الأثر القانوني لحجية حكم المحكمة الدستورية برفض الدعوى
الدعوى رقم 27 لسنة 40 ق “منازعة تنفيذ” حلسة 1 / 2 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من فبراير سنة 2020م، الموافق السابع من جمادى الآخرة سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 27 لسنة 40 قضائية “منازعة تنفيذ”.
المقامة من
وزير المالية
ضــد
1 – بيير لويس سمعان صيدناوى، وريث المرحوم / لويس سمعان صيدناوى.
2 – رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعى
الإجراءات
بتاريخ الثالث من يوليو سنة 2018، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم، أولاً: وبصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية، بجلسة 27/1/2016، في الدعوى رقم 3466 لسنة 2009 مدنى كلى، المؤيد بالحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة، بجلسة 4/1/2017، في الاستئناف رقم 1146 لسنة 20 قضائية، مع الاستئنافين رقمى 1228 و1334 لسنة 20 قضائية، حتى يفصل في الموضوع، ثانيًا: وفى الموضوع: بعدم الاعتداد بحكم محكمة أول درجة المشار إليه، والقضاء أصليًّا بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، بجلسة 6/2/1993، في الدعوى رقم 57 لسنة 4 قضائية “دستورية”، واحتياطيًّا: بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، بجلسة 6/6/1998، في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية”.
وقدم المدعى عليه الأول مذكرة، طلب في ختامها الحكم برفض الطلبين العاجل والموضوعى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمـــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الأول كان قد أقام الدعوى رقم 3466 لسنة 2009 مدنى كلى، أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، مختصمًا المدعى والمدعى عليه الثاني، طالبًا الحكم بتعويض نقدى مقابل الاستيلاء على الأرض الزراعية المملوكة لمورثه بمحافظة الشرقية، تنفيذًا لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي. وبجلسة 27/1/2016، قضت تلك المحكمة بإلزام المدعى والمدعى عليه الثاني، بأن يؤديا للمدعى عليه الأول، مبلغ ” سبعة ملايين ومائتا وسبعة وسبعون ألفًا وثلاثمائة وخمسة وسبعون جنيهًا”. طعن المدعى على هذا الحكم بالاستئناف رقم 1146 لسنة 20 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة. كما طعن المدعى عليهما على الحكم ذاته بالاستئنافين رقمى 1128، 1334 لسنة 20 قضائية استئناف القاهرة – على الترتيب -، وبعد أن ضمت المحكمة تلك الاستئنافات ليصدر فيها حكم واحد، قضت بجلسة 4/1/2017، بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من إلزام المدعى عليه الثاني، وبعدم قبول الدعوى المبتدأة لرفعها على غير ذى صفة، وبرفض استئناف المدعى والمدعى عليه الأول. طعن المدعى على الحكم الاستئنافي المشار إليه أمام محكمة النقض، بموجب الطعن المقيد برقم 4065 لسنة 78 قضائية. وبجلسة 9/10/2017، قضت محكمة النقض – في غرفة مشورة – بعدم قبول الطعن.
وإذ ارتأى المدعى أن حكم محكمة شمال القاهرة الابتدائية في الدعوى رقم 3466 لسنة 2009 مدنى كلى، المؤيد بحكم محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 1146 لسنة 20 قضائية – المشار إليهما – قد ناقضا: أولاً: حكم المحكمة الدستورية العليا، الصادر بجلسة 6/2/1993، في الدعوى رقم 57 لسنة 4 قضائية “دستورية”، الذى قضى برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بشأن تصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، فيما تضمنه من استمرار تطبيق أحكام اتفاقيات التعويضات المبرمة بين مصر، وبعض الدول الأجنبية على رعايا تلك الدول، الذين خضعوا لتدابير الحراسة استنادًا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ، وذلك بإعراض الحكم الابتدائى المؤيد استئنافيًّا عن تطبيق نصوص الاتفاقية الموقعة بتاريخ 18/11/1964، بين الحكومتين المصرية واللبنانية، لتسوية التعويضات المستحقة للرعايا اللبنانيين، عن أموالهم التى فرضت عليهـا الحراسة أو الأراضي الزراعية التى خضعت للقانون رقم 127 لسنة 1961 أو القانون رقم 15 لسنة 1963، وهى الاتفاقية التى تم نشرها في الجريدة الرسمية، وعُمل بها اعتبارًا من 4 أغسطس سنة 1965، ومن ثم يكون لها قوة القانون، واجب الإعمال على دعوى التعويض عن الاستيلاء على الأراضي الزراعية لمورث المدعى عليه الأول، دون غيرها، من القواعد العامة للتعويض عن الاستيلاء على الأراضى الزراعية الذى تم تنفيذًا للمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى.
ثانيًا: حكم المحكمة الدستورية العليا، الصادر بجلسة 6/6/1998، في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية”، فيما تضمنته أسبابه، في غير موضع، من وجوب ارتباط تقدير التعويض عن الاستيلاء على الأراضي الزراعية طبقًا للمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، بقيمة تلك الأراضى وقت الاستيلاء عليها، في حين خلص حكم محكمة شمال القاهرة الابتدائية المؤيد بحكم محكمة استئناف القاهرة المشار إليهما، إلى الاعتداد بقيمة الأرض الزراعية المستولى عليها وفق أسس التقدير الواردة بتقرير الخبير المودع في الدعوى المنظورة أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، السالف ذكره، والمعول فيه على قيمة تلك الأرض في تاريخ رفع دعوى التعويض، دون تاريخ الاستيلاء عليها. مما يكون معه حكما جهة القضاء العادي السالف بيانهما، قد حالا دون جريان آثار حكمى المحكمة الدستورية العليا السالف الإشارة إليهما، ومن ثم أقام المدعى دعواه المعروضة.
وحيث إن منازعة التنفيذ – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – قوامها أن التنفيذ لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا- بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل تبعًا لذلك، أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان. ومن ثم، تكون عوائق التنفيذ القانونية هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، تلك المنازعـة التى تتوخـــــى في ختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صدر عن المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التى يضمها، والآثار المتولدة عنها في سياقها، وعلى ضوء الصلة الحتمية التي تقوم بينها، هى التى تحدد جميعها شكل التنفيذ وصورته الإجمالية، وما يكون لازمًا لضمان فعاليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستوريـة العليا – وفقًا لنص المادة (50) من قانونهـا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – لهدم عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها كاملة، في مواجهة الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين جميعهم، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- قد حالت فعلاً أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها. ثانيها: أن يكون إسناد هذه العوائق إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها. ثالثها: أن منازعة التنفيــذ لا تُعـد طريقًا للطعن في الأحكام القضائيـة، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت، بجلسة 6/2/1993، برفض الدعوى رقم 57 لسنة 4 قضائية “دستورية”، المقامة طعنًا على دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، فيما نصت عليه من أن “يستمر تطبيق أحكام اتفاقيات التعويضات المبرمة مع بعض الدول الأجنبية على رعايا هذه الدول الذين خضعوا لتدابير الحراسة المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون”، والتي تنص على أن “تعتبر كأن لم تكن الأوامر الصادرة بفرض الحراسة على الأشخاص الطبيعيين وعائلاتهم وورثتهم استنادًا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ، ويتم إزالة الآثار المترتبة على ذلك على الوجه المبين في هذا القانون. ويقصد بالعائلة – في أحكام هذا القانون – كل من شملتهم تدابير الحراسة من زوج وزوجة وأولاد قصّر أو بالغين وغيرهم من الورثة”.
وحيث إن صدور حكم من إحدى محاكم جهة من جهات القضاء، في النزاع الموضوعي المردد أمامها، بالمخالفة لنص تشريعي، ورد في قانون، أو في إحدى الاتفاقيات الدولية، التي لا تجاوز مرتبتها مرتبة القانون، لا يعدو أن يكون وجهًا من أوجه مخالفة ذلك الحكم للقانون، وإن جاز تصحيحه بالطعن عليه أمام المحكمة الأعلى بتلك الجهة القضائية، إلا أنه لا يصلح لأن يكون عقبة تحول دون تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية ذلك النص، بما يستنهض ولايتها لإزالة تلك العقبة، ذلك أن قضاءها برفض تلك الدعوى، إنما يكشف عن ثبوت الشرعية الدستورية لذلك النص من تاريخ العمل به، ولا تجاوز الحجية المطلقة لذلك الحكم النطاق الدستوري المحكوم فيه، لتستطيل إلى تقييد سلطة محاكم الموضوع في تحديد أحوال انطباق النص التشريعي المقضي بدستوريته، على الأنزعة الموضوعية المرددة أمامها، والفصل فيها.
متى كان ما تقدم، وكان حكم محكمة شمال القاهرة الابتدائية، المؤيد بحكم محكمة استئناف القاهرة، المشار إليهما، قد تساندا، فيما قضيا به من تعويض، إلى أن الاستيلاء على الأرض الزراعية محل الدعوى الموضوعية، تم بمقتضى أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي والقرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصـلاح الزراعي، المقضي بعدم دستورية عناصر التعويض المنصوص عليها في المادة الخامسة من المرسوم بقانون والمادة الرابعة من القرار بقانون سالفي البيان، بما مؤداه أن الاستيلاء على الأرض الزراعية محل الدعوى الموضوعية لا يكون قد تم تنفيذًا لقرار رئيس الجمهورية بفرض تدابير الحراسة عليها، استنادًا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 في شأن حالة الطوارئ. ولازم ذلك انتفاء الصلة بين التعويض المقضي به، والحكم الوارد بنص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن الحراسة، التى قضت هذه المحكمة برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستوريته، الأمر الذى تكون معه الاتفاقية الموقعة بتاريخ 18/11/1964، بين الحكومتين المصرية واللبنانية لتسوية التعويضات المستحقة للرعايا اللبنانيين لا محل لها من التطبيق على وقائع النزاع الموضوعي. ومن ثم فإن الادعاء باعتبار التعويض الذى قُضى به في الدعوى الموضوعية عقبة في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصــادر بجلسة 6/2/1993، في الدعوى رقم 57 لسنة 4 قضائية “دستورية”، ينحل إلى طعن على الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية، المؤيد استئنافيًّا، ولا يدخل في عداد عقبات تنفيذ حكم هذه المحكمة الفائت بيانه، ومن ثم تغدو الدعوى المعروضة، في خصوص الطلب الموضوعي الأصلي، غير مقبولة
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت، بجلسة 6/6/1998، في الدعوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية”:
أولاً: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه، وفقًا لأحكام هذا القانون، الحق في تعويض يعادل عشرة أمثال القيمة الإيجارية لهذه الأرض، وأن تقدر القيمة الإيجارية بسبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة بها الأرض، وبسقوط المادة (6) من هذا المرسوم بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية.
ثانيًا: بعدم دستورية ما نصت عليه المادة الرابعة من القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، من أن يكون لمن استولت الحكومة على أرضه تنفيذًا لأحكام هذا القانون الحق في تعويض يقدر وفقًا للأحكام الواردة في هذا الشأن بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليه، وبمراعاة الضريبة السارية في 9 سبتمبر سنة 1952، وبسقوط المادة الخامسة من هذا القرار بقانون في مجال تطبيقها في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية.
وتساندت هذه المحكمة في قضائها المتقدم على أن ” تقدير التعويض عن الأراضي المستولى عليها بما يعادل سبعين مِثْلاً للضريبة العقارية الأصلية المربوطة بها الأرض في تاريخ الاستيلاء عليها، لا يعدو أن يكون تقديرًا جزافيًّا منفصلاً عن قيمتها السوقية، وذلك من وجوه متعددة:
أولها: أن الضريبة العقارية المشار إليها لا شأن لها بأصول الأموال محلها، وإنما يتعلق فرضها بتقدير تصوره المشرع لإيراد نجم عن استغلالها، فلا يكون هذا الإيراد إلا وعاء لها.
وثانيها: أن الأموال المحملة بهذه الضريبة تتباين قيمتها فيما بينها على ضوء ظروفها وخصائص بنيانها حتى داخل المحافظة الواحدة، ولا يمكن – من ثم – أن يجمعها معيار واحد ينفصل عن أوضاع عرضها وطلبها التي تؤثر فيها إلى حد كبير عناصر متعددة تتداخل في مجال تقييمها، من بينها ما إذا كان أصحابها يزرعونها بأنفسهم أم يؤجرونها لغيرهم.
وثالثها: أن الضريبة العقارية المشار إليها – حتى بفرض جواز الرجوع إليها لتحديد التعويض المستحق – لا يُعاد النظر فيها سنويًّا، وإنما يمتد تقديرها في شأن الأراضي الزراعية جميعها – أيًّا كان موقعها وبغض النظر عن خصائصها – سنين عشرًا، مدها المشرع بعدئذ لمدد تماثلها، فلا يكون التعويض المقدر على أساسها إلا تصوريًّا.
وحيث إن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية – على ما استقر عليه قضاؤها – يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت في مضمونها. كما أن قوة الأمر المقضي لا تلحق سوى منطوق الحكم وما هو متصل بهذا المنطوق من الأسباب اتصالاً حتميًّا لا تقوم له قائمة إلا بها.
وحيث إن المثالب الدستورية التى أبطلت نصى المادتين الخامسة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي، والرابعة من القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعي، وما ترتب على ذلك من سقوط المادة (6) من المرسوم بقانون، والمادة الخامسة من القرار بقانون المشار إليهما، في مجال تطبيقهما في شأن التعويض المقدر على أساس الضريبة العقارية، إنما تحددت في مخالفة التنظيم التشريعي المقضي بعدم دستوريته، لنصوص المواد (32، 34، 36، 40، 165) من دستور سنة 1971، ومن ثم تكون التقريرات الدستورية التي وردت بحكم هذه المحكمة المشار إليه، واستطالت إلى معايير التعويض العادل – ولم تكن بهذا المؤدى سندًا لما قُضى به من إبطال وسقوط النصــوص التشريعية المار ذكرها – قد أبانت في إفصاح جهير، الضوابط المتعين الأخذ بها في شأن التعويض عن الاستيلاء على الأراضي التي تزيد عن الحــد الأقصى للملكية الزراعية، ولتَغْدُ هذه التقريرات توجيهًا لا يفارقـه المشرع، فيما لو أعاد تنظيم المسألة عينها، وذلك ضمانًا لصون الملكية الخاصة، والحيلولة دون مصادرتها بعيدًا عن أحكام الدستور.
إذ كان ما تقدم، وكان حكم محكمة شمال القاهرة الابتدائية الصادر في الدعوى رقم 3466 لسنة 2009 مدنى كلى، المؤيد بحكم محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 1146 لسنة 20 قضائية، لم يتخذ من عناصر التعويض التي تضمنهـا النصـان القانونيان المحكوم بعدم دستوريتهما، سندًا لما قضى به، ومن ثم لا يكون أى من الحكمين سالفي البيان مصادمًا لحكم هذه المحكمــة في الدعــــوى رقم 28 لسنة 6 قضائية “دستورية” السابق بيانه، ولا يشكل أى منهما عقبة في تنفيذه، مما تضحى معه الدعوى المعروضة، في خصوص الطلب الموضوعي الاحتياطي، قمينة بعدم القبول.
وحيث إنه عن طلب المدعى وقف تنفيذ حكمى محكمة شمال القاهرة الابتدائية، ومحكمة استئناف القاهرة سالفى البيان، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع، وإذ انتهت المحكمة إلى القضاء بعدم قبول الدعوى، على النحو المار ذكره، فإن قيامها بمباشرة اختصاص البت في طلب وقف التنفيذ – طبقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 – يكون قد بات غير ذى موضوع.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً