الاثار القانونية لجرم إساءة الائتمان في الترشح لمجلس النواب
المحامي الدكتور نوفان العجارمة
أستاذ القانون الإداري المساعد
كلية الحقوق – الجامعة الأردنية
لقد طالعتنا العديد من الوسائل الاعلامية بتحليلات قانونية خلصت إلى القول بحرمان المحكوم عليه بجرم سوء استعمال الأمانة الترشح لمجلس النواب، مخالفين بذلك ما انتهيت إليه محكمة بداية غرب عمان عندما قررت خلاف ذلك حيث أجازت- في حكم شهير لها- للمحكوم عليه بجرم إساءة الائتمان الترشح لمجلس النواب.
ونظرنا لكوني من أصحاب الاختصاص في القانون الإداري، فقد وجدت من واجبي إن أدلي بدلوي في هذا الموضوع، قبل أن تتزاحم أدلاء على خرزة البئر.
نقول و باختصار شديد، إن ما انتهت إليه محكمة بداية غرب عمان الموقرة، في حكمها الأغر الصادر بتاريخ 14/10/2010، يتفق وصحيح القانون، ومعللا تعليلا وافيا، و للأسباب التالية:
أولا: لقد حددت المادة (75) من الدستور لشروط الواجب توافرها فيمن يرشح لعضوية مجلس النواب، ومن بين هذه الشروط أن لا يكون ((محكوماً عليه بالسجن مدة تزيد على سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يعف عنه.)) و باستقراء هذه الفقرة نجد بان المعول عليه هو مقدار العقوبة ، لا وصفها ، فالمشرع الدستوري- وبنص آمر- وضع إطارا عاما(وهو مقدار العقوبة)، ومن ثم، لا يجوز للمشرع العادي مخالفة ، وان كان ثمة نص قانوني ورد في أي تشريع آخر يقول بخلاف ذلك (بما في ذلك قانون أصول المحكمات الجزائية) فان المحاكم غير ملزمة بتطبيقه ، ويعتبر هذا النص – المخالف للدستور –غير موجود من الناحية القانونية.
ثانيا : مما يؤكد إن العبرة بمقدار العقوبة لا بوصفها، إن المشرع الأردني في قانون الانتخاب لسنة 2010 بين الشروط الواجب توافرها في المتقدم بطلب الترشيح لعضوية مجلس النواب ومنها أن لا يكون (( محكوماً عليه بالسجن مدة تزيد على سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يعف عنه )) أي لم يتطرق المشرع لوصف الجريمة فيما إذا كانت مخلة بالشرف أم لا ؟؟ هذا خلافا لموقف المشرع في قوانين الانتخاب السابقة ، قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 24 لسنة 1960 و الذي حدد طبيعة الجريمة بالقول ((غير محكوم عليه بجناية أو جنحة أخلاقية))، كذلك قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 22 لسنة 1986 و الذي نصت الفقرة (د) من المادة (18) منها بالقول((ان يكون غير محكوم عليه بالسجن مدة تزيد على سنة واحدة بجريمة غير سياسية ولم يعف عنه وان لا يكون محكوماً عليه بجناية أو جنحة أخلاقية. )).
ثالثا: وفقا لأحكام المادة (75) من الدستور وكذلك المادة (8) من قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2010: فانه لا يحق للشخص الترشيح لعضوية مجلس النواب إذا كان:
1. محكوماً عليه بالسجن مدة تزيد على سنة واحدة (بقطع النظر عن طبيعة أو نوع هذه الجريمة وحتى لو كانت حادث سير)
2. وان تكون هذه الجريمة غير سياسية
3. ولم يحصل المشرع على عفو، سواء كان العفو عاما أم خاصا. والقول بخلاف ذلك يعني مخالفة الدستور .
رابعا : إعمالا للقاعد ة التفسيرية القائلة بان (( الخاص يقيد العام )) لا العكس : فان قانون الانتخاب قانون خاص و قانون أصول المحكمات الجزائية قانون العام ، و يقدم القانون الخاص على القانون العام في حالة التعارض بينهما . لاسيما إن المادة (368) من قانون أصول المحكمات الجزائية لسنة 1961 الفقرة(22) تنصت على(( يلغى كل تشريع أردني أو فلسطيني صادر قبل سن هذا القانون إلى المدى الذي تكون فيه تلك التشاريع مغايرة لأحكام هذا القانون.. )) أي إن تلك الفقرة تكلمت إن التشريعات السابقة ولم تتحدث عن التشريعات اللاحقة ؟؟ تاركة هذا الأمر لقواعد التفسير، في حالة التعارض.
خامسا: إن قول بعضهم بأنه(( لو اعتمدنا على رأي محكمة غرب عمان فسنجد وضعا غريبا في السلطة التنفيذية انه يجوز أن يكون هناك نائب يمثل الأمة ومؤتمن على مصالحها رغم أنه مدان قضائيا بجريمة سوء استعمال الأمانة ))، كلام غير قانوني ، و غير مدرك لدور القاضي ، فالمحكمة تقوم بالفصل بالنزاع على أساس من القانون ، و تقوم بتطبيق القانون كما هو – إلا إذا كان مخالفا للدستور- فالقاضي لا يقوم بوظيفة الإصلاح الاجتماعي أو السياسي ، ولا يملك القاضي إلا أن يقوم بتطبيق هذه النصوص ، دون وضعها في ميزان المنطق ، و القول بخلاف ذلك يعني تعدي السلطة القضائية على اختصاص السلطة التشريعية ، وهذا مخالف للدستور، وغير مقبول في الدولة القانونية .
سادسا : إن القرار الصادر عن اللجنة المركزية في محافظة العاصمة، هو قرار إداري ، يتمثل بإفصاح جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة ، وهذا القرار أحدث أثرا قانونيا ، و هذا القرار ليس له حجية ، طالما كان قابلا للطعن أمام القضاء ، وقد قال القضاء (وبحكم قطعي) الكلمة الفصل بشان هذا القرار، حيث تم فسخ(إلغاء ) هذا القرار وقد امتثلت السلطة التنفيذية لهذا الحكم القضائي، و هذا الحكم له حجية الإحكام، كونه مكتسب للدرجة القطعية ، وغير قابل للاستئناف بأي صورة من الصور.
سابعا: إن الإحكام القضائية المكتسبة للدرجة القطيعة تعتبر مصدر من مصادر المشروعية، فهي على حق من حيث الموضوع وصحيحة من حيث الشكل. و أن التفسير القضائي، هو التفسير الواجب الإتباع ، كونه ينبيء عن إرادة المشرع، و لا يجوز التعرض لهذه الأحكام بأي صورة من صور النقد( إلا في إطار ما تم التعارف عليه)، احترما لهيئة القضاء ، و من شان هذا النقد أن يشكل جرما يعاقب عليه القانون .
ثامنا : بالرجوع إلى نص(365) من قانون أصول المحاكمات الجزائية نجدها تقول : (لا يتولى أي شخص أعيد اعتباره وكان محكوما في أي من الجرائم التالية : الاختلاس والرشوة وسوء الائتمان وجميع الجرائم المخلقة بالأخلاق والآداب والثقة العامة أيا من الوظائف التالية.. القضاء أو عضوية مجلس الأمة أو الوزارات). هذه الفقرة تتحدث عن شخص في مركز قانوني في حكم المؤكد بأنه سوف يصبح نائبا ؟؟ و من المعلوم أن المرشح لعضوية مجلس النواب هو في مركز قانوني ذات طبيعة احتمالية، قد يحالفه الحظ بالفوز وقد يخسر ؟؟ أي انه في مركز قانوني مشابه إلى حد ما لأي مواطن عادي، ولا مجال للحديث عن تطبيق لأحكام المادة (365) بحق المرشح المحكوم عليه بجرم سوء استعمال الأمانة ؟؟
وأخيرا، نقول أن الحكم الذي أصدرته رئيسة محكمة بداية غرب عمان الاستاذه فداء الحمود ، يعتبر نقطة مشرقة في جبين المشروعية ، وقد تعلمنا من تقاليدنا إن القضاء هو أمننا وهو حصننا، ولقد ظل في الأردن – حتى الآن – الأمل والحصن، وهو في ذات الوقت أمان للحكام وحصن له، وإن وجود قضاء مستقل هو كالفضيلة بأجمل صورها، يجعل الفرد بالمجتمع نبيلا بغير ولادة، غنيا بلا مال، رفيعا من غير حاجة إلى لقب، وسعيدا بغير ثروة.
اترك تعليقاً