الأحكام الموضوعية الخاصة بالأحداث الجانحين
يقف الحديث هنا عند ما يخص هذه الأحكام من صفات، وعند التدابير التي تتخذ بحق الحدث الجانح.
السمة الخاصة لهذه الأحكام: تبرز في مجال الأحكام الموضوعية الخاصة بالأحداث الجانحين السمة الخاصة لقانون الأحداث الجانحين التي تمنحه نوعاً من الاستقلال عن قانون العقوبات لتحقيق أغراضه في حماية المجتمع من الخارجين على أحكامه، في حين يلجأ قانون الأحداث الجانحين، من حيث المبدأ، إلى مواجهة الأحداث الجانحين بتدابير خاصة تختلف تماماً عن العقوبات العادية المقررة في القانون العام للمجرمين الراشدين، وهي تدابير تستهدف إصلاح الحدث الجانح، ولا تفرض بالمقابل وفقاً للجريمة ومدى جسامتها، بل وفقاً لحالة الحدث الفردية وضرورة إصلاحه. وعلى ذلك فإن قانون الأحداث الجانحين يتمتع بذاتية خاصة به فيما يتصل بسياسة الجزاء تبعده عن قانون العقوبات العام. ولا يرجع القاضي إلى القانون الأخير إلا عند فقدان أي نص في قانون الأحداث الجانحين ينظم الواقعة المعروضة، وحتى في هذه الحالة لا يؤخذ بالأحكام العامة إذا كانت لا تتمشى مع السياسة الخاصة التي انتهجها المشرّع في مجال إصلاح الأحداث.
التدابير المقررة للأحداث الجانحين:
إذا ارتكب الحدث الذي أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره جريمة ما فيمكن أن تفرض عليه محكمة الأحداث واحداً أو أكثر من بين عدد من التدابير.
تدبير التسليم: يعدّ تدبير تسليم الحدث من تدابير الحماية والإصلاح، وهو مقرر لمن يرتكب أية جريمة، جناية أو جنحة أو مخالفة، في مرحلة الحداثة بين سن السابعة والخامسة عشرة، وهو جائز كذلك في حال الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة في الجنح والمخالفات فحسب. وقد يتم التسليم إلى واحدة من عدة جهات.
التسليم إلى الوالدين أو لأحدهما أو للولي الشرعي: بشرط أن تتوافر فيمن يسلم إليه الحدث الضمانات الأخلاقية، وأن يكون في إمكانه القيام بتربية الحدث بحسب إرشادات المحكمة أو مراقب السلوك.
التسليم إلى أحد أفراد الأسرة: ويكون التسليم إلى أحد أفراد الأسرة غير الوالدين إذا لم تتوافر في والدي الحدث، أو في وليه الشرعي، الشروط المنوه بها في الفقرة السابقة.
تسليم الحدث إلى غير ذويه: إذا لم يكن بين ذوي الحدث من هو أهل لتربيته أمكن وضعه لدى مؤسسة أو جمعية صالحة لتربية الحدث، وعلى مراقب السلوك أن يراقب تربية الحدث وأن يقدم له وللقائمين على تربيته الإرشادات اللازمة.
تدبير الوضع في مركز للملاحظة: تقرر هذا التدبير تطبيقاً لمبدأ تحقيق شخصية الحدث والوقوف على حالته النفسية والاجتماعية، هذا المبدأ الذي يعدّ بمنزلة العمود الفقري في محاكمة الحدث، لأن اهتمام قاضي الأحداث ينصرف بالدرجة الأولى إلى دراسة شخصية الحدث قبل توجيه اهتمامه إلى دراسة الفعل المرتكب من الناحية المادية. وانطلاقاً من هذا المبدأ يجوز لقاضي الأحداث أن يقرر في أثناء النظر بالقضية، وقبل إصدار حكمه النهائي، وضع الحدث مؤقتاً في مركز الملاحظة مدة لا تتجاوز ستة أشهر إذا رأى أن حالته الجسمية أو النفسية تستلزم دراسة وملاحظة واسعتين بغية تقرير التدبير الملائم. ويجب على القاضي في هذه الحال تأجيل البت في القضية إلى ما بعد انتهاء مدة الملاحظة والدراسة. ويتصف هذا التدبير بأنه عام يجوز فرضه حتى على الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة من عمرهم في الجنايات.
تدبير الوضع في معهد إصلاحي: وهو تدبير إصلاحي مقرر للأحداث الذين أتموا السابعة ولم يتموا الخامسة عشرة في جميع الجرائم، وللأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة في المخالفات والجنح فحسب. ويحكم الحدث بوضعه في معهد إصلاح الأحداث مدة لا تقل عن ستة أشهر إذا تبين للمحكمة أن حالته تستدعي ذلك. وعلى مدير المعهد الإصلاحي أن يقدم تقريراً للمحكمة بعد انقضاء ستة أشهر على وضع الحدث في المعهد يبين فيه حالة الحدث، وله أن يقترح في التقرير إعفاءه من باقي المدة أو فرض أي تدبير إصلاحي آخر يراه ضرورياً، وعليه أن يقدم تقارير دورية إلى المحكمة في كل ثلاثة أشهر حتى يتم إخلاء سبيل الحدث. وتنتهي مدة تدبير وضع الحدث في معهد إصلاحي حتماً بإتمام الحدث السنة الحادية والعشرين من عمره.
تدبير الحجز في مأوى احترازي: يلجأ القاضي إلى وضع الحدث في مصحّ ملائم إذا تبين له أن جنوحه ناشئ عن مرض عقلي، ويستمر هذا الحجز حتى يتم شفاء الحدث.
تدبير الحرية المراقبة: الحرية المراقبة تدبير يهدف إلى مراقبة سلوك الحدث الجانح والعمل على إصلاحه بإسداء النصح له ومساعدته على تجنب السلوك السيئ وتسهيل امتزاجه بالمجتمع، ويقوم بهذه المراقبة موظف تكلفه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أطلق عليه القانون اسم «مراقب السلوك». ويجوز فرض هذا التدبير على الأحداث في جميع الجرائم. ويجوز فرضه حتى على الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة عند ارتكابهم جناية وذلك كتدبير تكميلي إضافة إلى العقوبات المخففة المقررة لهم في هذه الحالة. ويجوز للمحكمة أن تمنع الحدث المفروض عليه تدبير الحرية المراقبة من ارتياد كل محل أو مكان ترى فيه خطراً على سلوكه، ولها أن تفرض عليه الحضور في أوقات معينة أمام أشخاص أو هيئات تعينهم، وأن تأمره بالدوام على بعض الاجتماعات التوجيهية المفيدة، أو أي أمر آخر تراه ضرورياً لإصلاحه.
ومدة الحرية المراقبة من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. ولا يحول إتمام الحدث الثامنة عشرة من عمره من دون الاستمرار في تنفيذ هذا التدبير إذا لم تكن المدة التي حددتها المحكمة قد انتهت ببلوغه سن الرشد وعلى مراقب السلوك أن يرفع إلى محكمة الأحداث تقريراً دورياً كل شهر عن حالة الحدث الموضوع تحت رقابته وعن سلوكه وتأثير المراقبة فيه. وعليه أن يرفع للمحكمة تقريراً عن كل حالة تدل على سوء سلوك الحدث أو يرى من المفيد إطلاع المحكمة عليها.
تدبير منع الإقامة: للمحكمة أن تمنع إقامة الحدث في أماكن معينة، كالمنطقة التي وقعت فيها الجريمة أو مكان سكن المجني عليه، على أن يكون الحدث قد تجاوز عند الحكم عليه بهذا التدبير الخامسة عشرة من عمره.
تدبير منع ارتياد المحلات المفسدة: يمنع الحدث الجانح من ارتياد الخمارات والمقامر والمحلات المفسدة عموماً وكل مكان آخر ترى المحكمة أن المنع من ارتياده مفيد له.
تدبير المنع من مزاولة عمل ما: إذا تبين لمحكمة الأحداث أن سبب جنوح الحدث هو مزاولته لمهنة معينة، أو أن مزاولته لتلك المهنة قد تسبب جنوحه مرة أخرى، جاز لها أن تمنعه من ذلك.
تدبير الرعاية: وهو تدبير إصلاحي يوفر للذي فرض عليه التعليم والتدريب المهني والعمل المناسب وتلقي النصح والإرشاد ليباشر حياته أو يكسب عيشه بطريقة شريفة. ويتخذ هذا التدبير مع جميع الأحداث في جميع الجرائم ويعد تدبيراً تكميلياً إضافة إلى العقوبة إذا كان الحدث قد ارتكب جناية وأتم الخامسة عشرة من عمره. ويفرض تدبير الرعاية على كل حدث وجد متشرداً أو متسولاً لا معيل له ولا يملك مورداً للعيش، أو كان يعمل في أماكن أو يمارس أعمالاً منافية للأخلاق والآداب العامة. ويعهد بالرعاية إلى معاهد إصلاحية معترف بها من الدولة. وعلى المعهد تقديم تقرير إلى محكمة الأحداث عن حالة المحكوم عليه بتدبير الرعاية كل ثلاثة أشهر. وإذا تعذر وضع الحدث الذي فرض عليه تدبير الرعاية في إحدى مؤسسات الرعاية جاز لمحكمة الأحداث أن توفر له عملاً في إحدى المهن الصناعية أو التجارية أو الزراعية حيث يتولى رقابته مراقب السلوك.
طبيعة التدابير الإصلاحية: لم تعد التشريعات الحديثة الخاصة بالأحداث الجانحين قائمة على تحديد المسؤولية الجزائية للحدث وفرض العقاب عليه، وإنما أصبحت تقوم على أساس تعويض الحدث عمّا فقده من رعاية صالحة، وعلى إصلاح ما أفسده التوجيه الخاطئ الذي تعرض الحدث له والذي أدى به إلى الإجرام. وتطبيقاً لذلك فإن المشرّع السوري أفرد قانوناً خاصاً بمرحلة الحداثة وأحاطها بمعاملة خاصة في ضوء سياسة اجتماعية تهدف إلى توفير الرعاية والحماية للجيل الناشئ. وقد كان واضع قانون الأحداث الجانحين سنة 1953 صريحاً حين قال في الأسباب الموجبة: إن القصد من هذه التدابير هو إصلاح الحدث فعلاً لا التضييق عليه كما هو الأمر في العقوبات التي تفرض على غير الأحداث.
فالتدابير المقررة للأحداث الجانحين ليست عقوبات بالمعنى التقليدي، وهناك اختلاف بين الإجرائين من حيث كل من الطبيعة والهدف:
فالتدبير الإصلاحي يختلف عن العقوبات من حيث طبيعته، إذ تقوم العقوبة في جوهرها على الإيلام المقصود للجاني عن طريق مسّها حريته أو ماله أو اعتباره، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون متناسبة مع مدى جسامة الجريمة. أما التدبير الإصلاحي فإنه لا يقوم مطلقاً على هذا الإيلام المقصود، بل يقوم في جوهره على مدّ العون إلى الحدث الجانح لإصلاحه وإعادة بنائه اجتماعياً، وإذا نتج عن تنفيذ التدبير الإصلاحي إيلام شخص الحدث، كإيداعه في معهد الإصلاح أو في مأوى احترازي، فإن هذا الإيلام يحدث عرضاً وعلى نحو غير مقصود.
ثم إن التدبير الإصلاحي يختلف عن العقوبة من حيث الهدف: فلم تزل العقوبة تهتم بتحقيق الردع العام، إذ إن الإيلام الذي تقوم عليه يؤدي إلى تخويف الآخرين وتهديدهم ومنعهم من محاكاة المجرم. بيد أن هذا الأمر ليس من شأن التدبير الإصلاحي الذي يهدف بصورة أساسية إلى تحقيق الردع الخاص عن طريق إصلاح الحدث فعلاً لا التضييق عليه كما هو الأمر في العقوبات التي تفرض على غير الأحداث.
الاستثناء من فرض التدابير: الأصل أن الحدث مهما كان عمره، أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة، ومهما كانت الجريمة التي ارتكبها، جناية أو جنحة أو مخالفة، لا تفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية المذكورة من قبل. لكن المشرّع السوري وضع استثناء من هذا الأصل، وهو يتناول فئة من الأحداث ونوعاً معيناً من الجرائم: فإذا ارتكب الحدث الذي أتم الخامسة عشرة من عمره جريمة من نوع الجناية[ر] تطبق عليه في هذه الحالة عقوبات مخففة، ويجوز للمحكمة أن تفرض عليه بالإضافة إلى العقوبة بعض تدابير الإصلاح.
الأحكام الإجرائية الخاصة بالأحداث الجانحين
أفرد قانون الأحداث الجانحين قواعد إجرائية خاصة بالأحداث الجانحين تتفق والغرض الاجتماعي المتمثل في إصلاح حالة الحدث، وتتميز هذه القواعد الخاصة مما ورد في أصول محاكمة الراشدين بالمرونة والبعد عن الشكليات المفرطة والخروج في كثير من النقاط على القواعد العامة.
قضاء الأحداث: كان الأحداث الجانحون يحاكمون في ظل التشريع العثماني أمام محاكم القضاء العادي كسائر المجرمين من دون تفريق. ولقد ظل هذا الوضع على حاله حتى نفاذ قانون العقوبات السوري في سنة 1949 الذي حقق بعض التقدم. ولما صدر قانون الأحداث الجانحين سنة 1953 جاء بتعديلات في هذا الخصوص أهمها إحداث محاكم خاصة تسمى محاكم الأحداث. وأحدث هذا القانون محكمتين للأحداث إحداهما في دمشق والأخرى في حلب، على أن تتولى قضايا الأحداث في بقية المحافظات المحاكم الابتدائية، كما عهد هذا القانون إلى محاكم الجنايات العادية النظر في الجنايات التي يرتكبها الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة. وقد غير قانون الأحداث الجانحين لسنة 1974 الوضع بصورة جذرية، إذ عمم محاكم الأحداث، على جميع المحافظات من ناحية، وأطلق اختصاصها لتشمل جميع الجرائم التي يرتكبها الأحداث، وفيها الجنايات التي يرتكبها من أتم منهم الخامسة عشرة من عمره.
تنظيم قضاء الأحداث: إن هدف إصلاح الحدث الجانح جعل المشرّع السوري في قانون سنة 1974 ينحو منحى جديداً ومتطوراً في اختيار قضاة الأحداث، فجاء بقاعدة جديدة في هذا الصدد لم تكن مقررة في التشريع السابق، وهي تقضي باختيار هؤلاء من بين القضاة ذوي الخبرة في شؤون الأحداث بصرف النظر عن فئاتهم ودرجاتهم القضائية، على أن تجري ترقيتهم في محاكمهم كلما استحقوا الترقية مع زملائهم من غير قضاة الأحداث في جدول الأقدمية. ونص على إنشاء نوعين من محاكم الأحداث: محكمة الأحداث الجماعية ومحكمة قاضي الأحداث الفرد.
كان من أهم ما استحدث قانون الأحداث لسنة 1974 محكمة الجماعة، إذ نصّ أن يحاكم الأحداث أمام محاكم خاصة تسمى محاكم الأحداث، ولجأ إلى فكرة إنشاء محاكم للأحداث متفرغة لقضاياهم وأخرى غير متفرغة.
وتتألف محكمة الأحداث، متفرغة كانت أو غير متفرغة، برئاسة قاضي الأحداث وعضوية اثنين من حملة الشهادة العالية ينتقيهما وزير العدل مع عضوين احتياطيين من بين العاملين في الدولة الذين ترشحهم وزارات التعليم العالي والتربية والشؤون الاجتماعية والعمل ومنظمة الاتحاد النسائي وتجري تسميتهم بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل.
وقد أبقى المشرّع في قانون سنة 1974 على مؤسسة قاضي الأحداث المنفرد، كما كانت عليه الحال في التشريعات السابقة، وخصه بسلطة النظر في بعض قضايا الأحداث. بيد أن المشرّع رجع عن فكرة التخصص هذه في القانون ذي الرقم 51 لسنة 1979 المعدل لقانون الأحداث الجانحين فأسند إلى محاكم الصلح سلطة النظر في بعض قضايا الأحداث بوصفها محاكم أحداث. كذلك نص قانون الأحداث الجانحين لسنة 1974 على تشكيل غرفة خاصة لدى محكمة النقض تتألف من رئيس واثنين من المستشارين للنظر في قضايا الأحداث.
الإجراءات الخاصة بالأحداث: أفرد قانون الأحداث الجانحين السوري قواعد إجرائية خاصة بالأحداث الجانحين تتسم بالمرونة، والبعد عن الشكليات الإجرائية المفرطة، وسرعة البت في القضايا، والحفاظ على شخصية الحدث الجانح، وتستهدف، بالدرجة الأولى، تحقيق غرض المشرّع بإصلاح الحدث الجانح.
وقد أقرّ هذا القانون أن توجد شُرَط للأحداث في كل محافظة تتولى النظر في كل ما من شأنه حماية الأحداث، وأن يكلف أحد ممثلي النيابة العامة، في المراكز التي يوجد فيها أكثر من ممثل واحد لها، العمل بقضايا الأحداث إضافة إلى أعماله الأخرى وألاّ تخضع الأحداث للأصول المتعلقة بالجرائم المشهودة أو المتعلقة بإقامة الدعوى مباشرة أمام المحكمة وذلك باستثناء الجنح المعاقب عليها بالغرامة أو بعقوبة الحبس مدة لا تتجاوز السنة أو بالعقوبتين.
وفي حال التحقيق الابتدائي يكلف أحد قضاة التحقيق، في المراكز التي يوجد فيها أكثر من قاض واحد، النظر في القضايا المتعلقة بالأحداث إضافة إلى أعماله الأخرى. وأوجب القانون التحقيق في الجنح المعاقب عليها قانوناً بالحبس أكثر من سنة إضافة إلى وجوبه في الجنايات إطلاقاً. وأوجب كذلك تعيين محام للحدث الجانح في الجنايات والجنح. وقضى بعدم توقيف الحدث إلا في مراكز الملاحظة التي أنشأتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أو اعترفت بها، أو في محل توقيف خاص عند عدم وجود مثل هذه المراكز، وبعدم لزوم مرور القضية، بعد التحقيق، على قاضي الإحالة وإن كانت الجريمة المنسوبة إلى الحدث من نوع الجناية.
أما فيما يتعلق بمحاكمة الحدث فإن مهمة محكمة الأحداث لا تنحصر، كسائر المحاكم الجزائية، في إدانة المجرمين وتبرئة الأبرياء، بل تتركز في كونها مؤسسة اجتماعية غايتها الرئيسة حماية الأحداث الجانحين وتقويم اعوجاجهم ودعم ائتلافهم مع المجتمع وفي سبيل تحقيق هذه الغاية خص المشرع إجراءات المحاكمة أمام قضاء الأحداث بقواعد خاصة تختلف اختلافاً جوهرياً عن الإجراءات التي تتبع في محاكمة المتهمين من غير الأحداث، وهي تتجلى فيما يلي:
سرية المحاكمة: القاعدة عند محاكمة الراشدين هي وجوب إجراء المحاكمة بصورة علنية وإلا تعد باطلة ما لم تقرر المحكمة إجراءها سراً بداعي المحافظة على النظام العام أو الأخلاق العامة، والعلة في تقرير العلانية عدها المشرع من الضمانات المقررة لحسن سير العدالة الجزائية ولحرية المتهم في الدفاع عن نفسه، ولكن ضمانة علانية المحاكمة هذه قد تنقلب وبالاً على الحدث وعلى ذويه، فقد تسيء إلى الحدث وتعرض مستقبله للخطر لأن القانون يوجب اللجوء إلى فحص شخصيته جسدياً ونفسياً، والوقوف على جميع المعلومات المتعلقة بأحوال ذويه المادية والاجتماعية وبأخلاقه، وبدرجة ذكائه، وبالبيئة والمدرسة اللتين نشأ فيهما، وبحالته الصحية، وبأفعاله السابقة. لكل هذا قرر قانون الأحداث الجانحين وجوب إجراء محاكمة الأحداث سراً بحضور الحدث ووليه أو وكيله أو الشخص المسلم إليه والمدعي الشخصي ووكيله ومندوب مكتب الخدمة الاجتماعية أو مركز الملاحظة، ومراقب السلوك، فضلاً عن ممثل النيابة وكاتب المحكمة. وقد ذهب القانون إلى أكثر من ذلك حين أعطى المحكمة سلطة إخراج الحدث من الجلسة بعد استجوابه إذا وجدت ضرورة لذلك.
وفضلاً عن ذلك فقد حظر المشرّع أيضاً نشر صورة المدعى عليه الحدث ونشر وقائع المحاكمة أو ملخصها أو خلاصة الحكم في الكتب والصحافة والسينما وبأي طريقة كانت مالم تسمح المحكمة بذلك، وكل مخالفة لهذه الأحكام تؤدي إلى مساءلة المخالف جزائياً عملاً بالمادة 410 من قانون العقوبات.
بحث حالة الحدث: خلافاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية الذي لم ينص إجراء البحث السابق على الحكم في قضايا الراشدين، فإن قانون الأحداث الجانحين قد أوجبه في القضايا الخاصة بالأحداث ولاسيما إذا كانت الجريمة من نوع الجناية، فألزم هذا القانون محكمة الأحداث أن تحصل بوساطة مكتب الخدمة الاجتماعية أو مراقب السلوك أو بوساطة مركز الملاحظة عند عدم وجود المكتب أو بطريق التحقيق العادي الذي تجريه مباشرة أو عن طريق شُرَط الأحداث، أن تحصل على جميع المعلومات الممكن الحصول عليها والمتعلقة بأحوال ذوي الحدث المادية والاجتماعية وبأخلاقه وبدرجة ذكائه وبالبيئة والمدرسة اللتين نشأ فيهما وبحالته الصحية وبأفعاله وبالتدابير الناجعة في إصلاحه.
إصدار الأحكام والطعن فيها: بعد انتهاء المحاكمة تصدر محكمة الأحداث حكمها في جلسة علنية. وخلافاً للقواعد العامة فإن أحكام محاكم الأحداث تصدر بالدرجة الأخيرة فلا تقبل إلا الطعن بالنقض من دون الاستئناف، ويجوز لها أن تصدر أحكاماً معجلة التنفيذ إذا اقتضت مصلحة الحدث ذلك.
إعادة النظر وقوة القضية المقضية: خرج قانون الأحداث الجانحين عن مبدأ عدم جواز المس بحكم بعد صدوره حين أجاز لمحكمة الأحداث إعادة النظر في التدابير الإصلاحية المفروضة على الحدث تبديلاً أو تعديلاً. وعلة الخروج عن القواعد العامة تكمن في أن الغرض النهائي لهذا القانون هو إصلاح الحدث وتقويمه، ويجب الوصول إلى هذا الهدف بأية وسيلة كانت ومن دون التمسك بشكليات معينة. فإن اتضح للقاضي، وهو يتابع الحدث في أثناء تنفيذه للتدبير، أن هذا التدبير غير ملائم لحالته في نوعه أو من حيث مدته، يمكنه تبديله بآخر أو تعديل مدته أو نظامه، كما هو الأمر في حال المريض حين يقرر طبيبه ضرورة تغيير الدواء إثر تشخيص جديد له، فمن غير المعقول بعد أن ظهر ضرر العلاج الأول الاستمرار فيه لمجرد شكليات معينة. ويلاحظ على هذا الأساس أنه إذا كانت قوة القضية المقضية إنما تصيب الأحكام الجزائية العادية بمجملها، فإنها في قضايا الأحداث لا تصيب الحكم إلا في الجزء المتعلق بماديات الوقائع الإجرامية وإسنادها، أما الجزء الخاص بالتدبير المفروض على الحدث فلا تمسه هذه القوة، وكل ما يشترط على محكمة الأحداث لكي تعيد النظر في التدبير الإصلاحي المفروض على الحدث مرور ستة أشهر على الأقل على البدء بتنفيذه.
اترك تعليقاً