الاثار القانونية حول كثرة عدد القوانيين و كذالك انعدامها
كثرة القوانين (عقبات) وانعدامها (فوضى)
في حياتنا أشياء تشبه الملح في الطعام؛ إن كثُر أفسد عليك الطبخة، وإن قلّ أصبح الطعام بلا طعم أو نكهة.. وهكذا هي حال القوانين والتشريعات في أي دولة.. إن اختفت عمت الفوضى، وإن زادت ظهرت العقبات البيروقراطية..
ففي حين نعاني نحن من شح واضح في قوانين التقاضي – بحيث يترك الأمر غالبا لتقدير القاضي أو مرئيات اللجان المعنية تعاني الدول المتقدمة من تراكم القوانين والتشريعات الصادرة من برلماناتها ومجالسها النيابية منذ القرون الوسطى..
في نهاية القرن العشرين (واستعدادا للاتحاد الأوروبي الكبير) اتفقت الدول الأوروبية على شن حملات للتخفيف من القوانين العتيقة والقيود المعيقة.. وأذكر جيدا أن أحد الأحزاب الإيطالية وعد ناخبيه بالعمل على إلغاء 60 ألف قانون تافه في حال فاز بالانتخابات.. كما وعد بالحد من نشاط البرلمان الإيطالي الذي يفرز سنويا أكثر من 180 قانونا (مقابل 90 للبرلمان الفرنسي و55 للبرلمان الألماني) الأمر الذي شكل أعباء متزايدة على المواطنين والأنشطة الاقتصادية..
أما في عالمنا العربي فلا أعتقد أن هناك من يتفوق على مصر بحكم الضخامة والأسبقية في كثرة القوانين والتشريعات.. فبحسب المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة الأسبق، تجاوز عدد التشريعات طاقة رجال القانون كونه وصل إلى 98 ألف تشريع.. وهناك دراسة أجريت على مدار الأربعين عاما الماضية 1950 – 1989 أوضحت أن 70% من القوانين تصدر معدلة أو لاغية لقوانين موجودة سابقا (وغالبا تأتي أكثر تعقيدا من سابقاتها)!!
أما الأسوأ من كثرة القوانين فهو إصدار قوانين (خاصة) تحقق مصالح شخصية للرؤساء والحكام والنخب المعروفة في البلاد..
ففي العراق مثلا أصدر حزب البعث المنحل أكثر من 13 ألف قانون (311 منها) فصلت لصالح عدي بن صدام حسين.. وخلال ال30 عاما الماضية وضعت في مصر قوانين هدفت لتحقيق مصالح شخصية للرئيس مبارك ونجليه ورجال الأعمال المقربين منه.. ومن أمثلة ذلك التعديلات التى أدخلها مبارك على دستور 1971 لتمرير خلافة ابنه جمال، وقانون منح تسهيلات للشركات التابعة لزوجته وابنيه، وقانون التصالح مع رجال الأعمال الذين هربوا بأموال البنوك للخارج، وقانون منع الاحتكار الذي صدر لصالح كبار الرأسماليين في البلد (وتضمن أحد نصوصه معاقبة كل من يبلغ عن الاحتكار)!!
على أي حال؛
بالاضافة الى معيار الملح في الطعام الذي أتمنى تحقيقه في مجتمعنا المحلي نترقب أيضا ظهور قوانين مكتوبة وواضحة تخص المحاكم والقضايا الجنائية في السعودية.. قوانين قياسية تنشر كموسوعة مرجعية توضح العقوبة المقابلة لكل جناية وجنحة (ولا بأس من اختيار أفضل الأحكام التعزيرية كي تسن كمرجع قانوني ثابت)..
أما فيما يخص التجارة والاقتصاد فأفضّل صراحة قوانين (أقل بكثير) كون الازدهار الاقتصادي يتطلب التخفيف من البيروقراطية والعقبات المعيقة للمشاريع الصغيرة والمؤسسات الناشئة.. فالازدهار الاقتصادي الذي شهدته النمور الآسيوية يعيده الخبراء الى اختفاء القوانين المحدة للازدهار بشكل شبه نهائي (لدرجة يمكنك إنشاء أي متجر أو مؤسسة في سنغافورة أو هونج كونج من خلال تسجيله عبر الانترنت فقط)..
اترك تعليقاً