احكام سنة التجربة للموظف الجديد
درجت أنظمة الخدمة المدنية على تحديد فترة زمنية معينة كفترة تجربة يتم فيها وضع الموظف أو العامل الجديد تحت رقابة الجهة الادارية واشرافها المباشر كفترة اختبار لتحديد مدى صلاحيته للقيام بأعباء الوظيفة وما إذا كان جديرا بالاستمرار في ممارسة اعمالها بعد انتهاء فترة التجربة، أو يتم فصله أو نقله إلى وظيفة اخرى يقضي فيها ايضا مدة اختبار جديدة، إذ تهدف إلى التدقيق في اختيار موظفي الدولة بحيث يتم اختيار الشخص المؤهل القادر على تحمل مسؤولية وظيفته وتبعاتها، فالجدارة هي الاساس في الاختيار لشغل الوظائف العامة، وليس للجدارة معايير محددة على سبيل الدقة يمكن تطبيقها على الموظف ولكنها تستشف من الصفات الشخصية للموظف من ناحية مقدرته في التعامل مع الاخرين، تحمل المسؤولية، تطوير الذات، الاستيعاب، حسن الخلق، الابداع … الخ. فهي المقياس الفعلي الذي يتوج شروط تعيين الموظف الجديد قي الدوله، إذ من البديهي ان تتوافر لدى الشخص الذي يرغب العمل في الحكومة صفات وشروط معينة مثل شرط الاهلية، والسن، والجنسية، واللياقة الصحية، والمؤهل العلمي وغير ذلك، فمباشرة الموظف لاعمال الوظيفة تعطي صاحب الصلاحية فكرة جيدة عن مدى امكانية استمرار الموظف الجديد في عمله. وفترة التجربة فترة مهمة في حياة الموظف تمهد له الطريق لاكتشاف قدراته الذاتية، وطاقاته الكامنه و تهيئة نفسيا وعمليا للقيام بأعباء الوظيفة العامة ومعرفة مبادئها واحكامها، وليعرف حقوقه وواجباته الوظيفية، كذلك ليتسنى له تفهم اهداف المؤسسة التي يعمل بها ليسهل عليه تنفيذها.
مدة التجربة:
نصت المادة 9/1 من اللوائح التنفيذية لنظام الخدمة المدنية على ان:” مدة التجربه سنة كاملة ولا يجوز خلالها نقل الموظف أو تكليفه بعمل وظيفة من فئة أخرى غير الوظيفة التي عين عليها، وإذا تغيب الموظف عن عمله أثناء فترة التجربه لسبب ما تمتد الفترة بقدر الفترات التي غابها”.
و العبرة في احتساب سنة التجربة تبدأ من تاريخ مباشرة العمل وليس من تاريخ صدور قرار التعيين إذ تترتب حقوق الموظف وواجباته بمجرد مباشرته للعمل، إذ يستحق الموظف الجديد مرتب الوظيفة التي يمارسها من تاريخ أول يوم باشر فيه اعمال وظيفته، وبدلاتها وتحديد الاقدمية في المرتبة التي يشغلها منذ تاريخ تعيينه فيها ويعامل معاملة الموظفين الاخرين من ناحية الحقوق والالتزامات.
فترة التجربة تكون مرة واحدة فقط عند تعيين الفرد في الحكومة لأول مرة، ومدتها سنة واحدة، واشتراط السنة يعتبر قاعدة عامة لا تملك الجهات الحكومية التنازل عنه أو اختصاره فهي مدة زمنية فعلية، بحيث يستمر الموظف تحت مراقبة الجهة الادارية مدة سنة كاملة فإذا انتهت ولم تتخذ الجهة الادارية قرارا بفصله أو نقله إلى وظيفة اخرى لعدم صلاحيته فلا يخضع إلى فترة تجربة اخرى حتى لو انتقل للعمل في وظيفة مغايرة لتلك التي قضى سنة التجربة يمارس اعمالها، ولكن لو ان الموظف قضى فترة من سنة التجربة، ستة أشهر مثلا، ثم قدم استقالته خلالها فانه يخضع لفترة تجربة جديدة تجري عليه فيها نفس احكام فترة التجربه، إذ قرر النظام ان تكون فترة التجربة سنة واحدة مستمرة غير متقطعة، ولفظة السنة يقصد بها حكما وليس تقريبا، اي يجب ان يقضي الموظف الجديد اثني عشر شهرا كفترة تدريبية.
ولهذا فالاستمراية تقضي ان تكون فترة التجربة متصلة اي يجب ان يمارس الموظف اعمال وظيفته اثني عشر شهرا متصلا، فلو انقطع عن وظيفته اثناء سنة التجربة فان المدة تمتد بما يعادل فترة الانقطاع حتى يوفي المدة المطلوبة حتى لو جاوزت المدة الحكمية، وليست الفعليه لشغله الوظيفة سنة كاملة.
وتحسب المدة بالتاريخ الهجري حسب تقويم أم القرى، ولهذا فان الموظف الجديد الذي يعمل في السفارات أو الملحقيات التعليمية العاملة خارج المملكة يخضع لفترة السنة حسب التاريخ الهجري حتى لو كانت الدولة التي يعمل بها تطبق تاريخا آخر. ايضا مبدأ الاستمرارية يقتضي استبعاد فترة الغياب التي غابها الموظف اثناء فترة التجربة بحيث تحسب ايام الغياب وتضاف إلى مدة التجربة ليكون المجموع في النهاية متمما لسنة كاملة.
ومن هذا الباب فقد استقرت اراء وزارة الخدمة المدنية على تطبيق هذا الحكم على احكام الغياب النظامي وتمديد فترة التجربة لتكّون سنة كاملة فرأت الوزارة مثلا وجوب استمرار المدرس في سنة التجربة بعد انتهاء العطلة الصيفية وبما يعادل مدة تلك العطلة ولذا فلم تحتسب اجازة العطلة الصيفية للمدرسين ضمن سنة التجربة لهم بل تمتد فترة الاختبار إلى ما بعد الاجازة الصيفية، كذلك إذا نقل الموظف بعد سنة التجربة إلى وظيفة اخرى لعدم صلاحيته لممارسة الوظيفة التي عين عليها ابتداء فانه يلزم بقضاء فترة اختبار جديدة. وقد جرى العرف على الا يعطى الموظف ما يدل على انه انهى فترة التجربة بنجاح، انما يعتبر استمرارة في العمل قرار ضمني باجتيازه فترة التجربه.
الخاضعين لأحكامها:
ومن البديهي الاشارة الى ان سنة التجربة لا تطبق على جميع العاملين في الدولة حتى لو لم يسبق لهم العمل في الدولة، إذ هناك استثناءات ترد على احكام سنة التجربة إذ لا يخضع من يعين بأمر ملكي ، أو بقرار من مجلس الوزراء لسنة التجربة فالوزراء، والمعينون على المراتب الممتازة لا تنطبق عليهم احكام سنة التجربة حتى لو كان تعيينهم لأول مرة في الدولة.
تقويم الاداء الوظيفي للموظف الجديد:
تقويم الموظف الجديد وتحديد جدارته اثناء فترة التجربة يقع على عاتق الجهة الادارية التي خولها النظام اعداد تقرير اداء وظيفي عنه يغطي هذه السنة اذ نصت المادة 36/3 من لائحة تقويم الاداء الوظيفي على ان:”يعد التقرير من قبل الرئيس المباشر للموظف أو من ينوب عنه، ويعتمد من قبل الرئيس الأعلى حسب الصلاحيات المحدده، ولمعتمد التقرير أن يعدل فيه بما يراه ملائما”، وتطبيقا لهذه المادة نظّم تعميم الديوان العام للخدمة المدنية رقم 44899 وتاريخ 17/12/1415 بند 4/1 اجراءات العمل بنموذج اعداد تقارير الموظف خلال سنة التجربة فاشترط أن يعد التقرير عن الموظف الجديد خلال سنة التجربة على فترتين: الأولى تبدأ إعتبارا من تاريخ المباشرة ويعد التقرير عنها بعد خمسة أشهر.
الثانية: تبدأ إعتبارا من الشهر السادس حتى نهاية الشهر العاشر ويعد التقرير عن هذه الفترة ويقدم قبل نهاية سنة التجربة بشهرين. فالاساس في تحديد حالة الموظف الجديد الوظيفية بعد سنة التجربة هو تقرير الاداء الوظيفي الذي اعد عنه خلال هذه السنة، واشتراط ان يصدر التقرير عن الرئيس المباشر للموظف أو من ينيبه لأنه ستكون لديه معلومات كافيه عن الموظف، ومعرفة مدى قيامه بمهام وظيفته على الوجه المطلوب، وقد الغى ديوان المظالم في احدى القضايا التقرير الذي اعده احد الرؤساء عن موظف خلال سنة التجربة لأن هذا الرئيس ليس هو الرئيس المباشر للموظف ولم يُفوّض باعداد التقرير، إذ صدر من شخص ليست له الصفة النظامية في وضع تقرير الاداء الوظيفي للموظف وبالتالي الغى ما ترتب على ذلك التقرير من اثر قانوني.
يتضح من الاثار المترتبة على تقويم الاداء الوظيفي للموظف الجديد ان مناط استمرار الموظف في ممارسة اعمال الوظيفة معلق على شرط فاسخ يتمثل في عدم صلاحيته للقيام بالعمل، فإذا أوصى تقرير الاداء الوظيفي بصلاحيته للعمل انتفى هذا الشرط، فالجهة الادارية التي تملك حق تعيين الموظف لها سلطة تقديرية مطلقة في تقدير مدى صلاحيته للعمل من عدمه، ولها مطلق الحرية في اختيار وسائل قياس كفاءة الموظف، و تحديد عدم كفائته للقيام بالعمل، ففصل الموظف بعد نهاية السنة أو نقله حسبما ورد في المادة 9/4 انما هو أمر جوازي يخضع لتقدير وملائمة الجهة الادارية، وبناء عليه فان الجهة الادارية هي التي تقدر الاجراء الذي تتخذه في مواجهة الموظف الذي لم تثبت صلاحيته، سواء بفصله أو اتاحة الفرصة له بنقله إلى وظيفة اخرى، فإذا ما اصدرت الجهة الادارية قرارها بفصل الموظف فانها لا ترتكب خطأ لأنها لم تلجأ إلى نقله إلى وظيفة أخرى في الجهة التي يعمل بها أو غيرها، ورغم ان هذه الصلاحية الممنوحة للادارة مطلقة من حيث موضوعها الا انها مقيدة في الهدف من اتخإذها قرار الفصل أو النقل إذ يلزم ان تقف الادارة عند حد التعسف في استعمال السلطة لفصل الموظف، ولذلك رفض ديوان المظالم فصل احد الموظفين خلال سنة التجربة لأن قرار الفصل صدر بعد عشرة أشهر من مباشرة الموظف وليس بعد انتهاء فترة السنة.اخيرا اود ان اشير الى ان فصل الموظف بعد انتهاء فترة التجربة لعدم الصلاحية لا يعتبر فصلا تأديبيا، إذ ان انهاء الرابطة الوظيفية لم يُبنَ على اسباب تاديبية.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
د. إبراهيم محمد الحديثي
جامعة الملك سعود
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً