بحث قانوني حول استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي وفقا للقانون اليمني
استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي
قبل ان نبحث مدى استقلالية التحكيم وعدم تأثره بالعقد الأصلي في حالة فسخة أو بطلانه نبدأ
أولاً:بتعريف اتفاق التحكيم:
وقد عرف اتفاق التحكيم بالمادة(10/1) من القانون المصري بأنه:
(اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل او بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشئ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية)
– فقد يتم التحكيم قبل وجود النزاع أصلاً بين الأطراف “شرط التحكيم”.
– أو قد يتم بعد قيام النزاع بالفعل بين الأطراف “في حالة مشارطة التحكيم”.
وهذا كله يتم قبل رفع الدعوى به.
– وقد يصبح الاتفاق على التحكيم أيضاً حتى بعد رفع الأمر إلى القضاء.
من كتاب التحكيم والتصالح في التشريعات المختلفة د/عبد الحميد الشواربي سنة1996م صـ38،256
ثانياً: الرضا في الاتفاق على التحكيم شرطاً كان أم مشارطه ودور الشكل فيه:
الاتفاق على التحكيم “شرطاً كان أم مشارطه” كأي عقد يتم بالإيجاب والقبول ، ويتعين أن تتوافر فيه الشروط التي تتطلبها الأنظمة القانونية الوضعية وعلى اختلاف مذاهبها واتجاهاتها – في سائر العقود- كتوافر الأهلية لدى المتعاقدين، وانتفاء شوائب الرضا، وتوافر موضوع العقد ، وسببه ومن ثم فإن الاتفاق على التحكيم “شرطاً كان أم مشارطه” كأي عقد قوامة الإرادة، فإذا انتفت هذه الإرادة تماماً كان العقد معدوماً، أم إذا كانت هذه الإرادة صادرة ممن يملكها، ولكنها كانت معيبة أي مشوبة بغلط، أو تدليس ، أو إكراه أو استغلال- فإن الاتفاق على التحكيم شرطاً كان أم مشارطه- يكون باطلاً وفقاً لقواعد القانون المدني في الأنظمة الوضعية وعلى اختلاف مذاهبها واتجاهاتها فالاتفاق على التحكيم كغيره من التصرفات القانونية يتطلب رضا أطرافه – الخالي من العيوب الذي يخول للأطراف الالتجاء إلى نظام التحكيم للفصل في منازعاتهم الحالة، القائمة والمحددة “مشارطه التحكيم” أو المحتملة وغير المحددة” شرط التحكيم” لحظة إبرام الاتفاق على التحكيم ويشطر في ذلك :
1– أن يكون موضوع الاتفاق على التحكيم للأفراد أو الجماعات هو الالتجاء الاختياري لحل ذلك النزاع.
2- كذلك لابد أن تنشأ من علاقة قانونية محددة تدخل ضمن المسائل التي يجوز الفصل فيها عن طريق التحكيم.
3- أن يكون المحل المشار إليها جائزة قانوناً.
“من كتاب الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم أ.د حفيظة السيد صـ135-136”
ثالثاً: استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي المبرم بين أطرافه بصدد الرابطة القانونية :
والذي تضمنه: رغم ورود شرط التحكيم في العقد الأصلي المبرم بين أطرافه مصدر الرابطة القانونية فإنه يجب القول باستقلاله عن هذا العقد فهو تصرفاً قانونياً مستقلاً وقائماً بذاته وأن تضمنه العقد- مصدر الرابطة القانونية-، ومن ثم فإنه قد يتصور صحة شرط التحكيم رغم بطلان العقد مصدر الرابطة القانونية- والذي تضمن هذا الشرط وإلا كان سبب البطلان أيضا شرط التحكيم كما لو كان العقد الأصلي المبرم بين أطرافه قد أبرم بواسطة شخص كان وقت إبرامه ناقصاً الأهلية ولا يؤدي بطلان أو فسخ او إنهاء العقد الأصلي المبرم بين أطرافه – مصدر الرابطة القانونية – إلى التأثير على شرط التحكيم فطالما أن شرط التحكيم متى استكمل شروط صحته الخاصة به فإنه يكون صحيحاً قانوناً وينتج كل أثارة القانونية رغم ما أصاب العقد الأصلي المبرم بين أطرافه القانونية من عوارض خاصة مع إمكانية تصور خضوع شرط التحكيم المبرم بين أطرافه لقانون وضعي يختلف عن القانون الوضعي الذي يخضع له موضوع العقد الأصلي المبرم بين اطرافه فيعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أثراً على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته ونتيجة ,لذلك فإن شرط التحكيم ينتج عندئذ كافة أثارة القانونية ويكون لهيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم سلطة النظر في أية منازعات يمكن أن تنشأ عن بطلان او فسخ أو إنهاء العقد الأصلي المبرم بين أطرافه.
