قائلاً لا اساكنك في ارض واحدة ابداً ورجع إلى المدينة فاخبر عمر بن الخطاب سبب رجوعه , فقال له ارجع إلى مكانك فقبح الله ارضاً لست فيها ولا أمثالك , وكتب إلى معاوية ـ لا إمرة لك على عباده .رافضا تدخله في شؤون القضاء وفق هذه المبادئ رسم المسلمون علاقة القاضي بالدولة وبما يكفل عدم التدخل بشؤون القضاء , و دون تميز بين رؤساء ومرؤوسين , فهذا القاضي عبد الله بن الحسن العنبري , لا يقف للخليفة المهدي الذي حضر مع خصمه مجلس القضاء , إلا بعد انقضاء المحاكمة , فيقول له المهدي والله لو قمت حين دخلنا لعزلتك , ولو لم تقم حين انقضى الحكم لعزلتك , وهذا القاضي شريح حينما اجلس الإمام علي , اجلس خصمه اليهودي ايضاً في مجلسه , ثم قضى لليهودي فاسلم الأخير قائلاً ان هذه أحكام الأنبياء , وما هذا الحكم إلا مصادقاً لذلك فلم يميل إلى جانب الخليفة الذي ولاه القضاء على حساب الحق .. ومن هذا القبيل قضاء آبي يوسف ضد الخليفة هارون الرشيد لصالح النصراني , دون انحياز للخليفة على حساب الحق , والأمثلة على ذلك كثيرة.
الرقابة على القضاء التي كان يتولاها الخليفة , يقول الفقهاء في هذا المجال : (يتفقد الإمام قضاته فيعزل من في بقائه مفسده … ومن يخشى مفسدته …لتولية الأفضل ) , وذلك انسجاما مع قوله صلى الله عليه وسلم : ( من ولي من امر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله) . وقوله صلى الله عليه وسلم : (من ولي من امر المسلمين شيئاً فأمر عليهم احداً محاباة فعليه لعنة الله , ولا يقبل الله منه حرما ولا عدلاً حتى يدخله الجهنم ويؤكد هذا المبدأ الخطير الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله ( من ولي من امر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين) .
بالغت الدولة العربية الإسلامية في اهتمامها بتقاليد وآداب التقاضي وشددت فيها , وهو ما يعني المكانة المقدسة والرائعة للقضاء لدى العرب المسلمين وإيثارهم للحق بوسيلة من أهم وسائل العدالة وهي التقاضي بين الناس , التزاماً بقوله تعالى (وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين) وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تقدس امة لا يقضي فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع ) .وغير ذلك الكثير مما يؤيد الاستقلال القضاء في الإسلام بحدود متناهية السعه .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً