أهلية الزواج
الاستاذ صلاح الدين دروازي
يعتبر الزواج ظاهرة إنسانية ارتبطت بوجود الإنسان فهو من أقدم الممارسات التي عرفتها البشرية بما أنه يمثل الإطار الشرعي للالتقاء الروحي والجسدي بين الرجل والمرأة وبالتالي تكوين النواة الأساسية للمجتمع وهي الأسرة. وقد حظي الزواج باهتمام كبير من قبل المفكرين الباحثين ويعود ذلك إلى المكانة التي احتلها في إطار التشريعات الوضعية والديانات السماوية وخاصة الدين الإسلامي حيث ورد بالقرآن الكريم “وَمِنْ آِيِاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”[1] وكذلك قوله تعالى “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ”[2].
فالشريعة الإسلامية تحث على الزواج بما أنه يضفي المشروعية على العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة ويمكن خاصة من الحفاظ على النوع البشري الذي يمثل خليفة الله في الأرض. وقد سارت السنة النبوية على نفس المنهج حيث ورد بحديث شريف”إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي”[3]. فهذه المكانة التي تبوئها الزواج في القرآن الكريم والسنة كانت لها تأثيرا مباشرا على ثراء الدراسات والأبحاث التي قام بها الفقهاء المسلمون في هذه المادة.
وعلى اعتبار أن الزواج هو حق طبيعي من بين الحقوق الأساسية للإنسان يصعب إنكاره أو تجاهله[4] فإن ممارسته تستوجب توفر جملة من الشروط في المترشح للزواج حتى يتسنى له إبرام عقد الزواج والدخول في الرابطة الزوجية[5]، هذه الشروط شكلت مؤسسة أهلية الزواج.
فالأهلية لغة هي نسبة إلى الأهل فيقال فلان أهل لكذا أي مستحق له وخليق به أو صالح للقيام به وللطلب منه وهي في نظر علماء الصرف مصدر صناعي كالإنسانية أي كونه أهل لكذا وكونه إنسانا[6].
أما التعريف الشرعي فإنه يعتبر الأهلية عبارة عن صلاحية الشخص ومحليته للحقوق المشروعة له أو عليه. وقد ورد ذكر الأهلية في القرآن الكريم في عدة آيات من ذلك قوله تعالى “وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةُ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا”[7] “وَهْوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَالمَغْفِرَة”[8].
وفي هذا الصدد اعتبر المشرع بالفصل 3 م.ا.ع أن “كل شخص أهل للإلزام والالتزام ما لم يصرح القانون بخلافه” فهي بوجه عام قدرة الإنسان على الالتزام وعلى مباشرته شخصيا. وبالتالي صلاحيته[9] للقيام بأمر معين. ولكن خصوصية قانون الأسرة وتعلق الزواج بذات الشخصين طرفي الزواج جعل المشرع يحيط هذا الحق بعديد الشروط البيولوجية والنفسية وكذلك الاجتماعية من خلال مجلة الأحوال الشخصية التي تسعى إلى تنظيم العائلة وبناء مجتمع متماسك.
مما يجعلنا في اختلاف جوهري مع الأهلية الواردة بالنظرية العامة للالتزامات[10] والتي تنقسم حسب الفقهاء إلى أهلية وجوب وهي مرتبطة بالشخصية القانونية للفرد وأهلية أداء وهي أن تتوفر في الشخص أهلية الوجوب بما يجعله قادرا على ممارسة حقوقه بنفسه فالرابطة الزوجية وإن تقوم على عقد فهو ذو طابع خاص مما يجعل أهلية الزواج هي أهلية أداء لكنها تتميز بخصوصيات تتجاوز ما تبناه المشرع بمجلة الالتزامات والعقود فإن كانت هذه الأخيرة تشكل ركن العقد يقوم وينبني على أساسها فإن أهلية الزواج تبقى مجموعة شروط يمكن أن ترد عليها عديد الاستثناءات لكنها لا تمنع من قيام الزواج. فالزواج إذا هو حدث هام في حياة كل فرد لا بد أن يجد الأرضية الخصبة حتى يؤدي مقاصده وأغراضه.
والزواج لغة هو الضم والتداخل أي اقتران أحد الشيئين بالآخر وارتباطها ارتباطا وثيقا بعد أن كان منفصلين وتطلق كلمة زواج على اقتران الرجل بالمرأة[11]. أما شرعيا فنجد رهطا من الفقهاء يعتبرون الزواج حل استمتاع الرجل بالمرأة أي أنهم يقتصرون تعريف الزواج على العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في حين ترى الأغلبية من الفقهاء أن الزواج يتجاوز هذه النظرة الضيقة والتي تقف عند إشباع الرغبة الجنسية والتي تعتبر من بديهيات الزواج فهو الذي يمثل إطارا مشروعا للتآلف الروحي والتعاون على مصاعب الحياة وإنجاب الأبناء وتكوين أسرة فاعلة في المجتمع[12].
ولقد انساق المشرع التونسي في نفس المنهج التنظيمي والتأطيري لمادة الأحوال الشخصية وخصها بمجلة كاملة غير أنه تغاضى في إطارها عن إعطاء تعريف للزواج بيد أنه حدد أركانه وشروط قيامه ضمن الفصول 3-4-5 م.أ.ش وكذلك فعل المشرع الفرنسي إذ لم يعط الزواج تعريفا لكن الفقهاء كانت لهم كلمتهم في هذا الصدد على غرار العميد Carbonnier الذي اعتبره “العقد الذي بواسطته اختار الرجل المرأة بعضهما البعض والتزما على العيش سويا حتى الموت”[13].
لكن المتأمل في أغلب التشاريع العربية يجدها قد أولت الزواج عناية فائقة وعرفته من ذلك المادة 4 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية التي ترى بأنه “ميثاق تراضي وتماسك شرعي بين رجل وإمرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة”.
كذلك نجد المادة الرابعة من قانون الأسرة الجزائري والتي ترى أن الزواج هو عقد تم بين رجل وإمرأة على الوجه الشرعي من أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة والرحمة والتعاون وإحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب”.
وما يلاحظ هو توافق جل التشاريع العربية في تعريف الزواج ويعود ذلك إلى الاشتراك في الانتماء الديني والحضاري لكل الأقطار العربية تقريبا ويقول ابن منظور في هذا الصدد” أَهْلُ الرَّجُلِ وَأَهْلَتُهُ، زَوْجُهُ وَأَهَلَ الرَّجُلُ يَأهِلُ وَيَأْهُلُ أَهْلاً وَأُهُولاً، تَأَهَّلَ تَزَوَّجَ، وَأَهَلَ فُلاَنُ إِمْرَأَةً يَأْهُلُ إِذَا تَزَوَّجَهَا فَهْيَ مَأْهُولَةٌ، التَّأَهُّلُ: التَّزَوُّجُ”[14]. فأهلية الزواج إذا هي القدرة المادية والمعنوية على دخول الرابطة الزوجية.
ولا بد هنا من محاولة تخطي الالتباس في المفاهيم الذي يمكن أن تحدثه المؤسسات الشبيهة بأهلية الزواج على غرار ولاية الزواج وأهلية التعاقد. أما بالنسبة للولاية فهي تعني الصلاحيات الممنوحة للشخص للقيام بالتصرفات القانونية في حق الغير. ويمكن تقسيمها إلى ولاية على المال وولاية على النفس والتي تهم ولاية الزواج على عكس الأهلية فهي تعني الصلاحيات التي للشخص والتي تمكنه من القيام بالتصرفات القانونية في حق نفسه[15]. فأهلية الزواج إذا هي صلاحية الشخص وقدرته على دخول الرابطة الزوجية أي أن المترشح للزواج تجتمع فيه كل الشروط اللازمة لإتمام الزواج عكس ولاية الزواج والتي تفترض عدم اكتمال عناصر أهلية الزواج في المترشح له مما يستدعي تدخل الغير، وخاصة الولي أو القاضي.
أما فيما يخص أهلية التعاقد فهي تعتبر الأصل وتتوفر لدى كل شخص مبدئيا وذلك تأسيسا على ما ذهب إليه المشرع بالفصل 3 م.ا.ع وهي أهلية لصيقة بالعقد باعتباره من أهم التصرفات القانونية في حين يبقى الزواج عقد ذو طابع خاص بما أن محله الطرفين[16] كما أن أهلية التعاقد هي قائمة الوجود في إطار أهلية الزواج.
وقد نظم المشرع أهلية التعاقد في الفصول من 3 إلى 17 م.ا.ع كما حدد أسباب الحجر وأحكامها صلب الفصول من 153 إلى 170 م.أ.ش ومن خلال ما تقدم ذكره يتبين لنا أن أهلية الزواج تقوم على تضافر الشروط البيولوجية والاجتماعية والنفسية لممارسة الحق في الزواج فهي إذا تشكل شرطا بالنسبة للزواج وتختلف في هذا الجانب مع أهلية التعاقد التي مناطها السن والتمييز وهي تشكل ركنا لازما في تكوين العقد وعادة ما تتعلق بالتصرفات القانونية التي موضوعها الأموال والمكاسب في حين أن أهلية الزواج وإن يترتب على قيام الزواج بعض الالتزامات المالية خاصة فيما يخص الأملاك المشتركة[17] إلا أنها تبقى أهلية متعلقة بذات المقدمين على الزواج الذي اختصر الطاهر الحداد مضمونه في أربع مصطلحات “عاطفة وواجب وازدواج وتعمير”[18] فيكون بالتالي قد ألم بجوانبه النفسانية والاجتماعية والبيولوجية مما يجعل منه أرقى أشكال التعاقد والاقتران.
وكما أشرنا آنفا إلى الوظيفة التنظيمية لأهلية الزواج من خلال تأسيس النواة الأولى للمجتمع وإرساء نسيج من العلاقات المنظمة والمتوازنة بين أفراد المجتمع بدءا بالعائلة فإننا سوف نحاول الوقوف عند هذه المؤسسة من خلال القانون الروماني الذي يقوم مقام المصدر الأساسي لعديد التشريعات المعاصرة التي استلهمت منه أهم المبادئ القانونية[19].
ويختلف مفهوم الأهلية في القانون الروماني عما هو موجود في القوانين الحديثة حيث تم ربط أهلية الفرد بحريته إضافة إلى تمتعه بصفة المواطن الروماني. فالحق في الزواج لا يمارسه أي فرد وإنما هو مشروط بالانتماء الطبقي والاجتماعي فحتى يتمكن الفرد من الزواج لا بد أن يكون مواطنا رومانيا وأن يتحد مع القرين في الطبقة الاجتماعية المنتمي إليها وقد حددت سن الرشد بـ 24 سنة للذكر و18 سنة للفتاة. ويعتبر الشرط النفسي أساس الزواج في القانون الروماني حيث يقوم على التراضي بين طرفيه لكن يبقى هذا الشرط غير كافي إذ أن هذا الرضاء بالزواج لا بد أن يكون مدعوما برضاء الأبوين وخاصة سلطة الأب التي تعتبر قاعدة أصلية لا بد من توفرها فالأبناء يبقون دائما تحت سلطة الأب إلا إذا تم ترشيدهم أو بعد وفاة الأب مع الملاحظة أنه يمكن ترشيد الولد بصفة متأخرة في حين أن البنت لا يقع ترشيدها طوال حياتها. وقد حرّم الرومان الزواج بأجنبية[20] ويتفق في هذا الشأن مع المسيحيين أين يمثل الزواج مع أجنبية من الموانع المبطلة للزواج والمعاقب عليها بالسجن[21].
وإن اتفق القانون الروماني مع القانون المسيحي في بعض شروطه إلا أنه اختلف معه في بعضها الآخر من ذلك إذا كان الرضاء لازما لقيام الزواج واستمراره عند الرومان فإنه يقتصر على فترة التكوين فقط عند المسيحيين. إضافة إلى أن هذا الأخير لا يأخذ بالاختلافات الطبقية والعرقية.
أما التشريع الإسلامي فقد عرف إهمالا لبعض جوانب أهلية الزواج على عكس ما هو معمول به في القوانين الوضعية الحديثة حيث كانت المرأة لا تعبر عن اختيارها ورضاها بالقرين في الزواج حيث كانت توكل المهمة إلى وليها وهو الأب عادة، إضافة إلى عدم الاعتداد بعنصر السن مما أدى إلى تفشي ظاهرة تزويج الصغار آن ذاك.
ومن ناحية أخرى فقد أولى التشريع الإسلامي الموانع الشرعية للزواج عناية كبيرة اقتداء بما ورد بالقرآن الكريم والسنة النبوية وكذلك إجماع الفقهاء. ومن قوله تعالى “حُرِّمَتْ عَلَيْكُم أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأُخْ وَبَنَاتُ الأُخْت”[22]. أما السنة النبوية فقد تضمنت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب”[23].
هذا فيما يخص بعض صور التحريم من الزواج على وجه التأبيد ونسوق فيما يلي بعض صور التحريم على وجه التأقيت ومنها تحريم زواج الرجل بإمرأة هي زوجة لغيره أو الزواج بمعتدة لطلاق أو معتدة لوفاة كذلك المطلقة ثلاث لمن طلقها وكذلك الجمع بين المحرمين.
على أنه تجدر الإشارة إلى أن التشريع الإسلامي قد حدد شروط قيام عقد الزواج بأربعة شروط وهي على التوالي : شروط انعقاد، شروط لزومة وشروط للصحة وأخرى للنفاذ[24]. وباعتبار أن ظهور الزواج لم يكن بغاية كبت الغريزة أو تعطيلها بل للحد من فوضويتها وذلك عبر تأطير العلاقات الجنسية وتنظيمها وإضفاء الصبغة الشرعية عليها، فإن القانون الفرنسي نجده ينظم بدقة أهلية الزواج بالنسبة للشخص المقدم على ممارسة هذا الحق الطبيعي وذلك من خلال جملة من الشروط تتعلق باختلاف الجنس وبلوغ السن القانونية للزواج، رضا الزوجين ورضا الأسرة إذا كان طرفي الزواج قاصرين وأخيرا نظم القانون الفرنسي شرط الخلو من الموانع القانونية للزواج وكذلك المرور بالكشف الطبي لكل من الطرفين حتى يتم فحصهما والتأكد من حالتهما الصحية.
وقد نظم المشرع الفرنسي هذه الشروط ضمن الفصل 144 – 164 م.م.ف[25]. وقد اقتضى الفصل 144 أن الرجل قبل بلوغه الثامنة عشر من عمره والمرأة قبل بلوغها الخامسة عشر من عمرها لا يستطيع إبرام عقد الزواج، ونستشف مما ذكر أن المشرع الفرنسي يأخذ بالبلوغ القانوني لدخول الرابطة الزوجية إضافة إلى أنه يستوجب رضا الطرفين لذا يجب أن يكون كل طرف في الزواج مدركا ومميزا وقادرا على التعبير على ذلك بنفسه. فالقانون الفرنسي لا يعمل بالوكالة في الزواج على خلاف التشريع الإسلامي.
ويتفق القانون الألماني حاليا مع القانون الوطني من حيث اشتراطهما سن الثامنة عشر كاملة للجنسين المقدمين على الزواج. ويمكّن القانون الألماني الشخص الذي يبلغ من العمر ستة عشر سنة الحصول على ترخيص من المحكمة للزواج بشرط أن يكون معاقده يتمتع بسن الرشد[26].
وبالرغم من تعدد الحضارات التي ميزت البلاد التونسية إلا ان الحضارة العربية الإسلامية ظلت قائمة في تقاليدنا مما أثر في سلوك المجتمع التونسي ولا يزال إلى هذا اليوم[27] لكن رغم الواقعية التي تميز بها الفقه الإسلامي في مادة الزواج فإنه لم يسلم من باقي السلبيات فيما يتعلق بشروطه لذلك سارع المشرع غداة الاستقلال إلى إلغاء حق الجبر واشتراطه توفر رضاء الطرفين لانعقاد الزواج بالفصل 3 م.ا.ش. كما أنه منع بصفة نهائية تزويج الصغار[28].
وذلك عبر اشتراطه سنا قانونية معينة لكل مترشح للزواج نظمها في إطار الفصل الخامس من المجلة وقد شهد هذا الفصل العديد من التنقيحات حيث كانت تقدر السن القانونية للزواج من خلال أمر 13 أوت 1956 بـ 15 سنة للفتاة و17 سنة للفتى ثم تم الترفيع في هذه السن إلى 17 سنة للفتاة و20 سنة للفتى وذلك بمقتضى القانون عدد 1 لسنة 1964 المؤرخ في 21 أفريل 1964 غير أنه في 14 ماي 2007 تراء للمشرع أن يسوي بين الجنسين حيت تم تنقيح الفصل 5 من جديد وتحديد هذه السن بـ 18 سنة ولكنه مكن الزواج تحت هذه السن بعد موافقة الولي مع الأم[29] وعند معارضتهما يؤخذ بموافقة الحاكم وذلك على أساس الفصل الـ 6 م.أ.ش[30]. كما أنه وفي نفس هذا الإطار وتدعيما لهذا الخيار في مادة الزواج صادقت البلاد التونسية على اتفاقية نيويورك الموقع عليها بتاريخ 10 ديسمبر 1962 والمتعلقة بالرضا بالزواج وتحديد السن القانونية له[31].
ونظرا لأهمية الجانب البيولوجي في أهلية الزواج فالمشرع قد اعتنى بكل جوانبها فإضافة إلى السن القانونية للزواج ورضا الطرفين فإن المشرع اشترط كشفا طبيا سابقا للزواج من خلال قانون 3 نوفمبر 1964[32] قصد فحص المترشحين للزواج وقاية لهما من الأمراض التي يمكن أن ترتب آثارا سلبية على مستقبل الرابطة الزوجية. كما نجد أن المشرع قد نظم بصفة ضمنية شرط اختلاف الجنس من خلال حديثه عن ثنائية الزوج والزوجة في إطار مجلة الأحوال الشخصية وربما يعود هذا التنظيم الضمني إلى بداهة هذا الشرط في مجتمعنا العربي الإسلامي.
ونظرا للجذور التاريخية والإسلامية لمجلة الأحوال الشخصية فإن المشرع لم يفوت الفرصة في تنظيم الموانع الأدبية والأخلاقية للزواج وذلك من خلال التنظيم الجيد للموانع الشرعية أبدية كانت أو مؤقتة”[33]. فهذا التنظيم الشامل لأهلية الزواج يعود إلى نتائج الرابطة الزوجية على الطرفين وكذلك المجتمع فإذا اختلفت خيارات المشرع منذ فجر الاستقلال إلى اليوم حول تنظيم مادة الزواج وخاصة فيما يتعلق بأهلية المترشحين له فإن ذلك يفسر بمدى الارتباط الوثيق لمادة الأحوال الشخصية بجل الميادين الاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية فهي في علاقة جدلية قائمة لا يمكن تجاهلها خاصة إذا عدنا إلى الوظيفة الاجتماعية للعائلة في إطار الدولة[34].
فالزواج وإن بدا حقا طبيعيا فإن ممارسة ترتب عديد النتائج لذلك كانت الأهلية بمثابة الأساس للتمتع به، فقيام الأهلية على شروط طبيعية (اختلاف الجنس مع بلوغ سن قانونية معينة) ونفسية (تهم وجود الإرادة وسلامة الرضا) وصحية (تهم الكشف الطبي السابق للزواج) وأخيرا شروط اجتماعية وأدبية (تهم المهر والخلو من الموانع الشرعية) تجعل منها معطا ديناميكيا ومتغيرا يصعب على المشرع الإحاطة به والتحكم فيه ويتجلى ذلك من خلال التنقيحات المتتالية لسن الزواج وكذلك التنظيم المحتشم للشهادة الطبية السابقة للزواج.
وكذلك النقاشات التي أثارتها الاختلافات الدينية بين الأزواج[35] والاستثناءات الواردة على شرط السن القانونية للزواج وكذلك تهميش الشرط النفسي داخل عديد الأوساط الاجتماعية وخاصة تلك التي يكون فيها للأب سلطة متمادية على الأبناء عند اختيار القرين لذلك يبقى لأهلية الزواج وقعها الثابت، فما تعانيه عديد العائلات في بلادنا من تشتت وتفكك لعناصرها يعزى إلى الشروط المستوجبة في المترشحين للزواج وخاصة مسألة النضج العقلي والذي يرتبط عادة بالسن وكذلك المستوى الثقافي والاجتماعي للفرد. وأكبر دليل على ذلك ما سجلته السنة القضائية 2006-2007 من حالات طلاق بلغت 12757 حالة بعد أن كانت 11576 حالة في السنة القضائية 2004-2005.
كيف يمكن لأهلية الزواج أن تؤثر في حرية دخول الرابطة الزوجية ؟
فممارسة هذا الحق الطبيعي الذي يتطلب هامشا هاما من الحرية حتم الوقوف عند هذا التلاؤم التشريعي في ضمان حق الزواج مع مراعاة متطلبات النظام العام العائلي.
فالحقيقة التي لا يمكن الاختلاف حولها هو أن أهلية الزواج هي مجموعة شروط من شأنها التضييق على التمتع بالحقوق وممارستها غير أن المتأمل في خيارات المشرع نجدها تقوم على هذا الدور التوفيقي بين التأسيس لهذا الحق الطبيعي من خلال دور أهلية الزواج في دعم حرية الزواج(الجزء الأول). ولكن ككل الحقوق والحريات التي نظمها القانون فإن التمتع بها سيكون في إطار محدد ويبرز ذلك جليا من خلال دور أهلية الزواج كقيد لحرية الزواج (الجزء الثاني).
الجزء الأول: أهلية الزواج دعم لحرية الزواج
الجزء الثاني: أهلية الزواج قيد لحرية الزواج
الجــــزء الأول: أهليّـــــة الـــزّواج دعـــم لحرّيـــة الـــــــــزّواج
إنّ الحق في الزواج هو من الحقوق الطبيعية للإنسان لذلك لا بد أن تكون ممارسة هذا الحق في كنف الحرية التي تقوم على الخلفية الفر دانية أي الحرية الشخصية والتي تتعلق أصلا بالحياة الخاصة للفرد وباعتبار أن الدستور هو الضامن الأول للحريات الشخصية إذ نجد شعار البلاد يقوم على ثلاثية:” الحرية-نظام-عدالة” وموقع الريادة التي تحتله الحرية دليل على فاعليتها في كل الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ولئن بدت أهلية الزواج في مفهومها الموسع كمجموعة شروط شخصية و اجتماعية تحد من حرية الزواج إلا أنها شكلت في بعض عناصرها تأكيد وتأسيس لهذه الحرية الشخصية ويستشف ذلك من خلال تلاؤم المعطى البيولوجي مع حرية الزواج (الفصل الأول) وكذلك من خلال الدور الذي يقوم به الشرط النفسي في تأكيد حرية الزواج (الفصل الثاني).
الفصل الأول: تلاؤم المعطى البيولوجي مع حرّية الزّواج:
إنّه لا من شكّ في أهميّة دور السن و تأثيرها على خيارات الفرد فكلما تعدّى الشخص مرحلة من مراحل حياته إلا وإكتسب الخبرة والحنكة في إختياراته فالحياة هي مجموعة تجارب وإمتحانات للفرد تؤسس فيه القدرة على البحث والتروي والتقرير لذلك عمدنا إلى ربط سن الزواج بحرية إختيار القرين لأن سن المترشح للزواج وتجربته في الحياة سوف تكون لها دورا فاعلا في إختيار شريك حياته.
وبما أن الحقوق والحريات أصبحت منظومة عالمية وكونية وعلى إعتبار أن الزواج هو من الحقوق الطبيعية التي لا يمكن الحدّ من ممارستها بطرق اعتباطية فإنه تم تنظيمه وتكريسه من خلال القوانين الداخلية وكذلك على مستوى الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
وباعتبار أننا نسعى إلى بحث مَواطن حرية الزواج التي ضمّنها المشرع في خياراته التشريعية والتي تتجلى خاصة من خلال مرونة شرط السن القانونية للزواج (المبحث الأول) وكذلك من خلال بلورة الجانب الصحي مع حرية الزواج (المبحث الثاني).
المبـحث الأول: مرونــة شرط السـّـن القــانونية للــزّواج
إن الإجماع العالمي على وجوبيه وضع سن دنيا للزواج هو ترجمة لأهمية الجانب البيولوجي للمترشح للزواج فهي سن يكون الفرد من خلالها قادرا على تحمل واجبات الرابطة الزوجية ولربما الوظيفة الجنسية والتي تعتبر من جوهر الزواج و بالتالي فإن تحديد السن القانونية للزواج (الفقرة الأولى) لا يعتبر في حد ذاته حدا مادام يقوم على إعتبارات جسدية لا يمكن للفرد دخول رابطة زوجيّة في حين أنه غير قادر جسديا على تحمل هذه المسؤولية ولربما إمكانية الزواج دون السن القانونية (الفقرة الثانية) تؤكد أن المشرع من خلال اشتراطه سنا دنيا للزواج لم يكن يسعى إلى طمس الحرية الشخصية وإنما قصد تنظيم حق طبيعي له أثره على تكوين العائلة والمجتمع وتأثيره المباشر على الاقتصاد والتنمية بصفة عامة.
الفقرة الأولى: تحديد السن القانونيّة للزّواج:
تعتبر السن القانونية للزّواج من أهم المعطيات البيولوجيّة التي يقوم عليها الزّواج فهي قرينة على البلوغ الطبيعي، فهذه السن هي بداية مرحلة هامة في حياة الفرد فهي منطلق الاستقلالية لكل فرد بما أن الدخول في الرابطة الزوجية عادة ما يؤدّي إلى خروج البنت والإبن المتزوّجان من إطار عائلتيهما فهو تغيير عميق في حياة الفرد.
ولقد شهدت سن الزّواج في القانون التونسي عديد التنقيحات من خلال الفصل 5 م أش فبعد أن كان يؤخذ بالبلوغ الطبيعي والذي يتمثل في ظهور أعراض الرجولة بالنسبة للغلام وأعراض الأنوثة بالنسبة للفتاة[36].
فقد إستعاض المشرع عن هذا المفهوم بتحديد سن قانونية دنيا منذ تنقيح 21 أ فريل 1964 حيث أصبح ينص على أنه “يجب أن يكون كل من الزوجين خلوا…زيادة على ذالك فكل من لم يبلغ عشرين سنة كاملة من الرجال و17 سنة كاملة من النساء لا يمكنه أن يبرم عقد الزواج” بعد أن كان هذا النص ينص في صياغته الأولى على أنه تقدر سن البلوغ بالنسبة للمرأة بتمام15 سنة وللرجل بتمام 18 سنة وقد كان هذا التنقيح الأخير نتيجة لعدة أسباب أهمها إنجاح سياسة التنظيم العائلي لضمان التوازن الاقتصادي خاصة وأن البلاد تسعى إلى سياسة التنمية والنهوض بكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت مكبلة بهيمنة الحماية الفرنسية كما سعى هذا التنقيح إلى تفعيل دور المرأة داخل المجتمع من خلال تمكينها من الحق في التعليم والعمل والمشاركة في بناء المجتمع[37]
لكن وبموجب قانون14 ماى 2007 شهد الفصل الخامس م.أ.ش مرة أخرى تنقيحا عمد من خلاله المشرع إلى تسوية السن الدنيا للزواج بين الجنسين في حدود 18 سنة كاملة، وهي برهنة على تقرير مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة هذا المبدأ الذي ما فتئت تدعمه وتجسّده الخيارات التشريعية في مادة الأحوال الشخصية خاصة في ما يتعلق بالتوازن في الأدوار بين الرجل والمرأة في بناء الأسرة ذأأسأأاااا من تربية ورعاية وإنفاق[38].
ولئن إختلفت الغايات والأهداف من وراء هذه التنقيحات الواردة على الفصل الخامس والمتعلقة بتحديد سن الزواج فهي تمثل إحدى أوجه الحرية في ممارسة الحق الطبيعي لكل إنسان ألا وهو الزواج وتكوين أسرة خاصة وان هذا التحديد يمثل قطعا مع الماضي من خلال القضاء على عديد الظواهر البالية التي ميزت الزواج مثل ظاهرة تزويج الصغار وكذلك قانون الجبر[39].
وتأسيسا لمبدأ الحرية في ممارسة الحقوق الطبيعية وعلى رأسها الحق في الزواج الذي تميزت به م.أ.ش والتي سعت في عديد الفصول إلى الإعتبار من الموروث التاريخي والنهوض بالواقع المعاصر للفرد و الإستجابة إلى متطلبات العصر الحديث، فإنّ تحديد سنّ الزّواج يعد مكسبا هاما حاول المشرع من خلاله المراوحة بين ضمان حرية الزواج و بين المحافظة على الاستقرار الأسري.
وخير دعم لما توخاه المشرع هو مصادقة البلاد التونسية على اتفاقية نيويورك الموقعة في 10ديسمبر1962 المتعلقة بالرضا في الزواج و سن الزواج وتسجيل الزيجات[40] ، ويتّفق الكثير حول إعتبار أن تحديد سن الزّواج يمثل حدا من حرية الزواج[41] غير أنّه يمكننا القول بأنّ الزّواج هو حدث هام في حياة الفرد ليس من حيث تغيير الحالة المدنية للفرد ولكن من حيث المسؤولية المترتبة عنه وخاصة ما يميز الزّواج من استمرارية و تواصل وهو ما يجعل التفكير في الزواج ودخول الرابطة الزوجية يستوجب بطبيعته سنّا معينة تكون قرينة على الإستجابة للشرط البيولوجي وكذلك بلوغ قدر من الوعي والنضج الفكري لأن الزواج يرتب بطبيعته عديد الحقوق والواجبات[42] لذلك يبدو أن تحديد السن الدنيا 18 سنة هو تحديد موضوعي لأنه يضمن حرية ممارسة الحق الطبيعي وكذلك الحفاظ على دعائم العائلة والمجتمع.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحرية هو مفهوم لا يمكن حصره وهو مبتغى عسير التحقيق ولكن المتفق حوله أن الحرية لا تعنى الإطلاق في ممارسة الحقوق حتى لا تتحول إلى فوضى بل إن حرية ممارسة الحقوق هي دائما مرتبطة بحريات وحقوق الآخرين، وخاصة إرتباطها بالنظام العام العائلي إذا تعلق الأمر بحرية الزواج.
ويمكن تعريف الحرّية بأنّها: “إختيار الفعل عن روية مع إستطاعة عدم اختياره أو إستطاعة إختيار ضده”[43] ولا يغيب عنّا هنا دور النظام العام الذي يعتبر أحد العناصر المؤطرة لممارسة الحريات وقد تم تعريفه بأنه:” بكل بساطة إعمال لإرادة الدولة في حل المسائل المتعلقة بتنظيم العائلة وتحديد لحقوق أفرادها والتزاماتهم وما ينجر حتما عن كل ذلك من أثار قانونية“[44].
ومن جهة أخرى يرى البعض أن سن18 سنة هي سن متدنية جدا بما أنها نهاية سن الطفولة حيث جاء بالفصل الثالث م.ح.ط :”المقصود بالطفل على معنى هذه المجلة كل إنسان عمره أقل من18عاما ما لم يبلغ سن الرشد بمقتضى أحكام خاصة.”
وقد أثار قانون 14 ماي 2007 نقاشا صلب مداولات مجلس النواب[45] حيث أبدت الأستاذة شاذلية بوخشينة ملاحظات ورد فيها : ” …حيث أننا نعتبر الطفل أحيانا ناضجا وقادرا حتى بموافقة الوالدين فنزوجه وما أدراك ما الزواج وتكوين عائلة ولكن برعاية الأولياء ولكننا نعتبره طفلا وهو لم يتجاوز الثمانية عشر وسن العشرين سنة في كل حقوقه المدنية وهذا في الحقيقة فيه شيء من التضارب في ثقتنا وتعاملنا مع الشباب والحل للخروج من هذا التضارب هو المراهنة على نضج شباب اليوم”.
كما تدخل السيد مصطفى بوعواجة الذي رأى أن ما جاء في شرح الأسباب: “بأن سن الزواج إرتفعت إلى 29 سنة بالنّسبة إلى الفتاة و33 بالنسبة إلى الشاب لأسباب موضوعية إذا هذا القانون جاء معاكسا للتيار ولا يستجيب لحاجة إجتماعية كما أن 18 عاما هي نهاية سن الطفولة وبداية الأهليّة الجزائيّة دون الأهليّة المدنيّة .إذن من هو الطفل اليوم يصبح أبا من الغد أي له مسؤولية رب العائلة بعد مرور 24 ساعة فقط”.
وقد أجاب السيد وزير العدل وحقوق الإنسان بأن سن 18 هي ليست سن وجوب الزواج فالنص لم يأت في صيغة الوجوب لقد جاء بالنص “فيما يتعلق بسن الزواج” لذا فلا يجب أن نفهم انه من بلغ 18 سنة عليه الزواج، إذ لو كان الأمر كذالك لما قبله المجلس الدستوري.
و يمكننا الاستئناس بما ذكر على لسان السيد وزير العدل لنقر بأن حرية الزواج هي مكرسة من خلال صياغة تحديد سن الزواج حيث رأى المشرع أن سن الثامنة عشرة هي سن يمكن من خلالها الإقرار بحرية الزواج فهي قرينة على بلوغ سنا يكون صاحبها قادرا بيولوجيا على الزواج وهى كذلك اتجاه نحو الحث على الزواج وتشجيع عليه بما أن ظاهرة العزوف قد أصبحت ظاهرة مميزة لمجتمعنا اليوم وهى ظاهرة يمكن أن تقود مجتمعنا إلى تهرم التركيبة العمرية للمجتمع وهى ظاهرة تميز المجتمعات الأوربيّة.
لذلك فإن تحديد سن متدنية للزواج هو تحفيز بطريقة ذكية على الزواج وهو شكل من أشكال دعم حرية الزواج وتكريسها وهذا المنحى هو منحى عالمي وربما مكرس بصفة أدق في عديد الدساتير العالمية على غرار الدستور البرتغالي المؤرخ في 2 افريل 1976 الذي نص في فصله السادس والثلاثين كل إنسان له الحق في تكوين أسرة وعقد زواج طبق شروط مساواة تامة.
ولئن حدد المشرع السن الدنيا للزواج بثمانية عشرة سنة للجنسين وهى سن تبدو منخفضة تحمل في طياتها عديد الغايات من بينها تكريس الحق في الزواج وكذلك حرية ممارسة هذا الحق الطبيعي لكل إنسان.
وما يجدر التعريج عنه بخصوص تنقيح 14 ماى 2007 والمتعلق بتسوية سن الزواج بين الرجل والمرأة هو منحى سياسي إعتمده المشرع لتكريس مبدأ المساواة وعدم التمييز الجنسي وهذا الاتجاه ينطلق من أعلى وثيقة قانونية وهو دستور البلاد و يتجلى خاصة من خلال تنقيحي 1997 و2002 للدستور والذي رفع التمييز الجنسي إزاء المرأة التونسية المتزوجة بأجنبي[46] وتعتبر مجلة الأحوال الشخصية المكرسة بامتياز لمبدأ عدم التمييز بين الجنسين.
وبدا تكريسه منذ الفترة التمهيدية للزواج من خلال الصياغة الجديدة للفصل الثاني مجلة الأحوال الشخصية بعد تنقيحه بالقانون عدد 74 المؤرخ في 12جويلية 1993 حيث تمت التسوية بين الخطبين فيما يخص إسترجاع الهدايا[47] كذلك تكريس مبدأ التعاون والتكامل بين الزوجين وتكريس مبدأ المشاركة في الإنفاق والتربية من خلال تنقيح الفصل 23-م أ ش ولعل تنقيح جويلية 93- للفصل السادس من نفس المجلة يدعم هذا التوجه نحو القضاء على مبدأ التمييز بين الرجل والمرأة في مجال زواج الأبناء القصر.
وعموما فإن مبدأ المساواة ونزع التمييز بين الجنسين يمكن الإطلاع عليه والوقوف عنده في كل المجلات القانونية على غرار مجلة الالتزامات والعقود والمجلة الجنسية.
هذا بالإضافة إلى سن الثامنة عشرة هي سن المسؤولية الجزائية وكذالك هي سن التمتع بجميع الحقوق اقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وعلى قدر أهمية هذا التحديد للسن الدنيا للزواج الذي يمكن من إضفاء مزيد من الواقعية على عديد الوضعيات التي يمكن أن يتعرض لها الفرد أو كذالك ظهور بعض الوقائع تحتم الزواج دون هذه السن.
الفقرة الثانية:إمكانية الزواج دون السن المفترضة قانونا
لقد ورد بالفقرة 2-3 من الفصل الخامس م أ ش أن إبرام عقد الزواج دون السن المقررة يتوقف على إذن خاص من المحاكم ولا يعطى الإذن المذكور إلا لأسباب خطيرة وللمصلحة الواضحة للزوجين .
أما الفصل السادس من م أ ش الذي نقح بموجب قانون 12-جويلية 1993 فإنه ينص على أن “زواج القاصر يتوقف على موافقة الولي والأم وإذا إمتنع الولي أو الأم عن هذه الموافقة وتمسك القاصر برغبته لزم رفع الأمر للقاضي والإذن بالزواج لا يقبل الطعن بأي وجه “.
وفى كلتا الحالتين المذكورتين بالفصلين 5 و 6 م.أ.ش هما إقرار بإمكانية الزواج دون توفر شرط السن الدنيا للزواج وهى 18-سنة .
ولقد عبر الأستاذ محمد الحبيب الشريف عن هذين الإمكانيتين بقوله يتمثل الإذن بالزواج في قرار تتخذه السلطة القضائية المختصة قصد السماح لشخص غير رشيد مدنيا بالزواج دون السن الدنيا المقررة قانونا لذلك أو دون موافقة الولي والأم[48] ويضيف أيضا:” ولاشك أنا الإذن القضائي بالزواج يعتبر تأكيدا لمبدأ حرية الزواج لدى القاصر ذكرا كان أو أنثى مراعاة لظروفه الخاصة التي لا تسمح بانتظار بلوغه سن الزواج أو لإرادته الشخصية التي قد لا تتطابق مع إرادة ولى أمره وإرادة أمه”.
فإذا عدنا إلى ما ذكرناه بالفقرة السابقة حول تأخير سن الزواج بالنسبة للفتاة تسع وعشرين سنة والرجل ثلاث وثلاثين سنة فإن واقعيا تحديد السن الدنيا للزواج بثمانية عشرة سنة هي سن بعيدة كل البعد عن الواقع الاجتماعي التونسي و لكنها تبقى إمكانية منظمة قانونيا وهى تقر بحرية الزواج وليس بالحد منه وبالتالي فإن إضافة الإستثناءات الواردة بالفصلين 5 و 6 م.أ.ش للسن الدنيا للزواج هو تعزيز لهذا الحق الطبيعي وتدعيم حرية ممارسته .وإن كانت هذه الاستثناءاْت لها شروطها وإجراءاتها إلا أنها تبقى علامة إيجابية تفند الرأي القائل بأن تحديد سن الزواج هو بمثابة الحد من الحرية الشخصية في دخول الرابطة الزوجية وتكوين أسرة.
ومن الطبيعي أن يتساءل الكثير عن السن التي لا يمكن النزول تحتها لطالب الأذن القضائي بالزواج سواء على أساس الفصل 5 أو 6 م.أ.ش علما وان هذا الإشكال قد تمت دراسته في عديد المناسبات من قبل الأساتذة ساسي بن حليمة[49] والمنصف بوقره[50] وكذالك محمد الحبيب الشريف[51] وقد حددت هذه السن ببلوغ ثلاثة عشرة سنة كاملة وهى سن التمييز بناءا على الفصل 156 م.أ.ش الذي ينص على أن “الصغير الذي لم يتم الـ13 يعد غير مميز وجميع تصرفاته باطلة والصغير الذي تجاوز الثالثة عشر مميزا وتصرفاته تكون نافذة إذا كانت من قبيل الضرر المحض، ويتوقف نفاذها في غير الصورتين المذكورتين على إجازة الولي”.
وعلى إعتبار أن الزواج هو عقد مدنى يدور بين النفع والضرر لانه يقوم على مجموعة حقوق و واجبات متبادلة بين زوجين فإنه من الطبيعي أن يستوجب بلوغ سن التمييز لدى القاصر الذي يريد الحصول على الإذن القضائى لدخول الرابطة الزوجية.
ويقول الأستاذ محمد الحبيب الشريف[52] في هذا الصدد “لئن كان القاضي مؤهل لأذن بزواج القاصر منذ بلوغه ثلاثة عشر عاما فان حظوظ هذا الأخير في الحصول على ذلك الإذن تقوى كلما إقترب أكثر من سن الدنيا للزواج إذ تنقص مصلحته في الزواج ويتقلص وضوحها في نظر القاضي كلما كان أصغر سنّا وإقترب أكثر من سن التميز”. ويبدو إن هذه الإشارة تتعلق بالفصل 5 م أ ش الذي يتحدث عن المصلحة الواضحة للزوجين وللأسباب الخطيرة حيث يسعى القاضي من خلال سلطته التقديرية إلى الوقوف عند هذه المصلحة وتلك الأسباب التي على أساسها يأذن بالزواج لطالبه أو يرفضه ومن الطبيعي أن يكون سنّ طالب الإذن بالزواج له دور كبير في التأثير على قرار القاضي بخصوص السماح بالزواج لمن هو دون السن القانونية للزواج، وذلك حتى لا يكون منفذا جديدا لظاهرة تزويج الصغار الذي كان سائدا قبل صدور مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 1956، وفي ذلك حماية للأطفال من الزيجات التي تكون مضرة بطبيعتها على المستوى النفسي والإجتماعي وخاصة الفزيولوجي.
فالتوجه التشريعي نحو حماية الطفل و حماية مصالحه ،تجعل القاضي حريصا على دراسة مطالب الإذن بالزواج من كل جوانبه حتى يؤسس قراره الأخير على معطيات واقعية و مدروسة وعموما فإن الأسباب الخطيرة والمصلحة الواضحة لطالب الإذن بالزواج عادة ما تكون متعلقة بزواج قاصرة تفتقد للسند العائلي تجنبا لإنزلاقها في الرذيلة والفساد وكذلك الوضعية التي تتعرض فيها القاصرة إلى المواقعة برضاها فيكون الإذن بالزواج حدا للتتبعات الجزائية وتسترا على الفضيحة وخاصة إذا كانت حاملا فهذا الزواج سوف يضفى المشروعية على الإبن بعد وضعه كما يمكن الإذن بزواج المخطوبين اللذان يرغبان في السفر معا لغاية الدراسة مثلا بصفة زوجين خير من صفة المخطوبين.
وقد جاءت عبارة الفصل 5 م أ ش ناصة على أن الإذن بالزواج لا يعطى إلا لأسباب خطيرة وللمصلحة الواضحة للزوجين وإن عاب البعض عن المشرع استعماله عبارة “الزوجين” بما أن هذه الصفة لا تنطبق عليهما إلاّ بعد الحصول على الإذن بالزواج وبعد إبرامه إلا أننا نرى أن عبارة المصلحة الواضحة للزوجين تؤكد على مبدأ حرية الزواج فهي تأخذ بعين الإعتبار مصلحة الزوجين فهي إذا تكريس لمبدأ الحرية الشخصية وممارسة هذا الحق يخضع لحرية الطرفين المقدمين عليه وربما يستشف ذلك من خلال الطبيعة القانونية للخطبة[53].
أما فيما يخص الإذن القضائي بالزواج على أساس الفصل 6 م.أ.ش الذي تم تنقيحه بموجب قانون 12 جويلية 1993 حيث تم تعويض عبارة “الرجل والمرأة” بمصطلح “القاصر” وكذالك أضاف موافقة الأم إلى جانب موافقة ولي القاصر المقدم على الزواج كما جعل من الإذن بالزواج بمثابة القرار الغير القابل للطعن بأي وجه.
فالقاصر إذا هو الذي عمره بين الثالثة عشرة سنة والعشرين سنة أي بين سن التمييز وسن الرشد المدني بمعنى أن آلية الفصل السادس م أ ش يمكن إعتمادها من قبل كل شخص ذكرا أو أنثى عمره بين سن الثامنة عشر و العشرين سنة كاملة، و ذلك بعد تّسوية سن الزّواج للجنسين بموجب تنقيح الفصل الخامس علما وأن الفصل السادس قبل التنقيح المذكور كان يهمّ فقط الفتاة التي عمرها بين السّابعة عشرة والعشرين سنة بما أن الرجل كان يشترط فيه سن العشرين كاملة لإبرام عقد الزواج.
وفي هذه النقطة بالتحديد يتجلى نوعا من التضارب أحدثه تنقيح 14 ماي 2007 للفصل5م.أ.ش و الفصل 153 من نفس المجّلة و بموجب تنقيحه بالقانون عدد 74 لسنة 1993 المؤرخ في 12 جويلية 1993 أصبحت أحكام الفصل 153 م أ ش تنظّم نظرية الترشيد بالزواج حيث يعتبر محجورا للصغر من لم يبلغ سن الرشد وهي 20 سنة وزواج القاصر يرشده إذا تجاوز السّابعة عشرة من عمره، بمعنى أن الشخص الدي تجاوز 17 سنة وأبرم عقد زواجه فإنه قد أصبح رشيدا بمقتضى القانون [54] وإذا عدنا إلى الفصل 5 م.أ.ش بعد تنقيح 14 ماي 2007 حيث أصبح بإمكان كل شخص ذكرا أو أنثى بلغ 18 سنة كاملة إبرام عقد زواجه.
و يتجلى بالتالي التضارب بين أحكام الفصلين إذ ما يقرّه الفصل 5 م أ ش في خصوص تحديد السن الدنيا للزواج بـ 18 سنة ينقضه بالفصل 153 م أ ش الذي يعطي إمكانية الزواج بتجاوز سن 17 سنة إضافة على قرينة الرشد المدني و التي حدّدها الفصل 7 م إ ع ب 20 سنة كاملة[55]، لكن لا يجب الأخذ بهذا التضارب في الأحكام بين الفصلين بما أن الفصل 5 م أ ش يبيح الزواج دون سن 18 سنة و ذلك بتوفر الشروط و الإجراءات.
ومن ناحية أخرى فإنّه إذا عدنا إلى الفصل 542 م إ ع الذي ينص على أنه: “لا تنسخ القوانين إلا بقوانين لاحقة إذا نصت المتأخرة على ذلك نصا صريحا أو كانت منافية لها أو إستوعبت جميع فصولها.” و بما أن تنقيح 14 ماي 2007 للفصل 5 لم ينص صراحة على هذا الفسخ لذلك يمكن القول أنه تم إستيعاب الفقرة المتعلقة بإمكانية الزواج بتجاوز سن 17 سنة الواردة بالفصل 153 م أ ش بما أنه رغم تحديد السن الدنيا بـ 18 سنة فإن المشرع أعطى إمكانية الزّواج دون هذه السن في الفقرة الأخير للفصل 5 م أ ش و هو تدعيم و إقرار بحرّية القاصر في دخول في الرابطة الزوجية[56].
وأنه ما تجدر الإشارة إليه أيضا وبصفة خاصة أن الفصل 6 م.أ.ش بعد تنقيح 1993 جاء بصيغة جديدة لدور الأم داخل الأسرة وذلك من خلال موافقتها إلى جانب الولي على زواج إبنيهما القاصر.
فهذا الدور الجديد للأم يجسد أولا مبدأ المساواة بين الوالدين في تسيير شؤون العائلة وهو كذلك تفعيل للفصل 23 م أ ش الذي يشير إلى تعاون الزوجين على تسيير شؤون الأسرة و تصريف شؤونهم ولعل مسألة زواج الأبناء القصر هي مسؤولية لا تهم الأب فقط وإنما هي مسؤولية مشتركة بين الوالدين.
كما أن هذا الدور الجديد للأم داخل الأسرة يجعل من زواج القاصر مسألة عائلية ولا تقتصر على أحد أفرادها فقط فموافقة الأم إلى جانب الولي تعد شرطا لصحة الزواج من خلال منطوق الفصل 6 م.أ.ش[57] وهذا الفصل يذكرنا بالفصل 148 م م ف والذي يشترط من خلاله المشرع الفرنسي رضا الوالدين بالنسبة لزواج القاصر[58].
ونستروح من خلال الفصل السادس م أ ش أن المشرع أبدى أهمية كبرى لإرادة القاصر في الزواج من خلال عبارة “تمسك القاصر” إذ أنه في حالة ما إذا أمتنع الولي أو الأم عن إعطاء الموافقة وإن تمسك القاصر سوف يؤدى إلى رفع الأمر إلى القاضي وبالتالي فإن القاصر مكنه المشرع من مرحلتين لبلوغ مراده أي ممارسة حقه الطبيعي في الزواج والتمتع بحريّته الشخصية فهو أولا يعرض أمره على وليّه وأمّه وإن إمتنعا يرفع الأمر للقاضي الذي إذا أذن له بالزواج فإنه لا يمكن الطعن في هذا الإذن وهو حل تشريعي أتى به تنقيح جويلية 1993 يدعم حرية الزواج إلى أبعد الحدود.
ولكن في كل الحالات لا يعنى أن دور القاضي هو تغييب لدور الولي أو الأم بما أن قراره عادة ما يكون مبنيا على الإستجابة لإرادة القاصر من ناحية وإرادة الولي والأم من ناحية أخرى اللذان يتحملان مسؤولية مشتركة في تربية الطفل حسب الفصل 7 م.ح.ط.
وهذا التوجه التشريعي ينسجم مع ما جاءت به اتفاقية حقوق الطفل [59] التي تأخذ في مادتها الثامنة عشر بالمبدأ القائل بان كلا الوالدين متساويين في المسؤولية تجاه الطفل. كما أن طبيعة الإذن القضائي تنم عن التسهيلات التي تميز الإجراءات المتبعة في الحصول على الإذن بالزواج فهو أولا يقدم عريضة يضمن فيها كل المستندات التي تدعم المطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية ويعتبر هذا العمل عملا ولائيا[60] حتى يجتنب طالب الإذن مصاريف وتعقيدات التقاضي وإطالة الانتظار.
ولكنه يمكن أن ينقلب إلى عمل قضائي إذا ما تم الرجوع فيه مما يهمه الأمر حسب مقتضيات الفصل 219 م.م.ت [61] لأنه إذا ما تم إعتبار الإذن القضائي بالزواج عملا قضائيا لمن عمره دون السن القانونية فإنه سوف يفتح بابا لكل لأطراف أخرى تعطل وتقف عائقا أمام مصلحة المترشحين للزواج وكذلك تحد من حرية ممارسة هذا الحق الطبيعي في الزواج .لكن لسائل أن يتساءل هل أن إضافة دور الأم أو تشريكها إلى جانب موافقة الولي هي إضافة تخدم مصلحة القاصر أم هي عكس ذلك ؟
عادة ما تكون هناك فائدة حاصلة نتيجة الإختلاف في الآراء وذلك في كل الميادين فالزّواج في مجتمعنا لا يمكن أن ننكر عنه الصبغة العائلية، فعادة ما تقع إستشارة كل أفراد العائلة حتى وإن كان المقدم على الزواج قد تجاوز سن الرشد المدني لذلك فإن التشاور سوف يؤدى إلى حل وسط ومدروس يكلل بالاتفاق الجماعي.
وعادة ما تكون الأم هي الأقرب إلى البنت أو الإبن فهي التي يتم إبلاغها بالرغبة في الزواج هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإنه بالرجوع إلى المنظومة القيمية العربية الإسلامية نرى أن للوالدين على الأبناء حقوق تتمثل في واجب الإحسان والبر والطاعة والإكرام وهى في حقيقة الأمر قيم تفرضها الفطرة ويوجبها الوفاء والعرفان بالجميل وهى تتأكد خاصة في حق الأم لما تقاسيه من أتعاب وألام في سبيل تنشئة الصغير وتربيته ولا يغيب عنا قول الله تعالى “وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالدَيْهِ إحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمَّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْْهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا”.
كما ورد في السنة النبوية أنه جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من أحق بحسن صحبتي ؟
قال:أمك.
قال ثم من؟
قال: أمك.
قال: ثم من؟
قال: أمك.
قال:ثم من؟
قال:أبوك.
فدور الوالدين بصفة عامة والأم بصفة خاصة في الزواج تفرضه الحقيقة الاجتماعية والعائلية[62] لما يرتبه من مصاهرة ونسب ينتج عنه مسؤوليات كبيرة تتحملها العائلة بكامل أفرادها فدور الأم يعتبر ذو أهمية بليغة في حماية مصلحة القاصر وتدعيمها لممارسة حقوقه وحرياته الشخصية على غرار الخيارات التشريعية المتعلقة بالجانب الصحي في الزواج .
المبحـث الثاني :بــلورة الجانب الصحي مع حريّة الزواج
إن دور الجانب البيولوجي في الزواج هو أمر بليغ الأهمية لذلك فإن دراسته تعتبر من أولى المسائل في نجاح مشروع الزواج فإلى جانب السن القانونية فإن سلامة صحة الزوجين تلعب دورا هاما في إستقرار العائلة وسلامة الأبناء، ورغم ما تميزت به المجتمعات في القديم من إهمال للجانب البيولوجي وخاصة الجانب الصحي يعود إلى محدودية الإمكانيات والتقنيات الطبية إن لم نقل إنعدامها خاصة في المجتمعات البدائية إلا أنه أصبح أمرا ملحا ويطرح نفسه في كل المجتمعات والأوساط وهو ما دعى إلى إحاطته بالتأطير التشريعي من قبل المشرّع وذالك بمقتضى قانون 3 نوفمبر 1964 والمتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج.
وحتى لا يكون تدهور الجانب الصحي للقرين بمثابة العائق أمام حرية الزواج فإن المشرع قد فرض نظاما عاما وقائيا مع الانخراط في الاتجاه المؤسس على خلفية الحرية دون قهر ولا انتفاء كما أنه راوح بين التشدد واللين لبلوغ غايته التشريعية لذلك سوف نقف عند هذه المعادلة بين فرض سلامة صحية للزوجين وكذلك تكريس حرية الزواج من خلال إدراج الكشف الطبي في إتمام الزواج(الفقرة الأولى) وتأثير الكشف الطبي على قيام الزواج (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :إدراج الكشف الطبي في إتمام الزواج
يعتبر عقد الزواج من بين العقود التي تتميز بطابع الاستمرارية لذلك وجب تهيئة الظروف الملائمة لهذه الميزة ونرى أن الجانب الصحي أو سلامة طرفي هذه الرابطة الزوجية من أهم العوامل التي من شأنها أن تحافظ على الاستقرار والتواصل بين الزوجين وكذلك تحقيق حياة متوازنة بالنسبة للأبناء.
فكان من المفروض أن يتحقق الطرفان من هذا الجانب حتى يكونا على وعي ودراية بوضعهما الصحي قبل الدخول في الرابطة الزوجية.
ولقد كان المفكر والمصلح التونسي الطاهر الحداد من أوّل المنظرين لأهمية الاعتناء بالجانب الصحي لطرفي الزواج وذلك قبل إبرامه من خلال كتابه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع ” في باب “الزواج بلا إستعداد”[63] أين تناول مسألة الكشف الطبي، وقد أشار إلى التأثير السلبي للأمراض المزمنة والتي لا تظهر وتبقى خفية على النسل وكذلك صحة المرأة فيرى أن الإندفاع مع الشهوة مع عدم الإكتراث بالجانب الصحي سوف يكون له جناية مزدوجة على الزواج وعلى النسل، ويؤكد الطاهر الحداد على أن تدهور الجانب الصحي سوف يؤثر على صحة الأبناء وكذلك على مستقبلهم وخاصة مكانتهم في المجتمع، إذ يصبحون عالة على المجتمع بما أن علاجهم يتطلب تكاليف باهظة وربما هذه الأمراض سوف تساهم في إنحرافهم في صورة عدم رعايتهم والإحاطة بهم من قبل العائلة.
ولقد كان الحداد متأثرا بالقوانين الغربية حيث بدأ إعتماد الكشف الطبي السابق عن الزواج في بداية القرن العشرين[64] في البلدان الأسكندنافية وألمانيا وعدد من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا[65] فالقانون الفرنسي إعتمد الشهادة الطبية السابقة للزواج[66] منذ قانون 16 ديسمبر 1942 المتعلق بحماية الطفولة والأمومة والطفولة الأولى[67] والمنقح بقانون 29 جويلية 1943. وكان هذان القانونان الصادران في عهد حكومة فيشى وقع إلغائهما بعد سقوطها بقرار 2 نوفمبر 1945 المتعلق بحماية الأمومة والطفولة الذي تبنى نفس أحكام القانونين المذكورين وطورهما .
لكن وإن بدا تنظيم الجانب الصحي للزوجين أمر بديهي إلا أن الغايات من وضع تشريع يفرض كشف طبي سابق للزواج تعددت الغايات من ورائه وهى غايات وأهداف سياسية سنحاول إكتشاف محتواها بإيجاز من خلال النظريات المتولدة عن الاتجاهات التشريعية وهى ثلاث: عنصرية مثالية وواقعية.
ولقد ميزت النظريّة العنصريّة الأنظمة المتطرفة حيث إعتقد أصحابها إنتمائهم إلى جنس أسمى وأفضل من كل المجموعات التي تواجدت على البسيطة ناسبين إلى أنفسهم كل الخصال الرفيعة اللائقة بنقاوتهم و صفاوة دمهم ومعتمدين بذلك على معايير بيولوجية لإبراز إمتيّازاتهم على الآخرين وبذلك عمدوا إلى منع زواج بني جنسهم بمن هو غير منتم إليهم إستنادا إلى عدم توفر شرط السلامة الصحية في أحد الزوجين أو كليهما، وتعمدت بعض الأنظمة المبالغة في الوقاية إلى منع المصابين ببعض الأمراض من الزواج وبالتالي فإنها تطاولت على حرية الزواج ووقع فيها التضحية بالمصلحة الخاصة والحرية الشخصية أمام سلامة العائلة والمجتمع [68].
فأصحاب هذه النظرية المتصلبة قد إعتمدوا على حجج واهية أو أنهم غلّبوا المصلحة العامة على الحريات الشخصية والحقوق الطبيعية وانتهكوا حرّية الزواج وربما اليوم هذه النظرية لا نجد لها تطبيقا بما أن ضمان الحقوق والحريات أصبح مطلبا عالميا وأن حمايتهما أصبحت معيارا للوقوف على مدى تقدم المجتمعات وتطورها.
أمّا أصحاب النظّرية المتحرّرة وهو إتجّاه ينطلق من حق الزّواج وإستنادا إلى حرية الإختيار وقد إعتمدت هذه النظرية حلول قانونيّة مرنة تساير هذا التوجه بلغت حد الإعتماد على تصريح المرشحين للزواج بخلوّهما من الأمراض الخطيرة لدى ضابط الحالة المدنية عند إشهار الزيجة المزمع إبرامها[69] فهذه النظرية إعتمدت الحرية المطلقة للزوجين في إبرام الزواج وقد إنتقد هذا الاتجاه النظرية المتصلبة و إعتبرها تمس مساسا فادحا بحرية الأشخاص وبحقوقهم الطبيعية كبشر بناءا على إعتبارات إيديولوجية عرقية أو حمائية صحية ويقول الأستاذ محمد الحبيب الشريف[70] في هذا الصدد أن “الزواج ليس فقط ظاهرة إجتماعية بل هو كذلك وربما أكثر ظاهرة عاطفيّة وخيارا إنسانيّا كما أن الشروط الجسديّة ليست الغالبة في الزواج بل تأتى بعد الشروط النفسيّة والاجتماعيّة وعلى كلّ حال فهي لا يجب أن تنال من حرية الأشخاص .
ويعمل بهذا الإتجاه في البلدان الأسكندينافية (السويد، الدنمرك، النرويج)[71] و ما يمكن الخروج به هو أن أصحاب هذه النظريةيعتمدون كثيرا على ضمير المترشحين للزّواج وتمكينهما من الزّواج حتى في صورة إصابة أحدهما بمرض خطير طالما كانت تلك هي إرادتهما. فهام جدّا أن تنشأ رابطة زوجية سليمة ولكن أهم من ذلك أن يكرس إحترام إرادة الطرفين وحرّيتهما في ممارسة حق الزواج بإعتباره إطار إنسانّيا يبحثان فيه عن السعادة المشروعة.
وبالإضافة إلى النظرّية العنصرّية والمثاليّة نجد أيضا النظرّية الواقعّية وهو إتّجاه متوازن يعتبر نقطة إعتدال بين الإتّجاهين آنفي الذّكر (الإتّجاه المتطرف، الإتجاه المتحرر) حيث إستفاد من الإنتقادات الموجهة إليهما وحاول الموازنة بين كل الإختيارات الإجتماعيّة والحرّيات الشخصية وهذا الإتّجاه لا يمنع زواج المرضى ولكنه يفرض عليهم الفحص الطبي والإدلاء بشهادة في حصول ذلك.
فهو إذا لا يشترط لإنعقاد الزواج صحيحا أن يكون طرفيه يتميّزان بصحة جيّدة ومعافين من كلّ مرض وإنّما يوجب لإبرام عقد الزواج أن يقدّما المترشّحان له شهادة طبية تفيد أنه قد تم فحصهما لغاية الزواج، وفى إطار هذه النظرية المتوازنة للزواج ظهر إتّجاهان فرعيان أحدهما يفرض الشهادة الطّبية السابقة للزواج ويحمّل فيها المسؤولية للقرين من خلال التنصيص على الأمراض والإصابات المكتشفة على الشهادة الطبية.
أما الاتجاه الثاني فهو يمنع أي إشارة إلى وجود مرض أو إصابات على الشهادة الطبية فالطبيب يتقيد بالسر المهني ويترك الأمر إلى ضمير كل واحد من المقدمين على الزواج وهو الاتجاه الذي توخاه المشرع التونسي باعتبار أنه أكثر حماية لمبدأ حرية الزواج[72] فإدراج الجانب الصحي كعنصر فعال في أهلية الزواج هو أمر جدير بالاهتمام إذ أنه يخدم مصلحة الطرفين والمجتمع على حدّ السواء، لكن إعتبار أن المرض عائق أمام حرية الزواج وإرادة الطرفين فهو أمر مشط وينتهك الحرية الشخصية وهو تعدّ على الحق الطبيعي في الزّواج.
ولعّل الصياغة التنظيمية لهذا العنصر أكّد على أنّ المشرع بإشتراطه الإدلاء بالكشف الطبي[73] السابق للزواج فإنّه يكون قد أراد مخاطبة ضمائر المقدمين على الزواج وإعتمد طريقة التّحسيس والإقناع بضرورة السلامة الصحية لكل من الزوجين حتى لا يكون الزواج إطار للمعاناة وانتقال الأمراض وتهديد النسل. ولعل الوقوف عند تأثير الكشف الطبي على قيام الزواج سيمكننا بصفة جلية أن أهلية الزواج في جانب شروطها الشخصية تلعب دورا رائدا في تكريس حرية الزواج.
الفقرة الثانية : تأثير الكشف الطبي على قيام الزّواج
إن إشتراط المشرع تقديم شهادة طبية تفيد أن العازمين على إبرام عقد الزواج لقد تم فحصهما لا يعنى البتة أنه تضييق على حرية الزواج بما أن الجانب البيولوجي قائم الذات في أهلية الزواج ولا بدّ من توفر شرط صحي يمكّن الفرد عادة من أداء واجباته الزوجية والعيش في إستقرار صحي ونفسي لذالك فإن خيارات المشرع في فرض الشهادة الطبية لم تتعارض مع حرية الزواج ويتجلى ذلك من خلال مضمون الكشف الطبي .(أ) وبخاصة من خلال المراوحة بين الشدة واللين في فرضه (ب).
أ- مضمون الكشف الطبي:
لقد وقع الإهتمام بالجانب البيولوجي للمتعاقدين في إطار الرّابطة الزّوجية لذلك كانت الشهادة الطبية السّابقة للزواج محور تنظيم بواسطة مجموعة نصوص قانونيّة وترتيبيّة وتشريعيّة[74] وقد تناولت هذه النصوص كل الجوانب المتعلقة بالشهادة الطبيّة من حيث التنظيم الجغرافي والطبي والإجرائي.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد انتهج سياسة مرحلية في إكساء الشهادة الطبية السابقة للزواج بالصبغة الإلزامية من حيث التطبيق الجغرافي ويعود ذالك إلى محدودية الإمكانيّات الطبيّة والتقنيّة في المستشفيات الخارجة عن العاصمة وبعض الولايات الداخليّة.
وقد تميّزت السياسية التشريعيّة للشهادة الطبيّة بإتخاذ المنهج الوقائي والتوجيهي فهي تهم أوّلا السلامة الصحيّة للطرفين وتعتمد على الوعي والإقناع لدى المقدمين على الزّواج بما أنّ كل شخص يسعى لحماية صحته من كل الآفات والأمراض الخطيرة وقد نص الفصل 2-من قانون 3-نوفمبر 1964-على أنّه “يجب أن توجه بصفة خاصة عناية الطبيب أثناء الفحص الطبي المنصوص عليه بالفصل السابق إلى الإصابات المعدية والاضطرابات العصبية ونتائج الإدمان على المشروبات الكحولية وغيرها من الأمراض الخطرة وخاصة مرض السل ومرض الزهري بالنسبة للقرين وللذرية”.
فهذا الفصل إعتنى فيه المشّرع بالإصابات الخطيرة والتي تعكّر الإستقرار العائلي بما أنّها أمراض مزمنة وتتطلب إمكانيات علاجّية كبيرة ووقتا طويلا من المعاناة وبالتالي فإن إكتشافها قبل إبرام الزواج سيجعل العازمين عليه على دراية بالوضع الصحي لكليهما حتى يكون قرارهما بالإرتباط مبنى على أسس صلبة ومتينة لأنّ الدّخول في رابطة زوجّية يكون أحد أطرافها مصابا بمرض خطير سيؤثر سلبا على حياة الزوجين والأبناء.
كما عمد المشرع إلى إعطاء المعني بالفحص الطبي حرّية إختبار الأطّباء أو المخابر أو المستشفيات العمومّية لإجراء الكشف الطبي والحصول على الشهادة الطبّية وتسلم هذه الأخيرة بصفة مجانية إذ تمت لدى المستشفيات العمومّية[75].
لكن إذا إعتبرنا أنّ المشرّع قد أخذ من الكشف الطبي وسيلة وقائية لحدوث بعض الأمراض أو تلافي إستفحالها فإنّه يمكن التساؤل عن دور الكشف الطبي في إكتشاف الأمراض الخطيرة مثل مرض السيدا وهو من الأمراض الخطيرة التي ميزت العقود الأخيرة وقد ثبت لدى الأطباء الباحثين أنه ينتقل بالعدوى إما عن طريق الدّم أو من خلال حصول الإتّصال الجنسي.
خاصة ونحن في بلد سياحي يستقطب العديد من الزّائرين طوال السّنة ويمكن أن يجلبوا هذا الدّاء إلى شبابنا الذي ربط علاقات مع الأجانب تكلّل بالزواج بغاية الحصول على تأشيرة للسفر إلى البلدان الأوربيّة رغبة في تحقيق أحلامهم من خلال إيجاد فرص للعمل هناك. ولعل هذه الوسيلة المثلى لبلوغ مرادهم تجنّبا للأخطار التّي يتعرضون إليها عند محاولة إجتياز الحدود الوطنّية بطرق غير شرعّية وخاصّة عبر البحار وما تسبّبت فيه هذه السبل من حالات وفاة.
فكان الزواج من الأجانب هو الحلّ الأمثل للهروب من البطالة وذلك دون الإكتراث إلى الجانب الصحّي وإذا عدنا إلى الفصل الثالث[76] من قانون 3-نوفمبر1964فإن الطبيب يقوم بفحص الدم وللوقوف على الإصابة بمرض السيد، لابد أن تتّم الكشوفات على دم الشخص ولكن هذه التحاليل تتطلب تجهيزات ضخمة مما يجعل هذا الإجراء صعب التحقيق و لكن حتى إذا تم توفر هذه الإمكانيات فإن الفصل الأول يفرض تقديم شهادة طبية لا تزيد عن شهرين من تاريخ إبرام عقد الزواج، وهى فترة طويلة يمكن أن تحصل فيها عديد الإصابات والأمراض وذلك بعد الحصول على الشهادة الطبية وهو أمر يكشف على الخلل التنظيمي الذي يمسّ الإجراءات المتعلّقة بالكشف الطبي، هذا إذا أضفنا إمكانية الحصول على الشهادة الطبيّة دون القيام بأي فحوصات ودون أن يتوجّه المقدم على الزواج إلى أي طبيب أو مستشفى أو مخبر.
وإن كانت هذه الثغرات التنظيمية تدعو إلى إعادة النظر في شأنها من قبل المشرّع إلاّ أنّها تعزّز حريّة الزّواج وضمان الحق الطبيعي في الزّواج من خلال تقديم إرادة الطرفين المترشحين للزواج على حساب مصلحة المجتمع المتمثلة في سلامة أفراده واستقرار الأسرة كنواة أولى له، وسيتدعم موقفنا من خلال مدى إلزامية الكشف الطبي في قيام الزواج.
ب- المراوحة بين التشدّد و الليّن في فرض الكشف الطبّي
إنّ الدّارس لقانون 3 نوفمبر 1964 وخاصّة لفصله الأوّل يلحظ و للوهلة الأولى صرامة الإجراءات الإدارية للشهادة الطبيّة حيث ينص الفصل الأول على أنه “لا يمكن لضابط الحالة المدنية أو العدول الذين وقع إختيارهم لتحرير عقود الزواج أن يقوموا بإبرامها إلاّ بعد أن يتسلّموا من كلا الشخصين العازمين على الزواج شهادة طبية لا يزيد تاريخها عن الشهرين تثبت أنّ المعني بالأمر قد وقع فحصه قصد الزّواج بدون أن تذكر بها إشارة أخرى” وما يستشفّ من عبارات هذا الفصل أنّه لا يمكن إبرام عقد الزواج من قبل المأمور العمومي سواء كان ضابط الحالة المدنيّة أي العون البلدي المكلّف بإبرام عقود الزواج أو عدلا الإشهاد إلاّ بعد أن يتسلّم شهادة طبية من كلا الطرفين.
و هنا فإن المشرع حدّد بدقّة أنّ تسليم الكشف الطبي من طرف المقدمين على الزواج وأن التسليم يتمّ مباشرة عند الحضور لإبرام العقد ويطرح السؤال هنا إذا تمّ الزواج عن طريق التوكيل[77] فما هي إجراءات الحصول على الشهادة الطبية؟
أوّلا لا بدّ أنّ نقرّ بأنّ الفحص الطبي يهم العازمين على الزواج وليس الشخص الذي وقع توكيله لإتمامه وهذا ما نستشفّه من عبارات الفصول الواردة بقانون 3 نوفمبر 1964 لأنه لا يوجد نصا يفرض على الشخصين المقدمين على الزواج بأن يقوما بالفحص الطبي لغاية الزواج ولكن المشرع فرض على المكلّف بالإبرام أن يتسلّم شهادة طيبة تفيد الفحص لغاية الزواج. لذلك فإنه إذا تمّ التوكيل في الزواج وكان الموكٍّلانٍِ خارج تراب الجمهورية فإنه من المنطقي أن يتمّ الفحص الطبي في المكان الذي يوجد به الطرفان وأن يقع إرسال الكشوفات إلى الوكيل حتى يقع تسليمها إلى المأمور العمومي المكلف بإبرام الزواج.
وقد أضاف المشرّع فصلا آخر ينمّ عن صرامته في خصوص أهمية الشهادة الطبية في قيام الزواج وذلك بعد تسليطه عقوبة مالية على ضابط الحالة المدنية في صورة عدم إحترامه لأحكام الفصل الأول[78] من قانون 3 نوفمبر 1964 و لكن ما يلاحظ أن المشرع ولئن حدّد عقوبة ماليّة للعون المخالف لأحكام القانون المتعلق بالشهادة الطبية فإنه تبنّى موقف توفيقّيا مرنًا يراوح بين الصرامة واللِين حيث أنّه وإن فرض عقوبة مالية لغاية الزجر و الردع فإنّ قيمة العقوبة تعتبر بسيطة [79] إن لم نقل تتّسم بالتفاهة فهو يسعى إلى التوفيق بين قواعد تهمّ إحترام القانون الذي يهتم بتنظيم العائلة ومن ناحية أخرى فهو يرعي حرية الزواج ويعطي إرادة الطرفين مكانتها في دخول الرابطة الزوجية. ويتضح موقف المشرع بخصوص تكريس حرية الزواج وبلورة أهلية الزواج وبالتحديد المعطى البيولوجي منها في تدعيم إرادة الطرفين في تكوين عائلة مترابطة ومتوازنة تنعم أطرافها بصحة جيدة. ويتدعّم هذا الرأي من خلال الفصل 5 من قانون الشهادة الطبيّة والذي يعتبر إستثناءا هامّا لوجوبية الكشف الطبي لإبرام عقد الزواج حيث ينص على أنه: ” يمكن للحاكم في الحالات الاستثنائية إعفاء الشخصين العازمين على الزواج أو أحدهما من تقديم الشهادة الطبية.
ولا تكون الشهادة الطبية لازمة من كلا الشخصين العازمين على الزواج إذا كان أحدهما في حالة إحتضار” و من خلال عبارات هذا الفصل يبرز جليّا أنّ الحالات الإستثنائيّة تعود بالنّظر إلى القضاء ليقضي فيها بما يراه صالحا.
أي أن يمكّنا طرفي الزواج من إبرام العقد دون تقديم شهادة طبية تفيد أنه تم فحصهما لغاية الزواج. ولكن المشرع ذكر حالة إستثنائية واحدة وترك الباب مفتوحا للسلطة التقديرية للقاضي الذي عادة ما يبت في كل واقعة حسب ملابستها وظروفها، والحالة المذكورة بالفصل 5 وهي حالة إحتضار أحد طرفي الزواج و رغم أنّه زواج يسير نحو النهاية منذ بدايته إلاّ أنّ المشرّع ربما يريد أن يسوي وضعيات سابقة لإبرام الزواج مثل إضفاء المشروعية على الإبن المولود خارج الرابطة الزوجية مثلما يعمل به في القانون الفرنسي[80] الذي يمكن من إبرام الزواج حتى بعد وفاة أحد طرفية وقد تبدو مثيرة للجدل في قانوننا إلاّ أنها تعتبر ضربا من ضروب حرية الزواج التي تدعّمها عناصر أهلية الزواج، وبالتحديد في جانبها البيولوجي والمتعلّق بالمعطى الصحي ويعود أيضا إلى أن الشرط الصحي لا يعتبر شرطا لصحة عقد الزواج في تشريعنا على عكس ما هو معمول به في القانون الفرنسي ولكن تأثير هذا الجانب يؤخذ بعين الاعتبار إذا أثّّر على الإرادة التعاقدية وبالتعديد إذا تسبب في تعيب رضا أحد الطرفين المقدمين على الزواج[81].
ولكن السؤال المطروح من خلال عبارات الفصل 5 المذكور أنفا يتعلق بتحديد الحالات الاستثنائية الأخرى التي يعفى فيها الطرفان عند إتمام الزواج من تقديم شهادة طبية. لأن الإستثناء يجب أن يكون محدّدا حتى لا يقع التوسع فيه بالتالي تهميش المبدأ أو القاعدة القانونية المتعلّقة بفرض الكشف الطبي. ولكن المشرع من الواضح أنّه أوكل المهمة إلى القضاء وجعل الحالات الإستثنائية تحت السلطة التقديرية للقاضي ونحن بدورنا نراهن على دور القضاء الذي يسعى إلى تطبيق العدالة وضمان الحريات وخاصة الحقوق الطبيعية كالزواج.
فالقضاء عادة ما يتعرّض إلى الحالات الواقعية ويكون أقرب من غيره إلى الواقع الاجتماعي مما يمكنه من إتخاذ بعض الإجراءات في هذا المجال ولربما يتبادر إلى الذهن حالة زواج الجاني بالمجني بها خاصة بعد أن يتبين و أنها حامل.
فالكشف الطبي في هذه الحالة قد تجاوزته الأحداث ولا بد من إبرام عقد الزواج دون التوقف على هذه الشهادة لتسوية الوضعية بين الطرفين وحماية الوضعية القانونية للمولود المنتظر.
وأخيرًا نشير إلى أنّ المعطى البيولوجي (ونقصد به سن الزواج وكذلك الشرط الصحي) في أهلية الزواج يلعب بإمتياز دورا هاما في تكريس حرية الزواج وتدعيمها و هو أمر يكتمل نصابه من خلال الشرط النفسي في الزواج.
الفصل الثاني: الشرط النفسي تأكيد لحرّية الزّواج
إنّ الإنسان مدنيٌ بالطبع إذ أنّه في حاجة إلى جملة من العناصر المعنوية كالشعور بالأمن على نفسه وخاصة إرضاء رغباته العاطفية والجنسية لذلك عدّ الزواج الإطار الأمثل ولا شك أن الإرادة الحرة في دخول الرابطة الزوجية من كلا المترشحين للزواج ترتّب سعادتهما وإستقرارهما المعنوي والمادي ولعل طبيعة الزواج كحق طبيعي وكحرية شخصية فإنه لا جدال في كون رضا الزوجية أساس حرية الزواج (المبحث الأول) وهو ما يؤثر سلبا على الرابطة الزوجية عند الإخلال بهذا الشرط النفسي (المبحث الثاني).
المبحث الأول: رضا الزّوجين أساس حرّية الزّواج:
إنّ الأهمية التي يحتلها الرضا كشرط نفسي في قيام الزواج جعله يحظى بإجماع وإهتمام كلّ التشاريع ويتجلى ذلك من خلال الحق في العدول عن الخطبة (الفقرة الأولى) فإرادة الدخول في الرابطة الزوجية من عدمه ترجمة لتكريس الرضا بالزواج (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الحق في العدول عن الخطبة
نظرا لتميزه بالاستمرارية والتواصل في الزمن وأهميته في حياة كل فرد ذكرا أو أنثى وكذلك تأثيره على المجتمع فإن الزواج عادة ما لا يتم إلا بعد سبق تفكير وتدبير وهذه الفترة التمهيدية أطلق عليها اسم الخطبة أو المراكنة أو الوعد والمواعدة بالزواج. وهي فترة يتسنى خلالها للخطيبين التعرف على بعضهما البعض وقد جاء على لسان أحد الفقهاء أن الخطبة: “عقد النية بين طالبي الزواج أو الخطيبين على أن يجتاز معا تجربة شخصّية خلال فترة تسبق الزواج فيختبر فيها كل منهما الآخر تمهيدا للّزواج مع الإعداد أو الترتيب خلالها لتأسيس العائلة التي تتطلّبها أحكام عقد الزواج”[82].
فهي إذا وحسب هذا التعريف فترة يحاول فيها الطرفان إكتشاف بعضهما البعض والإطلاع على الطباع لكل منهما حتّى يرى إن كان بإمكانهما الزواج أم لا.
ولقد نظم المشرع الخطبة في الكتاب الأول من م.أ.ش تحت عنوان ” في المراكنة” وقد نص الفصل الأول في المجلة على أن: ” كل من الوعد بالزواج والمواعدة به لا يعتبر زواجا ولا يقضي به.” وهو نص مأخوذ من لائحة الأحكام الشرعية تقريبا.[83]
نستروح من هذا الفصل أن المشرع أراد أن يرفع الالتباس ويميّز بين الخطبة أو المراكنة والزواج ونرى أنه يميّزه أيّما تمييز عن الخطبة وخاصة من خلال نزع القوة الإلزامية للخطبة. وهذا الإلزام الذي يتميز به الزواج و ربما تعتبر الخطبة بمثابة الهامش الكبير يمارس فيه الفرد حريته. ويرى الأستاذ ساسي بن حليمة أن هذا الفصل كيفما وقعت صياغته يوحي وكأن المشرع أراد من خلاله أن يجعل الباب مفتوحا لأنه من البديهي أن لا تكون الخطبة زواجا ولا يحتاج إلى توضيح أو تأكيد.
ولكن إذا عدنا إلى الفقه الإسلامي الذي كان يهيمن على مادة الأحوال الشخصية في بلادنا وفي خصوص التمييز بين الوعد بالزواج من جهة و الزواج من جهة أخرى كان يعتمد على الدخول كمعيار للتفرقة لذلك كان تدخل المشرع ليحسم الأمر و يرفع الالتباس وهو تكريس لحرية الزواج. بما أنّه لو كانت الخطبة ملزمة أي أنّها تلزم الخطيبين على الإرتباط فإنها سوف تعدم الرضا في الزواج إذا كان الطرفان قد إكتشفا أنهما غير قادرين على الإرتباط و بالتالي سوف يقع تهميش أحكام الفصل 3 م أ ش والذي يستوجب رضا الطرفين لإنعقاد الزواج.
كذلك فإن الآثار التي يرتبها الزواج لا يمكن البتة سحبها على الخطيبين فلا يمكن للمخطوبة أن تطالب خطيبها بالإنفاق عليها ولا يمكنه أن يطالبها بواجب المساكنة، ولا ترتب الخطبة مانع المصاهرة والنسب. فالخطبة لا يمكن أن تحدث تغييرًا في الحالة المدنية للطرفين في حين أن الزواج يصبح طرفاه أزواجا بعد أن كان أعزبين، وما يميز الزواج أيضا عن الخطبة هو تعدّد طرق إنحلال الرابطة الزوجية إذ قد تنحل بالطلاق إذا كان الزواج مبرما صحيحا وبإتّباع إجراءات التقاضي أمام لمحاكم العدلية[84] كما ينحل الزواج أيضا بالبطلان إذا إختلت إحدى شروطه[85] كما ينحل الزواج عن طريق الحكم القاضي بالفقدان.
ومهما تعددت طرق إنحلال الرابطة الزوجية فإنها تمرّ وجوبا بإجراءات يتم على إثرها النطق بالحكم القضائي في حين أن الخطبة يمكن أن تنتهي باتفاق الطرفين أو بعدول أحد الأطراف أي العدول من جانب واحد وذلك دون المرور بإجراءات التقاضي إلا إذا تعلّق الأمر بإسترجاع الهدايا و في هذا الصدد هو تكريس لحرية الدخول في الرابطة الزوجية من عدمه، وبالتالي يبقى العدول عن الخطبة من بين الأوجه التي تبرز أن أهليّة الزّواج و من خلال شرط الرضا تعزّز دورها في ضمان حريّة الزّواج حيث أن إكساء الخطبة بالطبيعة القانونيّة للواقعة حسب فقه القضاء إستنادا إلى الحل التشريعي تجعل الطرفين لهما حرية العدول في أي وقت بما أن حريّة اختيار القرين وحرية الرضا بالزواج من أهم مقوّمات نجاح الرّابطة الزّوجية وتأسيس النواة الأولى للمجتمع.
لكن الواقع الإجتماعي نجده أحيانا صعب المراس والترويض مما يجعل القاعدة القانونية غير قادرة على إستعابه حيث يمكن للزواج أن يقوم بين الطرفين لكن شرط الرضا يكون معيبا وهو أهم الشروط الجوهرية وربما أدق عنصر من عناصر أهلية الزواج ذات المفهوم الموسع الذي إمتطيناه في هذا البحث.
الفقرة الثانية : تكريس الرضا بالزواج
تعني كلمة الرضا لغوّيًا رضيَ الشيء ورضيَ بِهِ و فيه إختاره وإقتنع به وبالتالي الرضا لغة هو الإختيار و الإقناع و عرّفه الفقه بأنه تطابق كل من الموجب والقابل[86].
كما أن الفصل 2 م.إ.ع إعتبر الرضا كركن من أركان العقد و قد ورد في الفقرة الثالثة من الفصل المذكور: ” التصريح بالرضا بما ينبني عليه العقد تصريحا معتبرا”.
ويستشف من أحكام الفصل 2 م.إ.ع أن الرضا يمثل ركنا أساسيا و جوهريا لصحة العقد.
ولا شك في أن الزواج باعتباره عقدا وإن كان ذو طابع خاص إلا أنه يستوجب الرضا لإنعقاده حيث نص الفصل 3 م أ ش: ” لا ينعقد الزواج إلا برضا الزوجين” هكذا كانت صياغة هذا الفصل من م أ ش منذ إصدارها في 3 أوت 1956. فعبارة الفصل واضحة و لا تدع أي مجال للشك والتأويل في إشتراطه موافقة الزوج و الزوجة على عقد الزواج.
كما أنها من خلال إستعمال الفصل لكلمة الزوجين فهي تبنت المساواة بين الرجل والمرأة في إختيار القرين وبالتالي فإن القانون التونسي قطع مع الماضي المتمثل في إجبار الولي الشرعي للمرأة على إبرام عقد زواجها، ففي العصر الجاهلي كانت المرأة محرومة من جميع الحقوق حتى من حق الحياة و كانت تبقى خاضعة للولاية مدى حياتها، قبل زواجها تكون خاضعة لولاية أبيها أو لولاية من يليه من الِعصْبةِ الذُكورْ و عندما يكون الأب متوفيا فإذا تزوجت إنتقلت إلى ولاية زوجها وكان يحق لوليها أن يزوجها لمن يشاء و يقبض ثمنها وهو المهر فيتصرف فيه كما يشاء و يريد[87]غير أن مجيء الإسلام كان له أثره البليغ على النهوض بدور المرأة في المجتمع.
و نزع هذا التمييز بينها و بين الرجل لذلك عملت جل القوانين الوضعية على إرساء حقوق و حريات لأفراد مجتمعاتها[88] وصادقت على عديد المعاهدات التي تدعم هذه الحقوق والحريات على غرار إتفاقية نيويورك الموقع عليها بتاريخ 10 – 12- 1962 وصادقت عليها البلاد التونسية بتاريخ 04 -05 -1967 المتعلقة بالرضا بالزواج و بالسن الأدنى له و بتسجيل عقوده و كذلك الإتفاقية المتعلقة بالقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، نيويورك 18-ديسمبر 1979.
و بالتالي فإنّ كل إنسان له الحق في أن يتزوّج أو أن لا يتزوّج و إن أراد الدخول في الرابطة الزوجية وتكوين أسرة فانه من حقه أن يختار زوجا يريده ولعل المتأمل بإطناب في الفصول الواردة بعد الفصل 3 م ا ش تباعًا يلاحظ أن المشرع توخى الحذر وأغلق كل المنافذ أمام كل الإمكانيات التي من شأنها أن تبدّد رضا الزوجين أو أن تحدّ من حرية الزواج حيث نجد أن الفصل 5 م أ ش الذي أقر إمكانية زواج القُصّر فانه لم يشر إلى إمكانية إلزامه بذلك.
كما أقر الفصل 9 م أ ش إمكانية التوكيل في الزواج والوكالة في الزواج هي مؤسسة مصدرها الفقه الإسلامي تميز بها عن باقي التشريعات الأخرى وخاصة الغربية حيث تشترط المادة 75 م م ف الحضور الشخصي للخطيبين أمام ضابط الحالة المدنية لإتمام إجراءات الزواج ورغم أهمية هذه المادة في تكريس رضا الزوجين وحرية الزواج، إلا أنه يمكن أن تطرأ ظروف خاصة يحتّم على أحد الطرفين عدم إمكانيّة التوقيع على الزواج بنفسه مما يشكل حدّا أمام ممارسة هذا الحق الطبيعي[89] خاصة إذا كان الخطيبين تفصلهما مسافة جغرافية كبيرة وحتى يتجنّب المشرع الإشكاليات التي يمكن أن تحدثها الوكالة في الزواج، فقد اشترط شكليات معينة و تنصيصات وجوبيه إذا لم يتم احترامها تؤدي إلى بطلان عقد الوكالة [90].
و رغم ما حظي به عقد التوكيل في الزواج من تنظيم فإنه لقي[91] بعض الإنتقادات على غرار ما ذهب إليها الأستاذ البشير الفرشيشي حيث إعتبر أن هذه المؤسسة هي مصدر لعديد الإشكاليات وخاصة فيما يتعلق بإمكانية العدول عن إتمام الزواج من أحد الخطيبين بعد إمضاء التوكيل وهو ما يؤثّر على رضاه أو إعدامه عند إبرام عقد الزواج عن طريق التوكيل وربما يعود إحتراز الأستاذ البشير الفرشيشي على مؤسسة التوكيل في الزواج إلى الإشكاليات التي ميزت هذا الإجراء في القانون المغربي الذي لم يحدد أي شكلية في تحرير التوكيل مما أدّى إلى حالات وقع فيها التصدي إلى إرادة المقدمين على الزواج.
فالمشرّع التونسي عمل على تكريس رضا الزوجين في الزواج من خلال الإختيارات التشريعية التي ذكرناها آنفا وهو إتجاه إلى القضاء على ظاهرة تزويج الصغار و مؤسسة الولاية الجبرية التي ميزت الفقه الإسلامي، و حتى لا نكون متعسفين في حكمنا على خيارات الفقه الإسلامي فإنه لا بد من الإشارة إلى وجود عديد الإجتهادات التي حرمت بدورها زواج الصغار وأقرت بأنه لا يمكن الزواج إلا بحصول البلوغ الطبيعي وهناك من إشترط بلوغ سن الـ18 للولد والبنت[92] لكن هذا لا يعني أن التشريعات الحديثة وخاصة التشريع الوطني قد تخلى بصفة مطلقة على ولاية التزويج وإنما حافظ عليها بصياغة تكرّس حرية الزواج وذلك من خلال القضاء على ولاية الإجبار وكذلك إلغاء العمل بشرط الكفاءة والذي يعني التكافئ بين الزوجين من حيث الحسب والنسب والمركز الاجتماعي كما تم ربط ولاية الزواج بسن معينة.
فالولاية الجبرية المستمدة من الفقه الإسلامي لها أسباب تفسّرها وربما تبرّرُ إعتمادها، وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد أبو زهرة:
“فالصغير أو الصغيرة تثبت عليهما الولاية الإجبارية بسبب الصِّغرِ إذ الصِّغر هو سبب العجز، والعجز هو الذي وجدت الولاية لسد نقصه، وذلك متفق عليه بين الفقهاء الحنفيّة وغيرهم، ولذلك تنتهي الولاية الإجبارية بالنسبة للصغير أو الصغيرة بمجرد بلوغهما، وتكون ثمة ولاية الإستحباب أو ولاية الشّركة عند بعض أئّمة المذهب الحنفي كالإمام محمد بن الحسن،و رواية عن الإمام أبي يوسف”[93].
فإذا كانت أسباب الولاية الجبرية متوفرة لدى الفقه الإسلامي مما يفسر إعتمادها ويدعم وجودها فإن التشريع الوطني حدد السن الدنيا للزاوج وتخلي عن قرينة البلوغ الطبيعي وكذلك من خلال إشتراط الإذن القضائي بالزواج لمن سنه دون السن القانونية، كذلك إشترط رضا الطرفين عند إبرام عقد الزواج وذلك حتى لا نعود إلى العادات البالية حيث كثيرا ما كان يسجل في عديد من العائلات الفقيرة منها والغنية تعسف الولي تجاه أبناءه القصر ذكورا أو إناثا و ذلك بتزويجهم في سن مبكرة وقبل البلوغ الطبيعي أحيانا من أجل المحافظة على مصالح مالية للعائلة دون إعتبار ما قد يسببه ذلك الإكراه في الزواج من أضرار جسيمة إلى الزوجين بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة[94] وفي هذا الإطار نص الفصل 43 م.إ.ع على أنه “الرضا الصادر عن غلط أو عن تدليس أو عن إكراه يقبل الإبطال”.
فالمشرع أكّد على أهميّة وجود الرضا و جدّيته أي أن يكون الرضا الصادر عن طرفي الزواج خال من كل العيوب التي من شانها تهميش الشرط النفسي داخل العلاقة الزّوجية وتؤثّر سلبا على حرية اختيار القرنين و دخول الرابطة الزوجية و الفصل 118 م.إ.ع يؤكّد رأينا من خلال حماية حرية الشخص في تعاطي حقوقه البشرية دون قيد أو شرط[95] وإلا عد العقد المتضمن لهذه التضييقات باطلا هذا على مستوى التشريع الوطني حيث أكدت عديد الفصول على أهمية دور الرضا في الزواج وكرسته بصفة واضحة كما تدعم هذا الاتجاه من خلال مصادقة البلاد التونسية على اتفاقية نيويورك الموقعة في 10 ديسمبر 1962 و المتعلقة بالرضا في الزواج وسن الزواج وتسجيل الزيجات[96].
ولم يستأثر المشرّع بتكريس الرضا في الزّواج بل نجد أن جل القوانين العالمية سارت في نفس المنحى ونذكر على سبيل المثال المدونة المغربية في الفصل الرابع فقرة أولى: “ينعقد الزواج بإيجاب، يفيده لغة أو عرفا، من أحد العاقدين و قبول من الأخر، ويقوم الوكيل مقامه”. كما نص الفصل الخامس من مجلة الأحوال الشخصية اليمنية على أنه:” ينعقد الزواج برضاء الطرفين المعنيين و بأي ألفاظ تفيد معنى الزواج أو بالكتابة أو بالإشارة المفهومة من فاقد القدرة على النطق” في حين يعدم القانون الفرنسي وجود الزواج في غياب الرضا[97].
فهذا الإجماع على كون الرضا [98]من أهم الأركان في عقد الزواج وهو شرط وجوبي يقع التعبير عنه أمام عدلي الإشهاد أو ضابط الحالة المدنية الذي يقوم بتحرير عقد الزواج وحتى يكون هذا الرضا صحيحا لا بد أن يكون التعبير عنه جديا و خاليا من كل الشوائب والعيوب أي لا بد أن تتوفّر وجوبيّة التعبير عن الإيجاب و القبول و أن تتطابق الإرادة المعلنة مع الإرادة الباطنية حتى لا نقع في الزواج الصوري و يحيد بالتالي الزواج عن الأهداف المرجوة منه[99].
فدور الرضا في الزّواج لا يمكن الإختلاف في أهميّته لذلك وجب حمايته من كل العيوب التي تؤثّر على صحتّه وجديّته.
المبحث الثاني: الإخلال بالشّرط النفسي
رغم أن الرضا شرط نفسي وباطني إلا أن إشتراطه قانونا يؤكّد أهميّته في إتمام الزواج و في المحافظة على ترابط الأسرة وخاصة مستقبل الرابطة الزوجية لكن هذا لا يمنع من قيام الزواج على رضا معيب(الفقرة الأولى) كما يمكن أن ينشأ زواجا صوريا (الفقرة الثانية) وهو ما يحيد به عن الغايات والأهداف المرجوة من كل رابطة زوجية.
الفقرة الأولى : تعيّب الرضا في الزواج:
حتى يكون الزّواج صحيحا لا بدّ أن يكون الرضا قد تمّ التعبير عنه بطريقة جديّة أي لا بدّ أن يعبّر عن الإيجاب والقبول بطريقة سليمة وأن تكون الإرادة حرة أي أن يكون هنالك تطابق بين القصد المصرح به والقصد الخفي والباطني، وحتى لا يهدّد البطلان الزّواج لا بدّ أن يكون الرضا خاليا من كل العيوب التي من شأنها أن تعدم الرابطة الزوجية وقد عهدنا في المادة المدنية أنه حتى يكون العقد صحيحا لا بد أن تكون إرادة المتعاقدين سليمة أي أن طرفا العقد على بينة من أمرهما إبّان التعاقد وأن تكون لهما كامل الحرية في الإتفاق و قبول البنود بعد مناقشتها فعكس ذلك يؤدي إلى تعيب الرضا وبالتالي فساد العقد.
وقد ورد في الكتاب الأول من القسم الثاني في الفرع الثالث تحت عنوان في العيوب المبطلة للرضا و ضمت الفصول من 43 إلى 61 م إ ع و حيث ورد بالفصل 43 إمكانية إبطال العقد المشوب بغلط أو تدليس أو إكراه[100] ولكن هل تسري هذه العيوب على الزواج وهل يمكنها أن تبطل عقود الزواج؟
بالرجوع إلى مجلة الأحوال الشخصية لا نجدها تعير المسألة أيّة إهتمام في حين أنها نفت قيام الزواج في حالة عدم رضا طرفيه.
والاستنتاج الأول والظاهر لكل دارس لمادة الزّواج إنطلاقا من م أ ش يلاحظ التوجه التشريعي نحو إعتبار الزواج عقد وذلك من خلال الإشارة إلى مصطلح “العقد” في عديد الفصول نذكر منها الفصل 4 م أ ش “الزواج المنعقد” كذلك إشارة الفصل 11 م.أ.ش إلى خيار الشرط وهو عادة ما يضمن في عقد كما أشار الفصل 29 م.أ.ش إلى أن الطلاق هو حل عقدة الزواج وهو ما يمكن إعتماده لإعتبار الزواج عقد، وقد إعتبر الأستاذ ساسي بن حليمة أن الزواج في بدايته عقد وفي أثاره مؤسسة[101].
كما إعتبر العميد كربونيي Charbonnier أن الزّواج مؤسّسة مبنيّة على عقد[102] .
و لئن إختلفت أوجه النظر بين الفقهاء حول إعتبار الزّواج عقد أو مؤسّسة وكذلك توفّر الحجج لكلا الاتجاهين[103] إلا أنّنا نشاطر الرأي التوفيقي الذي يرى أن الزّواج هو عقد عند تكوينه ولكنه يكتسي الصّبغة المؤسّساتية عند تنظيم أثاره و ترتيبها وذلك حتى يحافظ الزّواج على طابعه الخاص نظرا لأهميّته في حياة الفرد و خاصة الهدف المأمول في الحفاظ على الاستقرار الأسري.
وتجدر الإشارة إلى أنه أردنا التعريج على هذه النقطة حتى نقف عند إمكانية ترتيب نظرية عيوب الرضا على الزواج. وباعتبار أن الرضا في الزواج يعتبر من أهم دعائم حرية ممارسة هذا الحق الطبيعي وإعطاء دور الإرادة في دخول الرابطة الزوجية والتعبير عن إختيارهما الشخصي دون تدخل أي إرادة خارجية و كذلك في إرادة الزواج من عدمه لذلك سوف نمرّ تباعا بعيوب الرضا الواردة بالفصل 43 م إ ع وهي التغرير(أ) والغلط (ب) والإكراه (ج). ونحاول الوقوف على مدى تأثير هذه العيوب على حرية الطرفين في الزواج وخاصة على الرابطة الزوجية بعد قيامها. ونشير أولا إلى إقصاء عيب الغبن من مادة الزواج لتعلقه بالبيوعات والعملياّت الماليّة.
أ-التغرير:
يرى الأستاذ محمد المالقي أن التغرير هو عبارة عمن يستعمل آليات التضليل والخداع لكسب رضا الطرف الآخر[104] وقد ورد بالفصل 56 م.إ.ع أن التغرير يوجب الفسخ إذا وقع من أحد الجانبين أو من نائبه أو ممن كان متواطئا معه بمخاتلات أو كتابات حملت الجانب الآخر على العقد…” فالتغرير إذا هو ما يقع فيه الشخص تحت تأثير الحيل التي يتوخاها الطرف الآخر فيسعى إلى إبراز الأشياء على عكس حقائقها فيقدم على التعاقد على أساس ما تزعمه المعاقد الآخر[105]. فالمشرع إتخذ قرارا واضحا في إعتبار أن التغرير هو عيب من عيوب الرضا بالتالي فهو موجب للفسخ.
ولقد إعتبر الفقهاء المسلمون أن التغرير ليس سببا مستقلا للفسخ بل هو مجرد ظرف يرافق ظهور العيب في أحد الزوجين إذ أنه يمكن لأحد طرفي الزواج أن لا ينتبه إلى العيب في الطرف الآخر الذي يحمل العيب أو أن وليّه تعمد إخفاء العيب أي توخي التدليس بغاية إرضاء الطرف المقابل حتى يبرم عقد الزّواج وقد رتّب الفقهاء المسلمون على التغرير في هذه الحالة حق الزوج في المطالبة بالفسخ والرجوع على المدلّس. كما نجد أن بعض من الفقهاء يعتبرونه سببا مستقلا للفسخ[106].
وبالنسبة للقانون الفرنسي فإنه لا يرتب البطلان على عيب التغرير بل إنه إذ أحدث ضررا معتبرا فإنه يمكن للمتضرر من هذا التغرير أن يطلب الطلاق. ولكن فقه القضاء الفرنسي إعتبر أن التغرير في مادة الزواج هو تغرير محمود و لا يوجب الإبطال بما أن كل طرف في الزواج يسعى إلى الظهور في أحسن الصفات و يسعى إلى اكتساب رضا الطرف الآخر وهو ما جعل البعض يعتبر أن الزواج هو “فن إستمالة إعجاب الغير” ولعل مقولةLoysel « en mariage trompe qui peut » تؤكد موقف فقه القضاء الفرنسي في قبول التغيري في الزواج.
لكننا نرى أن الّزواج ينبني على الثقة والصدق المتبادل بين طرفيه و خاصة عند بداية الإعداد للدخول في الرابطة الزوجية حيث أنه من الواجب على الطرفين المترشحين للزواج أن يعتمدا الوضوح ولا يتستّران على أشياء يمكن أن تكون سببا في زعزعة الزواج بعد إبرامه لأن هذا الأخير يجب أن ننظر إليه كرابطة مستمرة في الزمن لذلك يجب أن يكون له قاعدة صلبة حتى يؤدي أهدافه و غاياته خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار الأبناء كنتيجة مرجوّة من كل زواج تقريبا وعادة ما تكون هذه البراعم ضحية أخطاء يقوم بها الطرفان المتزوجان وإذ نجاري المشرع التونسي في ترتيب الفسخ على أساس عيب التغرير بما أنه يؤكد على أهمية الرضا في الزواج وكذلك حرية الأطراف و إرادتهما في ذلك إلا أنه يجب أن يكون ترتيب الفسخ على التغرير الذي يكون سببا رئيسيا في الزواج لأنه إذا قبلنا بكل تغرير ورتبنا عليه الفسخ فإننا سوف نجد عددا مهولا من القضايا أمام المحاكم تسعى إلى حل الزيجات بسبب وجود التغرير.
ونعول في هذا الخصوص على مدى وعي المواطن التونسي وكذلك دور قاضي الأسرة[107] الذي يجب أن يكون دوره فاعلا في الحفاظ على الاستقرار الأسري. هذا فيما يخص عيب التغرير أما بالنسبة للغلط فهل يمكن إبطال الزواج بموجبه ؟
ب- الغلط
عرّف الفقهاء الغلط بأنّه عدم إتّفاق القصد مع ظاهر التعهد أو على نتيجته أو أنه حالة نفسية تحمل الإنسان على توهّم صحّة حادثة وهي في الواقع غير صحيحة أو على عدم صحّة حادثة وهي صحيحة في الواقع[108]. ورغم خطورة الغلط وتأثيره على الرضا خاصة وأنّه بالإمكان أن يقع الغلط في الشخص ذاته فإن المشرع لم يهتم بهذه المسألة في أيّ نص قانوني ضمن مجلة الأحوال الشخصية أو غيرها. حيث لم نعثر على أية نص يقّر ببطلان الزواج على أساس الغلط في الشخص أو في صفة من صفاته، كما أن فقه القضاء أيضا لم تعترضه هذه الحالة و لكن هذا لا يعني أن عيب الغلط في الرضا غير موجود بل إن المسألة مطروحة و تعالج عن طريق آلية الطلاق عبر صوره الثلاث الواردة بالفصل 31 م.أ.ش. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى قرار تعقيبي مدني[109] تفيد وقائعه أن المدّعية تزوجت بالمدعي عليه وتم البناء لكنها اكتشفت منذ ليلة الدخول أنه عاجز جنسيّا ويعود ذلك إلى إصابته بمرض الأعصاب مما تسبب في بقاءها عذراء. فطلبت الطلاق للضرر ولم تطلب البطلان على أساس الغلط في الصفات الجوهرية للقرين لذلك فإنه بناءا على إعتبار أن الزواج عقد منذ نشأته فإنه يمكن للقرين المطالبة بإبطال الزواج إذا وقع غلط في ذات الشخص(1) أو في الصفات الجوهرية له (2).
1- الغلط في ذات الشخص
ينص الفصل 46 م.إ.ع على أن الغلط في ذات أحد المتعاقدين أو في صفته لا يكون موجب للفسخ إلا إذا كانت ذات المتعاقد معه أو صفته من الأسباب الموجبة للرضا بالعقد.
ولعل هذا النص القانوني يهم في جانب كبير عقد الزواج لأنه أهم العقود التي تقوم على الإعتبار الشخصي في حد ذاته وعلى صفاته. وعادة ما يتم إختيار القرين للزواج على أساس الرضا بالجانب الجسماني والجمالي وكذلك الكفاءة العلمية والمكانة الإجتماعيّة فهذه الجوانب هي التي تدعو إلى إختيار شخص على آخر. وبالتّالي فإنه من الجائز منطقا وقانونا أنه عندما يقع أحد الزوجين في غلط في ذات القرين أو في حالته المدنية يكون ذلك موجبا للقيام بدعوى إبطال هذا الزواج المبني على رضا مغلوطا. غير أنه على المستوى التطبيقي وخاصّة أن المشرّع إستوجب حضور الزوجين لدى ضابط الحالة المدنية أو لدى عدلي الأشهاد فانه يصعب تصور أن يتم الزواج مع وجود الخطأ في أحد منهما، وهذا الوضع صحيحا كان ساريا عندما كان الزوج لا يمكنه أن يتعرّف لخطيبته إلا ليلة الزفاف لكن بعد إلغاء حق الجبر وكذلك إشتراط الرضا في الزواج فانه من الصعب أن تحصل مثل هذه الزيجات. كذلك لا يمكننا اليوم أن نتصور أن فترة الخطوبة لم يلتق فيها الطرفان بل إن الأمر أبعد من ذلك إذ تعج المحاكم اليوم بالقضايا المتعلقة بحصول الحمل في فترة الخطوبة[110].
وقد حصل أن طبق فقه القضاء الفرنسي مفهوم الغلط في الحالة المدنية للشخصين[111] عندما إختار شخص قرينه على أساس أنه ينتمي إلى عائلة معينة غير أنه اكتشف غير ذلك. كما إعتبر فقه القضاء الفرنسي أن الغلط في الجنسية هو غلط في الحالة المدنية والذي من شأنه أن يبطل الزواج. حيث إعتبرت المحكمة الابتدائية بـ”سان” في 04-02-1918 أن الغلط في الجنسية يمكن أن يكون من موجبات إبطال الزواج للغلط في الحالة المدنية للقرين. وقد إعتبر الفقه الإسلامي أنه يمكن المطالبة بإنهاء عقد الزواج إذا ما وقع أحد الزوجين في غلط في ذات القرين [112] وقد إعتبر إدريس الفاخوري[113] أن الشخص المتعاقد في الزواج هو محل إعتبار خاص في عقد الزواج فالغلط إذا وقع في محل العقد وينتج عنه بالضرورة عدم التطابق بين الإيجاب والقبول مما يجعل عقد الزواج باطلا من أساسه وهذا الاتجاه توخاه المشرع في مسألة الغلط في ذات الشخص.
أمّا القانون الفرنسي فإنّه إعتبر في الفصل 180م م ف[114] أن الغلط في الشخص يؤدّي إلى إبطال الزّواج إذا ما قام بذلك القرين المتضرر وقد تعددت التأويلات لهذا الفصل منهم من إعتبر أنه يقصد الغلط في ذات الشخص المادية و منهم من اعتبره غلط في بعض صفات القرين.
و يعتبر قرار بارترون[115] من أهم القرارات المتعلقة بالغلط في الصفات الجوهرية للقرين وهو قرار مبدئي صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب الفرنسية بتاريخ 24-04-1862 ، و يتعلق بزواج فتاة من عائلة محافظة بشخص إعتقدت أنه ينتمي إلى عائلة أرستقراطية في حين أنها إكتشفت أنه تم تجريده من حقوقه المدنية و السياسية بعد خضوعه لعقاب بالسجن مدة 15 سنة. فطالبت المحكمة بإبطال الزواج على أساس الغلط في الصفات الجوهرية غير أن المحكمة لم تجاريها في طلبها وإعتبرت أن الفصل 180 يقصد الغلط في الذات المادية وقد لاقت رفضا من رجال القانون مما أدى إلى تراجع موقف فقه القضاء كما تم تنقيح الفصل 180 م م ف بقانون 10-01-1975 الذي أصبح يحكم بالبطلان إذا كان الغلط المتمسك به يخص صفة من الصفات الجوهرية للقرين.
2- الغلط في صفة من صفات القرين:
ينص الفصل 46 م إع على أنّ الغلط في ذات أحد المتعاقدين أو في صفته لا يكون موجبا للفسخ إلاّ إذا كانت ذات المتعاقد معه أو صفته من الأسباب الموجبة للرضاء بالعقد. فالمشرّع اعتبر أن الغلط في الشخص يوجب بطلان عقد الزواج كلما كانت صفة من صفات المعاقد محل اعتبار في العقد أي أنّها سبب ودافع أصلي في حصول رضا المعاقد. ولئن تنكّرت مجلة الأحوال الشخصية لهذه المسألة فان فقه القضاء يحمل بعض المؤشّرات على تبنّي الغلط في الصفات الجوهريّة كموجب للبطلان لاعتباره عيب من عيوب الرضاء وهو تكريس للرضاء بالزواج ومبدأ الحرية في دخول الرابطة الزوجية.
وحيث تفيد وقائع قرار تعقيبي[116] صادر في 02-04-1974 أن الزوج تعذر عليه الاتصال جنسيا بزوجته نظرا لإصابتها بمرض في الأرحام فسعى إلى علاجها لكنه لم يفلح في شفاءها فقام بقضية في الطلاق للضرر. لكن المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف بسوسة حكمتا بعدم سماع الدعوى و عند قيامه بالتعقيب رفض مطلبه. وقد كان بإمكان الزوج القيام على أساس غلط في صفة جوهريّة من صفات زوجته وهي سلامتها من الأمراض المانعة للقيام بالواجبات الزوجّية ولقد أشارت محكمة الاستئناف إلى ذلك في إحدى حيثياتها:” مع الملاحظة أن الدعوى غير مبنية على أحد عيوب الرضا المبطلة للعقد و المشار إليها بالفصل 43 وما بعده من م.إ.ع وعلق الأستاذ ساسي بن حليمة على هذا كما يلي:” أشارت محكمة سوسة إلى إمكانية القيام بقضية في البطلان دون أن تؤكد صراحة أنها لو قدمت لها القضية على ذلك الأساس كانت تحكم فعلا بالبطلان، ولم يكن لها أن تفعل ذلك وإلا تعتبر قد خرجت عن دورها أو تكون قد حكمت سلفا في قضية لم تقدم لها بعد[117].
وفي نفس هذا الإتجاه ذهبت محكمة التعقيب في قرارها عدد 5429 الصادر بتاريخ 15-12-1981 حيث تتمثل وقائعه في قيام زوج بقضية في الطلاق للضرر مستندا إلى إصابة زوجته بمرض عصبي مزمن يمنعها من القيام بواجباتها الزوجية، فمحكمة التعقيب ذكرت بأحكام الفصل 23 م أش ثم أضافت وحين تؤخذ من هذا النص القانوني أن الإخلال بالطاعة و الواجبات الزوجية المفروضة على الزوجة لا يكون سببا من أسباب الطلاق للضرر إذا كان إستهتارا منها بحقوق زوجها وإستخفافها بعقد الزواج. أمّا العيّوب النّاتجة عن إصابة أحد الزوجين بمرض مزمن يترتب عنه إخلال بالواجبات الزوجية لمرض الأعصاب المصابة به الزوجة فإنها لا تكون مبنى للطلاق لأنه لا دخل للمصاب بها في النتائج المرتبة عنها وإنما يمكن أن تكون سببا في طلب فسخ عقد النكاح إذا وقع السكوت عن بيانها عند إبرام الزواج غشًا وتدليسًا ولم يحصل الرضا بها بعد العلم وفي حالة العدول عن طلب الفسخ إلى طلب الطلاق بموجبها فإنه يتعيّن إثبات العنصرين المذكورين. لذلك في قضية الحال كان بإمكان الزوج القيام بقضية في بطلان الزواج على أساس الغلط في الصفة الجوهريّة للزّوجة لأن رضاه كان معيبا ولأن المشرّع التونسي إعتبر بالفصل 3 م أ ش أنّ الزّواج لا ينعقد إلاّ برضا الطرفين وبطبيعة الحال يجب أن يكون هذا الرضا موجودا وجدّيا أي خال من كل العيوب التي من شأنها أن تمسّ إرادة الطرفين وتؤثّّر على حريّة الزّواج من عدمه. فما هو حكم الإكراه في الزّواج؟
ج- الإكراه:
نصّ المشرّع في الفصل 50 م إ ع على أن الإكراه ” يتمثّل في إجبار أحد بغير حقّ على أن يعمل عملا لم يرتضيه” وحسب الاصطلاح الفقهي هو الضغط غير المشروع الذي يوجّه إلى إرادة شخص بغية حمله على التعاقد[118]. فهو إذا العمل الذي يرغم الشخص على القيام بعمل لا يريده و لا يقوم به عن طواعية وإرادة حرّة.
والإكراه كعيب من عيوب الرضا فإنه يمكن أن يمسّ المعاملات المالية وكذلك العلاقات الشخصية كالزّواج مثلا ويتمّ الإكراه من خلال إلزام شخص على الإقتران بشخص آخر دون رضاه. والإكراه هنا سوف يؤثر على حرّية الشخص في إرادة إختيار القرين وكذلك في إرادة دخول الرابطة الزوجية من عدمها وقد إنقسم الإكراه إلى إكراه مادي وإكراه معنوي. ويتمثّل الأول أي الإكراه المادي حسب الفصل51 م.إ.ع أي الإكراه الموجب لفسخ العقد إذا كان من شأنه إحداث ألم ببدن المكره أي الشخص الذي تعرض إلى إكراه ألحق ببدنه ألما يمكنه القيام بدعوى إبطال الزواج على أساس عيب الإكراه.
ولئن لم يعترّض فقه القضاء إلى هذه المسألة باعتبار أن المكلف بإبرام عقد الزواج لن يستجيب إلى طلب الزوجين إذا كان هناك إكراه يمس رضا إحدى الطرفين أو كلاهما، فإن فقه القضاء الفرنسي أتيحت له الفرصة للقضاء في هذا الشأن أين أبطل زواج فتاة قدمت رضاها تحت الإكراه المادي[119] كما قامت المحكمة أيضا بإبطال الزواج الذي أبرم تحت تعنيف البنت وضربها بعصا حتّى تعبر عن رضاها[120].
كما يمكن التذكير بقرار صادر عن محكمة الاستئناف[121] بباريس في 20-05-1983 وقع فيه إكراه مادي ومعنوي مسلط من قبل الأب على إبتنه لإجبارها على الاقتران بقرين مغربي. هذا فيما يخص الإكراه المادي والذي يعتبر سهل الإثبات بما أنه يترك آثارا ظاهرة على جسد المرأة أما فيما يخص الإكراه المعنوي فقد ورد أيضا بالفصل 51م اع أن الإكراه يوجب الفسخ إذا كان هو السبب الرئيسي للعقد ومن شأنه إحداث ألم ببدن المكره وإضطراب معنوي له بال في نفسه أو خوف عليه أو على عرضه أو ماله من ضرر فادح بالنسبة إلى سنه وكونه ذكرًا أو أنثى ومقامه بين الناس ودرجة تأثره”. وهذا الأمر يوكل تقديره للحاكم، فالنساء مثلا أكثر عرضة للخطر من الرجال و ليس الذكر كالأنثى ولا الشباب كالشيخ ولا الوجيه كالدنيء ولا المثقف كالجاهل ولا القوّي كالضّعيف.
فالإكراه المعنوي في عقد الزّواج ممكن الحصول إلا أن إثباته يبقى أمرًا صعبا إن لم نقل مستحيلا لأنه أمرا باطنّي وكامن في نفس الشخص وحتى إذا إدّعى أن رضاه بالزواج قد تم تحت الإكراه المعنوي وطالب بإبطاله فان إثبات هذا الأمر سوف يكون صعبا جدا وهو أمر يمكن أن يهمش رضا القرين وخاصة حريته الشخصية في دخول الرابطة الزوجية.
فأهليّة الزّواج من خلال أهمّ عنصر فيها على الإطلاق وهو الرضا إذا لم يتمّ حمايته بالكيفيّة المطلوبة مما يتدعّم معه الحق الطبيعي في الزّواج وذلك على أساس إراده واعيّة ومتبصّرة وحرّة فان ذلك سوف يؤدي الى فشل العلاقة الزوجية منذ نشأتها وهو ما يؤثّر على النواة الأولى للمجتمع وهي الأسرة بالتالي التأثير على المجتمع بأسره لأنه المتحمل الأوّل لآثار المشاكل التي تمسّ طرفي الزواج وتزعزع الروابط الأسرية.
وأخيرا نشير إلى أنّ أساس القيام بالبطلان المبنى على رضا معيبا هما الفصلان 46 و 56 م إ ع وعادة ما تكون الإجراءات أمام المحكمة الابتدائية على أساس الفصل 4م م م ت المنقح بقانون 87 لسنة 1986 المؤرخ في 01-09-1986. أما فيما يخص أثار بطلان الزواج فان الفصل 22م أش قد تكفل بهذه المسألة حيث ينص على أنه :”يبطل الزواج الفاسد وجوبا بدون طلاق ولا يترتب على مجرد العقد أي أثر ويترتب على الدخول الآثار التالية فقط:
* استحقاق المرأة المهر المسمى أو تعيين مهرا لها من طرف الحاكم.
* ثبوت النسب
* وجوب العدة على الزوجة وتبتدئ هذه العدة من يوم التفريق
* حرمة المصاهرة
وما تجدر ملاحظته من خلال هذا الفصل أن الآثار المترتبة لا صلة لها بعقد الزواج فكأن المشرع أفرغه من كل قيمة وإلزامية فكل الآثار رتبها على الدخول وبتالي فان المشرع وبطريقة غير مباشرة أعلن حرية الزواج و كرسها للأفراد بما أنه رتّب هذه الآثار الخطيرة على الدخول ولم يرتبها على عقد الزواج باعتباره باطلا وبطلانه يعود إلى الإخلال بركن هام فيه وهو رضاء الطرفين على دخول الرابطة الزوجية.
فهل أنّ المشرّع نظّم الزّواج الصّوري ورتّب آثارا له؟
الفقرة الثانية : الزّواج الصّوري:
لا ينعقد الزّواج إلا بتبادل الرضا بين الطرفين أمام المأمور العمومي و الذي يوجّه سؤالاً لكلّ واحد من الطرفين يتعلق بقبول الزواج من الطرف الآخر، وإذا تم الجواب بالقبول من كليهما إنعقد الزواج وهو بالتالي نتيجة للرضا الصادر عن المترشحين للزواج وعادة ما يكون مضمون هذا الرضا بالزواج يهدف إلى تكوين أسرة أي إنجاب الأبناء والإنفاق عليهم ورعايتهم. لكن الواقع أفرز روابط زوجية يكون فيها الرضا خال من كل هذه الإعتبارات والغايات بما يجعل عبارة القبول مزيّفة أي أنّ إرادة الزواج إنقسمت إلى إرادة باطنيّة وإرادة مصرّحا بها مختلفة كل الإختلاف مع الإرادة المختفية والكامنة وراء الرضا بهذا الزواج. أي أنّ النيّة لم تتّجه نحو إبرام الزواج في حد ذاته ولكن الغاية هي شخصيّة، وبعيدة كل البعد عن غايات الزواج[122] بمعنى أن الجدية في الرضا كانت منعدمة تماما وهو ما يستدعي بطلانه[123].
ومن بين الأهداف التي يسعى الطّرفان أو أحدهما بلوغها من وراء الزّواج نذكر الحصول على جنسيّة القرين أو شهادة الإقامة في بلد آخر أو الحصول على إمتيازات إجتماعيّة و عائلية[124] كذلك إبرام الزواج لغاية إيقاف التتبّعات الجزائيّة في حالة مواقعة أنثى قاصر[125] ولئن مثّل هذا الزواج خطرا على الحرّية الشخصيّة بما أنه يمكّن عديد الأشخاص من إبرام عقود زواج لكن معاقديهم لا يشاطرونهم نفس الإرادة و نفس الأهداف المرجوة وهو ما يؤثّر سلبا على الرّوابط الأسرية والمجتمع بأسره لأن هذه الروابط لن تعمّر طويلا. ومع ذلك فإنّ المشرّع لم يعرها إهتماما ولم ينص على حالات الزّواج الصوري و كان عليه فعل ذلك مع تشديد العقاب وخاصة العقاب الردعي أي الجزائي وربما يعود هذا الفراغ التشريعي إلى عدم إنتشار حالات الزواج الصوري في أوساطنا الاجتماعيّة أو عدم اكتشاف حقيقة بعض الزّيجات لأنّه يصعب إن لم نقل يستحيل إثبات الأشياء السلبية والباطنية خاصة. ولقد كانت الفرصة أمام فقه القضاء لإبراز موقفه في هذا الشأن لكنه فوّت الفرصة من خلال قصية[126] تتمثّل وقائعها في إرتباط عامل متزوج بمؤسسة عمومية بعلاقه خنائية مع فتاة نتج عنها حمل.
وللتستّر على الفضيحة والجزاء إقترح على إبن خادمته وهو لم يبلغ بعد سن الزواج واعدًا إيّاه بآنتدابه للعمل وتمكّن من الحصول على إذن قضائي بالزواج وأبرم العقد بتاريخ 14-01-75 وقد تم وضع الحمل بتاريخ 27-01-1975 و تولّى الزّوج المزعوم ترسيمه بدفتر الحالة المدنية ونسب المولود إليه وبعد ذلك عادت الزوجة لمعاشرة خليلها ولما سئمت من هذه الوضعية رفعت دعوى جزائيّة لمقاضاتهم من أجل التدليس والزّواج على خلاف الصيغ القانونية ولكن رغم مقاضاتهم إلا أن الحكم لم ينعت الزّواج بأنه صوري ولم يقرر بإبطاله. وكان على فقه القضاء أن يأخذ المبادرة لإعطاء تكييف صحيح لهذا الزّواج وتنزيل الجزاء المناسب وترتيب الآثار اللازمة وبالتالي يكون قد لعب دوره في تطبيق القانون وحماية الحرّيات والحقوق الطبيعيّة والمحافظة على أهميّة الرضا في الزواج الذي يجب أن يكون موجودا وجدّيا أي أن تتوافق الإرادتان وأن تتجّه فيه نية الطرفان إلى الإلتزام بالواجبات الزوجية وتحمل الآثار المترتّبة والذي يمثّل منطلق بناء المجتمع.
وعلى عكس فقه قضاءنا الذي بدا متخاذلا في هذا الشأن فإن فقه القضاء الفرنسي قد تعرّض لمسألة الزواج الصوري واعتبره مبرما لغاية تحقيق أهداف غريبة عن الزواج ويكون باطلا إذا كانت هذه الأهداف هي الدافع الوحيد لإبرامه. ومن أبرز القرارات التي حكمت فيها محكمة التعقيب الفرنسية نورد القضيّة التي تتمثّل وقائعها في زواج مسؤول فرنسي من أختين غينيّتين بغينيا وذلك في الوقت الذي كانت فيه هذه الأخيرة مستعمرة فرنسية و بعد وفاة الزوج تمسّك الورثة الفرنسيّون ببطلان الزواج و عدم وجوده بالمرّة وأسسّوا دعواهم على إنعدام الإرادة في إبرام الزواج من جانب الزّوجين خاصة بل كانت الغاية توفير الحماية و الإعالة المادية بما أن الزّواج تم في ظروف إستعمار واحتلال. وقد أيّدت محكمة التعقيب الفرنسية الأحكام الابتدائية التي إعتبرت أن الرّضا غير متوفر بصورة جدّية في هذه الزيجة.
كما تعرّضت محكمة ليون سنة 1952 إلى قضية تتعلق بزواج صوري تتمثل وقائعها في إبرام زواج بين فرنسي و ألمانية و ذلك بألمانيا دون وقوع إشهار فقضت هذه المحكمة يبطلان الزواج لأن إبرامه لم يتم على أساس إرادة حقيقية و لم تتجه النية فيه إلى تكوين أسرة [127] وطبقت بالتالي أحكام الفصل 146م م ف.
وقد تدعّمت الإجراءات القانونيّة المتّخذة بشأن الزّواج الصوري في القانون الفرنسي وذلك بتنقيح الفقرة من الفصل 175م م ف في 30 سبتمبر 1993 والتّي تتعلق أحكامها بإعطاء الصلاحيّات للمأمور العمومي المكلّف بإبرام عقد الزواج إذا لاحظ بوادر وعلامات تكشف أن الرّضا في الزّواج غير جدّي ويمكن إبطاله على أساس الفصل146 م م ف فله إعلام وكيل الجمهورية والذّي يمكنه تعليق إبرام عقد الزواج لمدة15 يوما و لا يمكن إبرام الزواج إلاّ إذا رخّص في ذلك صراحة وآنتهت مهلة 15 يوما أو إن لم يقم وكيل الجمهورية بالاعتراض على هذا الزّواج.
كما ظهر في فرنسا قانون يسمى قانون « Pasqua » وأرتبط ظهوره بغاية التصدّي للزّواج الصّوري و الذي غايته الحصول على الجنسيّة الفرنسيّة[128].
وتعود كثرة الإجراءات المتّخذة بشأن الزّواج الصّوري للتصدّي لهذه الظّاهرة التي تعدّدت في المجتمع الفرنسي ومن أهم الأسباب في ذلك هو إستقطابها لعديد الجنسيّات وخاصة مواطنو المستعمرات الفرنسيّة التي أصبحت وجهتهم الأولى العمل والعيش هناك ويعتبر الزواج هو السبيل إلى ذلك ولعل كأبرز مثال واقعي من فقه القضاء التونسي هو الحكم الإبتدائي الصادر بتاريخ 13/2/2007 والذي يختزل ما ذكرناه سابقا في خصوص الزواج الصوري[129] حيث كانت الغاية من الزواج السفر إلى فرنسا.
ولئن بدت أهليّة الزّواج في جانب الشّروط الشخصيّة تعمل على تدعيم الحريّة في الزّواج وضمان حرية ممارسة الحق الطبيعي إلا أن الزّواج الصوري والذي يهدد الرضا كأهّم عنصر فاعل في إبرام الزواج لأنه يضمن الإرادة الشخصية في دخول الرابطة الزوجية من عدمها فإنّه من الأجدر البحث عن الجزاء وعن أساسه خاصة في القانون التونسي حتى نؤكّد أن الخيارات التشريعيّة في هذه المادة تتجه نحو ضمان وتأكيد حرّية الزّواج.
ولعلّ أول مسألة تتعلّق بتسليط الجزاء هي إثبات الزواج الصوري وهو بالطبع من أصعب المساءل بما أن الأمر يتعلق بإقامة الحجة على عنصر سلبي أي إثبات أن النيّة لم تتّجه إلى إبرام عقد الزواج بقدر ما إتّجهت إلى إمتطاء هذا العقد لبلوغ هدف أو مصلحة شخصية تبقى غريبة عن الرّابطة الزوجية أو تخالف أهدافها. لذلك فإن دور محاكم الأصل هو الفصل في هذه المسألة بما أنّه سوف يسعى إلى الإلمام و البحث في كل الملابسات التي تحوم حول إبرام الزواج حتى يستنتج منها صفة الصورية ، وقد إعتبر الفصل 26 /04 فقرة 2 م م ف أنّ إنتهاء الرّابطة الزّوجية في السنة التي تلت تسجيل الإعلام به يمثّل قرينه على وجود الصورية في هذا الزواج وكذلك الوضعيّة التي يقع فيها التعبير عن الرضا بأفعال وتصرفات من طرف أحد الزوجين وذلك بعد إبرام الزواج وليس قبله مما يجعل أن الإبرام لم يؤسّس على رضا جدّيا[130].
كما ذهبت المحاكم الفرنسية إلى إعتماد بطلان الزواج الصّوري من خلال عديد القرائن كالغيّاب عن محل الزوجية وتهميش الواجبات فيها[131] وربّما إستفحال ظاهرة الزّواج الصّوري في المجتمع الفرنسي أدّى إلى إعتبار أن التغرير في الزّواج هو قرينة واضحة على غيّاب النيّة الحقيقيّة في دخول الرابطة الزّوجية[132] وإذا كانت هذه براهين وجود الزواج الصوري الذي يستدعي البطلان فإن الأساس القانوني للقيام بالدعوى يعتبر الأهم وقد حسم المشرع الفرنسي أساس القيام في الفصل 146م م ف و لعلّ النّزعة نحو التضييق على إبرام هذه الزيجات جعل فقه القضاء يعتبر غياب السبب لإبطال الزواج الصوري معتبِرًا أن الزّواج هو عقد ملزم للطرفين وأن الإلتزامات غير متكافئة تدل على غياب السبب فيها[133] فما هو أساس القيام بالنسبة للقانون التونسي وما هي طبيعة البطلان؟
إن أوّل الفصول القانونيّة التي يمكن إعتمادها كأساس للقيّام بإبطال الزواج الصوري هو الفصل 3م أش و الذي ينصّ على أنّه لا ينعقد الزّواج إلاّ برضا الزّوجين. لكنّ إعتماد هذا الفصل لا يستقيم من الناحية القانونية وكذلك من الناحية المنطقيّة بما أنّ الفصل يتحدث عن حالة غياب الرضا في حين أن الزواج الصوري يتضمن الرضا لكنه غير جدّي مما يعدم الإمكانية في إعتماد هذا الفصل كأساس لإبطال الزواج الصوري.
أمّا الفصل الثاني والذّي تحدّث عن الزّواج الفاسد هو الفصل 21م أش وخاصة في فقرته الأولى والذي ورد فيه أن الزّواج الفاسد هو الذي إقترن بشرط يتنافى مع جوهر العقد والشرط المتحدّث عنه في هذا الفصل يتعلق بمؤسّسة خيارالشرط بالفصل 11م أ ش[134] وهي آلية تمكّن كل طرف في الزواج أن يضمّن بعض الشروط المتعلّقة بشخصه أو المتعلّقة بالمكاسب لكن دون أن تكون مخالفة لجوهر عقد الزّواج و لعلّ جوهر الزواج قد إختزله المشرّع في إطار الفصل 23م أش وهو دستور العائلة كما يريد الحقوقيين تسميته ولعّل إنجاب الأبناء وواجب المساكنة والإنفاق على الأبناء ورعايتهم تعتبر من كنه الزّواج. فإذا تمّ تضمين شرط يتنافي مع هذه الغايات والواجبات يمكن إبطال الزواج على أساس الفصل 21م أش فقرة أولى وبالتالي فإنّ إشتراط عدم الإنفاق أو عدم الإنجاب أو المساكنة فإنه يفرغ الرابطة الزوجية من محتواها ويحيد بها عن أهدافها لذلك يكون الزّواج قائما على نية تصبو إلا تحقيق مآرب شخصيّة تجعل منه زواجا صوريّا. ولكن إذا لم يتم تضمين الشرط الدّال على نيّة صاحبه فكيف يمكن الوقوف على صورّية الزواج المبرم؟
إنّه حقيقة أمر صعب للغاية لكنّ حتى وإن لم يقع تضمين الشرط بعقد الزّواج فإنه يمكن للمحاكم الأصل إعتماد سلطتها التقديريّة خاصة من خلال الوقوف على مدى إلتزام الطرفين بمقتضيات الفصل 23م أش أو كذلك من خلال طلب الطلاق مباشرة بعد الزواج دون وجود سبب مقنع وخاصّة طلب الطلاق إنشاء فهذه المسألة تعتمد على سلطة القاضي التقديرية لتقصّي الحقائق الكامنة وراء إبرام الزواج حتى يحكم ببطلان الزّواج الصوري. فما هي طبيعة هذا البطلان؟ لئن أقرّ الفصل 22م أش يبطلان الزواج الفاسد وجوبا بدون طلاق فانه يبقى الغموض مسيطرًا على طبيعة هذا البطلان فهل أن مصطلح “وجوبا” يعني البطلان المطلق؟
وبما أنّ عقد الزّواج هو من العقود ذات الصبغة الخصوصيّة لتعلقه بذات المتعاقدين وآثار بطلانه تتعدّى طرفيه لتمس الأبناء والمجتمع بأسره فإنه من الخطير أن نقر ببطلان مطلق للزّواج الصّوري رغم أن محكمة التعقيب في إحدى قراراتها نجدها تعتبر “أن الدعاوَى المتعلقة بحقوق الأسرة تهم النظام العام و النيابة العمومية هي التي لها صفة القيام”[135] وهو ما يدّل على أن البطلان هو بطلان مطلق. لكّن هنا لابدّ أن نعتمد خصوصيّة عقد الزواج الذي يهم ذات الأشخاص المتعاقدة ويهم الأبناء لذلك ندعو أن يكون للقاضي رؤية متّبصرة في هذا الشأن لأنّه يمكن للزّواج حتى وإن بنيَ على رضا غير جدّي فإن المعطيات يمكن أن تتغير ويمكن للقرين العدول عن أهدافه وبالتّالي فإن السعي إلى الحفاظ على الروابط الأسريّة خير من تسليط العقاب المدني أي البطلان المطلق وذلك رغم أهميّة الرضا في ضمان حريّة الزّواج.
وبالتالي فإن البطلان النسبي هو الأنسب لأنه أقلّ حدة من البطلان المطلق حتى وإن كان هذا الأخير أكثر ردعا ووقاية من حدوث مثل هذه الزيجات.
هذا ما أردنا الإتيان عليه من خلال الزواج الصوري أي الوقوف على الجزاء و أساس القيام حتى نحافظ على دور الرضا في أهلية الزواج ومن وراءه ضمان الحريّات الشخصيّة والحقوق الطبيعيّة.
خاتمة الجزء الأول
يعتبر العنصر البيولوجي من أهم المعطيات التي تقوم عليها أهليّة الزواج فالسنّ القانونيّة للزّواج مثلا تعتبر عنصرا فاعلا في التمتّع بحرية التزوج ودخول الرّابطة الزّوجية ولئن لم تعرف الإستقرار على مستوى تحديدها إلا أنها تميّزت بتنظيم يحمل في طياته إهتمام المشرع به و عمله على تكريسه لتدعيم ممارسة الحق الطبيعي والحريّة الشخصية في الإقتران، رغم أنّ سنّ الـ18 كما حدّدها تنقيح 14 ماي 2007 بالفصل 5 م.أ.ش تعتبر متدنيّة جدّا خاصّة وأن معدّل سن الزّواج في المجتمع التونسي يقارب ثلاثين سنة تقريبا ولكن الحثّ على الزّواج ومحاولة إستيعاب عديد الحالات الإجتماعية جعل المشرع يعطي الإمكانيّة حتّى في الزواج دون السن المفترضة وهي 18 سنة.
أما الجانب الصحّي وإن عرف منذ القديم نوعا من التهميش إلا أن الإهتمام به أصبح يتدعم شيئا فشيئا بعد فرض الكشف الطبّي من خلال قانون 1964 ولكن بقيت إجراءات الكشف الطبي تفتقر إلى الصرامة في فرضها بما أن السياسة التشريعيّة تسّبق الحريّة الشخصيّة على مصلحة المجتمع لذلك يتم الإعتماد على وعي أفراد المجتمع من خلال حماية صحتهم والحفاظ على المستقبل الأسري.
كما شهد العنصر النفسي إهتماما واضحا منذ إصدار م.أ.ش في 13 أوت 1956 من خلال الفصل الثالث وبإعتباره شرط صحة إنعقاد الّزواج ولئن كان له دور هام في إقرار المساواة بين الجنسين في إختيار القرين والقضاء على حق الجبر إلاّ أنّ مسألة الرضا في الزّواج لم تعرف إهتمام المشرع من خلال العيوب التي يمكنها أن تهمّش هذا المعطى النفسي وخاصة مسألة الزّواج الصّوري الذي لم يحضى بأي إهتمام تشريعي أو فقه قضائي وبصفة إجماليّة فإن هذه العناصر التي تأسّست عليها أهلية الزواج قد لعبت دورا هاما في تفعيل حرية دخول الرابطة الزوجية ولكن في جانب آخر قد ذهبت أهلية الزواج إلى التقييد من ذلك.
الجزء الثاني:أهلية الزواج قيد لحرية الزواج
لقد سبق وأن أشرنا في إطار المقدّمة إلى أنّه يتفّق الكثير حول إعتبار أن الأهليّة هي حدّ لممارسة الحقوق والحريات و ربّما سنقف على قدر هام من هذا الرأي في هذا الجزء من البحث لكن بصفة مخالفة أو غير متوافقة مع الرأي المذكور بما أننا سوف نهتم بأهليّة الزواج كمجموع شروط متعلقة بالأشخاص العازمة على دخول الرابطة الزوجية .
ومن أهمّها العناصر المكوّنة لأهليّة الزّواج نذكر الخلّو من موانع الزواج و خاصة المؤبّدة منها و لئن شكّلت في حد ذاتها قيدا لحرّية ممارسة الحق الطبيعي في الزّواج إلاّ أنّها تبقى ذات أبعاد نفسيّة، أدبية و أخلاقية خاصّة وأن هذه الموانع قد أجمعت عليها كل الديانات السماويّة اليهوديّة و المسيحيّة وبالتالي فإن الإسلام لم يكن الدين الأوّل الذي يفرض هذه الموانع وهذا ما يبرهن على أن هذا التحريم ينبع من الفطرة والطبيعة البشريّة و قد دخل هذا التحريم في العادات وتوغل في العقول والنفوس لذلك من الصعب إعتباره حدّا أو قيدا لحرّية الزّواج لأنه من خالف هذه الحدود والمحرمات التي نظمّتها القوانين الوضعيّة تأسيسا كليّا تقريبا على الديانات السماويّة فإنّه يعتبر شاذا أو مريضا نفسانيا ويصف فرويد هذا المركب بمركب “أوديب”.
ولقد تعرّض الفصل 22 م.أ.ش إلى بطلان الزّواج المخالف للفصول المتعلّقة بموانع الزواج المؤبّدة ولعلّ إنعدام الصور القضائية معدومة تقريبا ما عدا بعض الحالات النادرة جدا و يعود ذلك إلى الإقتناع في النفوس على عدم الإقدام على مثل هذا الزواج:
ولقد خيّرنا الإيجاز بخصوص الموانع المؤبدة أوّلاً لأنّ هذه الموانع قد حظيت بعديد الدرّاسات كما أنها منظّمة في إطار كل القوانين الوضعيّة العالميّة فهي تقريبا محل إجماع ما عدا بعض الموانع التي تختص بها بعض التشاريع، ونعود لنقول بأنه تعمّدنا هذا التوجه المنهجي حتى نولي الموانع الأخرى وخاصة المؤقتة التي ربما تطرح بعض الإشكالات في القانون الوطني وخاصة التي مثلّت حدّا أمام حرية الزواج لذلك سوف نتولى تباعا دراسة تأثير الموانع المؤقتة على حرية الزواج (الفصل الأول) ثم تأثير التباين في الجنس على حرية الزواج (الفصل الثاني).
الفصل الأول: تأثير الموانع المؤقتة على حرّية الزّواج
إن الفصل 5 م.أ.ش تحدث عن وجوبية خلوّ المقدم على الزّواج من الموانع الشرعيّة إلى جانب بلوغه سن قانونيّة للزّواج تمّكنه من دخول الرابطة الزّوجية وكان لمصطلح “الموانع الشرعيّة” عديد التأويلات من بينها الإحالة على الفقه الإسلامي لتبنّي مانع إختلاف الدين (المبحث الأول) أما الموانع المؤقتة الأخرى والتي تم تنظيمها بصفة جلية من قبل المشرّع وهي تتعلّق حق الغير بعدة أو بزاوج(المبحث الثاني).
المبحث الأول: الإختلاف في الدّين
كان الزّواج المختلط يعني الزّواج بين شخصين ينتميان إلى عشرتّين مختلفتّين و لكن بظهور الديانات السماوية شهد العالم تطوّرا كبيرا على جميع المستويات و قد أصبح مصطلح الزّواج المختلط يعني بالأساس الزّواج المنعقد بين شخصين ينتميان إلى ديانتين مختلفتين و أصبحت إشكاليّة الزواج المختلط متعلقة بالاختلاف الديني والعقائدي، ونظرا لأهميّة الزواج كرابطة إجتماعية وواقعية وخاصة قانونية فإنه كان محل إهتمام كل التشاريع الوضعية وذلك لإرتباطه الوثيق بالنظام العام الإجتماعي ويتجلى ذلك في التشريع الوطني من خلال الفصول 15 إلى 28 م أ ش ومن 31 إلى 39 من قانون 1 أوت 1957 المتعلق بتنظيم الحالة المدنية ونظرا إلى أهمية الإرادة في نشوء الروابط الزّوجية فإن اليوم أصبحت ظاهرة الزواج تجمع بين ذوي الديانات المختلفة، كذلك أصبح الزّواج المختلط يربط بين زوجين مختلفين على مستوى الدّين والعرق والجنسيّة لذلك سوف نقف عند مدى إعتبار إختلاف الدين كعنصر من عناصر أهليّة الزّواج ومدى تأثيره على حريّة الزّواج وذلك من خلال دراسة موقف التشريع الإسلامي (فقرة أولى) والقانون الوضعي (فقرة ثانية) من إختلاف الدّين.
الفقرة الأولى: موقف التشريع الإسلامي
إنّ الدّيانة الإسلاميّة تقوم على تكريم الفرد وتحقيق المساواة بين البشر لذلك فإن الزّواج هو ترجمة عن إرادة طرفيه لذلك تطوّرت إشكاليات الزّواج المختلف فبعد أن تعلقّت بالإختلاف الدّيني والعقائدي[136] أصبحت تجمع شخصين مختلفين على مستوى الدين والعرق والجنسية[137] فكيف تعامل التشريع الإسلامي مع اختلاف الدّين بين الزّوجين؟
يجدر بنا أوّلا الإشارة إلى أن التّشريع الإسلامي ينطلق من القرآن الكريم و السنّة الشريفة فهو إذن بمثابة القراءة المستمدة من هذين المصدرين المقدسين حيث يقول الله تعالى “فإنْ تًنًازًعًتُمْ فِي شًيِءٍ فًرُدُوهُ إِلًى اللهِ وَ الرَسُولْ”. فزواج المسلمة بغير المسلم تبقى مسألة تشوبها الضبابيّة و عدم الوضوح إلى حد هذا اليوم لأنّ المجلة المتعلقّة بالأحوال الشخصيّة لم تتضمّن نصا صريحا يحدد موقف القانون التونسي من هذه المسالة بصفة قطعية و نهائية.
لذلك أردنا أن نأخذ الأمور من مصادرها الرئيسية وفيما يلي الآيات القرآنية التي إعتمدها الفقهاء المسلمون لتأسيس رأيهم بخصوص تحريم زواج المسلمة بغير المسلم ورغم أنّ القاعدة الأصولية تقوم على الإباحة في النكاح و يعود ذلك إلى قلة النصوص المحرمة لهذه الزيجات.
فالآية الأولى من قوله تعالى: وَلاََ تًَنْكِحُوا المُشِْركَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأمَةٌ ُمؤِمنَةٌ خَيْر مِنْ مُشِْركًةٍ وَلَوْ أًعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تًنكِحُوا المُشِْركِينَ حَتَّى يُؤمِنُوا ولََعبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشِْرٍك وَلَوْ أْعْجَبَكٌمْ. وَأُولائِكَ يَدْعُونَ إلَى النَّارِ واللهُ يَدْعُو إِلىَ الجَـنَّةِ والمَغْفِرة بِإٍذْنِهِ، وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ”[138]. وهذه الآية الكريمة تخاطب الرجال والنساء من المسلمين معا و تحرم عليهم الزواج من المشركين.
كذلك ورد بكتابه المقدس” يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ المُؤْمِناَتُ مُهَاجِرَاتٌ فَامْتَحَنُوهُنَّ الله أَعْلَمُ بإيمَانِهُنَّ فَإنْ عَلَمْتَمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ َلُهُمْ وَلاَ هُمْ يَحُلُونَ لَهُنَّ وآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أًنْ تًنْكِحُوهُنْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُوَرهُنَ وَلاَ تُمْسِكُوا بعِصَمِ الكَوَافِرٍ.”[139]
وتعود ظروف نزول هذه الآية حسب تفسير القرطبي إلى ما يلي: ” لمَا أمَر اللهُ المُسْلمِينَ بِتَركِ مُوَالاةْ المُشِْرِكينَ إقْتَضَى ذَلِكَ مُهَاجَرَةْ المُسْلِمِينَ مِنْ بِلاَدْ الشِرْكِ إلَى بِلاَدْ الإسْلاَمْ وكْانَ التَنَاكُحُ مِنْ أَوكَدَ أَسْبَابَ المَُوَالاَة، فبين أحكام مهاجرة النساء، قال ابن عباس جرى الصلح مع مشركي قريش عام الحديبيّة على أنّ من أتاه من أهل مكة رده إليهم. فجاءت سبيعة بنت الحارث الإسلامية بعد الفراغ من الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، بعد، فأقبل زوجها وكان كافرا وهو صيفي بن الراهب، وقيل: مسافر المخزوي فقال: يا محمد أردد إليّ امرأتي فانك شرطت ذلك و هذه طينة الكتاب لم تجف بعد فأنزل الله تعالى هذه الآية وقد إعتمد الفقهاء المسلمون هذه الآية للقول بأن زواج المسلمة من غير المسلم غير جائز[140]. وبما أن نزول هذه الآية كان مقترنا بصلح الحديبيّة الدائر بين المسلمين والكفار فقد كان محلّ جدل بخصوص طريقة الحل الوارد بها وإقترانه بظروف معينة لذلك يذهب البعض إلى أن التحريم الوارد بها زائل و قد زال بزوال سببه لكن من طبيعة القرآن الكريم وهو الأزلية و الصلوحية لكل مكان و زمان و لعل القياس و الإجماع يدعم هذا القول.
أمّا الآية الأخيرة والتّي إعتمدها الفقهاء لتدعيم موقفهم في تحريم زواج المسلمة بغير المسلم. وجاء بقوله تعالى: اليَوْمَ أَُحَلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌ لَهُمْ وَالمُحْصِنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الذِينَ أَوْتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلَِكُمْ إِذَا آتَيَتُمُوهُنَّ أًجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ولاَ مُتَخِذِي أَخْدَانٍ”[141].
ويزعم الفقهاء أن هذه الآية تخاطب رجال المسلمين فقط دون نساءهم، فإنّها تحرم بذلك ضمنيا زواج المسلمة بأهل الكتاب لاقتصارها في التحليل وإباحة الزواج من أهل الكتاب على الرجال المسلمين فقط. فهاته الآية تنسخ سورة البقرة التي تحرّم بالنسبة لهم زواج المسلمين والمسلمات من أهل الكتاب و تبيح هذا الزواج للرجال فقط من نساء أهل الكتاب، فزواج المسلمة بغير المسلم يبقى إذا حسب أصحاب هذا الرأي محرّما بسورة البقرة. وقد ورد هذا الرأي لمحمد القرطبي، وروي هذا القول عن ابن عباس و به قال مالك بن أنس وسفيان سعيد الثوري وعبد الرحمان بن عمر الأوزاغي[142].
ورأى أغلبية الفقهاء والمفسرين أن هاته الآية من سورة المائدة لاتنسخ ما جاء في سورة البقرة ” وَ لاََ تًَنْكًحُوا المُشِْركًاتِ حَتًى يُؤْمِنَ وَ لاَ تًنكًحُوا المُشِْركينْ حَتَى يُؤمِنُوا”[143] وأن أهل الكتاب ليسوا مشركين لأن كلمة “المشركين” و “المشركات” لا تشملهم و هم ليسوا داخلين فيها.
و يضيف الدكتور أحمد غنيم في هذا الصدد و من ناحية أخرى فإن النص الحرفي لكلتا الآيتين القرآنيتين آية التحريم و آية الإباحة ليكشف بألفاظه و كلماته، أن لكل منهما مجالا منفصلا عن مجال النص الآخر تمام الانفصال، فواضح بلا جدال أن آية التحريم على الرجال والنساء ومنع التزاوج مطلقا بين المسلم والمشركة كما هو ممنوع بين المسلمة و المشرك:”
بينما يصرّح النص في آية الإباحة على قصرها على جانب واحد فحسب، هو زواج الرجل المسلم بالمرأة الكتابية دون العكس والذي لا شك فيه أن هذا الاختلاف الظاهر الحاسم بين مجالي النصين يقطع بالاختلاف بينهما حتما في الحكم وفي المضمون[144].
ويتحصص مما ورد بالآيات القرآنية المذكورة آنفا أن القرآن الكريم يحرم زواج المسلمة بغير المسلم في حين أنّه يبيح زواج المسلم بالمرأة الكتابية. لكن الأمر لا يمكن أخذه بصفة قطعية فهذا المنع والتحريم قد تناوله عديد الفقهاء المسلمين وذهبوا مثلا إلى أن الإسلام لم يمنع زواج المسلمة بالكتابي ورغم ذلك فإن الرأي الطاغي لكل الفقهاء يتبنى الموقف المانع والمحرم لزواج المسلمة بغير المسلم استنادا إلى الآيات القرآنية السابقة في الذكر. وإذا كان القرآن هو أصل الدّين وإذا كان التحليل والتحريم من حقوق الله وواجب البحث عنها في كلام الله فان السنة النبوية أيضا لها أهمية بالغة لا يستهان بها. وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ لكلام الله تعالى والمبين لمراده ويستشف ذلك من قوله تعالى : ” مَا علَى الرَسُولِ إلاّ البَلاَغْ”.
فما هو حكم السنّة بخصوص زواج المسلمة بغير المسلم وهل منع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الزواج؟
لكن لابدّ من الإشارة إلى الإشكال المتعلق بمدى الإحتكام إلى الأحاديث النبوية أي السنّة و ذلك لأنه لم يتم تقنينها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما تم جمعها بعد وفاته ممّا أدّى إلى عديد الإختلافات حول اعتمادها لذلك نجد أحاديث قوية البرهان وأخرى إتّصفت بالضّعف ولكنّ إعتماد الصحيحين لمصداقيته أكثر من غيره من المؤلفات الجامعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم[145].
ويبدو أنّه لا يوجد شيء ثابت وأكيد في السنة بخصوص تحريم زواج المسلمة من غير مسلم وخاصة من أهل الكتاب إذ أنه إذا بحثنا في الصحيحين مثلا فإننا لا نجد شيئا في هذه المسألة[146] كذلك فإنّه ورد من الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة السلام ما ينافي قولهم بأن زواج المسلمة بغير المسلم هو زواج بطال و حرام .
كما أنه أيضا ورد بالمدوّنة الكبرى للإمام مالك بن أنس الأصحبي ما نصه: قال مالك أن عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية أسلم نساؤهما قبلهما[147] كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه و سلم أنه هو لم يفرق بين المسلمة و زوجها الكافر.
فيستشّف إذا من هذه الأحاديث والآراء غير المتوافقة أن السنة النبوية إتّجهت إلى تحريم زواج المسلمة بغير المسلمة و إبطال هذا الزواج إن وجدت في عديد الحالات وأبقت على هذه الزيجات في بعض الحالات الأخرى.
و بالتالي فإنّه إنطلاقا من الآيات القرآنية التي ذكرناها آنفا و التي إتجهت نحو تحريم زواج المسلمة بغير المسلم إلا أنه هناك من فسرها أو أعطاها تفسيرا عكس ما ذهب إليه البعض وأثبت أنها لم تعدم و لم تمنع هذه الزيجات. و بما أن السنة ما هي إلا تبيان لكلام الله و لا يمكن أن تتضارب معه في أي حال من الأحوال, فالقرآن فيه بيان لكل شيء والعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ولا يعوزه منها شيء والدليل على ذلك بعض الصور القرآنية:”اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ” وقوله تعالى.”مَا فَرَطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْء”.
وأخيرا لا يمكن إلا أن نقول بناءا على القرآن والسنة أنه لا يوجد حكم بات و قطعي يفيد تحريم الزواج بين معتنقي الديانات السماوية التي تؤمن بالتوحيد وخاصة المسيحية واليهودية والإسلام.
وأن المفسّرين فيهم من ذهب إلى التحريم الوارد في القرآن الكريم هو خاص بالمشركين والمشركات المتواجدين بالجزيرة العربية و هم العرب دون سواهم. و هو ما يجعل الحكم صعب في هذه المسألة، ومهما يكن فإن عنصر الدين كإحدى عناصر أهليّة الزّواج سوف يجعل حرّية ممارسة الحق في الزواج مقيّدة بالإباحة أو المنع وهو ما يهدّد هذه الحرّية الشخصيّة ورغم أنه يمكن القول بنسبيّة هذا التقييد والحد الذي يفرضه اختلاف الدين إلاّ أنّه عامل يؤكد الرأي القائل بأن أهليّة الزواج هي بمثابة الحدّ أمام دخول الرابطة الزّوجية.
وإذا كان هذا موقف القرآن والسنة في زواج المسلمة بغير المسلم و الذّي يبدو متضمّنا لتحريم هذه الزيجات رغم أنه من المفسرين من رأى عكس ذلك. فما هو إذا موقف الفقه؟ أي هل أن الإجتهادات الفقهية سوف تكون لها شأن في هذه المسألة؟
أولا لا بدّ من الإشارة إلى إجماع الفقهاء على أن المسلم لا يجوز له أن يتزوج من امرأة لا تدين بدين سماوي فهي لا تحل له و لا يمكنه الإرتباط بها و يعتمد الفقهاء على سورة البقرة المذكورة آنفا.
ويرى الفقهاء أصحاب هذا التحليل أن الرجل إذا تزوج بإمرأة لا تدين بدين سماوي فإنّها سوف تضعف إيمانه وتبعده عن دينه وذلك رغبة منه في طاعتها لتحقيق الزّواج منها لذلك فإنّه إذا تخاذل عن دينه فاز بها و بمعاشرتها و إن تعلق بدينه فإنّها جفته وإندثرت روابط العشرة بينهما.
وهذا التنافر يقول الدكتور محمد أبو زهرة بين الإسلام والأديان الوثنيّة شديد لا يمكن أن تكون معه عشرة متفّقة ومتواصلة حيث يستحيل التوافق بين زوجين أحدهما يتقرب إلى لله سبحانه بتقديس بقرة أو عبادتها، وهو ما يؤثر على الحياة الزوجية وخاصة الأبناء الذين يجدون أنفسهم في مفترق الطريق بين ديانة أبيهم و ديانة أمّهم.[148]
وفي المقابل فإنّه يمكن للمسلم أن يتزوج النصرانيّة واليهوديّة، ولقد أجمع الصحابة على الزواج من الكتابيات ويقال أن طلحة بن عبد الله قد تزوج كتابية[149].
أمّا بخصوص زواج المسلمة بغير المسلم فيقول الدكتور محمد أبو زهرة أن الفقهاء قد إتّفقوا على أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير مسلم سواء أكان مشركا أم كان كتابيا ويضيف أن ذلك التحريم ثبت بنص القرآن و السنّة و الإجماع. وقد روي أن رجلا قد أسلمت زوجته وأبَى هو أن يُسلم ففّرق عمر بينهما و قد روي عن إبن عباس أنه قال: إذا أسلمت نصرانية قبل زوجها فهي أملك لنفسها” وبهذا إستفاضت الأخبار على أصحاب الرسول وهو أمر لا يعرف بالرأي فلابد أن يكونوا قد سمعوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما بنوا عليه حكمهم وقد انعقد إجماعهم على ذلك.”[150]
وقد أقرّ الفقهاء بناءا على هذه القاعدة عديد النتائج أهمها أنه لا يمكن إنعقاد الزواج بين المسلمة وغير المسلم. كما أنه إذا أسلمت الزوجة و بقي الزوج على غير دين الإسلام فإنه يقع التفريق بينهما خاصة إذا إمتنع عن الإسلام. وقد ذهبوا إلى أن النكاح ينشأ إلاّ إذا كان الزوجان حلاّ من أسباب التحريم وحتى تتواصل هذه الرابطة الزوجية لابدّ أن يتواصل الخلو من هذا المانع ( إختلاف الدّين).