“من كتاب أنواع التحكيم وتميزه على الصلح والوكالة والخبرة د/ محمود السيد عمر التخيوي ط سنة2002م صـ84-85”
وقد كرست المادة(23) من قانون التحكيم المصري رقم(27) لسنة1994م من شان التحكيم في المواد المدنية والذي تضمنه بنصها على أنه:
“يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد او فسخه أو إنهائه أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته”
مرجع سابق صـ85-86
رابعاً: طبيعة شرط التحكيم وجزاء الإخلال:
هل تخضع هذه المسالة لمبدأ سلطان إرادة الأطراف المحتكمين أطراف الاتفاق على التحكيم؟
إذا كان الرد في ذلك بالإيجاب فإن القول أن شرط التحكيم واعتباره عملاً إرادياً يتضمن الوعد بالتحكيم يقتضى القول بأنه إذا رفض أحد الأطراف المحتكمون -في الاتفاق على التحكيم – إبرام مشارطه التحكيم عند نشأة النزاع موضوع الاتفاق على التحكيم وبمناسبة تفسير أو تنفيذ العقد الأصلي المبرم بينهم والذي يتضمن شرط التحكيم فلا يكون للأطراف المحتكمين الآخرين سوى المطالبة بالتعويض عما أصابهم من أضرار بسبب إخلاله بشرط التحكيم وفقاً للرأي الراجح في فقه القانون الوضعي المصري فإن شرط التحكيم المدرج في عقد من العقود سواء كانت طبيعة وباعتباره وعداً بالتحكيم ليس مجرد التزام بعمل لا يتخلف عن الإخلال به سوى التعويض وإنما يجب النظر إليه كالتزام قابل للتنفيذ العيني وهو تنفيذاً بفرضه القاضي العام في الدولة على الطرف المحتكم عن المماطلة مادام لم يقم بتنفيذ اختياراً لذلك الوعد وهذا ما قضت به المادة(102) من القانون المدني المصري والتي تنص على أنه:
(إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وقاضاة المتعاقد الاخر طالباً تنفيذ الوعد وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة قام الحكم متى حاز قوة الشيء المقضي به مقام العقد)
أي أن حكم القاضي يحل محل إرادة الأطراف ذوي الشأن في تنفيذ الوعد بالتعاقد متى حصل هذا الحكم القضائي على قوة الأمر المقضي.
مرجع سابق صـ98-99
أما المشرع اليمني فلا يختلف كثيرا ًعن ما أورده المشرع المصري ولكن لا ننسى أن القانون اليمني مستمد من روح الشريعة الإسلامية والتي سوف نستعرض قوانينها في هذا السياق .من كتاب قانون التحكيم طبقا ًلآخر التعديلات حيث ورد أتفاق التحكيم في الفصل الثاني من المادة 15-19 .
مادة (15)والتي تنص على :- ((لا يجوز الاتفاق على التحكيم الإ بالكتابه سواء قبل قيام الخلاف أو النزاع أو بعد ذلك وحتى لو كان طرفا التحكيم قد أقاما الدعوى أمام المحكمة ويكون الاتفاق باطلاً أذا لم يكن مكتوباً ومحددا ًبه موضوع التحكيم ويكون الاتفاق مكتوباً إذا تضمنته وثيقة تحكيم أو برقيات أو خطابات أو غيرها من رسائل الاتصال الحديثة ذات الطابع التوثيقي ))
وممكن أن نستفيد من هذا النص الامور التالية :-
1)لابد أن يكون إتفاق التحكيم مكتوب والإ يعد باطلاً((وذلك لسهولة أثبات التحكيم ))وكذلك لابد من تحديد موضوع التحكيم الذي يتعلق بالعقد نفسه .
2)إتفاق التحكيم نوعان الاول قبل قيام الخلاف أو النزاع ويسمى شرط التحكيم والثاني بعد قيام النزاع ويسمى مشارطة التحكيم .
مادة (16) ((يجوز أن يكون إتفاق التحكيم على شكل عقد مستقل “وثيقة تحكيم ” او على شكل بند في عقد “شرط التحكيم “وفي الحالة الاخيرة يعامل شرط التحكيم بإعتبارة إتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى وإذا حكم ببطلان العقد ذاته أو بفسخه فأنه لا يترتب على ذلك بطلان شرط التحكيم ))
ويمكن أن نستفيد من النص السابق النقاط التالية :-
1- قد يكون التحكيم على شكل وثيقة مستقلة وهذا جائز “مشارطة التحكيم ”
2- قد يكون التحكيم على شكل بند في العقد وفي هذه الحالة يعامل شرط التحكيم باعتباره اتفاقا ًمستقلاً عن شروط العقد الأخرى .
3- إذا حكم ببطلان العقد ذاته أو بفسخة فأنه لايترتب على ذلك بطلان شرط التحكيم وذلك باعتباره اتفاقا ًمستقلاً عن العقد الأصلي .
مادة (7): ((يجب تعين شخص المحكم أو المحكمين في إتفاق التحكيم ,وفيما عدا التحكيم بين الزوجين أو الحالات التي يتفق فيها الطرفان على خلاف ذلك إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً والأ كان التحكيم باطلاً))
ونستنتج من هذا النص :-
1- لكي يعتبر إتفاق التحكيم صحيح فيجب أن يكون صحيحاً و صحته عن طريق تحديد وتعيين شخص المحكم أو المحكمين في إتفاق التحكيم .
2- يستثنى من القاعدة العامة التحكيم بين الزوجين التي لا تحصره في عدد ولا تعين في شخص بعينه وانما هو متروك للزوجين وينطبق كذلك على الاتفاق الذي يتم بين أطراف التحكيم ((مبدأ احترام إرادة الاطراف))
3- في حالة عدم تحديد عدد المحكمين فأن القانون أوجب في المادة أن يكون عددهم وتراً أي من خمس إلى مافوق .
مادة (18)((إذا تم اتخاذ أي اجراء تحفظي أو مؤقت بواسطة المحكمة بناء على طلب أحد أطراف التحكيم فأنه يكون صحيحا ًولا يناقض اتفاق التحكيم أو في إجراءات التحكيم أو في أثنائها ))
ونستنتج من ذلك : –
1- يجوز للمحكمة التدخل في إتفاق التحكيم في حدود معينه وفيها الأجراءات التحفظية أو الوقتية التي لاتمس بأصل الاتفاق أو تخرجه من نطاق إتفاق المحكمين وعلى سبيل المثال الحجز التحفظي على الأموال المتنازع عليها ” محل التحكيم “حتى يتم الاتفاق ,أو المنع من السفر ….الخ من الأمور المؤقتة.
2- لا يجوز للمحكمة التدخل في أصل النزاع وموضوعة سواء قبل البدء في إجراءات النزاع أو بعد إجراءات التحكيم “مشارطة التحكيم “أي بعد حدوث النزاع أو الخلاف )).
3- لا يعد باطلاً تدخل المحكمة بناء على طلب أحد طرفي التحكيم في ما ورد في الفقرة “1” السابق ذكرها باعتباره يكون صحيحا ولا يناقض اتفاق التحكيم .
مادة (19)((على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى متعلقة بخلاف أو نزاع يوجد بشأنه إتفاق تحكيم أن يحيل الخصوم إلى التحكيم ما عدا في الحالات الآتية:-
أ)إذا تبين للمحكمة أن إتفاق التحكيم باطل أو لاغ أو لايمثل النزاع المطروح أمامها ((وهذا ماورد في المادة 53/أ من القانون المعدل رقم (32)لسنة 1994م والذي رتب القانون نفسه حق طلب بطلان حكم التحكيم إذا صدر بعد أنتهاء مدة إتفاق التحكيم دون أن نجد ما يلزم فيه بتحديد مدة لاتفاق التحكيم)) .
ب)إذا تابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة فيعتبر إتفاق التحكيم كأن لم يكن ))
ونستنتج من هذا النص التالي :-
1)لا يجوز أطلاقا رفع دعوى أمام المحكمة متعلقة بخلاف أو نزاع بشأنه أتفق اطراف النزاع أو الخلاف ان تحيله إلى التحكيم .
2)لابد أن يكون إتفاق التحكيم قد نشأ صحيح ومستوف جميع شروطه من صحة الإدارة –والمحل – والسبب –وتحديد عدد المحكمين – ومدة الاتفاق ….الخ .
3)يكون الالتجاء إلى المحكمة في رفع الدعوى أمامها حتى و ان تم الاتفاق على التحكيم في الاستثناء الذي ورد في المادة والسبب هو
أ) ما بني على باطل فهو باطل من حيث صحة التحكيم ابتدءاً
ب)كذلك احترام لمبدأ إرادة الأطراف في الرضاء للالتجاء إلى المحكمة والنزول الضمني عن حقهم في الرجوع عن اتفاق التحكيم بسيرهم في الدعوى أمام المحكمة.
ص11-13من قانون التحكيم اليمني لسنة 2003م
وهذا ما توصلت إليه والله ولي الهداية والتوفيق
المحامي اليمني امين الربيعي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً