اقتراض الحكومات و رقابة البرلمان الدستورية عليها
يرى الدكتور فياض القضاة عضو مجلس هيئة مكافحة الفساد أن لا سبيل لوقف هدر المال العام وتحميل المواطنين عبء الاقتراض غير المدروس من الحكومات إلا بتحقيق الرقابة البرلمانية.
وأضاف في مقالة تنشرها صحيفة “المقر” الأربعاء أنه يمكن اعتبار الاقتراض الذي تقوم به الحكومات من واردات الدولة مما يستوجب أن يكون مشمولا بنص المادة (115) من الدستور، وبالتالي أن يكون خاضعا للرقابة البرلمانية.
وفيما يلي نص المقالة:
تنص المادة (33 /2) من الدستور الأردني على أن “المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات او مساس في حقوق الاردنيين العامة او الخاصة لا تكون نافذة الا اذا وافق عليها مجلس الامة ولا يجوز في أي حال ان تكون الشروط السرية في معاهدة او اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية”.
وبالرغم من أن الحكومات المتعاقبة كانت نشطة إلا حد ما في الاقتراض الداخلي والخارجي إلا أنها لم تكلف نفسها عرض إتفاقيات الاقتراض سواء من الدول أو من المؤسسات الدولية العامة أو الخاصة على مجلس الأمة لأخذ موافقته باعتبار أنه من الثابت بأن مثل هذه الاتفاقيات تتضمن “تحميل خزانة الدولة” التزامات ونفقات كبيرة. فقد أظهرت بيانات صندوق النقد الدولي، أن اجمالي قيمة الدين العام سجل ( 6, 17) مليار دينار بنهاية العام 2012 او ما يعادل 25 مليار دولار منها (678 ، 12 ) مليار دينار دين عام محلي إضافة الى الديون المكفولة من قبل الحكومة والتي بلغت ( 2,93) مليار دينار بنهاية العام الماضي. وقد اوردت الحكومة في مشروع قانون الموازنة العامة موازنة للتمويل لعام 2013 منها قروض خارجية لتمويل المشاريع الرأسمالية ستبلغ 36 مليون دينار وقروض مؤسسات دولية لدعم الموازنة بمبلغ 843 مليون دينار، اضافة الى سندات اليورو بقيمة 1,06 مليار دينار.
كما توقع مشروع القانون الحصول على قروض داخلية بقيمة ( 3,5) مليار دينار عام 2013 سيستخدم مبلغ 1.31 مليار دينار من هذا التمويل لسد عجز الموازنة العامة ومبلغ 441 مليون دينار لتسديد اقساط قروض داخلية وخارجية مستحقة، اضافة الى 80 مليون دينار لتسديد سندات دين للبنك المركزي الاردني، واطفاء الدين الداخلي بمبلغ 3,613 مليار دينار. ويبدو ان الحكومات المتعاقبة تستند في عدم عرض اتفاقيات الاقتراض الداخلي والخارجي على تفسير المجلس العالي لتفسير الدستور في قراره رقم (1) لسنة 1962 والذي أعتبر ان لفظة (معاهدات) بمعناها العام تنصرف الى الاتفاقات التي تعقدها دولتان او اكثر سواء اكانت تتصل بالمصالح السياسية او الاقتصادية او غيرها، وبمعناها الخاص تنصرف الى الاتفاقات الدولية الهامة ذات الطابع السياسي كمعاهدات الصلح ومعاهدات التحالف وما شابهها.
اما ما تبرمه الدول في غير الشؤون السياسية فقد اصطلح الفقه الدولي على تسميته بالاتفاقية او الاتفاق. ولذلك وجد المجلس العالي بان استعمال لفظة (الاتفاقات) بعد لفظة المعاهدات في المادة (33) المشار اليها انما يدل على ان واضع الدستور قد تقيد عند استعمال هذين اللفظين بالتخصص المتقدم ذكره. ولهذا فان الاتفاقات المعنية في هذه المادة من وجهة نظره هي الاتفاقات التي يكون طرفاها دولتان او اكثر وتتعلق بغير الشؤون السياسية. اما الاتفاقات المالية التي تبرمها الدولة مع أي شخص طبيعي او معنوي كالبنوك والشركات مثلا فهي غير مشمولة بحكم هذه المادة وفقا لرأي المجلس ولا يحتاج نفاذها الى موافقة مجلس الامة ولو كانت هذه الاتفاقات تحمل الخزانة شيئا من النفقات.
وبالرغم من ان المصلحة العامة تتطلب ان تكون القروض خاضعة لموافقة مجلس الامة إلا أن إجتهاد المجلس العالي لتفسير الدستور يرى بان النص لا يتطلب موافقة مجلس الأمة على هذه الاتفاقيات وأن الأمر يحتاج الى تعديل للدستور ووضع نص خاص بذلك لا أن يتم استنباط هذا الحكم من نصوص لا تحتمله اذ ان مهمة المجلس العالي تنحصر في تفسير النصوص الحالية النافذة لا اضافة احكام جديدة هي من اختصاص المشرع.
وقد كان رأي المجلس العالي بالاغلبية لوجود مخالفة ترى بان مثل هذه الاتفاقيات تحمل الخزينة أعباء ماليه مما يستوجب العرض على مجلس الأمة.
وحيث ان إختصاص المجلس العالي لتفسير الدستور في تفسير النصوص الدستورية قد تم الغائه بعد إنشاء المحكمة الدستورية وتوليها هذه المهمة فانني ارى بانه لا بد من عرض الأمر على المحكمة الدستورية لتعطي رأيها في هذا الأمر الهام حيث أن المصلحة العامة تقتضي التوسع في تفسير النص بحيث تصبح اي اتفاقية تحمل الخزينة أعباء ماليه مستوجبة العرض على مجلس الأمة دون التقيد بآراء فقهيه حول تسميات الاتفاقيات او المعاهدات لأن الحكمة أساسا من النص هي عدم السماح للسلطة التنفيذية بالالتفات على قانون الموازنة العامة في تحميل الخزينة أعباء مالية إضافية غير ما هو منصوص عليه في قانون الموازنة العامة الذي يصدر بموجب قانون سندا للمادة(112/6) التي تنص صراحة على أنه “يصدق على واردات الدولة ونفقاتها المقدرة لكل سنة مالية بقانون الموازنة العامة” والذي لا يجوز إجراء تعديل على ما ورد فيه إلا بقانون ايضا.
كذلك فانه لا سبيل لوقف هدر المال العام وتحميل المواطنين عبء الاقتراض غير المدروس من الحكومات إلا بتحقيق الرقابة البرلمانية.
ويمكن إعتبار الاقتراض من واردات الدولة مما يستوجب أن يكون مشمولا بنص المادة (115) من الدستور التي تتطلب ان يتم تأديته الى “الخزانة العامة”، كما وتتطلب ايضا أن لا يتم إنفاقه إلا من خلال موازنة الدولة وبموجب قانون بحيث يتم منع الالتفات على قانون الموازنة ايضا بالقروض والمنح التي يتم صرف بعضها دون دخولها موازنة الدولة تلافيا للرقابة البرلمانية.
اترك تعليقاً