وحسب رأينا إذا كان منع زواج المسلمة بغير المسلم قبل إنعقاد الزواج من أصله فانه أمر يبدو عاديا من ناحية الآثار لأن الرابطة لم تنشأ بعد. أمّا إذا تمّ التفريق أي حلّ الرابطة الزوجية بعد إنعقادها و رتّب آثارها فإنّه سوف تكون هناك نتائج وخيمة وسلبية على الأبناء ثمرة تلك الزيجة التي كانت بين زوجين غير مسلمين لكن بعد أن أسلمت الزوجة وإمتنع الزوج عن دخول الديانة الإسلامية وأصبحت بالتالي أهلية الزواج تفتقر إلى عنصر من عناصر وهو أن يكون الزوج على نفس ديانة زوجته المسلمة.
هذا إذا موقف التشريع الإسلامي ( القرآن، السنة، الفقهاء…) من زواج المسلمة بغير المسلم والذي إن شهد التحليل نوعا من التضارب بما أن تفسير النصوص القرآنية وكذلك الإختلافات في الأحاديث المنقولة و مدى درجات الاقتناع و الإقناع بها لم يعط حلا جازما إلا أن الإتفاق يبدو حاصلا حول تحريم زواج المسلمة بغير المسلم، و هذا ما يجعل من أهلية الزواج قد لعبت دورا سلبيا بما أنها شكّلت مانعا و حاجزا أمام حرية الزواج وحرية الإرتباط بين شخصين لا يتفقان في نفس الإنتماء الديني و العقائدي. فماهو إذا موقف القانون الوضعي في هذه المسألة؟
الفقرة الثانية: موقف التشريع الوضعي:
إنّ مادّة الأحوال الشخصيّة تعتبر من أدقّ المواد القانونيّة لمساسها المباشر بحقيقة المجتمع و خاصّة بإنتماءاته الأيديولوجيّة والدينيّة والعقائديّة بصفة عامة. وهذه الأشياء سوف تجعل خيارات المشرّع في المحكّ بما أن السياسة التشريعيّة سوف يقع ترجمتها من خلال القواعد و النصوص القانونية المنظمة للميدان و بخصوص مادة الأحوال الشخصية و قبل س م أش فإنّ الفقه الإسلامي هو الذي كان ينظم هذه المسائل خاصة من خلال لائحة الأحكام الشرعيّة.
ونظرا لتعدد الملل و الأجناس فكانت البلاد تعرف تشتّتا على مستوى المادة القانونيّة و كذلك الهياكل القضائيّة ولكن منذ تاريخ نفاذ مجلة الأحوال الشخصية في 1 جانفي 1957 فقد أصبح العمل بهذه المجلة و تم توحيد القضاء أي أنه أصبح التقاضي يتم أمام المحاكم العدلية التونسية و يطبق القانون على كل المواطنين التونسيين مهما كانت عقائدهم ودياناتهم. ولكن في المقابل نجد أن المشرّع قد تجاهل عديد المسائل التي كانت منظمة وذلك إمّا أنّه لم يعطيها حلا قانونيا واضحا أو أنّه أحاطها بتنظيم يكتنفه الغموض مما فتح الباب أمام الاجتهاد الفقهي والفقه القضائي وهو ما حدا بالأستاذة Delagrange إلى القول بأن العديد من المسائل في هذه المجلة (م.أ.ش) يلاحظ سكوت المشرع عن الكثير فيها[151].
ولعلّ أبرز ما طرح في الأوساط الإجتماعية و كذلك رجال القانون والحقوقيّين ورجال القضاء نذكر من ذلك الفصل 88 م أ ش المتعلّق بموانع الإرث[152] وكذلك الفصل 5 م أ ش المتعلق بالموانع الشرعيّة للزّواج و بصفة أدق إختلاف الدّين كمانع من موانع الزواج، أي هل أنّ المشرّع التونسي يعتبر أن إختلاف الدين كمانع من الموانع؟ ثم و بالتأمّل في الفصول المتعلّقة بموانع الزّواج لا نجدها تتعرض إلى هذا المانع على عكس عديد التشريعات العربيّة التي إعتبرت أن الاختلاف في الدين هو من موانع الزواج و نذكر منها القانون المغربي[153] و القانون العراقي[154] في حين أن الفصل 14 م أ ش حدد الموانع المؤقتة بتعلق حق الغير بعدة أو بزواج دون غيرها.
وقد رأى البعض سكوت المشرع عن مسألة زواج المسلمة بغير المسلم من المسائل بالاجتماعيّة و التي لا دخل فيها للقانون فهي إذا و حسب رأيهم تهم العائلة فهي المعنية
بعلاقاتها و روابط أبناءها[155] وقد أبدى هذا الرأي كاتب الدولة للعدل أمام نواب مجلس الأمّة إثر مداولات المصادقة على اتفاقيّة نيويورك في جلسة يوم الأربعاء 8 نوفمبر 1967 كما تم التعرّض إلى مسألة زواج المسلمة بغير المسلم وآعتباره مسألة عائلية تهم الروابط العائلية ولا دخل للقانون فيها من قبل وزير العدل عند دراسة ميزانية التصرف لسنة 1971 في جلسة يوم الثلاثاء 22 ديسمبر 1970.
وهو ما يجعلنا نتساءل عن القيمة القانونية للمنشور الوزاري الصادر بتاريخ 17 مارس 1962 فإذا كان هذا المنشور يمنع المأمور العمومي المكلف بإبرام عقد الزواج بأن يمتنع عن إبرام عقد زواج يجمع مسلمة بغير مسلم ومن ناحية أخرى تم إعتبار هذه المسألة تهم العائلة ولا دخل للقانون فيها يجعل من المنشور في موضع الشك أي أنّه لا ينطوي على قيمة قانونية في حين أنه وعلى المستوى العملي سوف لا يكون له مجال شاسع للتطبيق.
و لكن يجب أن نذكر هنا بأن المنشور الوزاري عادة ما يكون له هدف تفسيري وتوضيحي بمعنى أن يكون هناك إجراء قانوني أي وجود قاعدة قانونيّة فيصدر المنشور لغاية توضيح أحكام هذا الفصل. غير أن موانع الزّواج سواء كانت على وجه التأّقيت أو بالتّأبيد قد تم تنظيمها بصفة واضحة ودقيقة في إطار مجلة الأحوال الشخصية.
ولعل مصطلح الموانع الشرعية الوارد بالفصل 5 م أ ش هو الذي كان محور جدل فهل تعني الموانع القانونية التي وقع تنظيمها في الفصول في المجلة أم أنها تعني الموانع التي تم إعتمادها من قبل التشريع الإسلامي علما وأنه كان يعتمد إختلاف الدّين كمانع لإتمام الزواج بين المسلمة وغير المسلم والذي كان يعمل به في البلاد التونسية قبل نفاد مجلة الأحوال الشخصيّة، حيث كانت لائحة الأحكام الشرعية التي وضعت سنة 1948 واتّخذها المشرع سنة 1956 كمشروع لمجلة الأحوال الشخصية، حيث نصت المادة 148 منها: لا تتزّوج المسلمة إلا مسلما (المذهب المالكي) و لا يصح تزّوج المسلمة بكافر و لو كتابيا (المذهب الحنفي).
و لكنّ مجلة الأحوال الشخصية لم تتعرض إلى هذه الأحكام مما تسرّب إلى الأذهان أن كلمته الموانع الشرعية” تفرض الرجوع إلى الفقه الإسلامي والدين كما أشرنا يمنع زواج المسلمة بغير المسلم.
و من هنا سوف يكون لإجتهاد القضاء خاصّة دورا هاما في هذه المسألة.
و لقد طرحت مسألة إختلاف الدّين من ناحية الميراث و ذلك منذ قرار حوريّة[156] وتتلخّص وقائعه في زواج حوريّة سنة 1945 مواطنا فرنسيا و بعد وفاة أمها سنة 1964 أرادت الحصول على ميراثها لكن أشقّائها رفضوا ذلك على أساس أنها تجنّست بجنسيّة زوجها الفرنسي مما يجعلها مرتّدة على الدّين الإسلامي الذي يعتبر موجبا للحرمان من الميراث في التشريع الإسلامي. وزواج حوريّة بغير مسلم زواجا باطلا بطلانا مطلقا كما أنّها تعتبر مرتدة والردة وإختلاف الدين هما من موانع الإرث و هو موقف النيابة العمومية لدى محكمة التعقيب و ذلك رغم أن الفصل 88 م أ ش تعرض فقط إلى القتل العمد لكن تأويل الفصل على أساس أن “من” التبعيضية تقتضي وجود موانع أخرى مصدر الفقه الإسلامي من ذلك الإختلاف في الدّين بين الوارث والموّرث[157] و كذلك في نفس الإطار أي أن اختلاف الدين كمانع من موانع الإرث نجد القرار التطبيقي المعروف بقرار “هانز”[158]
و يقول الأستاذ محمود داود يعقوب في هذا الصدد:”لكن ما يلفت النظر والإنتباه مرّة أخرى أن محكمة التعقيب وسعت نطاق رقابتها لتتجاوز سلامة وحسن تطبيق القانون (بمفهومه الوضعي/الشكلي) لتشمل سلامة تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية”[159].
و لعل أردنا التطرق إلى الفصل 88 م أ ش حتى نقف عند الموقف القاضي ببطلان الزواج بين المسلمة و غير المسلم و كذلك كيفية التعامل مع الفصل 88 م.أ.ش حيث تم الرجوع إلى الفقه الإسلامي لتطبيق الموانع الأخرى غير المذكورة بهذا الفصل فهل يجب إتّخاذ نفس التمشي مع الفصل 5 م أ ش حتى نقرّ أن إختلاف الدين بين المسلمة وغير المسلم يعتبر مانعا للزّواج وبالتالي يجعلها غير مؤهّلة للدخول في الرابطة الزوجية لاختلال عنصر من عناصر أهليّة الزّواج ؟
و في هذا الإطار نجد موقفين مختلفين أحدهما يقر بمنع زواج مسلمة بغير المسلم (التيار المحافظ) و الآخر لا يعتد باختلاف الدين في زواج المسلمة (التيار المتحرر).
و قد إعتمد الشقّ الأوّل مصطلح الموانع الشرعيّة و آعتبره أنه يحيل على القواعد و الأحكام التي وردت في القانون الإسلامي والذي يعتمد معيار الدين في الزواج و لا يعد زواجا مختلطا عند إختلاف الجنسية وإنما عند اختلاف الدّين، فقد إتّفق الفقهاء على تحريم زواج المسلمة بالكافر وأجازوا زواج المسلم بالكتابية أي اليهودية والمسيحية واعتبروه مكروها و منعوا زواج المسلمة بغير المسلم.[160]
وقد رأى أصحاب هذا الرأي أن القوانين الصادرة عن المشرع التونسي هي مستوحاة من أحكام القانون الإسلامي [161]و بالتالي فإنّ أي غموض أو سكوت في النصوص القانونية يحتّم الرجوع إلى الموانع التي أقرها الفقه الإسلامي مما يجعل أن الفصل 5 من م أ ش يستدعي الرجوع إلى الموانع التي أقرها الفقه الإسلامي للإطّلاع على محتوى الموانع الشرعية التي يقرها الفصل 5 م أ ش المقدمين على الزواج.
و يدعمون رأيهم من خلال قرار حورية الذي تم فيه الرجوع إلى الفقه الإسلامي و حكمه ببطلان هذا الزواج. و قد ورد بإحدى حيثيّات هذا القرار ما يلي:
“حيث لا جدال أن تزوّج المسلمة بغير المسلم هي من المعاصي العظمى كما لا جدال أنّ الشريعة الإسلامية تعتبر الزواج باطلا من أساسه”. و لعلّ هذا الغلط المتسرب للأذهان في إعتبار أن الفقه الإسلامي هو المصدر المادي م أ ش إعتماد على توطئة الدستور:” إنّ الشعب مصمم على تعلّقه بتعاليم الإسلام.”[162] و كذلك إعتماد على البلاغ الصادر عن وزارة عدل بتاريخ 3 أوت 1956[163] و كذلك إنطلاقا من الندوة التي عقدها كاتب الدولة يوم 28 فيفري 1964[164].
فكلّ هذه العوامل أدّت إلى إعتبار أنه من الضروري تأويل الفصل 5 من م أ ش بالرجوع إلى مصادر الفقه الإسلامي بالتالي منع زواج المسلمة بغير المسلم.
لكنّ أصحاب الرأي المخالف (التيار المتحرر) فإنهم لا يعطون أية قيمة قانونية للمنشور الوزاري الذي يمنع إبرام عقود زواج المسلمة بغير المسلم كذلك يعتبرون أن الدين الإسلامي هو عقيدة جل وأغلب التونسيين لكن في المقابل هناك تونسيون لهم عقيدة أخرى غير الإسلام والدستور نفسه ضمن هذه الحرية [165] كما أنّهم يعتمدون على عدم وجود أي نص قانوني يوجب الرجوع إلى الأحكام الإسلامية عند عدم وجود الحل أو غموضه في مجلة الأحوال الشخصية أو غيرها على عكس ذلك نجد داخل المجلة عديد النصوص المتصادمة مع أحكام الفقه الإسلامي نذكر منها منع تعدد الزوجات بالفصل 18 كذلك تحديد السن الدنيا للزواج الفصل 5 كذلك قانون 4 مارس 1958 المتعلق بالتبني وكذلك الفصل 143 مكرر[166].
كذلك فإنّ المشرّع و بالرّجوع إلى النصّوص التي خصّصها لموانع الزواج نلاحظ أنه قد أضاف موانع جديدة تتعارض مع ما كان متفقا عليه ومباحا في القانون الإسلامي مثل إعتبار أن الطلاق ثلاثا مانعا مؤبد ا في حين أن الفقه الإسلامي يعتبره مانعا مؤقتا [167] فيستشّف إذا مما سبق ذكره أن الفصل 5 م أ ش وبالتحديد مصطلح الموانع الشرعيّة لا يحيل على الفقه الإسلامي وبالتالي فإنّه لا يعتد بمانع إختلاف الدّين في زواج المسلمة بغير المسلم. فلو أراد ذلك لما ذكره في إطار الفصول التي نظّمت الموانع المؤبّدة والموانع المؤقتة كذلك لو كانت إرادة المشرع متجهة نحو إعتماد مصادر الفقه الإسلامي لأنه كان بإمكانه الإشارة إلى الموانع الشرعية دون أن يتعرّض إلى جملة هذه الموانع بالتفصيل في إطار الفصول الموالية وبالتالي سيكون هناك سكوت واضح يستدعي الرّجوع إلى الفقه الإسلامي لإستنباط موانع الزواج المؤقتة و المؤبدة.
لكن اليوم لا يغيب عنّا إستئثار الدولة بالسلطة التشريعية بما يجعلها المصدر الشكلي و الأساسي للقانون و هذا القول ينسحب على كل مجالات القانون بما في ذلك قانون العائلة وهو ما يعدم الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلاميّة.
فالنظّام القانوني التونسي تميّز عن غيره من الأنظمة العربيّة حيث منذ فجر الإستقلال قام بتوحيد القضاء والتشريع ثم أصدر مجلة الأحوال الشخصية التي أصبحت نافذة من قانون 27 سبتمبر1957 على كل التونسيين دون الإشارة أو التلميح إلى الإنتماء الديني.
هكذا يتجلّى التجانس والتناغم بين أحكام مجلة الأحوال الشخصية ومجلة الالتزامات والعقود الذي نص فصله الرابع على أن الإختلاف في الدّين لا أثر له على صحة الإلتزامات وآثارها وكذلك الفصل 535 م إ ع الذي لا يجعل من الشريعة الإسلاميّة ولا حتّى مبادئها مصدرا شكليّا مثل بعض الأقطار العربيّة كالجزائر و مصر[168]. وفي هذا الإتّجاه يرى الأستاذ محمد الحبيب الشريف” أن التسليم و أن النظام العام العائلي في تونس يخضع لمبدأ التعلّق بتعاليم الإسلام يبقى مجرّد طرح”[169]، حيث يرى جانب آخر من أهل القانون أن هذا الانتماء الديني شكلي ولا تأثير له على الخيارات التي تبناها المشرع فهي في جوهرها لائيكية[170].
فكل ما تمّ ذكره يجعل من إختلاف الدّين لا يمكن إعتباره مانع من موانع الزواج بما أن العنصر الدّيني لا يطغى على خيارات المشرّع و لا يمكن إعتبار الشريعة الإسلاميّة أو مبادئها مصدر شكليا للقانون التونسي.
إضافة إلى ذلك فإن المشرّع صلب مجلة الأحوال الشخصية سعى إلى تكريس مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة فهذه الأخيرة و في زمن الإستعمار وقبله كانت تعاني عديد التّجاوزات حيث حرمت من الملكية و حقوقها كإنسانة مثل حرمانها من إختيار قرينها و جبرها على الزّواج و إزاء هذه الوضعيّة المزرية أذنت الإرادة السياسية و على رأسها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بإصدار م أ ش في 13-08-1956- فكان أول قانون تعلمه تونس المستقلّة وذلك قبل إعلان الجمهورية وحتى قبل صدور الدستور و من أهم أهدافه بناء مجتمع حداثي متفتّح يقوم على المساواة بين الرجل والمرأة. حيث تم تقنين الزّواج و أصبح إبرامه يقوم على رضا الطرفين كما أصبح الطلاق حكميّا أي بحكم القضاء و يمكن المطالبة به من الطرفين[171] كما أنّ فقه القضاء كان له دور في تكريس هذه المساواة وتعميم حرية الزواج الذي يعتبر حقا يمارسه كلّ شخص بحريّة في إطار ما وضعته مجلّة الأحوال الشخصيّة ورغم أن القضاء قد سار نحو التضييق من حرية الزواج وذلك من خلال قرار حوريّة الشهير إلا أن محاكم الأصل تراجعت في هذا الموقف منذ سنة 1996 [172] عندما إعتبرت المحكمة الابتدائيّة بتونس أنّه لا وجود لتزوّج المسلمة بغير المسلم ضمن موانع الزواج ” أو أنه بالرجوع إلى الاتفاقية الدولية الموقع عليها بنيويورك قي 10 ديسمبر 1962 والمصادق عليها من الدولة التونسية يتبين أنه لكل مواطن ذكرا أو أنثى حرية إختبار قرينه.
كما أقرّ أيضا القرار الصادر بتاريخ 6 جانفي 2004 مبدأ الحرية الدينيّة وكذلك مبدأ المساواة للجنسين. حيث إعتبر أنّ إختلاف الدين كمانع للزواج بتضارب مع أحكام الفصل الخامس من الدستور والذي يضمن حرّية المعتقد و بالتالي فإنّ الأخذ بمعيار الدين سوف يدخل الشك والخوف على كل شخص بما أنه سوف يكون له تأثير على حقّه الشخصي كالزواج مثلا.
كما رأت المحكمة أيضا في نفس هذا القرار و أن الأخذ بمانع الدين سوف يمثل خرقا واضحا للفصل السادس من الدستور والذي يقر بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فإذا أجزنا للرجل الزواج من غير مسلمة و منعنا زواج المسلمة بغير المسلم فسيكون خرق لمبدأ المساواة بين الجنسين والذي يعتبر خيارا تشريعيّا تبنّاه المشرّع لإعطاء دور فاعل للمرأة في المجتمع من خلال تمكينها من كل حقوقها و ضمان حرياتها جنباً إلى جنبٍ مع الرجل.
وقد شاطرت محكمة التعقيب هذا القرار الصادر بمحكمة الاستئناف بتونس وأيّدت المواقف التي تبنتها[173].
وهذا الإتّجاه يعتبر متوافقا مع الاتجاه الفقهي الذي يعتبر “حرّية الإنتماء السياسي و الديني جزء من الحقوق الأساسية للإنسان، و لا يمكنها أن تكون موضوع تنازل إداري و لا إقصاء بحكم القانون. فكل شخص يحتفظ حتى بعد زواجه بحقه في إعتناق الديانة التي يريد والمذهب السياسي الذي يختار والتنظيم النقابي الذي يفضّل.”[174]
و يتناغم هذا الرأي مع المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل شخص حرية التفكير والدين” وأخيرا يمكننا أن نخلص إلى القول بأن م أ ش تهدف إلى تكريس مبدأ المساواة في الحقوق و الواجبات بين الرجل و المرأة وهذا المبدأ هو مكرّس بالدستور كما سبق وأشرنا إليه وهو معطى عالمي إذ أن اتفاقية نيويورك 10 ديسمبر 1962 قد سعت إلى تحقيق حرية اختيار القرين و كذلك حرية المعتقد مما يجعل أن إختلاف الدّين سوف لن يشكّل مانعا للزّواج بالنسبة للمرأة التونسيّة مادامت خيارات المشرّع تدعم عدم التمييز الجنسي في الحقوق و ممارستها خاصّة وأن المرأة أضحت تحظى بإهتمام تشريعي على كل المستويات من خلال القوانين الداخلية و كذلك الاتفاقيات و المعاهدات الدولية ذات الاهتمام و خاصة الإتفاقية المتعلقة بالقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة المؤرخة بنيويورك في 18 ديسمبر 1979.
لكنّ هذا لن يطمس حقيقة العامل الديني في تكوين المواطن التونسي فالحضارة الإسلامية مرّت ببلادنا منذ قرون ولكن تأثيرها في سلوكنا لا يمكن إخفاءه لكن الجفاء المتواصل جرّاء المتطلبات اليومية للحياة والمعتقد الديني جعل مبادئ الشريعة الإسلاميّة والدّين الإسلامي بصفة خاصة أصبح أمرا شخصيا يهم الفرد و لا يهم الدولة و بالتحديد خيارتها السياسيّة والتشريعيّة رغم الإهتمام التشريعي بعديد الجوانب الدينية و أوّلها وزارة الشؤون الدينيّة، بناء المساجد الاحتفال بالمناسبات الدينية… لذلك أرى أنه كان بالإمكان التخلي عن الفقرة الأولى للفصل 5 م أ ش و المتعلقة بوجوب الخلوّ من الموانع الشرعية ما دام قد تم تحديد الموانع المؤقتة والمؤبدة في فصول لاحقة داخل المجلة و ربما كانت الفرصة سانحة أمام المشرع عند تنقيحه الأخير لهذا الفصل في 14 ماي 2007.
و مهما يكن فإنّ إختلاف الدين سوف يمثل عائقا نسبيا أمام إتمام بعض الزيجات إما لأن أحد الطرفين يرفض الزواج من غير المتدين بدين الإسلام أو لأن زواجه سوف يطرح إشكالا أمام القضاء و هو ما يعطل ممارسة حريته الشخصية في تكوين أسرة. لذلك يبقى دور إختلاف الدّين في إطار أهلية الزواج بمثابة القيد النسبي لحرية الزواج بما أن الإشكال قد تم حسمه تقريبا خاصة من قبل فقه القضاء الذي إعتبر أن زواج المسلمة بغير المسلم لا يتصادم مع النظام القانوني التونسي.
و لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن إختلاف الدين هو مانع مؤقت و ذلك حسب ما وقع تصنيفه في إطار التشريعات العربية التي تأخذ به في إطار أهلية الزواج بما أن سببه قابل للزوال بإعتناق الديانة الإسلامية من قبل الرجل غير المسلم الذي يريد الزواج من إمرأة مسلمة كما أنّه في الفقه الإسلامي[175] كان يعتبر أنّ إختلاف الدين مانعا مؤقتا و ليس مؤبدا ويتفق هنا مع تعلق حق الغير بعدة أو بزواج فما هو تأثيرهما على حرية الزواج؟
المبحث الثاني:تعلق حق الغير بعدّة أو بزواج:
إنّ إعتبار الأسرة النواة الأساسية للمجتمع يجعل من الحفاظ عليها وحسن ترتيب العلاقات بين أفرادها أمرا مهما وأكيدا ممّا يستوجب تدخل المشرّع بقواعد موجبة للاحترام والعمل بها حتى يتحقّق الهدف المنشود من ورائها وخاصّة تحقيق الإستقرار الأسرى والحفاظ عليها من الإنحلال والتصدّع وكذلك المحافظة على عدم إختلاط الأنساب تفاديا للإشكاليات أمام القضاء والتأثير سلبا على التوازن النفسي للأبناء لذلك نظم المشرع منع التزوج بزوجة الغير (الفقرة الأولى) وكذالك الزواج من المعتدة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: منع التزوّج بزوجة الغير
نص الفصل 20 مجلة الأحوال الشخصيّة على أنه “يحجّر التزوج بزوجة الغير “إذ أنه لا يجوز للشخص أن يتزوج بإمرأة مازالت بعصمة رجل آخر ضرورة أنّه ليس من المنطقي الزواج من إمرأة وهى لازالت على ذمّة رجل أخر، فهذا الأمر لا يتماشى وروح مؤسّسة العائلة القائمة على رباط مقدس يربط بين إمرأة واحدة ورجل واحد فلا هي ملك لغيره ولا هو ملك لغيرها . كما أنّ في ذلك منع الإنسان من الاعتداء على غيره وحفظ الأنساب من الاختلاط والضياع ولقد ورد بالقرآن الكريم في تبيان المحرّمات من النساء “وَالمُحْصِنَاتُ منَ الِنساءِ إلاَ مَا ملَكَتْ أيْمانُكُمْ”[176] فالفصل 20 م.أ.ش يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية التي حرمت على المسلم أن يتزوج بامرأة هي زوجة لغيره. وبإعتبار أن تعلق حق الغير بزواج هو مانع مؤقت بما أنه بانقطاع العلاقة الزوجية وزوال أثرها فإن هذا المانع أو التحريم يزول لأن حق الغير أي الزوج الأول قد زال والمانع يزول بزوال سببه.
