إذا كان من حق الشركاء الاعتراض على ما يقوم به الشريك من أعمال الادارة المعتادة والمتمثلة بتأجير المال الشائع كله أو جز مفرزاً منه ، وبالتالي يكون مثل هذا الايجار غير نافذ في حقهم لكونه صادر دون موافقتهم ، فأن هذه الموافقة قد لايكون لها محل رغم تأجير الشريك لجزء من المال الشائع أو انها تعل على تحقي أمر معين عند تأجير الشريك لحصته أو لكل المال الشائع . وهذان الأمران يتحققان في حالة إتفاق الشركاء على قسمة المال المشاع قسمة مهايأة أو ايتفاق على القسمة النهائية لهذا المال وبالتالي ازالة شيوعه أو الحكم بهما من قبل المحكمة.وبدون شك أن من حق الشركاء الأتفاق على قسمة المهايأة فيما بينهم وذلك لغرض تنظيم الانتفاع بالمال الشائع ،فهي تنحصر بقسمة المنفعة دون أن تتعداها الى قسمة المال نفسه.وقد أقر الفقهاء المسلمون الأتفاق على قسمة المنافع وهي المهايأة او المهانأة ، والأولى تعني أن كل واحد هيأ لصاحبه ما ينتفع به، والثانية تعني المهانأة لأن كل واحد هنأ صاحبه بما دفعه له للأنتفاع به في زمان أو مكان معين وهي عند الجميع أما مهايأة بالأعيان وأما بالأزمان والأولى أن يقسم الشركاء الرقاب على أن ينتفع كل واحد منهما بما حصل له مدة محدودة والرقاب باقية على أصل الشركة ، كما لو حصل التهايؤ في دار واحدة على أن يأخذ كل واحد منهم طائفة منها يسكنها . أو أتفق على أن يأخذ أحدهما السفل والآخر العلو ، وهذه المهايأة المكانية . والثانية أن ينتفع كل واحد منهم بالعين مدة مساوية لمدة إنتفاع صاحبه ،ومثالها أن يتهايؤا في بيت صغير على أن يسكنه هذا يوماً وهذا يوماً ، وهذه المهيأة الزمانية . ولكل واحد من الشركاء أن يستقل ما أصابه بالمهايأة شرط ذلك في العقد أو لم يشترط ،لأن الأنتفاع بعد المهايأة تحدا على ملك كل واحد منهما فيما اخذه فيملك التصرف فيه(1).
وهذا يعني أن من حق الشركاء أن يتهايؤا المال المشترك فيما بينهم سواء كان المهايأة بالمكان أو بالزمان ويستطيع كل شريك أن يؤجر الجزءء الذي وقع في نصيبه خلال مدة المهايأة المكانية أو يؤجر المال المشاع كله خلال مدة المهايأة الزمانية بدليل ما ورد في عباراتهم أن الأنتفاع إنما يحدا في ملك كل واحد منهم ، ومن ثم فأنه لاعبرة بموافقة الشركاء على هذا الايجار ويكون نافذاً في حق الشركاء جميعاً . ولم يختلف الفقه المدني حول تعريف المهايأة وبيان أنواعها عن الفقه الاسلامي ، وجعل فقها القانون المدني المهايأة على اساس من كونها أهم صورة للأتفاق على تنظيم الانتفاع بالمال الشائع بين الشركاء عندما يتعذر علىهم جميعاً إستغلال المال الشائع أو ندرة حالات قيام أحد الشركاء بأستغلال المال الشائع دون موافقة بقية الشركاء ، ورغبة الشركاء في البقاء على الشيوع وعدم إعتزامهم على ازالته بال قسمته(2)، لذلك أقروا الأنتفاع لكل شريك بجز من المال الشائع يعاد حصته مع بقاء حالة الشيوع وهو ما يعرف بالمهايأة المكانية، أو الأنتفاع بكل المال الشائع فترة من الزمن تتناسب مع حصته في المال الشائع وهو ما يعرف بالمهايأة الزمانية ،ويترتب على ما تقدم أن يستقل كل شريك من الشركاء بالأدارة والاستغلال دون حاجة الى إذن أو تدخل باقي الشركاء ، فأذا كان المهايأة مكانية فأن الشريك المؤجر يحصل على نصيب باقي الشركاء في منفعة الجزءء الذي أخذت به في مقابل حصول الشركاء على نصيبه هو في منفعة الأجزاء المفرزة الأخرى ، وبالتالي يكون له تأجير الجزء المفرز الذي أخت به إيجاراً نافذاً في حق باقي الشركاء الذي يمتنع عليهم ممارسة هذا الحق لألتزامهم بضمان عدم التعرض ولو كانوا أصحاب اغلبية الحص في ملكية المال الشائع وتكون الاجارة الصادرة منهم للغير غير نافذة في مواجهة الشريك صاحب الحق في الاستغلال (3) واذا كان المهايأة زمانية فأن كل شريك يستغل المال الشائع كله على أساس نسبة ما يملكه فيه ، ومقتضى هذا الأستغلال أن يستغل الشريك حقه بالأصالة ، ولايكون نائباَ عن شركائه إلاَ فيما يتعل بوضع اليد المالي على المال خلال مدة الأيجار دون أن يكون له تأثير في حق التأجير ذاته ، فلا يكون الشريك المؤجر ملزماً بتعويض الشريك الآخر على أساس أنه كان غاصباً نصيبه أومانعاً أياه من الانتفاع به، فكل ما يحصل عليه من الغلة يخت بها وحده دون أن يحاسبه أحد ولايقدم حساباً عنها الى شركائه . ولولا قسمة المهايأة وإختصاص الشريك بكل المال الشائع أو بجز منه لتعذر عليه تسليم ما تعاقد عليه مفرزاً الى المستأجر ولأصبح الايجار نتيجة ذلك غير نافذ في حق الشركاء الآخرين بل لاينفذ حتى في حق الشريك المؤجر نتيجة لتعذر التسليم(4) كما يترتب على هذه المهايأة بنوعيها أن المستأجر من الشريك تكون له حقوق شبيهه بحقوق الشريك المؤجر ، إذ تتقيد حقوقه وإلتزاماته بجميع الحقوق والالتزامات المتولدة من المهايأة نفسها ،وهي ذات الألتزامات التي يولدها عقد الايجارعلى أساس أن المهايأة تخضع لأحكام عقد الايجار ، فيتحمل الشريك المؤجر بوصفه مهايئاً الألتزام بضمان التعرض وضمان العيوب الخفية .ولما كان المهايأة تخضع لأحكام عقد الايجار فيعد كل شريك مؤجر ومستأجر في الوقت نفسه ولهذا فأن الشريك يلتزم كما يلتزم المستأجر طبقاً لنصوص القانون المدني في الايجار بأن يرد العين المشتركة لشركائه بعد إنتهاء نوبته في الانتفاع بها وإلاَ كان غاصباً ويلزم بتعويض هؤلاءالشركاء عما يصيبهم من ضرر، كما أن قيام الشريك بالتأجير يعد في واقع الأمر من قبيل الايجار من الباطن للمال الشائع أو لجز منه وتاب احكام الايجار من الباطن(5)
ولم ينظم المشرع الفرنسي في ضوء قانون 31 كانون الأول لسنة 1976 أحكام قسمة المهايأة ولم يعرف تسمية هذه المصالح ولم يتطرق الى صوره بشكل صريح وإنما أكتفى بأحكام تنظيم الاتفاق على الانتفاع بالمال الشائع السابق الأشارة اليها . وطبقاً لهذه الأحكام يستطيع الشركاء الأتفاق على الطريقة التي يرونها مناسبة لهم وتتفق مع طبيعة المال الشائع ، وهي في كل الأحوال لاتخرج عن قسمته على اساس المكان ، وهي ماتشبه قسمة المهايأة المكانية أوقسمته على أساس الزمان وهي التي تشبه المهايأة الزمانية(6) .وأشارت المادة (846) من القانون المدني المصري إلى قسمة المهاياة بقولها ) في قسمة المهايأة يتفق الشركاء على أن يختص كل منهم بمنفعة جزء مفرز يوازي حصته في المال الشائع متنازلا لشركائه في مقابل ذلك عن الأنتفاع بباقي الاجزاء……( .بينما أشارت المادة (847) من القانون نفسه إلى المهايأة الزمانية بقولها ) تكون قسمة المهايأة أيضاً بأن يتف الشركاء على أن يتناوبوا الانتفاع بجميع المال المشترك ، كل منهم لمدة تتناسب مع حصته(. وأخضعت المادة (848) قسمة المهايأة الى أحكام عقد الايجار ما دام هذه الأحكام لاتتعارض مع طبيعة هذه القسمة (7).وبين المادة(1078) من القانون المدني العراقي أنواع المهايأة ،إذ جاء في الفقرة الأولى منها بأنه )يجوز الاتفاق ما بين الشركاء على قسمة المال الشائع مهايأة فيختص كل منهم بمنفعة جز مفرز يوازي حصته في المال الشائع …(.وجاء في الفقرة الثانية تحديد لمعنى المهايأة الزمانية ) ويصح أن تكون المهايأة زمانية بأن يتفق الشركاء على أن يتناوبوا الانتفاع بجميع المال الشائع كل منهم لمدة تتناس مع حصته (. كما أخضعت المادة(1079) أحكام المهايأة إلى أحكام عقد الايجار من حيث أهلية المتهايئين وحقوقهم وإلتزاماتهم ما دام هذه الأحكام لاتتعارض وطبيعة المهايأة .إلاَ أن الملاحظ على ما جاء في نصوص القانون المدني العراقي وجرياً مع نصوص القانون المدني المصري المتعلقة بالمهايأة إنها جاءت ضمن النصوص المتعلقة بالقسمة وإزالة الشيوع ،مما يعني أن مشرعنا قد أعتبر قسمة المهايأة طريقاً من طرق إنها الشيوع وهو مالم تصرا به النصوص القانونية وحكمة التشريع منها ومصادرها التأريخية ، فهي لا تعدو أن تكون طريقاً من طرق إدارة المال الشائع أثنا الشيوع ،ولهذا كان من الأفضل أن تعالج قسمة المهايأة ضمن النصوص المتعلقة بحقوق الملاك في الشيوع بعد المالة(1064) من القانون المدني العراقي.وإذا كان ما يشفع للمشرع المصري أنه بحث قسمة المهايأة ضمن القسمة النهائية من أنه جعل لها في بعض الأحيان حكماً شبيهاً بالقسمة النهائية عندما نص في المادة (846) من القانون المدني على تحول قسمة المهايأة إلى قسمة نهائية إذا أستمرت خمس عشرة سنة . فان المشرع العراقي لم يشأ الأخذ بها في المادة (1078) من القانون المدني.
وقد ايد القضاء في بعض أحكامه ما ذهب اليه الفقه والتشريع بخصوص إعتبار قسمة المهايأة للمال الشائع بأنها طريق للانتفاع بالمال الشائع على الوجه الذي ينسجم وطبيعة هذا المال وهي طريقة لادارة المال الشائع إدارة معتادة ولاتؤدي إلى إنها الشيوع بين الشركاء فيه، ولاتعدو الغاية منها تنظيم علاقة هؤلاء الشركاء لأقتسام منفعة ذلك المال كل منهم بمقدار حصته بما يعني مقايضة إنتفاع كما هو الحال في عقد الايجار ، ويختص كل شريك بهذا الجزءء ويستقل بأدارته وإستغلاله ويكون له تأجير الجزء المفرز الذي اختص به إيجاراً نافذاً في حق باقي الشركاء الذين يمتنع عليهم ممارسة هذا الحق لألتزامهم بضمان عدم التعرض ولو كانوا اصحاب اغلبية الحص في ملكية المال الشائع وتكون الأجارة الصادرة منهم للغير غير نافذة في مواجهة الشريك صاحب الحق في الايجار . وبالمقابل يلتزم الشريك المؤجر بأن يرد هذا الجزءء أو المال الشائع بعد إنتها نوبة إنتفاعه ما لم تتغير صفة حيازته من حيازة وقتية الى حيازة بقصد التملك متى ما جابه الشريك شركائه بما يفيد قصده القاطع في التملك(8) مما تقدم يتبين أن حق الشريك في تأجير المال المشاع كله أو جزء مفرزاً منه يستند إلى طبيعة المهايأة المستندة إلى إتفاق الشركاء أو إلى حكم المحكمة عند عدم الاتفاق عليها ، ولهذا فأن موافقة الشركاء أو عدم موافقتهم على هذا الايجار لايكون له أثر في نفاذه سواء في مواجهة الطرفين أو في مواجهتهم. ولكن في بعض الأحيان قد يؤجر الشريك المال الشائع كله دون موافقة بقية الشركاء ، وكما قلنا أن حكم هذا الايجار يكون غير نافذ في حقهم ، ومن مقتضى عدم النفاذ أن يطلبوا إخراج المستأجر من العين المؤجرة كلها دون إنتظار نتيجة القسمة ولايستطيع المستاجر من حيث الأصل أن يدفع دعوى التخلية التي يقيمها الشركاء إنتظاراً للقسمة وما قد يترتب عليها من إختصاص الشريك المؤجر لهذه العين بعد القسمة . وقد يؤجر الشريك جزء مفرزاً من المال الشائع دون موافقة الشركاء ، ويكون نفاذ هذا الايجار معلقاً على شرط حصول القسمة بين الشركاء ووقوع الجزءء المفرز في نصيب الشريك المؤجر وكذلك لو أجر الشريك حصته الشائعة ، فعلى الرغم من أن هذا الايجار يكون صحيحاً ونافذاً على اساس من صدوره من مالك إلاَ أنه يتعذر تسليم هذه الحصة الى المستاجر لكي ينتفع بها حتى تتم القسمة ومن ثم لايكون للمستأجر أكثر مما للشريك المؤجر، وبالمقابل فأن المستأجر من الشريك متى كان حسن النية أي يعتقد أن المال المشاع كان مملوكاً للمؤجر على وجه الاستقلال فأن بوسعه إن لم يطلب نقض الايجار بسب الغلط أن ينتظر حتى وقوع القسمة ،هذا ما قال به الفقهاء والمراد من كلامهم هنا هي القسمة النهائية التي ترد على رقبة المال الشائع وليس على منفعته (9) وإن كان من الممكن توحيد الحكم في تأجير الشريك لكل المال الشائع أو لجزء منه من حيث نفاذه في حق الشركاء إنتظاراً لنتيجة القسمة .
والواقع أن السبب في إنتظار نتيجة القسمة للقول بنفاذ الايجار الصادر من الشريك مثلما ذكرنا إنما يرتبط بطبيعة القسمة من حيث كونها ناقلة للملكية أم كاشفة لها.وإذا كان جانب من الفقه الأسلامي قد عرف القسمة بأنها إفراز بعض الأنصباء عن بعض ومبادلة بعض ببعض ، فأن معنى ذلك أن طبيعة القسمة تتحدد بكونها كاشفة للحق من جهة وناقلة له من جهة أخرى.فالقسمة هي مبادلة وإفراز(10) فقسمة المال تتضمن المبادلة والافراز ، والمبادلة أن يأخذ كل شريك بعض ما كان لغيره من الشركاء في المال المشترك نظير ما أخذوه من ملكه في هذا المال والافراز أن يأخذ كل شريك بعض حقه عيناً . فالقسمة ناقلة بما يزيد عن حصة الشريك في الجزءء الذي أختص به ، فكل شريك ينقل الى غيره ما كان له في الجزءء الذي أختص به هذا الغير وذلك في مقابل أن ينقل له غيره ما كان لهذا الغير في الجزءء الذي أختص به هو نفسه ، وهي كاشفة بالنسبة لما كان للشريك من حق في الجزءء الذي أختص به ، فيبقى في ملكه مفرزاً عن حقوق الآخرين(11) ومع التسليم بهذا الأثر المزدوج للقسمة في الفقه الاسلامي وترجيح أحدهما على الآخر أحيانا إلا أن هذا الموضوع شغل بال فقها القانون المدني قديماً وحديثاً ، ورغم أنهم رجحوا الأثر الكاشف للقسمة لمقتضيات عملية بحتة ولمعالجة ما ينشأ من الشيوع من مشاكل لاتجد حلولاً إلاَ بأتباع هذا الحل ،إلاَ انهم أقروا بأن للقسمة أثر مزدوج بطبيعتها ، فبعد تقسيم المال المشترك يصبح الشريك مالكاً للنصي المفرز له رغم أن هذا النصي قبل القسمة وأثنا الشيوع كان ملكا للشريكين ، فايفراز ثبت للشريك ملكيته في هذا النصيب المفرز ملكيته الثابتة قبل القسمة وتنقل اليه ملكية شريكه الثابتة قبل القسمة في النصف الآخر ، فخلص له بذلك الملكية الكاملة في جميع النصيب المفرز، ومن ثم يكون للقسمة أثر كاشف في نصف النصيب ، وأثر ناقل في النصف الآخر ، ويكون للقسمة اذن بطبيعتها أثر مزدوج كاشف وناقل . ولما كان هذان الأثران يتعارضان ، فيجب تغليب أحدهما على الآخر في جميع المواضع التي يحسن فيها من الناحية العملية تغليب هذا الأثر (12) .
وقد كرس نصوص القانون المدني المقتضيات العملية التي أستدع تغليب الأثر الكاشف على الأثر الناقل ، فجاءت المادة ) (843) من القانون المدني المصري بعبارات واضحة تفيد هذا المعنى عندما نص ) يعتبر المتقاسم مالكاً للحصة التي آلت اليه منذ أن تملك في الشيوع ، وأنه لم يملك غيرها شيئاً في بقية الحص)(13) ونص المادة (1075) من القانون المدني العراقي ) ترجح جهة الافراز على جهة المبادلة في القسمة فيعتبر (كل متقاسم أنه كان دائماً مالكاً للحصة المفرزة التي آلت اليه وأنه لم يملك قط شيئاً من باقي الحص (. والملاحظ على النص العراقي أن القسمة فيه معنى الافراز ومعنى المبادلة ،وهذا التصوير للقسمة موروث من الفقه الاسلامي ، أما القانون المدني المصري فقد أخذ بالتصوير الفرنسي الذي تعتبر فيه القسمة كاشفة من جميع الوجوه.ولهذا فان المشرع العراقي الذي قضى بأن القسمة إفراز ومبادلة وحسب رأي جانب من الفقه هو أصدق نظراً وأقرب الى المنطق من التشريعات الأخرى التي أخذت بالصفة الكاشفة للقسمة(14) ولم تكن تلك الاعتبارات العملية بعيدة عن أحكام المحاكم التي أعتبرت قسمة المال الشائع مفرزة أو كاشفة للحق لها اثر رجعي ، فيعد المتقاسم مالكاً للحصة التي آلت اليه منذ أن تملك من الشيوع وذلك حماية للمتقاسم من الحقوق التي يرتبها غيره من الشركاء على المال الشائع أثناء قيام الشيوع بحيث يخل لكل متقاسم نصيبه المفرز الذي خص له في القسمة مظهراً من هذه الحقوق بوصفها كاشفة فتثب الملكية بمقتضاها(15) .ويبدو أن التمسك بهذا الأثر المزدوج أو الأثر الكاشف للقسمة هو الذي دفع فقها القانون المدني الى تعلي نفاذ تأجير الشريك لكل المال أو لجز مفرز منه دون موافقتهم على نتيجة القسمة ، فأذا أنتظر الشركاء نتيجة القسمة بالفعل ووقع المال الشائع أو الجزء المؤجر في نصي الشريك المؤجر أصبح الايجار نافذاَ بحكم الأثر الكاشف للقسمة . أما إذا وقع في نصي الشريك ماد شائع آخر أو جز مفرز آخر في نصيب الشريك المؤجر ، فأن الراي في مصر أنقسم الى إتجاهين ، حيث ذهب إتجاه إلى أنه في حالة وقوع جزء آخر في نصيب الشريك المؤجر ، فأن حق الايجار ينتقل اليه بحكم الحلول العيني المقرر في التصرف في جز مفرز من المال الشائع وفقاً للمادة(826/2) من القانون المدني المصري التي نص على أنه ) إذا كان التصرف منصباً على جز مفرز من المال الشائع ولم يقع هذا الجزءء عند القسمة في نصي المتصرف أنتقل حق التصرف اليه من وقت التصرف الى الجزءء الذي آدى إلى المتصرف باري القسمة ……( .أستعان هذا الاتجاه بالقياس من خلال القود بأن هذا النص ينطبق على التصرفات الناقلة للملكية أو تلك التي تقرر حقاً عينياً ، فانه يجب تطبيقه من باب أولى بصدد أي عمل من أعمال الادارة والمتمثل هنا في إبرام عقد ايجار وتطبيق ذلك أنه يجب تفسير لفظ التصرف الوارد في المادة المذكورة تفسيراً واسعاً يشمل جميع الأعمال القانونية التي تصدر عن المالك على الشيوع.كما أن الأخذ بهذا الرأي هو الأيسر من الناحية العملية لأنه يؤدي إلى إستقرار معاملة نشأت صحيحة بين أطرافها (16) ومقتضى هذا الرأي أن الايجار ينتقل إلى الجزءء الآخر الذي وقع في نصي الشريك المؤجر بحكم الحلول العيني . بينما ذهب إتجاه آخر الى أن نص المادة (826/2) يتحدث عن الحلول العيني الذي بمقتضاه يتم تصحيح التصرفات القانونية الصادرة من أحد الشركاء قبل القسمة ، ولم يتناول أعمال الادارة التي تصدر من الشريك قبل القسمة ولهذا لايسري على الاجارة الصادرة من الشريك قبل القسمة إذا أوقع القسمة في نصيبه جزء آخر غير الذي أجره . ومقتضى هذا الرأي إذا لم يقع في نصيب الشريك المؤجر الجزءء المفرز الذي أجره قبل القسمة فأن الايجار لاينتج أثره ، ويبقى للمستأجر حق الرجوع على الشريك المؤجر(17) ولم يتعرض الفقه في العراق لهذه المسألة كما لايوجد نص في قانوننا المدني يقابل نص المادة (826/2) من القانون المدني المصري فيما لو تم الاتفاق مع الرأي الأول .
ومع ذلك فأن جانب من الفقه عندنا ذهب إلى عدم جواز الأخذ بنظرية الحلول العيني فيما لو تصرف الشريك في جزء مفرز من المال الشائع قبل القسمة ووقع في نصيبه جز آخر بعد القسمة إستناداً إلى أن المادة (1062) من القانون المدني العراقي أشترط في فقرتها الثانية لكي يكون لتصرف الشريك في جزء من المال الشائع نافذاً أن يقع هذا الجزءء عند القسمة في نصيب هذا الشريك (18) وهذا يعني أن فقها القانون المدني العراقي لا يسلمون بما ذهب اليه الفقهاء في مصر جملة وتفصيلاً فأن كانوا لا يسلمون بأنتقاد الجزءءالذي تصرف به الشريك تصرفاً ناقلاً للملكية قبل القسمة إلى الجزء الذي آد اليه بعد القسمة فأن معنى كلامهم أن هذا الحل لاينطبق على الايجار من باب أولى . وإذا تعذرت القسمة وبيع المال الشائع بالمزاد العلني ورسا المزاد على الشريك المؤجر نفذ الايجار في كل المال طبقاً للأثر الكاشف للقسمة ، أما إذا رسا المزاد على شريك آخر فأن الايجار لا ينفذ في حقه ويكون له حق إسترداد المأجور من تحت يد المستأجر ، وإذا رسا المزاد على شخص أجنبي عن الشركاء فأن حكم مرسي المزاد يكون بمثابة بيع لمن رسى عليه المزايدة ويلتزم باحترام عقود الايجار الصادرة من سلفها مادام العقود ثابتة التاريخ وسابقة على البيع . ومع ذلك يستطيع الراسي عليه المزاد أخراج المستأجر من المأجور ولا يبقى أمام المستأجر سوى حق الرجوع على الشريك المؤجر(19) وأقر القضاء المصري الحق للشريك في أن يؤجر المال المشاع متى كان يملك أكثر من نصف الأنصبة بعد أن أكد على أن حق التأجير هذا يثبت للآغلبية(20) .
__________________
1- البدائع ، الجزء (5)، ص 482 . شمس الدين الشيخ محمد عرفه ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، الجزء (3) دار الفكر ، بيروت ، 2002 . ص 77 . وأيضاَ أنظرالمادتين 1174،1176 من مجلة الأحكام العدلية. سليم رستم باز،شرح المجلة ،دار العلم للجميع ،بيروت ، 1998 ، ،ص 557-558.
وقد ذهب جانب من الفقه الإسلامي الى ضرورة أن تكون المهايأة الزمانية محددة باليوم والشهر دون المهايأة المكانية ، لأن في الأخيرة تكون المنفعة معلومة بتحديد مكانها فتصبح معلومة لعلم بمكانها ، أما المهايأة الزمانية ، فالمنفعة فيها مقدرة بالزمان فلا تصبح معلومة إَلا بذكر زمان معلوم . وهناك من الفقهاء من لم يشترط ذلك في صحة المهايأة وإن أشترطها في لزومها . أنظر تفصيل ذلك ، البدائع ، المصدر السابق ، الجزء (5) ، ص 484 . حاشية الدسوقي ، المصدر السابق ، الجزء (3) . ص 77 . وقد تأثر المشرع الأردني بالرأي الأود إذ نص المادة (1055) من القانون المدني يجب تعيين المدة في المهايأة زماناً ولايلزم في المهايأة مكاناً …..
2- د. أحمد عبد العاد أبو قرين ، حق الملكية في الفقه والقضاء التشريع ، الطبعة الأولى ، دار الثقافة الجامعية ، القاهرة ، 1999 ، ص 149 . د. صلاح الدين الناهي ، الوجيز في الحقوق العينية الأصلية ، شركة الطبع والنشر الأهلية ، 1961، ص 118
3- السيد عبيد نايل ، ص 65-66 . د. حسن علي الذنون ، شرح القانون المدني العراقي ، الحقوق العينية الأصلية ، دون ذكر مكان وسنة الطبع ، ص 89.
4- د. رمضان أبو السعود ، العقود المسماة ، عقد الايجار ، الأحكام العامة في الايجارمنشأة المعارف ، الأسكندرية ، 1996 ، ص 127 . د. أحمد أبو قرين ، المصدر السابق ، ص 152
5- د. أحمد عبد العال أبو قرين ، المصدر السابق ، ص 154 . د. عبد الناصر توفي العطار ، شرح أحكام حق الملكية ، دار الفضلة للطباعة ، 1997 ،. ص 109
6- أشار اليه د. أيمن سعد عبد المجيد ، سلطات المالك على الشيوع في إستعمال المال الشائع واستغلاله دار النهضة العربية ، القاهرة ،2000 ، ، ص86.
7- أنظر ايضاً المواد (800-803) مدني سوري و (850- 853)مدني ليبي و (843-846) مدني كويتي و(1054-1056) مدني أردني .
8- أنظر نقض مدني مصري في11/2/1969 و 19/5/1950 و16/12/1989 المجموعة الماسية ، ص 166-177 . وأيضاً قرار محكمة التمييز الاتحادية في العراق رقم 184 في 25/1/2007 ورقم 212 في 22/4/2008 ، المجموعة المدنية ،
9- د. أيمن سعد عبد المجيد ، المصدر السابق ، ص 242 . د. أحمد عبد العال أبو قرين ، المصدر السابق ، ص 163
10- الهداية ، ص 422 . وأنظر المادة (1116) من مجلة الأحكام العدلية التي جاء فيها (القسمة من جهة إفراز ومن جهة مبادلة) ،سليم رستم باز ،المصدر السابق ،ص 533
11- د. منصور مصطفى منصور ، تحليل أثر قسمة الأموال الشائعة وحماية كل شريك من تصرفات غيره ، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، يصدرها أساتذة كلية
الحقوق بجامعة عين شمس ، ع 1،س6،1964 ، ص 110-111.
12- د. عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجز الثامن ، حق الملكية مع شرح مفصل للأشياء والأموال ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991 ،ص 1259 .ومع ذلك فهناك من ذهب إلى تأييد الأثر الناقل للقسمة ، فحسب رأيه أنه يكفي أن يقال أن قسمة تتضمن مبادلة الأنصبة الشائعة، أما الافراز فهي نتيجة لازمة للمبادلة إذ يتحقق بمجرد ما تحدثه المبادلة من نقل الأنصبه الشائعة . وإن فكرة الأثر الناقل لا تزال هي الأولى بالقبول . د. منصور مصطفى منصور ، المصدر السابق ، ص 111 و ص 174
13- أنظر المادة(797) مدني سوري والمادة(847) مدني ليبي والمادة (838) مدني كويتي .
14- د. صلاح الدين الناهي ، المصدر السابق ، ص 167 . د. حسن الذنون ، المصدر السابق . ص 83.
15- نقض مدني مصري في12/12/1985 و30/1/1992 المجموعة الماسية ، المصدر. السابق ، ص 173 وص 180
16- د. أحمد عبد العال أبو قرين ، المصدر السابق ، ص 163 . د.
17- د. رمضان أبو السعود ، المصدر السابق ، ص 130.
18- د. صلاح الدين الناهي ، المصدر السابق ، 137 . د. حسن الذنون ، المصدر السابق ،
. ص 68 . د.غني حسون طه ، حق الملكية ، مطوعات جامعة الكويت ، 1977 ، ص 115
19- د. رمضان أبو السعود ، المصدر السابق ، ص 129
20- نقض مدني مصري ، في 28/8/1978 أشار اليه ، د. عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجز السادس ، العقود الواردة على الانتفاع بالشئ ) لايجار ( ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988، ، ص 85 ، هامش (1).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً