التبليغات القضائية وعوارض الدعوى :
الأصل أن تقوم المحكمة بنظر الدعاوى وصولاً إلى إصدار الحكم فيها، إلا أنه يمكن توقع حدوث حالات قد تطرأ وتكون سبباً لإرجاء النظر في الدعوى، وهو ما يطلق عليه بالأحوال الطارئة على الدعوى أو عوارض الدعوى المدنية. إن العوارض التي تعتري سير الدعوى المدنية لاتعدو كونها أحد أمرين، فإما أن تكون هذه العوارض مما تؤدي إلى ركود الدعوى، واما أن تكون هذه العوارض مما تنقضي معها الدعوى دون حكم في الموضوع(1). ويندرج تحت الاحتمال الأول حالات وقف المرافعة بأنواعها الاتفاقي والقانوني والقضائي، كما تشتمل حالات انقطاع المرافعة بأحد أسبابها بوفاة أحد الخصوم أو فقدانه لأهليته أو زوال صفته، أما الاحتمال الثاني فتشمل حالات التنازل وابطال عريضة الدعوى فضلاً عن حالة سقوط الدعوى وانقضائها بمضي المدة. إن ما يهمنا من هذا الموضوع، وبقدر تعلق الأمر بالتبليغات القضائية، هي حالة انقطاع المرافعة وحالة إبطال عريضة الدعوى، ومدى تأثير التبليغات في هذه المرحلة. ففيما يتعلق بانقطاع المرافعة، فقد عرفها جانب من الفقهاء(2).بأنها عدم السير في الدعوى بحكم القانون وذلك بسبب تغيير طرأ على حالة أو مركز أطراف الخصومة مما يؤثر في صحة الإجراءات. إن ما يميز حالة انقطاع المرافعة عن حالات الوقف، هي أن الأولى تتعلق أو ترتبط بالعنصر الشخصي في الدعوى، في حين أن حالات الوقف ترتبط بالعناصر الموضوعية فيها، فضلاً عن كون أسباب الانقطاع ظروف أو وقائع لا إرادية تقع دون أن يكون للخصم يد فيها، أو قد تكون لها القدرة في دفعها، في حين أن حالات الوقف إنما هي نتيجة وقائع آثارها الخصم(3).إن الحالات التي توجب انقطاع المرافعة بحكم القانون الأمر الذي ينقطع معها السير في الدعوى تتمثل بوفاة أحد الخصوم أو بفقدانه لأهليته أو بسبب زوال صفة من كان يباشر الخصومة نيابة عنه إلا اذا كانت الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها(4).والسبب في ركود الدعوى في هذه المرحلة، هو عدم تحقق ضمانة مهمة من ضمانات صحة التقاضي والتي تؤكد عليها معظم التشريعات ألا وهي ضمانة تحقق المواجهة بين الخصوم ليدلي كل خصم بما لديه من أدلة أو دفوع أو ما شابه ذلك، وحتى لاتتم اتخاذ الإجراءات في غيبة الطرف الآخر، ففي حالة انقطاع المرافعة يتعذر وجود الخصم الآخر في الدعوى. إلا أن هذه المرحلة عرضية، ويتم معالجتها عن طريق التعامل مع شخص آخر يحل محل الشخص الذي انقطعت المرافعة بسببه، من هنا تنهض دور التبليغات(5). في هذه العملية حيث يتوجب تبليغ الشخص الذي يقوم مقام الخصم المتوفى أو من فقد أهليته أو زالت صفته لحضور المرافعة من اجل استئناف السير في الدعوى. ونعتقد أن موقف المشرع العراقي في معالجته لحالة انقطاع المرافعة وبالتحديد فيما يتعلق بمرحلة التبليغات قد جاء بأسلوب دقيق ورصين وذي قدرة على الأخذ بشتى الاحتمالات، والدليل على ذلك أن الفقرة (1) من المادة (86) من قانون المرافعات قد أكدت على أن المحكمة تستأنف السير في الدعوى بتبليغ من يقوم مقام الخصم الذي انقطعت المرافعة بسببه، في حين أن الفقرة (2) من ذات المادة قد أكدت أن المحكمة تستأنف السير في الدعوى اذا حضر الجلسة وارث المتوفى أو من يقوم مقام من فقد أهلية الخصومة أو مقام من زالت عنه الصفة، ويبدو أن المشرع العراقي أراد أن يجعل من واقعه حضور من يقوم مقام من انقطعت المرافعة بسببه قرينة على تبلغه بموعد المرافعة مما يزول معها بطلان الدفع بعدم التبليغ، وهذا بلا شك له الدور الفاعل في سرعة حسم الدعاوى ويعد هذا من أحد تطبيقات الفقرة (3) من المادة (73) من قانون المرافعات. أما العارض الآخر من عوارض الدعوى المدنية والتي تحتل فيها التبليغات القضائية دوراً مهماً فهي حالة ابطال عريضة الدعوى. ويقصد بابطال عريضة الدعوى، ترك المدعي لدعواه القائمة مع المدعى عليه مع احتفاظه بأصل الحق المدعى به، إذ يجوز له تجديد المطالبة به، ومما يدعو إلى ابطال عريضة الدعوى ما قد يجده المدعي مناسباً لذلك، أما لاستكمال أدلتها، أو قد تكون هناك اعتبارات أخرى(6).وان كان الأصل أن للمدعي الحق في إبطال عريضة الدعوى، على اعتبار أنه صاحب الحق في ذلك، إلا أن حقه هذا مرهون بعدم تهيئة الدعوى للحكم فيها(7). إذ في هذه المرحلة تكون الدعوى قد وصلت إلى مراحلها النهائية مما يعني عدم السماح للمدعي من القضاء على العمل الذي بذلته المحكمة في سبيل حسم الدعوى. ولا يتوقف صحة قبول إبطال عريضة الدعوى على موافقة المدعى عليه، إذ لا يقبل من الأخير الاعتراض على هذا الطلب إلا إذا كان له دفع في الدعوى من شأنها رد تلك الدعوى(8).ويكون تقديم طلب الإبطال إما بصدور إقرار صريح من المدعي أثناء الجلسة ويدون ذلك في محضرها بعدها تصدر المحكمة قرارها بالإبطال أو الرفض، أما الطريق الثاني لتقديم طلب الإبطال فتتمثل بعريضة تقدم للمحكمة من المدعي أو من يمثله، عندها تستدعى المحكمة المدعي ليقر بها، بعد ذلك تبلغ المحكمة الخصم بصورة من العريضة أو بمضمونها ليبدي ما لديه حينذاك تتخذ المحكمة قرارها إما رفضاً أو قبولاً(9).ويذهب اتجاه(10).ونحن معه أنه إذا كانت المرافعة تجرى غيابياً بحق المدعى عليه فليس هناك ثمة حاجة لتبليغه بطلب الإبطال وذلك لأنه قد اختار ابتداءً التغيب عن الدعوى.
_________________________________________________
1- للتوسع، راجع: أجياد ثامر الدليمي، عوارض الدعوى المدنية- دراسة مقارنة، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون، جامعة الموصل، 2001.
2- د. وجدي راغب، مصدر سابق، ص339.
3- راجع: د. ابراهيم نجيب سعد، القانون القضائي الخاص، منشأة المعارف، الإسكندرية، دون سنة نشر، ص122.
4- راجع: المادة (84) مرافعات عراقي، المادة (130) مرافعات مصري، المادة (505) أصول لبناني، والفقرة (3) من المادة (123) أصول أردني.
5- راجع: الفقرة (1) من المادة (86) مرافعات عراقي، والمادة (133) مرافعات مصري، والمادة (508) أصول لبناني والفقرة (3) من المادة (123) أصول أردني.
6- راجع أستاذنا د. عباس العبودي، شرح أحكام المرافعات، مصدر سابق، ص290.
7- راجع الفقرة (1) من المادة (88) مرافعات عراقي.
8- راجع الفقرة (3) من المادة (88) مرافعات عراقي.
9- راجع الفقرة (2) من المادة (88) مرافعات عراقي.
10- مدحت المحمود، مصدر سابق، ج1، ص159.
التبليغات القضائية وعريضة الدعوى :
تقدم الدعوى عن طريق عريضة يشرح فيها المدعي دعواه إلى المحكمة المختصة ويطلب الحكم بها على خصمه، عليه لابد أن تقام كل دعوى بعريضة، ومن أجل أن يكون المدعى عليه على علم تام ودراية كافية بطلبات خصمه لابد وأن تتم عملية تبليغه بعريضة الدعوى وما تشتمل عليه هذه العريضة ليتمكن من إعداد دفاعه والتهيؤ للمرافعة، فما هي آلية تبليغ عريضة الدعوى؟ لقد بيّن المشرع العراقي(1). كيفية تبليغ عريضة الدعوى، حيث أنه وبعد قيام المحكمة بتحديد اليوم المعين لنظر الدعوى واستيفاء كافة الإجراءات المقررة قانوناً، تقرر المحكمة تبليغ صورة عريضة الدعوى مع مستمسكاتها ولوائحها إلى الخصم مع دعوته للمرافعة بواسطة ورقة تبليغ من نسختين يتم ذكر رقم الدعوى فيها واسم كل من الطرفين وشهرته وصنعته ومحل إقامته واسم المحكمة والقاضي وتاريخ تحرير الورقة، بعدها تختم بختم المحكمة حيث تسلم نسخة من ورقة التبليغ إلى الخصم وتعاد الأخرى للمحكمة لتحفظ في إضبارة الدعوى. وعلى الخصم بعد تبليغه بعريضة الدعوى أن يجيب عليها، وذلك قبل حلول الجلسة المحددة لنظرها، وفي كل الأحوال للمحكمة أن تستخلص من عدم إجابة الخصم على عريضة الدعوى قرينة تساعدها في حسم الدعوى(2).ويبدو أن المشرع العراقي لم يشأ جعل مماطلة الخصم عن الإجابة على عريضة الدعوى سبباً لعرقلة حسمها، فبعد تبليغ المدعى عليه بعريضة الدعوى، لم يعد هناك مسوغ للأخير في الإدعاء عند تخلفه للحضور، حيث أن عدم إجابة الخصم على العريضة يعد بمثابة قرينة مفادها أن الخصم قد تنازل عن حقه في الإجابة على عريضة الدعوى ومن ثم عن حقه في حضور المرافعة. وفيما يتعلق بالمشرع المصري(3). فالملاحظ أنه قد ألزم قلم المحضرين (وهو ما نسميه في المحاكم العراقية بقلم التبليغات) بوجوب إعلان صحيفة الدعوى وذلك خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ تسليمها إليه، إلا إذا كان قد حُدد لنظر الدعوى جلسة تقع أثناء هذا الميعاد، عندها يجب أن يتم الإعلان قبل الجلسة، وفي كل الأحوال لا تعد الخصومة منعقدة في الدعوى إلا بإعلان صحيفتها إلى المدعى عليه مالم يحضر بالجلسة. أما المشرع الأردني(4). فقد بين أنه وبعد تسليم لائحة الدعوى مع مرفقاتها من صور أوراق الإثبات لقلم المحكمة وذلك ضمن ملف خاص يبين في ظاهره اسم المحكمة مع أسماء الخصوم ورقم قيد الدعوى وتاريخ السنة مع ترقيم جميع الأوراق التي تحفظ في الملف، بعد ذلك كله يتم تسليم صور لائحة الدعوى مع الأوراق المرفقة للمحضر (القائم بالتبليغ) وذلك لتبليغها إلى المدعى عليه، بعدها يتوجب على المدعى عليه أن يقدم إلى قلم المحكمة المختصة خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتاريخ تبلغه بلائحة الدعوى، جواباً كتابياً على هذه اللائحة من أصل وصور بعدد المدعين. ومن اجل ضمان دقة وسلامة وصحة البيانات التي تتضمنها عريضة الدعوى، وأبعاد كل ما من شأنه الإخلال بتلك البيانات ولتلافي الأخطاء التي قد تقع فيها والتي قد تسبب التجهيل بشخصية المدعي أو المدعى عليه أو حتى المدعى به أو المحل المختار لغرض التبليغ، بحيث يتعذر معه في المحصلة من إجراء عملية التبليغ، فقد أجاز المشرع للمحكمة أن تطلب من المدعي إصلاح كل ذلك خلال مدة مناسبة تحددها، وإلا بطلت العريضة بقرار من المحكمة، وفي كل الأحوال تقرر المحكمة إبطال عريضة الدعوى وذلك إذا تعذر تبليغ المدعي لتكليفه بتلافي الأخطاء التي قد تقع في البيانات الواردة في عريضة الدعوى(5).
_______________________________________________
1- راجع الفقرة (1) من المادة (49) مرافعات عراقي.
2- راجع الفقرة (2) من المادة (49) مرافعات عراقي.
3- راجع المادة (68) مرافعات مصري.
4- راجع الفقرة (1-2) من المادة (58) والفقرة (1) من المادة (59) أصول أردني.
5- راجع الفقرات (1-2) من المادة (50) مرافعات عراقي.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً