أركان جريمة السرقة – القانون اللبناني
بواسطة باحث قانوني
أركان جريمة السرقة
السرقة, بتعريفها القانوني, هي أخذ مال الغير, المنقول, خفية أو عنوة, بقصد التملّك.
نتطرّق في ما يلي الى ماهية الشيء موضوع السرقة, وكيفية أخذه, والى النية الجرمية لدى السارق.
● ماهية الشيء موضوع السرقة:
لا يتكوّن جرم السرقة إلاّ إذا كان الشيء موضوعه متمتعاً بصفات معينة, أوّلها أن يكون مالاً منقولاً, وثانيها أن يكون مالاً قابلاً للتملّك, وثالثها أن تكون ملكيته عائدة للغير, وإلاّ, وفي حال تخلّفت إحدى هذه الصفات على الأقلّ, فلا يُلاحَق الفاعل بجرم السرقة, إنما ربّما بجرم آخر قد ينطبق على فعله.
– موضوع السرقة هو مال منقول: بمعنى أنّه شيء قابل للأخذ, أي للإنتزاع والنقل من مكان الى آخر, وبصرف النظر عن قيمته؛ فالسرقة قائمة, وإن كانت المسروقات تافهة أو ذات قيمة متدنية.
– موضوع السرقة هو شيء قابل للتملّك: بمعنى أنّه, وبمعزل عن حالته أو شكله, ذا كيان مادي, بالإمكان تلمّسه وأخذه.
إشارة الى أن الفقه والإجتهاد يضعان الأموال غير المادية التي تأخذ شكلاً مادياً معيناً في مصاف الأموال المادية القابلة للتملك, وبالتالي, للسرقة. فإذا كانت سرقة الأفكار والحقوق مثلاً بحدّ ذاتها أمراً غير ممكن عملياً, كونها غير مادية وغير قابلة للتملك, فإن المستندات التي تحتوي مثل هذه الأفكار, والصكوك التي تتضمن إعترافاً بمثل هذه الحقوق, هي أشياء مادية قابلة للتملّك, وبالتالي, للسرقة (مع العلم أن الأشياء غير المادية بحد ذاتها, وإن كانت غير قابلة للسرقة, فإن “الإستيلاء” عليها هو أمر محظور, ويخضع للملاحقة والعقاب, وإنما تحت وصف جرمي آخر, غير السرقة).
والجدير بالذكر أن المشترع أنزل “الطاقات المحرزة”, كالطاقة الكهربائية مثلاً, منزلة الأشياء المنقولة في هذا المجال, فاعتبر أن أخذها عنوة أو خفية, وبقصد التملك, يشكل جرم السرقة. فمن يُقدم مثلاً على سحب الكهرباء مباشرة من الخط العام الى منزله, ومن دون أن يجعلها تمر عبر العدّاد, يُعدّ مرتكباً لجرم سرقة الطاقة الكهربائية, ويُعاقب على هذا الأساس.
– موضوع السرقة هو مال مملوك من غير السارق, سواء أكان صاحبه معروفاً أم لا. فإذا أقدم الفاعل على استعادة شيء يملكه هو, عن طريق انتزاعه خلسة أو عنوة من يد مُحرزه غير الشرعي, لا يُعدّ فعله سرقة, إنما قد يشكّل جريمة أخرى, كاستيفاء الحق بالذات مثلاً, أو الإحتيال, أو غير ذلك, وفقاً للظروف المرافقة له. وإذا كان الفاعل شريكاً في ملكية الشيء, بمعنى أنه يملك حصة معينة فيه, وأقدم على انتزاعه كلّه وأخذه, فلا يعدّ سارقاً إلا بالنسبة للقسم الذي لا يملكه, أي بما يتجاوز مقدار حصّته.
إشارة الى أن هناك فئتين من الأشياء التي لا يُعتبر أخذها من قبيل السرقة, وهي أولاً, الأشياء غير المملوكة بعد من أحد, كالطيور والفراشات والحيوانات البرية مثلاً, طالما أنها طليقة وغير موضوعة في مكان مسيّج أو في حقل خاص؛ وثانياً, الأشياء المتروكة, أي تلك التي كانت مملوكة في السابق من أحد الناس, ومن ثم تُركت بصورة إرادية. هنا يقتضي التمييز بين الأشياء المتروكة والأشياء المفقودة (الضائعة), التي تاهت من يد أصحابها بصورة غير إرادية, ذلك أن أخذ الأشياء الضائعة يُعدّ سرقة, أما أخذ الأشياء المتروكة, فلا يعدّ كذلك. ويمكن إستنتاج نيّة الترك من نوعية الشيء وحالته وقيمته ومكان وجوده… إلخ. فإذا وَجَدَ شخص مثلاً خاتماً مرصّعاً بالألماس, مرمياً على جانب الطريق, فأخذه واحتفظ به لنفسه, هنا لا شك في أنّ مالك الخاتم لم يتركه بصورة إرادية, وإنما أضاعه بالصدفة, فيُعدّ أخذه من قبل الشخص الآخر سرقة. أما إذا وجد شخص طاولة مكسورة, مرمية في مكبّ للنفايات, فأخذها واحتفظ بها لنفسه, بعد أن أصلحها مثلاً, فلا يعدّ فعله سرقة, لأن نية تركها من قبل مالكها السابق قد تجلّت فعلاً من الحالة التي كانت عليها, ومن المكان الذي وُجدت فيه.
● أخذ الشيء وتملّكه:
السرقة, كما قلنا, هي أخذ مال الغير خفية أو عنوة؛ وهذا يعني أن يُقدم الفاعل على أخذ شيء لا يملكه بدون رضى صاحبه, إما خفية, أي بدون علمه, أو عنوة, أي بعلمه, ولكن بالقوة, كأن يلجأ الى العنف والتهديد.
أما إذا قام صاحب الشيء, وبرضاه, بتسليم مملوكه الى شخص ما, لكي يقوم هذا الأخير بعمل ما مثلاً, أو بعد أن مارس هذا الأخير مناورات إحتيالية عليه, ومن ثم استولى عليها (هذا الأخير), فلا نكون أمام سرقة, إنما أمام إساءة أمانة (في الحالة الأولى) أو إحتيال (في الحالة الثانية) فيما لو توفّرت باقي شروطها القانونية.
كذلك, لا نكون أمام سرقة إلا إذا تمّ نقل الشيء من حيازة صاحبه الى حيازة شخص آخر. فإذا احتفظ الشخص بشيء مملوك من الغير , بعد أن كان هذا الشيء أصلاً في حيازته (أي معه), لا نكون أمام سرقة, إنما ربما أمام إساءة أمانة فيما لو توفّرت باقية شروطها القانونية.
وأخيراً, لا نكون أمام سرقة إذا لم تكن نية الفاعل تملّك الشيء المأخوذ, إنما مجرد استعماله مثلاً؛ ففي هذه الحالة أمكن ملاحقة الفاعل بجرم استعمال أشياء الغير بدون حق (المادة 651 من قانون العقوبات), إذا تبيّن أن هذا الاستعمال قد تم بالصورة التي ألحقت ضرراً بمالك الشيء.
● النية الجرمية:
جريمة السرقة هي من الجرائم المقصودة التي يُشترط لقيامها توفّر النية الجرمية لدى الفاعل الذي يأخذ مال غيره, خفية أو عنوة, بمعنى أن يتوخّى إرتكاب الفعل الجرمي, مع علمه بعدم مشروعيته. أما إذا لم تتوفّر النية الجرمية لديه, كأن يعتقد مثلاً أن هذا المال هو له, أو أن مالكه سمح له بأخذه, أو أن الشيء المأخوذ متروك, أو مهمل, لا مالك له. هنا, وإذا تمكّن الفاعل من إثبات عدم توفّر النية الجرمية لديه, لا يُسأل جزائياً عن جرم السرقة, مع العلم أن هكذا إثبات ليس بالسهل إطلاقاً, كونه يتعلّق بالنوايا الخفيّة الباطنية للإنسان.
نذكر أنّ جريمة السرقة تُعتبر واقعة بصرف النظر عن الدافع الذي حمل الفاعل على ارتكابها, إلا أن الدافع, وتبعاً لكونه شريفاً أو مُشيناً, قد يؤثر إيجاباً أو سلباً على العقوبة التي تُنزل بالفاعل.
ملاحقة السرقة
السرقة هي في الأصل جنحة. إلاّ أنّ القانون ينصّ على عدد من الظروف, التي إن رافقتها من شأنها أن تجعل منها جناية. (نذكّر بأنّ الجنايات هي أشدّ الجرائم “خطورة”, ومن ثم تأتي الجنح, وأخيراً المخالفات).
● جنح السرقة:
تُقسم جنح السرقة الى فئتين, فإما أن تكون بسيطة أو أن تكون مشددة.
السرقة البسيطة هي تلك التي تتوفّر فيها الأركان الأساسية لجرم السرقة (والمذكورة آنفاً), من دون أن يرافقها أي ظرف خاص من الظروف التي سيرد تعدادها في ما يلي, أو بصورة أدقّ, هي تلك التي لم تحدد لها عقوبة خاصة بموجب أحد نصوص قانون العقوبات. يُعاقب على السرقة البسيطة من شهرين الى ثلاث سنوات وبالغرامة من 100 الف الى 400 الف ليرة لبنانية.
تُشدّد عقوبة السرقة (وفقاً للمادة 257 من قانون العقوبات) إذا ارتُكبت في إحدى الحالات الآتية:
– في المعابد والأبنية المأهولة.
– بنشل المارة, أكان ذلك في الطرق أو في الأماكن العامة الأخرى أو في القطارات أو في السفن أو الطائرات أو غيرها من وسائل النقل.
– بفعل موظف أُنيط به حفظ الأمن أو الحراسة, حتى وإن ارتُكبت السرقة في غير أوقات الدوام.
– بفعل خادم مأجور يسرق مال مخدومه أو يسرق مال الغير من منزل مخدومه.
– بفعل مستخدم أو عامل يسرق من محل أو مصنع مخدومه أو في المستودعات أو الأماكن الأخرى التابعة للعمل أو المصنع.
– بفعل شخصين أو أكثر.
● جنايات السرقة:
ينص القانون على عدد من الظروف التي, إذا ما رافقت السرقة, من شأنها أن تجعلها جناية. نذكر أهمها.
يُعاقَب على السرقة بالأشغال الشاقة من ثلاث الى عشر سنوات إذا ارتُكبت في إحدى الحالات الآتية:
إذا وقعت على أموال أو موجودات مؤسسة حكومية أو أي مركز أو مكتب لإدارة رسمية أو هيئة عامة.
– إذا وقعت على أموال أو موجودات مصرف أو محلّ للصياغة أو للصيرفة.
– إذا وقعت على أحد معتمدي القبض أو على أي موظف عام أو على أي مستخدم في مؤسسة خاصة, وهو يحمل مالاً للإدارة أو المؤسسة التي يعمل فيها, وكان القصد سرقة هذا المال. وتُفرض العقوبة نفسها على معتمد القبض أو الموظف العام أو المستخدم إذا تواطأ مع الجناة.
– إذا وقعت على سيارة أو أية مركبة برية ذات محرك.
– إذا وقعت بفعل شخص مُقنّع أو يحمل سلاحاً ظاهراً أو خفياً.
– إذا وقعت باستعمال العنف على الأشخاص.
يُعاقب بالأشغال الشاقّة من ثلاث الى سبع سنوات كلّ من ارتكب جرم السرقة في إحدى الحالات الآتية:
– بواسطة الخلع أو الكسر في الأماكن المقفلة المصانة بالجدران, مأهولة كانت أم غير مأهولة, أو بتسلقّها في الداخل أو الخارج, أو باستعمال المفاتيح المصنّعة أو أيّة أداة أخرى, أو بعد الدخول إليها بالحيلة, أو بانتحال صفة موظف, أو بالتذرّع بمهمة رسمية, أو بأية طريقة أخرى غير مألوفة.
– في خلال وقوع أعمال شغب أو ثورة أو حرب أو حريق أو إضطراب أمني أو غرق سفينة أو أية نائبة (كارثة) أخرى.
– بالتهديد بالسلاح, إن لتهيئة الجريمة أو لتسهيلها أو للإستيلاء على المسروق أو لتأمين الهرب.
إشارة الى أنه إذا ترافقت أي من الأفعال المذكورة في ما سبق (والمعاقب عليها بالأشغال الشاقة من ثلاث الى سبع سنوات) بعنف على الأشخاص, إن لتهيئة الجريمة أو لتسهيلها أو للإستيلاء على المسروق أو لتأمين الهرب, رُفعت عقوبة الجرم الى الأشغال الشاقة المؤبدة.
كذلك في حال تمّ أحد هذه الأفعال ليلاً.
أما إذا أقدم الفاعل على قتل إنسان لسبب ذي صلة بالسرقة المذكورة, فيعاقب بالإعدام.
تُضاف الى كل هذه الحالات التي تعتبر فيها السرقة جناية, جرائم السرقة الواقعة على السفن والمراكب الهوائية, والمعاقب عليها إما بالأشغال الشاقة أو بالإعدام, وفقاً للظروف المرافقة للفعل.
● حالات خاصة:
ينـص القانـون على حالة خاصة, لا يعاقب فيها على السرقة إلا بالغرامة. وهي حالة من يسـرق شيئاً من محصـولات الأرض أو من ثمـار أشجارها, مما تقلّ قيمته عن المائة ليرة لبنانية (أي بكمية جد قليلة).
إشارة الى أن الدعوى العامة في هذه الحالة لا تُحرّك إلاّ بناءً على شكوى الفريق المتضرّر.
● الإعفاء من العقاب:
يُعفى من العقاب من أقدم على ارتكاب جرائم السرقة إضراراً بالأصول أو الفروع أو الأب أو الأم أو الإبن المتبنّى أو الزوج غير المفترق قانوناً عن زوجه. أما إذا عاود المجرم جرمه خلال خمس سنوات, قُضيَ عليه, بناءً على شكوى المتضرّر, بالعقوبة المنصوص عليها في القانون, مُخفّضاً منها الثلث.
لا بدّ من التوضيح بأننا لسنا هنا أمام سبب تبرير يزيل الوصف الجرمي عن الفعل, إنما أمام عذر مُحلّ يُعفي الفاعل من العقاب الجزائي مع الإبقاء على الجريمة والمسؤولية, بمعنى أنّ الفعل يبقى من صلاحية القضاء الجزائي الذي يحقق ويحاكم ويحكم فيه, ولكنّه يُعفي الفاعل من العقاب الجزائي, على أن يبقى المجال مفتوحاً أمام المتضرر للمطالبة بالتعويض المدني عن الأضرار اللاحقة به.
● تخفيف العقاب:
تُخفّض عقوبة السرقة الى النصف إذا كان أي من الضرر الناتج عنها, أو النفع الذي قصد الفاعل إجتناءه منها, تافهاً, أو قد أُزيل كلّه قبل إحالة الدعوى الى المحكمة.
أما إذا حصل الردّ, أو أُزيل الضرر, أثناء الدعوى, ولكن قبل صدور أي حكم في الأساس, ولو غير مُبرم, فيُخفّض ربع العقوبة المنصوص عنها قانوناً.
بواسطة المستشار اياد جرار
هل تعلم.. حال ايجاد لقطة وكان بالامكان ايجاد مالكها لدى اتخاذ التدابير المعقولة لايجاده، ورغم ذلك تم الاستيلاء على المال فهنا تعتد سرقة ويعاقب الملتقط بعقوبة جنحة السرقة.http://eyadjarrar-lawyer.amuntada.com/forum
اترك تعليقاً