الاثار القانونية للسياسة التشريعية في قوانين الإصلاح السياسي
د.نوفان العجارمة
إنني أتقدم إليكم بالحقيقة وبرأسي، تصرفوا في احدهما بعد أن تستمعوا للأخرى، هذا ما قاله المحامي الفرنسي (بيريه) مترافعا أمام محاكم الثورة الفرنسية الذي دفعني للكتابة في هذا موضوع الاصلاح السياسي كثرة الحديث عنه، وما يقتضيه هذا الأمر بالضرورة من إعادة النظر في بعض القوانين، والتي يأتي على رأسها قانونا الانتخاب والأحزاب السياسية، وإصلاح هذين القانونين يعرف بإصلاح الإصلاحات.
واشعر بان الكثيرين في هذا المجتمع الطيب يستعجلون هذا الأمر، ويطالبون بتعديل هذه القوانين بين ليلة وضحاها، واعتقد إن الاستعجال في سن هذه القوانين قد يؤدي إلى نتائج عكسية، لان القوانين التي تسن تحت وطأة الضغط لن تكون قوانين جامعة مانعة، وقد تشكل هذه القوانين عقبة في طريق الإصلاح، بدلا من أن تمهد الطريق إليه.
إن مشرع الحقوق والحريات في هذه البلاد مدعو -بحكم الأمانة التي يحملها فوق كتفيه وبحكم الظروف التي يعيشها الوطن – لان يكون حاميا لسيادة القانون ورسولا للحرية وبشيرا بالتقدم، وراعيا للعدل، وهو لكي يكون كذلك يجب أن تكون لديه من القدرات والإمكانيات ما يؤهله لحمل المسؤوليات الضخمة الملقاة على عاتقه في هذه الظروف.
لذلك فإن هذه القوانين تحتاج إلى حوار وطني جاد يفضي إلى مخرجات يمكن البناء عليها وصياغتها في قواعد قانونية قابلة للتطبيق المباشر، قواعد دقيقة في صياغتها، فالنص الدقيق يؤدي إلى التفسير الدقيق ولن يثير اللبس والإبهام، فإعداد النصوص وصياغتها غاية في الأهمية والخطورة وتحتاج إلى وقت كاف، وإلى قراءة بطيئة، فالقراءة البطيئة تجعل المصطلحات القانونية محفورة في أذهاننا حاضرة في وعينا، ومتيسرة للاستخدام اليومي من قبلنا.فلا يعد القانون قوة تفرض من الخارج على الكيان الاجتماعي بل هو مبدأ الحياة لهذا الكيان.
و اسمحوا لي أن اضرب مثالا على خطورة العمل التشريعي، فالدستور المصري عندما تم تعديله في آخر أيام الرئيس السادات حدد مدة الرئاسة بمدة محددة قابلة للتجديد لمدة مماثلة، وتم تعديل حرف واحد فقط في هذا النص من خلال استبدال (مدة) بمدد، وهذا الحرف ابقى نظام الرئيس مبارك (30) سنة في الحكم ؟؟
و أضيف بان المشرع ليس حرا طليقا في عملية التشريع، فيتوجب عليه مراعاة جملة محددات منها شكلية، سواء تلك المنصوص عليها في الدستور من حيث تقنيات وآليات العمل التشريعي، ومنها موضوعية وهي المتعلقة بمضمون القواعد القانونية، فالمشرع ليس حراً في ابتداع أي نظام قانوني جديد إذا كان دستور الدولة لا يجيزه، فإذا وجد المشرع طريقه خاليا من الحدود أو القيود فإنه يكون متمتعا بكامل حرياته الدستورية.
ولابد كذلك من مراعاة طبيعة البيئة الوطنية في صياغة القانون المستمد من مصادر أجنبية، فعندما يضطر المشرع إلى اقتباس انظمة قانونية (أو تجارب) ثبت نجاحها في بيئية اجنبية نظرا لاستنادها على أسس علمية واضحة، بيد أن هذه السياسة المتمثلة بالنقل الحرفي للتجارب الأجنبية، محفوفة بالمخاطر اذا تم تجاهل عناصر البيئة الوطنية، المادية والروحية، لذلك فإن المشرع مقيد بمراعاة هذه البيئة عند صياغة قواعد قانونية ذات مصدر مستمد من القانون الأجنبي.
وأخيرا، نحن بحاجة إلى حوار مدروس ومتأني حول المفاصل المتعلقة بقانوني الانتخاب والأحزاب السياسية، نقدم الأطروحات ونقوم بتقليب الأمر على وجوهه، ونقابل الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق، نبني على الايجابيات ونتخلص من السلبيات، ونأخذ من تجارب الدول المتقدمة ما يراعي خصوصيتنا الأردنية، فالدين يجب أن يكون باعثا على طلب العرفان، ومطالبا للأرواح باحترام البرهان (كما يقول الإمام محمد عبده في رسالة التوحيد). أو كما قال رب العزة جل شانه ((لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ..)).
اترك تعليقاً