الأركان العامة للجريمة و أقسامها في الشرع و القانون
الكاتب: ماجد بالجنوح
تُعَرّف الجرائم في الشريعة الإسلامية بأنها محظورات شرعية زجر الله عنها بحدٍّ أو تعزير .
والمحظورات هي : إما إتيان فعل منهي عنه , أو ترك فعل مأمور به [1] .
·وتنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- جرائم الحدود :
وهي الجرائم المُعاقب عليها بحدٍّ , والحد هو العقوبة المقدرة لله تعالى[2] . ومعنى العقوبة المقدرة أنها محددة معينة فليس لها حد أدنى ولا أعلى , ومعنى أنها حق لله أنها لا تقبل الإسقاط لا من الأفراد ولا من الجماعة .
2- جرائم القصاص والدية :
وهي الجرائم التي يعاقب عليها بقصاص أو دية , وكل من القصاص والدية عقوبة مقدرة حقاً للأفراد ومعنى أنها حق للأفراد أن للمجنيّ عليه أن يعفو عنها إذا شاء , فإذا عفا أسقط العفو العقوبة المقررة الأفراد ولا تسقط العقوبة المقررة في الحق العام .
3- جرائم التعازير :
وهي الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعزير . ومعنى التعزير التأديب , وقد جرت الشريعة على عدم تحديد عقوبة كل جريمة تعزيرية , واكتفت بتقرير مجموعة من العقوبات لهذه الجرائم تبدأ بأخف العقوبات وتنتهي بأشدها , وتركت للقاضي أن يختار العقوبة أو العقوبات في كل جريمة بما يلائم ظروف الجريمة والمجرم فالعقوبات في جرائم التعزير غير مقدرة [3] .
· أما الأركان العامة للجريمة فهي ثلاثة أركان :
1- الركن الشرعي :
وهو أن يكون هناك نص يحظر الجريمة ويعاقب عليها , فلا عقوبة ولا جريمة بلا نص , ونصت المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية على أنه (لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعاً ونظاماً وبعد ثبوت إدانته بناءً على حكم نهائي بعد محاكمة تُجرى وفقاً للوجه الشرعي) . ومن القواعد الفقهية الدالة على ذلك (لا يكلف شرعاً إلا من كان قادراً على فهم دليل التكليف أهلا لما كلف به , ولا يكلف شرعاً إلا بفعل ممكن مقدور للمكلف معلوم له علماً يحمله على امتثاله) [4] , (الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم) [5] . وهذا الركن لا يستند إلى القواعد الأصولية بل إن القواعد الأصولية تستند على نصوص شرعية صريحة , قال تعالى : {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [6] . وروى الترمذي وابن ماجه من حديث سلمان أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والفراء , فقال (الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرَّم الله في كتابه , وما سكت عنه فهو مما عفا عنه) .
2- الركن المادي :
وهو إتيان العمل المكون للجريمة سواء كان فعلا أو امتناعا .
ويقوم الركن المادي على ثلاثة عناصر :
أ – الفعل :
هو النشاط الإيجابي أو الموقف السلبي الذي ينسب إلى الجاني .
ب – النتيجة :
هي الأثر إلي يُحدِثه الفعل والمتمثل في الاعتداء على حق من الحقوق التي يعترف بها الشرع ويحميها .
جـ – علاقة السببية :
وهي الرابط الذي يربط ما بين الفعل والنتيجة للتثبت من أن حدوث النتيجة يرجع إلى ارتكاب الفعل [7].
3- الركن الأدبي أو المعنوي :
وهو أن يكون أن يكون الجاني مكلفا أي مسئولا عن الجريمة [8] . أي اتجاه إرادة الفاعل لارتكاب الفعل سواء كان الباعث هو القصد الجنائي وتسمى الجريمة حينها بالجريمة العمدية , أو لم يكن الباعث قصدا جنائيا أي أنه لم يكن يرغب للوصول للنتيجة التي أحدثها فعله , فحين إذٍ تسمى بالجريمة غير العمدية .
ولقد ازدادت أهمية منح المتهم ضمانات تحميه , خاصة في هذا العصر الذي ضعف فيه الوازع الديني وصارت التهم تُوجه جزافاً بدليل وبغير دليل في كثير من المجتمعات [9] .
وقبل الخوض في ضمانات المتهم وحقوقه في إجراءات الدعوى الجنائية نتعرف على معنى الإجراءات الجنائية .
تُعرّف الإجراءات الجنائية بأنها الخطوات العملية المحكمة بالقواعد والأحكام الشرعية التي تحكم الدعوى الجنائية من حيث إجراءات مباشرتها منذ وقوع الجريمة وحتى تنفيذ الحكم على يد السلطة المختصة.
· أنواع الضمانات والحقوق :
هناك نوعان من الضمانات والحقوق :
ضمان عام (براءة الذمة) , و ضمانات خاصة للمتهم تنشأ لحظة القبض عليه .
الضمان العام (براءة الذمة)
الأصل براءة الذمة وتبقى ذمة المرء بريئة إلى أن تظهر أدلة وقرائن مقبولة بمسئوليته عن الجريمة المنسوبة إليه أو المتهم بارتكابها . فالأصل أن يولد الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء عليه , وكونه مشغول الذمة بحق خلاف الأصل حتى يثبت ذلك بدليل مقبول , لأن الذمة خلقت بريئة غير مشغولة بحق من حقوق الغير.أما إذا ظهر ما يدعوا للاشتباه والريبة في شخص ما فإنه يكون موضعاً للاتهام .
· مفهوم الاتهام :
التهمة في اللغة : تفيد الظن والشك والريبة وعدم التثبت.
واصطلاحا : كما عرّفه ابن القيم رحمه الله تعالى دعوى التهمة بأنها هي التي يتعذر معها إقامة البينة في غالب الأحوال.
فوجود المتهم في مكان أو في حالة تدعوا للريبة يجعله موضعا للظن والاشتباه فيه بأنه مرتكب للجريمة ودور الإجراءات الجنائية هي تقصي الحقائق للتثبت من صحة هذا الاشتباه أم لا غير أن الاشتباه إذا لم يستند إلى أدلة قوية تؤيده فالشك يفسر لمصلحة المتهم . وما إن يصبح الشخص في دائرة الاتهام حتى تنشأ له حقوق وضمانات يستفيد منها إلى أن تثبت إدانته بالجريمة أو يتم تبرأته وإطلاقه .
الضمانات الخاصة بالمتهم و التي تنشأ منذ لحظة القبض عليه
·ضمانات متعلقة بإجراءات القبض والإيقاف :
القبض هو سلب لحرية الشخص بالقوة الجبرية لفترة قصيرة وإيداعه المكان المعد لذلك.
وتنص المادة الخامسة والثلاثون من نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية على التالي (في غير حالات التلبس , لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك , ويجب معاملته بما يحفظ كرامته , ولا يجوز إيذاؤه جسدياً أو معنوياً , ويجب إخباره بأسباب إيقافه , ويكون له الحق في الاتصال بمن يرى إبلاغه) .
أي أن المادة السابقة قد كفلت عدة ضمانات لمن يُقبَضُ عليه وهي كالتالي :
1-لا يجوز القبض على أي شخص دون الحصول على أمرٍ مُسْبَق من السلطة المختصة بذلك , تطبيقا لقاعدة (الأصل براءة الذمة) , ويستثني من ذلك حالات التلبس التي يقبض فيها على المتهم حال تلبسه بالجريمة لأن حالة التلبس تنزع عنه البراءة . وقد عرّفت المادة الثلاثون من نظام الإجراءات الجزائية فنصت على أن : (تكون الجريمة متلبسا بها حال ارتكابها , أو عقب ارتكابها بوقت قريب , وتعد الجريمة متلبسا بها إذا تبع المجني عليه شخص , أو تبعه العامة مع الصياح إثر وقوعها , أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أدوات أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها , أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك) .
2-أن يكون القبض بطريقة تحفظ للمتهم كرامته , فلا يجوز التعدي عليه بالضرب أو استعمال العنف معه مادام لم يبدي مقاومة لرجال الأمن شريطة أن يتم القبض عليه بأيسر السُبُل كما لا تجوز إهانته أو ترهيبه أو تهديده .
3-يجب على رجال الأمن لحظة القبض على المتهم أن يعلموه بسبب القبض عليه .
4-يُمَكّن من الاتصال بمن يرغب في إخباره بإجراء القبض عليه .
·ضمانات المتهم في مرحلة الاستجواب :
الاستجواب هو مناقشة المتهم مناقشة تفصيلية مستفيضة في أمور التهمة وأحوالها وظروفها ومجابهته بما يقوم ضده من أدلة وشبهات كي يفندها إن كان منكراً للتهمة , أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف.
1- المساواة :
وهي عدم التمييز بينه وبين غيره فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى , وفي هذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد عندما شفع في المخزومية التي سرقت وهمّ الرسول عليه الصلاة والسلام بقطع يدها (يا أسامة أتشفع في حدٍّ من حدودِ الله ؟ إنما أهلك بني إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد . والذي نفس محمدٍ بيده لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) . فإذا كان الإسلام يساوي بين الشريف والضعيف فتلك أقوى الضمانات للمتهم حتى لا يُضار ولا يُظلم ولا يُقتات عليه.
2- حق الدفاع :
إذا كان الاتهام في الأصل مجرد شك وظن لم يُبت بالأدلة القاطعة بعد , فلا بد من منح المتهم حقه في الدفاع عن نفسه في التهمة المنسوبة إليه . ولا يجوز شرعاً إعطاء المدعي الحق في الدعوى ومنع المتهم من الدفاع عن نفسه , وإلا كان الاتهام إدانة , وهذا مخالف لطبيعة الاتهام الذي يحمل الشك والظن في طياته.
3- الاستعانة بمحام :
تنص المادة الرابعة من نظام الإجراءات الجزائية على أنه (يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة) , وللمحامي حضور جلسات التحقيق مع موكله , وليس للمحقق عزل المتهم عن محاميه أثناء التحقيق.
4- سرية إجراءات التحقيق ونتائجه :
تنص المادة السبعة والستون من نظام الإجراءات الجزائية بما يلي (تعد إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار التي يجب على المحققين ومساعديهم من كتّاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها , ومن يخالف منهم تعينت مساءلته .
5- الإقرار :
الإقرار هو إخبار عن واقعة ينسبها المُقِرُّ إلى نفسه على أنها صحيحة فيلتزم بما ترتبه عليه من نتائج تجاه القاضي وتجاه الغير , وبما أنه مجرد إخبار فهو يتراوح بين الصدق والكذب.
يتمتع المتهم بحرية التعبير دون لجوء المحقق إلى وسيلة من وسائل الضغط لانتزاع الاعتراف منه بالإكراه وإلا عُدَّ الاعتراف باطلاً وبالتالي تبطل جميع الإجراءات التي ترتبت على هذا الاعتراف الباطل , لأن ما بُنِيَ على باطلٍ فهو باطل .
6- الرجوع عن الإقرار :
وينقسم إلى قسمين :
أ- ما يتعلق بالحدود الشرعية :
فإن الشريعة الإسلامية تأخذ برجوع المُقِرِّ عن اعترافه في الحدود الشرعية عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ادرأو الحدود بالشبهات) .
كما إن أدلة الاتهام يجب أن تفسر لمصلحة المتهم , فيتعين على القاضي أن يحكم بالبراءة كلما ثار شك لديه في الإدانة , لأن الأحكام الجنائية تنبني على الجزم واليقين وليس الشك والظن.
ب- الرجوع فيما يتعلق بحقوق الغير الدنيوية :
الرجوع عن الإقرار لا يمتد للحقوق المتعلقة بالمعاملات المالية والمتعلقة بالأفراد فمن أقر بحق لآخر ثم رجع عن إقراره لا يعتد بهذا الرجوع باعتبار الإقرار إبراءً مسقطاً .
فمن أبرأ مدينه من الدين الذي عليه سواء أكان الإبراء نتيجة الوفاء أو نتيجة الإسقاط فإن المُقِرّ ليس له الرجوع عن إقراره ولا يعتد برجوعه.
7- حفظ التحقيق :
والمقصود بحفظ التحقيق هو صدور أمر من السلطة المختصة نظاماً بعد رفع الدعوى العمومية أو عدم إحالتها إلى المحكمة المختصة . ولا شك أن الهدف من حفظ التحقيق ليس تفويت الفرصة وإضاعة الحقوق وإنما يلجأ إليه المحقق لما تقتضيه المصلحة العامة.
ولحفظ التحقيق عدة أسباب , أهمها :
1- عدم كفاية الأدلة , مما يستدعي حفظ التحقيق للبحث عن المتهم الفعلي الذي لا يزال حراً طليقاً .
2- الصلح بين المدعي والمدعى عليه فيما يجوز الصلح فيه شرعاً ونظاماً .
3- تنازل المدعي عن دعواه فيما يجوز التنازل فيه .
غير أننا نوضح أن تنازل المدعي عن حقه الخاص في الدعوى لا يتبعه بالضرورة سقوط الحق العام عن المدعي عليه , بل تستكمل إجراءات التحقيق ومن ثم إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة لتقرر ما تراه مناسباً في هذه الحالة .
[1] عبد القادر عوده التشريع الجنائي الإسلامي الجزء الأول ص66
[2]فتح القدير الجزء الرابع ص112 , 113
[3]التشريع الجنائي الإسلامي ص79 , 80
[4]التشريع الجنائي الإسلامي اص116 , أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ص173
[5]د.محمد الزحيلي القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي ص182
[6]سورة الإسراء الآية 15
[7]موقع شرطة أبو ظبي http://www.adpolice.gov.ae/ar/?T=9&ID=48
[8]التشريع الجنائي الإسلامي ص110 , 111 الأركان العامة للجريمة
[9]المتهم وحقوقه في الشريعة الإسلامية ص
اترك تعليقاً