الأثر الاجتماعي للأحكام الجزائية
القاضي إياد محسن ضمد
كل جريمة تترك خلفها مساحة من الوجع وكما هائلا من الحزن.. ويمكنك تحسس هذا الوجع وذلك الحزن في قلوب ذوي المجنى عليه في جرائم القتل والخطف وفي عيون من سرقت أمواله في جرائم السرقة وفي قسوة الشعور بازدراء الناس في جرائم السب والقذف والضرر الذي يقع على المجنى عليه أكان نفسيا أم ماديا يدفعك اكنت ضحية للجريمة ام مراقبا لها لمطالبة المحكمة بانزال اقسى العقوبات بحق المتهم.
على الجانب الآخر للمتهم اما وابا تنهار قواهما الصحية حين القبض عليه وللمتهم زوجة لا تستطيع دفع مبلغ استئجار الدار وستقف حائرة حين يقطع عن بيتها التيار الكهربائي نهاية الشهر لعدم تسديد اجور الكهرباء لصاحب المولدة وللمتهم ابناء صغار بعمر الزهور يمشون خلف والدتهم بمنتهى الانكسار يجرون خلفهم خطى الخيبة يجوبون معها اروقة المحاكم وغرف قضاة التحقيق ومراكز الشرطة لمتابعة مصير ابيهم المتهم في مشهد تتفطر معه القلوب ألما وتذرف لاجله الدموع حسرة وانت حين تشاهدهم بثياب رثة وأقدام حافية حتما ستتعاطف مع ابيهم وتتمنى على المحكمة ان تخفف الحكم عنه… لماذا…لان العقوبة التي ستصدر بحق أبيهم ستكون بمثابة العقوبة الصادرة بحقهم لأنها ستمنع عنهم الرعاية الابوية وتجعلهم بلا معيل وبلا مورد مالي للعيش في مثل هذا الزمن وهذا باعتقادي هو الأثر الاجتماعي للعقوبة التي تصدرها المحاكم هذا الحكم الذي لا يقف اثره على المتهم بل تمتد ابعاده الانسانية لتشمل كامل الأسرة التي ينحدر منها المتهم وتنحدر منه.
تقاطع المصالح والعواطف بين المتهم والضحية ومسألة التوفيق بين حفظ الامن العام وردع وزجر المتهم وبين مراعاة ظروفه الإنسانية وإحداث الموازنة بينهما مسألة غاية في التعقيد غالبا ما تسعى محاكم الجنايات والجنح للتوفيق بينهما عند اصدار العقوبات سيما المقيدة منها للحرية لذلك تلجأ محاكم الموضوع للاستناد الى مواد قانون العقوبات التي تنص على الظروف والاعذار المخففة كذلك الى استخدام صلاحياتها في تخفيض العقاب او وقف تنفيذه حين الحكم على بعض المدانين والمجرمين.
وربما يبدو الحكم غريبا وغير رادع لمن يحضر جلسة المحاكمة او لمن يسمع عن بعد بقرار الحكم وتبدو العقوبة خفيفة لانه لا يعلم ان المحكمة أخذت كل الظروف الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للمتهم والضحية عند إصدارها العقوبة ووضعتها في ميزان الحكمة والتوازن الذي يمتلكه القضاء بالاستناد إلى ولايته العامة في تقدير العقوبات وفرضها تلك الولاية التي توجب ان لا تتحول سلطة القضاء في الحكم الى سلطة انتقام ولا الى سلطة متراخية ومتعاطفة مع المتهم وإنما يجب ان تظل سلطة ابوية متوازنة تسعى الى تحقيق العدالة ترعى اطراف العلاقة في القضية المنظورة بميزان قانوني إنساني يجمع بين ردع المتهم وزجره وبين مراعاة ظروفه العائلية والإنسانية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً