آثـــار زوال القـــرار الاداري المســـحوب
المحامية: منال داود العكيدي
أن سحب القرار الاداري يؤدي إلى زواله وكل مــا يترتب عليه مــن آثار وذلك بأثر رجعي, فالسحب يهـــدد القرار المعيب منذ صدوره ويمحو آثاره, وهـــو في ذلك يتفق مع الإلغاء القضائي , كــــما يترتب على القرار الساحب تجــريد القرار المسحوب من قوته القانونية مــــن وقت صدوره ومحو آثــاره التي تولدت عــنه, ومقتضى الأثر الرجعي للسحب هــــو أن تتدخل الادارة بقرار آخر جديد لسحب القرار السابق الذي ولد معيبا مـــن وقت صدوره .
وبمعنى اخر فان سحب القرار الاداري يؤدي إلى إعدامه بالنسبة للمستقبل والماضي أي إلغـــاء القـــرار بأثر رجعي, بحيث يصبح وكأنــــه لم يكن إطلاقا, ويستتبع هذا بالضرورة إلى تدخل الادارة لتنفيذ القرار الساحب, وذلك باعادة الأوضاع إلي ما كانت علية قبل صدور القرار الملغي ومهما طالت الفترة فيما بين صدور القرار وصدور القرار الساحب أو حكم الإلغاء, فلا يجب إن يضار ذوي الشأن مــن بطء إجراءات التقاضي أو طول فترة السحب ، وبلا ريب فان هذا الوضع يؤدي الى مضايقات شديدة لجهة الادارة , اذ إنهـــــا مضطرة لإعادة النظر فــــي كثير مــن القرارات التي صدرت مستندة إلي القرارات الملغية وأيضا إعادة النظر في جميع الآثار التي ترتبي في الماضي, والتي تستند إلـى القرار الملغي, و للادارة في هـــذا السبيل إن تصدر قرارات ذات اثـر رجعي لان تغدو ضرورية لتنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء أو القرار الساحب.
وهي فـي هــــذا الشأن تتحمل بالتزامين حيال القــــرار الساحب أو حكم الإلغاء.
أولهما سلبي بالامتناع عن ترتيب أي اثر للقرار المسحوب ، وثانيهما ايجابي يتمثل باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ مـؤدى الحكم أو القرار الساحب. وبهذا المعنى فان هناك اثرين للسحب, الأول هــو الأثر الهادم, والثاني هــو الأثر البناء .
فالقرار الساحب يجــرد القرار المسحوب مـــن قوته القانونية مـــن وقت صدوره ومحو آثاره التي تولدت بصدوره, أو بمعنى آخر, هــــو إلغاء القرار المعيب بأثر رجــعي , والأثر الرجعي في هـــــذا الشأن معناه تدخل الادارة بقرار جديد لسحب قرار سابق ولــد معيبا من وقت صدوره.
اما الآثار البناءة للقرار الساحب فتتمثل في إن القرار الساحب لا يستهدف إلغاء القرار المسحوب بأثـــر رجعي فحسب, وإنما يتعين بحكم اللزوم إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار المسحوب ، وبالتالي فان جهة الادارة تلتزم بإصدار كاف القرارات التي يقتضيها تحقيق أعادة الحال إلى مــــا كانت عليه, فإذا كان القرار المسحوب قـــــرار إداري صادر بفصل موظف فــــانه يتعين على الادارة إصدار القرار باعادة الموظف إلــى عمله كما لو كانت خدمته مستمرة وترتيب كــــــل الآثار التي تنجم عن ذلك .
ولابد من الاشارة الى أن القرارات الادارية غــير المشروعة التي تحصنت بفوات مواعيد سحبها أو الطعن عليها بالإلغاء لا تصبح قرارات مشـروعة ، وقد اتفق الفقه والقضاء على إن مـرور المدة التي يجوز خلالها طلب إلغاء القــرار غير المشروع, لا يحول من دون طلب التعويضات المترتبة على تنفيذ القرار, وبالتالي فان استقرار الأمر الإداري في مثل هذه الحالة لا يحجب عدم المشروعية تماما .
وهناك خلاف فقهي حول ان كان القرار المعيب يصلح اساسا لاصدار قرارات تلزمها اثارها فهناك من يرى أن استقرار القرار الإداري غير المشروع لا يصلح أساسا إلا لترتيب الآثار المباشرة للقرار فقط من دون الآثار غير المباشرة ، وقد أكد هــــــذا الاتجاه بعض فتأوي مجلس الدولة ومنهـــــــا الفتوى رقـــم 246 الصادرة في 6/3/1966 والتي تذهب الى : (إن تحصن القرار الخاطئ لا يعني تحولـه إلى قرار صحيح مــــن جميع الوجوه, إذ أن القرارات غـــــــير المشوبة بعيب مخالفة القانون الـــتي يحصـن بفوات ميعاد الطعن فيهــا بالإلغاء لا تنتج غير الآثار الـــتي تنشأ عنهـا مباشرة, وبصفة تلقائية من دون حاجة إلى تدخل جديد مــن جانب السلطة الادارية في صورة تصرف إداري جديد, ومن ثم لا يجوز اتخاذها أسـاســا لقــــــرار إداري أو إدخالها كعنصر, لان تحصينها لا يسـبغ عليها المشروعية ولا تطهرها مـن العيوب التي شابتها مما يلزم الجهة الادارية بالاعتداد, لان القول بذلك معناه, إلزام الادارة باحترام الخطأ, الأمر الذي يتنافى مع حسن سير الادارة ومبدأ المشروعية ).
اما الاتجاه الثاني: ويمثل غالبية الفقه واحكام القضاء فـيرون إن القرار الإداري غـــير المشروع يصلح أساسا لإصدار القرارات التي تترتب عليه كما لو كان سليما ، ويعتبرون ذلك نتيجة منطقية لاستقرار القرار الإداري المعيب ، وقد اصدر القسم الاستشاري لمجلس الدولة الفتوى 749 لسنه 31/10/1959 والتي تذهب الى انه ( لما كان هــذا الميعاد قد انقضى من دون سحب القرار أو طلب إلغائه فـــــانه يصبح ممتنع الإلغاء أو السحب ويكون شأنه شـأن القرار الصحيح قانونا وتترتب عليه كـــل آثاره وفي مقدمتها تسوية معاشه على النحو الذي تضمنه القرار ) .
وهذا يتفق مـــع الـواقع ويتسق مــع العقل والمنطق ويــــدعم فكرة استقرار المراكز القانونية للإفراد وبالتالي يـــدعم فكرة انتظام حسـن سير المرفق العام من دون عرقلة أو إضراب.
اترك تعليقاً