الأركان القانونية لجريمة الاسترقاق في القانون العراقي والقانون الدولي
الاسترقاق ظاهرة عرفتها كثير من الحضارات القديمة واستمرت قروناً طويلة في تاريخ البشرية كوصمة عار على استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، فأصبح الاسترقاق معها أمراً عادياً حيث استعبد ما ينوف عن خمسة عشر مليون إفريقي شُحنوا إلى أمريكا. ومع بدايات القرن التاسع عشر طرأت بعض معالم التغيير في النظرة الدولية إلى هذه الظاهرة فغدت أمراً بغيضاً، وجَدت معه كثير من الدول صعوبة في إلغائه لما يحققه من مكاسب اقتصادية.
وفي عام 1791 ألغت فرنسا الرِّق وتبعتها بريطانيا عام 1833 على الرغم من أنهما سمحتا بالاستمرار بالعمل بنظام الرِّق في بعض مستعمراتهما. وقد ألغته الولايات المتحدة الأمريكية عام 1862 وعلى هذا أصبح حظر الرِّق مبدأ من المبادئ العامة في القانون التي أقرتها الأمم المتحضرة. وبتاريخ 25 أيلول عام 1926 أي في عهد عصبة الأمم، وقعت الاتفاقية الخاصة بالرِّق واعتبرت الرِّق حالة أي شخص تُمارس عليه صلاحيات حق الملكية كلها أو بعضها واعتبرت أن تجارة الرقيق تشمل أسر شخص أو حيازته أو التخلي عنه للغير بقصد تحويله إلى رقيق. كما تشمل كل فعل ينطوي على حيازة رقيق بغية بيعه أو مبادلته وكل فعل ينطوي على التخلي بيعاً أو مبادلةً عن رقيق تحت حيازته بغية بيعه أو مبادلته، وكذلك أي اتجار بالأرقاء أو نقل لهم.
وقد تعهدت الدول المتعاقدة باتخاذ جميع التدابير الناجعة لحظر وقمع شحن الأرقاء وإنزالهم ونقلهم في مياهها الإقليمية أو على جميع السفن التي ترفع أعلامها. وبتاريخ 23 /10/1953 أصدرت الجمعية العامة بروتوكولاً إضافياً بتعديل الاتفاقية المذكورة. وفي 30/4/1957 أصدرت اتفاقية تكميلية خاصة تهدف إلى تكثيف الجهود على الصعيدين الدولي والوطني على السواء بغية إبطال الرِّق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرِّق. وقد كانت الجمعية العامة قد أصدرت بتاريخ 2/ 12 / 1949 اتفاقية حظر الإتجار بالبشر واستغلال دعارة الغير. وفي 25/6/1957 أصدرت اتفاقية تحريم السخرة.
وهذه الوثائق الدولية صدرت في وقت كانت تجارة الرقيق ـ على الرغم من إدانتها وتحريمهاـ منتشرة في مناطق عديدة من العالم وفي أشكال مختلفة (الرقيق الأسود والرقيق الأبيض). ومن العوامل والدوافع التي حثت الأمم المتحدة على الاهتمام بمسألة الرِّق امتناع بعض الدول في عام 1948 عن توقيع الإعلان العالمي لحقوق الانسان بسبب حظره في المادة الرابعة استرقاق أي شخص أو استعباده ومنع تجارة الرقيق بجميع أشكالها.
وفي سورية صدر القانون رقم3 لعام2010 الذي عاقب على الاتجار بالأشخاص بالاعتقال المؤقت لمدة سبع سنوات لكل من ارتكب أياً من جرائم الاتجار بالأشخاص والحكم بمصادرة العائدات المتأتية من الجرائم المشمولة بهذا القانون. وعلى الرغم من هذا الكم الكبير من القوانين والمواثيق الدولية مازالت هذه الجريمة تمارس حتى اليوم. وبالأمس كانت وسائل التواصل الإجتماعي تنقل أخبار أسواق النخاسة في مدن الرقة والموصل وسنجار، وكنا نظن أن هذا الفعل قد أصبح من الماضي البغيض الذي لا نرغب في استذكاره. والسؤال؛ هل يعتقد الجناة أنهم في مأمن من الملاحقة والمثول بين يدي العدالة؟
في الحقيقة، إن القانون الوطني يعاقب الجناة على هذا الفعل وكذلك إن الأحكام والمواثيق الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية تعاقب عليه وتعتبره جريمة دولية بموجب الفقرة ج / 2 من المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (والذي دخل حيز النفاذ في 1/7/2002) التي تنص على أن: “ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية أو هذه السلطات جميعها على شخص ما بما في ذلك ممارسة هذه السلطات في سبيل الاتجار بالأشخاص ولاسيما النساء والأطفال”.
كما حددت اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية أركان جريمة الاسترقاق بالتالي:
1ـ أن يمارس مرتكب الجريمة أياً من السلطات المتصلة بحق الملكية أو هذه السلطات جميعاً على شخص أو أكثر من شخص، مثل بيع وشراء أو إعارة أو مقايضة هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص, أو أن يفرض عليهم حرماناً مماثلاً من الحرية.
2ـ أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين.
3ـ أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين, أو ينوي أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك الهجوم.
وعليه فإن الأركان القانونية لجريمة الاسترقاق هي:
الركن القانوني: حيث تشكل المبادئ العامة في القانون والمواثيق الدولية والوطنية التي حظرت تجارة الرِّق وألغتها أحد عناصر الركن القانوني في جريمة الاسترقاق، وبالتالي إن النص موجود ولا يمكن التذرع بالجهل بالقانون ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات قائم ومحترم؛ فلم تخلو وثيقة قانونية دولية تعرف الجرائم ضد الإنسانية من ذكر الاسترقاق، فقد تضمنت ذكره مختلف مواثيق المحاكم الجنائية الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، كما تناولته اتفاقية منع تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
الركن المادي: يعد القسم الأول من الفقرة الأولى من أركان جريمة الاسترقاق والمستمد من تعريف الرِّق والاتجار بالرقيق في اتفاقية عام 1926 النموذج الأول والأهم لجريمة الاسترقاق، والذي ينطوي عنصر الفعل في الركن المادي فيه على ممارسة أي حق من حقوق الملكية على شخص أو أكثر. كما في حالات البيع والشراء أو المقايضة أو الإعارة أو أي شكل آخر من أشكال التصرف بالملكية كحق الانتفاع بشخص الرقيق أو بعمله مهما كان نوع هذا العمل.
الركن المعنوي: يشترط لتوافر القصد الجنائي في جريمة الاسترقاق استيفاء عنصري العلم والإرادة؛ ففي حالة الشراء يجب أن تتوافر لدى المشتري نية استبقاء الشخص في وضع الاسترقاق، أما في حالة البيع فيكفي بالنسبة للمحكمة مجرد إثبات العلم والإرادة لعملية البيع هذه دونما حاجة لإثبات علم مرتكب الجريمة بما سيؤول عليه حال الشخص من عتق أو استمرار في حالة الرِّق لأن جرمه سينحصر حينها في كونه مارس على نحو غير مشروع حقاً من حقوق الملكية.
وفي ضوء ما تقدم، فإن صمت البعض في المجتمع الدولي عما يجري في سورية والعراق من ممارسات يندى لها الجبين بحق الآدمية والإنسانية، واشتراك البعض في تبريرها والقبول بها، لن يعفي هؤلاء المجرمين من العقاب، ولا أنّ اعتقاد 90% من السعوديين أن ما يفعله تنظيم داعش هو التطبيق الصحيح للشريعة الإسلامية سوف ينجيهم من القصاص؛ إن ذلك لا يغير من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ” رجل أنا خصمه يوم القيامة: رجل استعبد حراً “.
ولما كانت القاعدة الفقهية (الضرورة تقدر بقدرها)، فإن المرجوّ من المشرّع المبادرة إلى تعديل القانون رقم 3 لعام 2010 وتشديد العقوبات فيه وعدم الاكتفاء بالإعتقال المؤقت في ظل ما تشهده سورية، وبسبب اختلاف ظروف اصدار القانون عن الوقت الحالي، فالغاية من القانون كانت بالدرجة الأولى منع الدعارة واستغلال الأطفال. أما الآن فالجريمة أكبر وأشنع وأفظع وتستوجب عقوبة أشد وتتناسب مع الظرف الراهن.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً