دعوى المنافسة غير المشروعة
الأصل حرية المنافسة، ويقتضي مبدأ حرية التجارة مراعاة القيود التي ترد عليه من أجل المصلحة العامة أن يكون لكل شخص حرية الإتجار متى توافرت الشروط اللازمة لذلك وهو ما يعني حرية المنافسة بين التجار.
وهذا المبدأ له من الأهمية بالنسبة للمستهلكين والتجار والمجتمع على حد السواء حيث تقتضي المنافسة رفع جودة السلع والخدمات وتحسينها وخفض أسعارها بدرجة مناسبة لإجتذاب العملاء مما يعود بالفائدة على المستهلكين وبالأرباح على التجار ورواج التجارة وإزدهارها لخير المجتمع.
الأساس القانوني لدعوى المنافسة غير المشروعة
إن حماية المحل التجاري تتضمن في نفس الوقت حماية كل عنصر من العناصر الداخلة في تركيبه وقد اهتم المشرع بتنظيم بعض هذه العناصر كما هو الحال بالنسبة للحماية المقررة للأسماء التجارية والحماية المقررة للعلامات أو البيانات التجارية والحماية المقررة لبراءة الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية.
وأقر الفقه والقضاء بأن لمالك المحل التجاري الحق في رفع دعوى المنافسة غير المشروعة وذلك استناداً للقواعد العامة في المسؤولية التقصيرية في المادة 227 من القانون المدني الكويتي والتي تقضي بأن (كل من أحدث بفعله الخاطىء ضرراً بغيره يلتزم بتعويضه ) وبذلك نكون أمام نوعين من الحماية الأولى الحماية المقررة للمحل التجاري والحماية المقررة لكل عنصر من العناصر الداخلة في تركيبه.
فيكون الخيار بين مباشرة الدعوى الخاصة بالمحل التجاري والدعوى الخاصة بحماية العنصر الذي وقع الإعتداء عليه أو الجمع بين الدعوتين شريطة ألا يحصل على تعويضين عن الضرر الواحد احتراماً لمبدأ وحدة التعويض.
ولقد عالج المشرع الكويتي المنافسة غير المشروعة في المواد 55، 60 تجاري إلا أنه لم يضع لدعوى المنافسة أساساً قانونياً آخر غير المقرر في القواعد العامة، كما أن القواعد التي تخضع لها المنافسة غير المشروعة تختلف عن التي تخضع لها المسئولية المدنية (التقصيرية) حيث تهدف الأخيرة إلى حصول المضرور على تعويض عما أصابه من ضرر محقق وقع حتماً أما في دعوى المنافسة غير المشروعة القاضي لا يقتصر على ذلك بل يتجاوز الحكم برفع الإعتداء في الحال ومنع دخوله في المستقبل واتخاذ الإجراءات الكفيلة بذلك مثل إضافة بيان للاسم التجاري للمحل المنافس أو الأمر بإغلاقه أو نقله أو مصادرة البضائع التي تحمل علامة تجارية مقلدة ومنع تداولها في السوق أو مصادرة الآلات والأدوات المستخدمة في التقليد أو نشر تكذيب للمعلومات التي تتضمن إساءة لسمعة التاجر أو إزالة الملصقات التي تحمل هذه المعلومات كما يكون للقاضي أن يحكم على المعتدي بغرامة تهديدية عن كل يوم يمتنع أو يتأخر فيه عن تنفيذ أوامر المحكمة.
شروط دعوى المنافسة غير المشروعة:
أولاً: قيام حالة المنافسة :-
يشترط لمباشرة دعوى المنافسة غير المشروعة وجود حالة منافسة بين التجار بين تجارتين متماثلتين أو متشابهتين ولا يشترط لمباشرة هذه الدعوى أن تكون التجارتين متماثلتين تماماً بل يكفي أن تكونا متشابهتين.
فمثلاً إذا كان تاجر الملابس يتاجر أيضاً في الأحذية فيحق له رفع دعوى المنافسة غير المشروعة ضد تاجر الأحذية الذي أساء إلى سمعته ولو كان هذا الأخير لا يقوم بتجارة الملابس إذ يتحقق التماثل في هذه الحالة بالنسبة لتجارة الأحذية بين المعتدي والمعتدى عليه أما إذا كانت التجارتان غير متماثلتين أو متشابهتين فلا قيام لحالة المنافسة.
ثانياً: الخطأ: أعمال المنافسة غير المشروعة :
إن التعداد الذي أوردته المواد 55، 60 تجاري كويتي لأعمال المنافسة غير المشروعة لا يعدوا أن يكون تعداداً على سبيل المثال لا الحصر. على أن أعمال المنافسة غير المشروعة ولئن كانت متعددة ومتنوعة ولا تخضع لحصر فإن الرأي قد استقر على اعتبار أعمال معينة من أعمال المنافسة غير المشروعة لما تتضمنه من اعتداء على سمعة التاجر أو على ملكيته لعنصر من عناصر المحال التجارية أو على تنظيمه الداخلي أو التنظيم العام للسوق الذي يعمل المحل في إطاره وهو اعتداء يتوافر به شرط الخطأ يصرف النظر عما إذا كان مرتكبه سيء النية أو أتاه عن إهمال أو رعونة أو عدم اكتراث بالضرر الذي قد يلحق بالغير.
ومن أعمال المنافسة غير المشروعة :-
أعمال تتضمن اعتداء على سمعة التاجر أو على ملكيته لعناصر محله التجاري:
يعتبر من قبيل المنافسة غير المشروعة كل ما يتضمن اعتداء على سمعة التاجر كالإدعاء بأنه مقبل على هاوية الإفلاس أو بأنه لا يجد من يقبل التعامل معه لضعف ائتمانه، أو كترويج إشاعات كاذبة بأنه من مدمني المخدرات أو من رواد موائد القمار أو بيوت البغاء، وكذلك يكون الأمر في حالة نشر بيانات أو معلومات مغرضة وملفقة يكون من شأنها الحط من قيمة بضائع التاجر، كالقول بأنها تحتوي على مواد مسكرة ومخدرة أو بأنها مغشوشة أو غير مطابقة للمواصفات من معلومات أو أي بيانات غير صحيحة تؤدي إلى انصراف عملاء التاجر عن بضائعه.
ومما يعد ايضاً من أعمال المنافسة غير المشروعة كل عمل ينطوي على اعتداء على أي عنصر من عناصر المحل التجاري، مثل قيام المعتدي باستعمال الاسم التجاري.
ومن ذلك أيضاً تقليد العلامة التجارية التي يستخدمها التاجر لتمييز بضائعه عن البضائع المشابهة أو استغلال براءة اختراع بغير ترخيص من المالك، لذا قررت المادة 55 تجاري أنه إذا استعمل العنوان التجاري غير صاحبه أو استعمله صاحبه على صورة تخالف القانون جاز لذوي الشأن أن يطلبوا منع استعماله، ولهم أن يطلبوا شطبه إذا كان مقيداً في السجل التجاري، ويجوز لهم الرجوع بالتعويض إن كان له محل.
أعمال تتضمن اعتداء على التنظيم الداخلي للمحل التجاري:-
يعتمد كل تاجر على التنظيم الداخلي لمحله التجاري في جذب عملائه والمحافظة عليهم، ومن ثم يعد من أعمال المنافسة غير المشروعة قيام المنافس بتحريض هؤلاء العاملين على الإضراب أو ترك العمل بالمحل أو إفشاء أسراره.
ولقد واجه المشرع الكويتي هذا الإعتداء، إذ قرر أنه لا يجوز للتاجر أن يغري عمال تاجر آخر أو مستخدميه ليعاونوه على انتزاع عملاء هذا التاجر، أو ليخرجوا من خدمة هذا التاجر ويدخلوا في خدمته ويطلعوه على أسرار مزاحمة، وتعتبر هذه الأعمال مزاحمة غير مشروعة تستوجب التعويض (المادة 58 تجاري).
الإعتداء على التنظيم العام للسوق :-
لا يمثل اعتداء مباشراً على المحل التجاري، وإنما يكون من شأن هذا الإعتداء مع ذلك، التأثير على عملاء المحل نتيجة لما يؤدي إليه من إحداث خلل عام في سوق التجارة التي يشتغل بها المحل.
وصور هذا الإعتداء كثيرة، منها أن يقوم المنافس بتخفيض أسعار بضائعه أو خدماته بدرجة كبيرة تتجاوز الحد المألوف في المنافسة المشروعة. لكن لا يعد من قبيل المنافسة غير المشروعة تخفيض الأسعار في الحدود المعقولة. كما لا يعتبر من قبيل المنافسة غير المشروعة البيع بسعر التكلفة أو بأقل من هذا السعر في بعض المناسبات، إذ لا يقصد التاجر من تخفيض السعر في هذه المناسبات الإعتداء على التنظيم العام للسوق بل يقصد التخلص من البضائع التي تحول عنها ذوق الجمهور حتى لا تبور أو إبراز مشاعره الطيبة لوطنه أو لعملائه في المناسبات الوطنية والدينية. لكن يشترط ألا يكون التخفيض وهمياً أو مستمراً طوال السنة أو لمدة طويلة لما يتخلف عن ذلك من إحداث خلل عام بسوق السلعة.
ومن قبيل الإعتداء على التنظيم العام للسوق أيضاً انتحال المنافس لأسماء وهمية أو لألقاب علمية ليست له أو الإدعاء بحصوله على جوائز أو رتب أو نياشين أو ميداليات على خلاف الحقيقة، إذ يؤدي ذلك إلى جذب العملاء إليه على حساب التجار الآخرين (المادة 57 تجاري).
ثالثاً: الضرر: انصراف العملاء عن المحل التجاري:
تهدف دعوى المنافسة غير المشروعة إلى حماية ملكية التاجر لمحله التجاري، فإن الضرر يكون قد لحق صاحب المحل التجاري متى كان من شأن الخطأ انقاص عملاء المحل أو عدم إقبال عملاء جدد عليه. ولا تهدف هذه الدعوى إلى مجرد حصول التاجر المضرور على تعويض الضرر الذي وقع فعلاً أو الذي سيقع حتماً. كما هو الحال في دعوى المسئولية التقصيرية العادية، بل تهدف فوق ذلك إلى الحيلولة دون وقوع ضرر في المستقبل.
من أجل ذلك لا يشترط في الضرر الذي يبرر مباشرة دعوى المنافسة غير المشروعة أن يكون محققاً، بأن يكون قد وقع فعلاً أو سيقع حتماً، بل يكفي أن الضرر محتملاً.
رابعاً: علاقة السببية بين أعمال المنافسة غير المشروعة وانصراف العملاء:
إذا كان يشترط في دعوى المسئولية التقصيرية نجاح المدعي في إثبات العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، والفرض أنه وقع فعلاً فإن ذلك لا يشترط في دعوى المنافسة غير المشروعة متى كان الضرر احتمالياً، وعليه يحكم القاضي بالتعويض.
تجارية دعوى المنافسة غير المشروعة وأطرافها والحكم بالتعويض:
متى قام تاجر بأعمال منافسة غير مشروعة بمناسبة مباشرته لتجارته فإن الدعوى التي تقام عليه بشأنها تكون عملاً تجارياً بالتبعية فتختص بها المحاكم التجارية وتطبق بشأنها القانون التجاري ويصبح إلتزام المدعى عليه بالتعويض إلتزاماً تجارياً بالتبعية أيضاً.
وتقام الدعوى على مرتكب الخطأ سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً، وسواء أكان واحداً أو متعدداً. فإذا تعدد المسئولون عن أعمال المنافسة غير المشروعة كانوا متضامنين في إلتزامهم بتعويض الضرر، وتكون مسئوليتهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض (المادة 228 مدني كويتي). ولا تقبل دعوى المنافسة غير المشروعة إلا متى كانت للمدعي مصلحة مشروعة يجوز حمايتها، فتقبل الدعوى متى توافرت شروطها بغض النظر عما إذا كان المدعي شخصاً طبيعياً كالتاجر الفرد أو معنوياً كالشركة التجارية والنقابات المهنية.
القاضي يحكم بالتعويض، في دعوى المنافسة غير المشروعة، عن الضرر، ويستوى أن يكون هذا الضرر مادياً أو معنوياً، مراعياً في ذلك الظروف الملابسة، فإن لم يتيسر وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعييناً نهائياً فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير (المادة 247 مدني كويتي)، ويقدر التعويض بالنقد أو بالتعويض العيني بإعادة الحال إلى ما كانت عليه أو أن يحكم بأداء أمر معين متصل بأعمال المنافسة غير المشروعة (المادة 246 مدني كويتي)، مثال ذلك أن يأمر القاضي بإزالة الاسم التجاري أو التسمية أو نزع العلامة التجارية المقلدة من بضائعه أو منع تداولها أو مصادرتها، أو نشر الحكم بالإدانة بالصحف، أو نشر تكذيب لها، وتهدف هذه الإجراءات إلى وقف أعمال المنافسة غير المشروعة.
وأخيراً بتعرض مرتكب الخطأ، فضلاً عن العقوبات المقررة في قانون السجل التجاري، للعقوبات المقررة في المادتين 92، 95 تجاري كويتي إذا تمثل الخطأ في الإعتداء على حق التاجر في العلامات والبيانات التجارية، وهي عقوبات تصل إلى الحبس والغرامة والمصادرة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
مكتب المحامية موضي الموسى
اترك تعليقاً