الأساس القانوني للعلاقة المباشرة بين الناقل والمرسل إليه
أستاذة/ مروة جمال الدين سعيد الشريف
مقدمة
-فى ظل العمل بقانون التجارة القديم
الاتجاهات الفقهية
اتجاهات قضاء النقض
التفسير القضائي
-في ظل العمل بقانون التجارة الجديد
مقدمة
المرسل إليه لا يظل بعيداً عن عقد النقل الذى ينعقد بين المرسل وأمين النقل بل يكتسب حقوقاً ويتحمل التزامات. فيكون له الحق فى تسلم البضاعة من أمين النقل وضماناً لذلك له الحق فى الرجوع مباشرة على أمين النقل بالتعويض إذا ثبتت مسئوليته كما يلتزم بدفع أجرة النقل إذا لم تكن مدفوعة بل مستحقة عند التسليم وضماناَ لحق الناقل فى الأجرة إذا امتنع المرسل إليه له أن يرجع بها على المرسل الذى أبرم العقد معه كما وله الحق فى حبس البضائع.
فى ظل العمل بقانون التجارة القديم
-فى ظل العمل بقانون التجارة القديم
كانت تنص المادة 94 على:
“البضائع التي تخرج من مخزن البائع أو المرسل يكون خطرها في الطريق على من يملكها ما لم يوجد شرط بخلاف ذلك إنما يكون له الرجوع على الوكيل بالعمولة وأمين النقل المتعهدين بالنقل”.
فالمشرع أقر للمرسل إليه – متى كان المالك للأشياء محل النقل – حق الرجوع مباشرة على الناقل أو الوكيل بالعمولة بالنقل وذلك دون تحديد أساس ذلك الحق.
ونظراً لغموض النص القانوني عن أساس تلك المسئولية التي فرضها القانون على أمين النقل والوكيل بالعمولة في النقل فقد ثار الخلاف في الفقه حول هذا الأساس.
الاتجاهات الفقهية
– ذهب اتجاه إلى اعتبارها على أساس الاشتراط لمصلحة الغير
وإن كان من الممكن تأسيس حقوق المرسل إليه قبل الناقل على أساس الاشتراط لمصلحة الغير إلا أنها لا تصلح أساساً لتفسير التزاماته حيث لا يتحمل المنتفع من العقد الذي أبرم لمصلحته ثمة التزامات
كما إنه يجوز في الاشتراط لمصلحة الغير أن يكون للمتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تنشأ عن العقد بينما لا يستطيع الناقل أن يتمسك في مواجهة المرسل إليه بالدفوع التي تنشأ له قبل المرسل من العقد بل يرجع بها على المرسل نفسه وسنفرق بين التزامات المرسل إلى نوعين:
التزامات يكون مسئول عنها بمجرد إخلاله بها هذا فيما يتعلق الالتزام بدفع الأجرة, والالتزام بتقديم بيانات صحيحة وكافية على البضاعة المنقولة.
التزامات يكون مسئول عنها إذا لم يقبلها الناقل أو يتحفظ عليها (التغليف والحزم والبيانات المتعلقة بالبضاعة ” العدد والنوع”.
– وقد اتجه البعض لتأسيس المسئولية عل أساس فكرة الحق في البضاعة إلا أن هذا وإن كان يفسر حقه في استلام البضاعة والمطالبة بها إلا أنه لا يفسر أساس التزاماته.
– واتجه البعض الآخر لتأسيس المسئولية على أساس النيابة الناقصة وهي معناها أن المرسل عندما يتعاقد مع الناقل يكون في الواقع نائباً عن المرسل إليه ولكن النيابة تكون ناقصة بمعنى أن النائب لا يختفي من العملية القانونية بل يظل ملتزماً إلى جانب الأصيل.
ولكن هذا الرأي لكونه مخالفاً للإرادة الحقيقية للمرسل فلا يذهب المرسل في تعاقده لأن يكون له صفتين كأصيل وكنائب عن المرسل إليه
كما أن آثار النيابة الناقصة تتعارض مع الآثار المتعارف عليها بالنسبة للمرسل إليه حيث يترتب على الأخذ بنظرية النيابة الناقصة أن المرسل إليه يعتبر طرفاً في عقد النقل لا من وقت تسلمه لوثيقة النقل وإنما منذ إبرام العقد بين المرسل والناقل. وكذلك يترتب على الأخذ بهذا الرأي أن تمتد مسئولية المرسل إليه في جميع الالتزامات التي يرتبها عقد النقل في ذمة المرسل ولا تقتصر على الالتزام بدفع أجرة النقل .
– فقد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن المرسل إليه بقبوله حيازة وثيقة النقل يكون قد قبل إيجاباً موجهاً إليه من المرسل والناقل فأصبح بذلك طرفاً في العقد الذي تم بينهما .
إلا أن هذا الرأي يتعارض مع نية المرسل إليه المتمثلة في استلام الأشياء المنقولة ودفع أجرة النقل إذا لم يدفعها المرسل وهذا يتعارض مع الآثار التي يرتبها عقد النقل بالنسبة للمرسل إليه .
كما أن الأخذ بهذا الرأي يترتب عليه مسئولية كل من المرسل والناقل أمام المرسل إليه عن الإضرار التي تصيب البضاعة في حين أن المسئول الوحيد عن هذه الأضرار أمام المرسل إليه هو الناقل .
– ومن أجل هذه الانتقادات يتوجه الفقه الحديث إلى تأسيس العلاقة المباشرة بين الناقل والمرسل إليه إلى العرف التجاري والذي استقر منذ زمن بعيد تحقيقاً للمصلحة التجارة حيث أن محل عقد النقل هو تحريك أشياء من المكان الذي يقيم فيه المرسل إلى مكان آخر يقطنه المرسل إليه الذي يكون له أن يطالب الناقل بتسليم البضاعة وبالتعويض عن هلاكها في مقابل أن يطالبه الناقل بسداد أجرة النقل.
اتجاهات قضاء النقض
” المرسل إليه وإن كان ليس طرفاً في عقد النقل الذي انعقد بين المرسل والناقل إلا أنه يكسب حقوقاً ويتحمل بالتزامات من هذا العقد ومن بين تلك الحقوق الرجوع على الناقل بالتعويض في أحوال الهلاك والتلف والتأخير. والمرسل إليه إذ يرفع على الناقل دعوى المسئولية في هذه الأحوال إنما يستعمل حقاً مباشراً وقد أقر المشرع له بهذا الحق في المادة 94 من قانون التجارة ومن ثم فلا جدوى من البحث عن الأساس القانوني لهذا الحق وهو ما احتدم الخلاف بشأنه. وإذ كان رجوع المرسل إليه على الناقل في حالة هلاك البضاعة أو تلفها أو التأخير في نقلها يكون على أساس إخلال الناقل بالتزاماته الناشئة عن عقد النقل الذي يعتبر المرسل إليه في مركز الطرف فيه بالنسبة للناقل فإن هذا الرجوع يكون على أساس المسئولية التعاقدية”.
[الطعن رقم 72 – لسنة 34 ق – تاريخ الجلسة 29 / 6 / 1967 – مكتب فني 18 رقم الجزء 3 – رقم الصفحة 1403]
– وحيث أن الـتطبيق الصحـيح للقانون يتطـلب من القاضي تفسـيره، تفسير القاعدة القانونية بأنها التعرف على معنى الحكم الذي تتضمنه هذه القاعدة، بحيث تتضح من ألفاظها أو مضمونها حدود الحالة الواقعية التي وضعت القاعدة من أجل تنظيمها
التفسير القضائي
إذا لم يوجد تفسير تشريعي، فإن القضاة يقومون بتفسير النصوص الغامضة أو الناقصة أو المتناقضة، والقاضي ملزم بتفسير النص ليتيسر عليه تطبيقه، ولكن لا يقوم القاضي بالتفسير إلا بمناسبة واقعة معروضة عليه، فلا يجوز للأفراد مطالبة القضاة بتفسير نص قانوني يثار الشك بصدد معناه الحقيقي، لذلك يقال إن القضاة ليس داراً للإفتاء ولا يخضع القاضي في تفسيره للنصوص القانونية لأي جهة أو سلطة، فهو مستقل في وظيفته ويمكنه الاستئناس بآراء الفقهاء وأبحاثهم.
وليس للتفسير القضائي قوة إلزامية، فهو ملزم لأطراف النزاع الذي صدر التفسير بصددهم، وغير ملزم للمحاكم الأخرى، فما استقر عليه القضاء من تفسير معين لا يعد ملزماً ويمكن العدول عنه والأخذ بتفسير آخر في قضية مماثلة.
حالة الغموض
يكون النص غامضاً أي مبهماً إذا كان أحد ألفاظه أو مجموع عبارته يحتمل التأويل، بأن كان له أكثر من معنى، بحيث يتعين على القاضي أن يختار أياً من معانيه التي يراها أدنى إلى الصواب وأقرب إلى مقصود المشرع.
وقيام محكمة النقض بتفسير الغموض الذي شاب نص المادة 94 يدخل في نطاق اختصاصها حيث أن محكمة النقض هي محكمة قانون وتراقب تطبيق القانون بطريقة صحيحة تبعاَ لما أراده المشرع من تقريره مثل هذا النص.
وفي تفصيل ذلك فإن محكمة النقض لم تؤسس حق المرسل إليه على أساس المسئولية التعاقدية بطريقة مباشرة وإنما أسسها على المسئولية القانونية المفروضة بموجب نص قانوني صريح (مادة 94) على الناقل تجاه المرسل إليه.
وأنه في مجال تفسيرها لغموض النص إعمالاً لاختصاصها استندت إلى أن الناقل يكون مسئول تجاه المرسل إليه عن إخلاله بالالتزامات الناشئة له من عقد النقل كذلك يكون حق المرسل إليه بمعنى أنه إذا كان الالتزام المقرر على الناقل مستمد من عقد النقل كذلك يكون حق المرسل في الرجوع على الناقل لمخالفة ذلك الالتزام.
نخلص مما سبق أن محل ذلك الخلاف حول أساس حق المرسل إليه في الرجوع على الناقل هو غموض النص التشريعي الذي أعطى له هذا الحق ابتداء مما كان يوجب أن يتدخل تشريعياً لحسم ذلك النزاع.
-في ظل العمل بقانون التجارة الجديد
وبالفعل نص المشرع في قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 في المادة 222 على:
“لا تثبت للمرسل إليه الحقوق الناشئة عن عقد النقل ولا يتحمل الالتزامات الناتجة عنه إلا إذا قبل هذه الحقوق والالتزامات صراحة أو ضمناً. ويعتبر قبولاً ضمنياً على وجه الخصوص تسلم المرسل إليه وثيقة النقل أو الشيء محل النقل أو المطالبة بتسليمه أو بإصدار تعليمات بشأن”. وهو ما يعد تصريحاً من المشرع بأن أساس اكتساب المرسل إليه الحقوق وتحمله الالتزامات هو عقد النقل متى قبله المرسل إليه بصورة ضمنية أو صريحة.
ولذا يعد المرسل إليه في مركز الطرف في عقد النقل لتحمله التزامات واكتسابه حقوق ناشئة منه وهو ما يعد خروجاً على مبدأ نسبية أثر العقد.