على أن بعض الفقهاء يروا وأنه إذا كان سبب إنقطاع العلاقة الزوجية بسبب خداع كأن يخدع رجل إمرأة على زوجها حتى يطلقها أو خدع رجل ليطلق زوجته فطلقّها بناءا على خداعه فإنّ هذه المرأة تحرم على هذا الرجل حرمة مؤبدة [177] وكذلك من قتل رجلا عمدا ليتزوج إمرأته فإنّ هذه المرأة تحرم عليه حرمة مؤبدة [178] ويحيل هذا الرأي على القاعدة التي تقر بأنه من إستعجل الأمر عوقب بحرمانه منه .وهو ما يذكرنا أيضا بالفصل 88 مجلة الأحوال الشخصية والذي يقر بأن القتل العمد من موانع الإرث .فالشخص الذي يسعى لإنحلال الرابطة الزوجية بين شخصين بطرق ملتوية حتى يعجّل حصوله على الزواج من هذه المرأة و يجعله مخالفا للقانون ولأوامر الله عزّ وجلّ الذي يحرم قتل النفس إلا بالحق. ولكن كيف يمكن لمانع الزواج من زوجة الغير أن يجعل من أهلية الزواج قيد لحرية الارتباط والدخول في رابطة زوجية ؟
أوّلا لا بد من الإشارة وأن الأصل هو الإباحة في الزواج بما أنه من الحقوق الشخصيّة والطبيعيّة لكل فرد وممارسته تحتكم إلى إرادة الطرفين وحريتهما الشخصية لكن هذه الحريّة ليست مطلقة فهي تمارس في حدود قانونية وأخلاقية تتناغم مع متطلبات النظام العام العائلي . خاصة في الحالة التي يتعدّد فيها الأزواج أي أن تكون للمرأة أكثر من زوج وربّما هذه الظاهرة ميزت العرب قبل الإسلام . فهذا المانع إذا أخذناه من الناحية القانونية الصرفة فهو يمثّل حاجزا أمام حرّية الزّواج بما أنّه إذا كانت هذه الزّوجة وهذا الرجل يرتضيان الإرتباط من بعضهما فإنه من المنطقي لا يمكن التصدّي إلى هذه الحرية وطمس إرادتهما لكن إذا تأملنا في هذه الوضعية وخاصة أثارها على إختلاط الأنساب وتشتت العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة يجعل من هذا المانع مانعا تنظيميّا وترتيبيّا أكثر من أخذه من جانب منع حرية الزواج بما أنه لا يحمل في مضمونه معنى التعسّف في المنع دون موجب.
ونستحضر من الفصل 18 م.أ.ش. الذي تعرض إلى منع تعدد الزوجات ودعّمه بعقاب جزائي. لكنه في المقابل لم يشر إلى زجر تعدّد الأزواج .
ولكن كلمة فقه القضاء حسمت هذا السكوت بأن أحكام الفصل 18 م.أ.ش يجب تطبيقه على حدّ السّواء على كلّ من المرأة والرجل اللّذان يتعمّدان الإقتران بأكثر من قرين واحد سواء كان ذلك طبق الصيغ الرّسمية أو على خلافها أي الزواج دون إحترام الشكليات القانونيّة و قد سايرت بعض المحاكم حرّية إقتران المرأة بأكثر من رجل ولم تحكم بإدانة هذه الزيجات رغم وجود زواج سابق وقائم الذات لكن محكمة التعقيب رفضت ونقضت هذه الأحكام[179] واعتبرت أن تكرار الإتّصال الجنسي بين الزوجة ورجل آخر في مسكن الزوجّية وبمعيّة زوجها الشرعي يشّكل جريمة التزّوج بثان على غير الصيغ الشرعيّة وهى الجريمة المنصوص عليها والمعاقب عليها بالفقرة الأولى من الفصل 18 مجلة الأحوال الشخصية[180] حيث أن المشرّع إتّجهت نيته نحو منع تعدّد الزوجات والأزواج على حد السواء وبصفة مطلقة وتِبعا لذلك يكون الزواج بثان زواجا باطلا من الناحية المدنيّة وموجبا للعقاب من الناحية الجزائيّة[181].
ولعلّ كأفضل مثال لتدعيم منع الزواج في حالة تعلّق حق الغير بزواج هو أن المشرّع يعاقب جزائيّا من يقترف جريمة الزنا وهى أن يمارس أحد الزوجين الجنس مع الغير في حين أنه لا يزال مرتبطا برابطة زوجيّة وقد خول الفصل 263 م ج للزوج المتضرّر من تتّبع قرينه جزائيّا من أجل تهمة الزنا والتي تفترض الإثبات بواسطة الشهادة وكذلك القيام بها من طرف القرين فقط.
وبما أن الحكم بالطلاق في الطور الإبتدائى أو الإستئنافى يجعل الحكم غير باتٍ أي أنه لم يستوفي أوجه الطعن بصفة نهائية لذلك يمكن لأحد المطلقّين مبدئيا أن يمارس الجنس خارج إطار العلاقة الزوجية معتقدا أنه في حلٍّ من الواجبات الزوجّية المترتبة على الزواج الأول وهذا ما يجعله عرضة إلى العقاب من أجل جريمة الزنا إذا تمّ إثباتها طبعا.
وتتعدّد صور إنحلال الروابط الزوجية وأهمها بالطلاق أي عن طريق الحكم القضائي أما في صورة الإنحلال بوفاة أحد الزوجين فإن الطرف المترمّل وإن إرتبط بعلاقة جنسيّة مع طرف آخر فإنّه يكون في حلّ من حكم الإدانة لان الفصل 235 م.ج يقتضى رفع الدعوى من قبل الزوج المتضرر.
ويتحصحص ممّا ذكر آنفا أنه في عديد الحالات تكون التضحية بحرّية الفرد خدمة لمصلحة المجموعة فحرمان شخص أو منعه من الزّواج في وقت معين في حقيقة الأمر هو حد لحرّية الزواج لكن يكتسي أهميته بليغة على حقوق الزّوج الأول ليتمتع بنسب مولوده إذا كانت الزوجة حاملا وكذلك فيه إجتناب لقضايا أمام المحاكم لطلب العقاب من أجل الزواج على خلاف الصيّغ القانونيّة وكذلك الإحصان من جرائم الزّنا. لذلك نقّر بأن تعلق حقّ الغير بزواج بصفة خاصّة في إطار الأهليّة راوحت بين الحدّ من حرّية الزواج والعمل على تنظيم النواة الأساسيّة للمجتمع وربما نفس الآثار عن تعلّق حقّ الغير بعدّة.
الفقرة الثانية : منع التزوّج بمعتدّة الغير
يحرّم على المسلم أن يتزّوج معتدّة غيره .والعدّة [182]هي الفترة الزمنيّة التي تحرم فيها المرأة من الزواج وهى تنشأ عن طلاق أو وفاة القرين وذلك لبقاء بعض آثار النكاح السّابق والغاية كذلك هي إجتناب إختلاط الأنساب فالحكمة إذن من تشريع العدّة هي براءة الرحم [183]فهذا إذا حكم الشريعة الإسلاميّة في منع التزوج بالمعتدة .أما القانون التونسي فقد نظم هذه المسألة في إطار الفصل 34 من مجلّة الأحوال الشخصية والذي ينصّ على أنه “يجب على كل إمرأة فارقها زوجها بعد الدخول أو مات عنها بعد الدخول أو قبله أن تتربص مدّة العدّة “.
فالعدة إذا هي المجال الزمني الذي يتمّ فيه التأكّد من براءة رحم الزوجة بعد فسخ الزواج أو موت الزوج أو الحكم النهائي والبات بالطلاق[184] ويتّجه العديد نحو إعتبار أن العدة هي آلية للتضييق من حرّية الزواج بما أنّها تقف كحدّ مؤقّت أمام إرادة الطرفين المقدمين على الزواج .
لكن لا يمكننا أن نخفى أنها ذات أبعاد ومصالح متعدّدة من أهمّها على الإطلاق حفظ العلاقة التي تربط الزوجة بزوجها لأن هذه الفترة مترتبة عن طلاق يمكن فيها للطرفين أن يتراجعا فيما إتّخذاه بخصوص إنهاء الرابطة الزوجية بينهما وذلك إمّا لإعادة ترميم العلاقة الزوجية بينهما ومواصلة الحياة المشتركة أو كذلك الإستفادة من أخطاء ونتائج الزّيجة الأولى والدخول في رابطة زوجّية ثانية بأكثر وعى ومسؤوليّة حتى لا تتكرر الأخطاء على نفس الوتيرة مما يجعل حظوظ النجاح من جديد ضئيلة لعدم الإعتبار من التجربة السابقة .
كما أنّه وخاصّة في حالة إنتهاء الرابطة الزوجّية بوفاة فإنّ مدّة العدّة تعتبر بمثابة التعبير عن إحترام العلاقة الزوجّية المنتهية وبالتالي إحترام لعائلة القرين المتوفّى حتّى تظلّ الروابط الأسريّة بين الزوجة المترمّلة وعائلة زوجها المتوفى محافظة على إستقرارها وديمومتها خاصة إذا كانت الرابطة الزوجية قد أثمرت أبناءا .وكذلك فإن هذه الفترة تكون فيها الأرملة غير مستعدة نفسانيا للزّواج .
وتختلف مدّة العدّة حسب حالات إنحلال الرّابطة الزّوجية بالطّلاق أو الوفاة أوبالفقدان يلعب الدخول والحمل دورا هاما في هذا المستوى لذلك فإن الفصل 34 م أ ش يوجب العدّة على المرأة التّي فارقها زوجها بطلاق بعد الدخول ونستنتج من القراءة العكسّية لهذا الفصل أنّه لا تجب العدّة إذا لم يتمّ الدّخول بين الزّوجين .وهو ما إتفق عليه الفقهاء المسلمون الذين يروا أنّه إذا كانت الفرقة قبل الدخول فلا عدّة عليها إستنادا لقوله تعالى “يَا أَيُهَا الذِينَ آمنُوا إذَا نَكَحْتُم المُؤِْمنَاتِ ثُمَّ طَلقتُمًُوهُنْ مِن قَبْل أَنْ تُمَسُوهُنَّ فَما لَكُم عَليْهُنَّ مِن عُدَةٍ تَعتدُونَهَا”.
أمّا المرأة غير الحامل التي فارقها زوجها بطلاق بعد البناء فقد أقرّ المشرّع بالفصل 35م.أ.ش مدّة العدّة وحدّدها بثلاثة أشهر أمّا المرأة المعتدة لوفاة[185] والتّي تكون غير حامل وذلك قبل البناء أو بعده فإنّما تعتد مدة 4 أشهر و10 أيام وذلك بناءا على الفصلين 35-36 م أ ش ويبتدئ تاريخ إحتساب مدّة العدّة من تاريخ الوفاة أو صدور الحكم بالفقدان ²ولقد وردت هذه المدة بالقرآن الكريم في قوله تعالى “والذِينَ يَتوَفُونَ مِنْكُم أَزْوَاجًا يَتَربَصْنَ بِأنْفُسَهُنَ أَرْبعَة أَشْهٍُر وَعَشَرا”[186].
ويطرح إشكال بخصوص الوضعيّة التي فيها الرّابطة الزّوجية بصدد الإنحلال عن طريق حكم قضائي بالطلاق لكن و في الأثناء يتوفّى الزوج فهل أن المرأة تعتد لوفاة؟
لقد حسم فقه القضاء هذه المسألة و أعتبر أنه مادمت قضيّة الطلاق منشورة و حصلت وفاة الزّوج فإن الزوجة تعتّد لوفاة و تتمتّع بحقوقها في الميراث و تزول بالتالي دعوى الطّلاق[187].
كما أنّه يمكن أن يتمّ الحكم بفساد الزّواج و قد حدّد الفصل 21 م أش حالاته لكن المشرّع لم يحدّد مدّة العدّة لذلك يتّجه الرأي الراجح على إعمال القياس على مدّة العدّة بالنّسبة للمطلّقة[188]و يبقى تاريخ بداية إحتساب مدّة العدّة هو تاريخ صدور الحكم بالابطال[189]. أمّا الصّورة التي لا تطرح إشكالا وهي المرأة الحامل فإن بداية العدّة هي تاريخ الوضع وهي لا تتجاوز سنة من تاريخ صدور الحكم بالطلاق أو تاريخ الوفاة بناءا على أحكام الفصل 35م أش. وهو ما يتفّق مع مصدر الفقه الإسلامي من آيات الله تعالى : ” وَ أَوْلاَتِ الأَحْمَالِ أجْلَهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ”…
لكن ما هو الحكم القانوني في صورة إذا حصلت إمكانية الزواج بنفس القرين بعد حصول الطلاق و عدم مرور المدة القانونية للعدة؟
إنّ منع الزواج من المعتدّة يتعلّق بالغير أي الشخص الذي لم يكن طرفا في الرّابطة الزّوجية السابقة لأنه إذا كان عكس ذلك فإن الحلّ القانوني سوف يكون متضاربا مع أهدافه بما أن مبدأ الحفاظ على الإستقرار الأسري والرّوابط العائليّة يبقى هدفا منشودا بشتى الوسائل كما أن المشرع يلزم قاضي الأسرة بإجراء جلسات صلحيّه في قضايا الطلاق خاصة إذا كانت هناك أبناء عسى أن يتراجع الطرفان عن طلب الطلاق. كما أنّه تبقى حرّية الإقتران مضمونة قانونا. لذلك يمكننا الإجابة بان التحجير الوارد بالفصل 20م أش لا يتعلّق بإرادة الزواج بمعتدة الغير لطلاق أو لوفاة أو لفقدان فأمّا الرجل المطلق و الذي يرتضي تجديد هذه العلاقة الزّوجية المنقضيّة فإنّه لا ينتظر مدة إنهاء العدة خاصة إذا لم تكن هذه الطلقة الثالثة بينهما بما أن الفصل 19[190] م.أ.ش يعتبر الطلاق ثلاثا مانعا مؤبدا وهو يخالف الفقه الذي يعتبر مانعا على وجه التقيت لا التأييد.
لكن ما هو مآل الزواج الذي ينعقد مع المرأة المعتدّة؟
ينصّ الفصل 21م أش على أن الزّواج الفاسد هو الزّواج الذي إنعقد دون مراعاة أحكام الفصل 20 من هذه المجلّة.
فالزّواج إذا من المرأة المعتدّة هو زواج باطل بحكم القانون و البطلان هنا يمكن إثارته من قبل الأطراف و من قبل من له مصلحة في القيام و خاصة من قبل النيابة العموميّة بما أنّ قضايا الأسرة تهم النظام العام وهو رأي مستقّر عليه من قبل فقه القضاء. وقد تضمّن الفصل 21م أش العقاب المدني وهو البطلان كما أنّه مشفوع بعقاب جزائي يقدر ب6 أشهر سجنا علما وأنّه لا يمكن الإستفادة من ظروف التخفيف الواردة بالفصل 53م إ ج.
وحسب الفقهاء المسلمون فإنّ الدخول بالمرأة المعتدّة أثناء عدّتها تحرم عليه تحريما مؤبدا وذلك حسب المالكية والجعفرية في حين يرى الحنفية والشافعية والحنابلة رأيا مخالفا حيث يجوز حسب رأيهم للرجل الذي تزّوج بإمرأة في عدّتها ودخل بها ثم فارقها وآنقضت عدّتها أن يتزّوجها ولكن بعد إنقضاء مدة العدة.
لكن إذا عدنا إلى التشريع الوطني فالأمر لا يطرح أيّة إشكال بما أن الفصل 14م أش حدّد حالات التحريم المؤبد و لا نجد لصورة الزّواج من المرأة المعتدّة أثرا في حالات التحريم المؤبد لذا لا يمكن إظافة حالات أخرى للتحريم المؤبّد لأنه تضييق على ممارسة الحق الطبيعي في الزواج كما أن الفصل 350 م.إ.ع ورد به أنه “إذا خصّ القانون صورة معيّنة بقي إطلاقه في جميع الصّور الأخرى”. فالزواج من المرأة المعتدّة هو زواج فاسد ولا يمكن إعتباره من حالات التحريم المؤبد لأنه يمكن بعد إنقضاء فترة العدة إنعقاد الزّواج دون أية إشكال وطبعا إذا ما توفرت فيها بقيّة عناصر أهليّة الزواج.
و تجدر الإشارة هنا أن منع الزّواج من المعتدّة هو منع يخص المرأة فقط بما أن الرجل الذي توفيت زوجته أو فارقها بطلاق أو فقدان فإنّه يمكنه مباشرة إبرام الزواج ولا بتوقف على انتظار فوات مدة العدة[191].
فَفرضُ مانع الزّواج على المعتدّة وعدم الأخذ به بالنسبة للرجل جعل بعض الآراء تمتطيه كمنفذ لعدم المساواة بين الرجل والمرأة وكذلك هو انتقاد لأهلية الزواج من خلال هذا العنصر وإعتبارها مقيّدة لحّرية دخول الرابطة الزّوجية فهذا أمر واقعي ولا يمكن إخفاءه لكن أرى وأنه حتى وإن بدا بمثابة الحد من حرية الزواج فهو يعتبر أمرا لازما لأنه لو كانت الإباحة مطلقة في هذه المسألة أي أنه لم يعتدّ بفترة العدّة فإنّه سيترتب عن الزواج المبرم قبل فوات هذه المدة عدة نتائج سلبيّة أهمّها إمكانية الإصابة ببعض الأمراض وكذلك إختلاط الأنساب وتأثيره على الأبناء وما تطرحه هذه المسائل من قضايا أمام المحاكم.
فمانع الزّواج من المعتدّة لا يجعل من أهليّة الزواج سوى قيد تنظيمي لحرية دخول الرّابطة الزوجية بما أنّه يهدف إلى حماية الأسرة خاصة وأنّه لا يرتّب منع خطبة المرأة المعتّدة لكن دون إتمام إجراءات الزواج إلا بعد إنقضاء مدة العدة.
ويستدلّ جمهور الفقهاء[192] على جواز خطبة المعتدة بكتاب الله:” لاَ جُنَاحَ عَليْكُمْ فِيمَا عَرَضْتُم بِهِ مِنْ خُطْبَةِ الِنسَاءْ. “
كما أنّه في القانون التونسي لا يوجد أي نص يمنع خطبة المعتدة خاصّة و أنّ الخطبة[193] لا تعتبر زواجا ولا يقضى بها حسب مدلول الفصل الأول م أ ش.
فماهو تأثير العنصر الأخير (التباين في الجنس) في أهليّة الزّواج على ممارسة الحق في تكوين أسرة؟
الفصل الثاني: تأثير التباين في الجنس على حرّية الزّواج
إنّ الطبيعة الإلهيّة في خلقه تقوم على ثنائيّة الذّكر و الأنثى وسواء تعلّق الأمر بالإنسان أو بالحيوان وحتّى بالنبات ولا خلاف في كون الغاية هي التكاثر و التعمير والدوّام على هذه البسيطة إلى حين حلول الأجل غير المسّمى. لذلك فإنّه إذا تحدّثنا عن الرابطة الزّوجية نجد أنفسنا أمام جدلّية التباين في الجنس و آنعقاد الزواج ( المبحث الأول ) و لكنّه لا غرابة اليوم إذا وجدنا ” زواجا” بين شخصين من نفس الجنس و ذلك في المجتمعات الغربيّة و لا نستبعد كثيرا هذه الظّاهرة في مجتمعاتنا العربيّة ما دامت تأخذ الكثير من السلوكيّات الأوربيّة الغريبة نوعا ما عن تقاليدنا وأصالة مجتمعنا العربي الإسلامي الذي يرفض كل ما هو لا أخلاقي.
إذ نجد عديد الفئات إن لم نقل عديد المجتمعات ترى أن التباين في الجنس كشرط بيولوجي في الرّابطة الزّوجية أضحى حدّا من حرّية الزّواج لذلك سعت بكل الطرق لتتجاوز شرط التباين في الجنس (المبحث الثاني) و ذلك لتلبية رغباتها الجنسية الغريبة وممارسة حريات شخصية في مجتمعات لا تعرف حدودا لما هو غير مألوف على الأقل في مجتمعنا حاليّا.
المبحث الأول: التباين في الجنس و آنعقاد الزّواج
قد يتغاضى المشرّع في عديد الحالات على التّنصيص بوضوح وبدقّّة على بعض المفاهيم أو المؤسّسات القانونية عند سنّه لقانون معيّن ويكون ذلك إعتبارا منه لبداهة الأمر أو كذلك إعطاء دور للفقه وفقه القضاء خاصة لتعامله القريب مع الواقع الاجتماعي اليومي ونذكر من ذلك عدم الإدلاء بثنائيّة الزّوج والزّوجة لإنعقاد الزواج لذلك فانه لابد من تبرير التباين في الجنس (الفقرة الأولى) بما أنه إذا تحدثنا عن مقومات الزواج التي تقوم على التآلف الروحي والجسدي فلا بدّ إذا من التعريج على واجب الإتصال الجنسي (الفقرة الثانية) بين الزوجين.
الفقرة الأولى: تبرير التباين في الجنس
رغم أن مجلّة الأحوال الشخصيّة لم تبح الزواج بين آدميين من نفس الجنس و لا وجود لأيّ نصّ يبيح هذا النّوع من الزّواج فإنّ القانون التونسي على خلاف التشريعات العربية الإسلامية الأخرى التي وضعت نصوصا قانونيّة تؤكّد على إختلاف الجنس بين الزّوجين[194]. وعلى سبيل المثال المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية السّورى والذي يعرّف الزّواج على أنّه عقد بين رجل وإمرأة تحلّ له شرعا.” كما ينص الفصل الأوّل من المدونة المغربية للأسرة على أن الزّواج هو ميثاق ترابط وتماسك شرعي بين رجل وإمرأة على وجه البقاء. كما يعرّف أيضا قانون الأحوال الشخصية العراقي الزّواج على أنه عقد بين رجل وإمرأة.
فما يمكن إستخلاصه من جلّ التشريعات العربيّة هو أنّ الزّواج لا يكون مبدئيًا إلاّ بين رجل وإمرأة ما دامت هذه التشاريع قد ركّزت على ثنائيّة الرجل والمرأة ولم تشر و لو بمجرّد التلميح إلى إمكانية” الزواج” بين شخصين من نفس الجنس. لكن المشرّع التونسي أوّلا أنه قد تخلّى تماما عن إعطاء تعريف للزّواج وهو ما كان وراء الجدل القائم بخصوصيّة طبيعة الزّواج في القانون الوطني ومراوحته بين المؤسسة والعقد، وثانيا فان هذا الفراغ التشريعي أفرز ثغرة قانونية أخرى بخصوص التنصيص على ثنائية الرجل والمرأة أو وجوبيه الاختلاف في الجنس لقيام الزّواج. وهو يتفّق مع القانون الفرنسي الذي بدوره لم يهتم بمسألة اختلاف الجنس مباشرة. بما أن الفقه الفرنسي يعرّفه بأنّه نظام قانوني يقوم على توافق إرادتي رجل و امرأة على ارتباطهما به[195].
وقد رأى الفقه الفرنسي أن الزواج لا يقوم إلا بين رجل و إمرأة و أن شرط إختلاف الجنس هو شرط بديهي وتقتضيه طبيعة الزواج و يعود عدم التنصيص على هذا الشرط لكون اشتراطه صراحة هو ناقلة ومع ذلك فانه يمكن استخلاصه من المادة 75م م ف والتي تلزم ضابط الحالة المدنيّة بأن يتلقى رضاء كل من طرفي الزواج بأن يرتبط معا كزوج وزوجة والمادة 144م م ف والتي تحدّد سن الزّوج و الزّوجة.
فالقانون الفرنسي إذا يرى أن الزّواج لا يمكن الحديث عنه في غياب ثنائيّة الرجل و المرأة. أي أن شرط اختلاف الجنس أمر وجوبي لقيام الزواج.
وربّما نفس الوضعيّة التي تميز القانون الوطني في هذا الشأن بما أنّ غياب التّنصيص الصريح على إختلاف الجنس في إطار م أ ش يعتبره عديد الفقهاء ومنهم الأستاذ ساسي بن حليمة أن هذا الشرط بديهي بحيث لا يستدعي التنصيص والتأكيد ولعل المشرع لم يفكّر فيه البتّة معتبرا إيّاه من الأشياء المسلم بها. و هذا الموقف لم يثبت الحيرة في نفس رجل القانون بما أنه يعلم أن إبرام عقد الزواج يستوجب بطبيعته شرط الإختلاف في الجنس خاصّة وأنه إذا ما تفحصنا مجلة الأحوال الشخصية لوقفنا على إشارات ضمنية تدل على بداهة وحتميّة توفر هذا المعطى لقيام رابطة زوجّية فالمشرّع قد تحدّث عن ثنائية الزوج والزوجة، الرجل والمرأة تباعا في عديد الفصول من المجلة نذكر منها6-9-13-23-24 و كذلك الفصل 5م أس قبل تنقيحه الأخير سنة2007 بما أنه بعد هذا التنقيح التي تضمن التسوية في سن الزواج بين الزوجين لم يعد الفصل يحمل مصطلحي الرجال والنساء و إنما أصبح ينص ” زيادة على ذلك وكل من لم يبلغ منهما ثمانية عشر سنة كاملة لا يمكنه أن يبرم عقد زواج” فهذا الفصل إذا أصبح لا يشير إلى ثنائية الرجل والمرأة وهو من أهم الفصول والتي تتحدث عن الخلّو من الموانع وكذلك السن القانونيّة لإبرام الزواج فهو من أبرز الفصول في المجلة التي إحتوت أهم مكوّنات أهلية الزواج.
لكن إذا كان موضوع بحثنا هو أهلية الزواج و كما سبق أن أشرنا في عديد ردهات هذا البحث على أن هذه الأهلية هي مجموعة شروط تهمّ طرفي الرابطة الزوجية وهي بالتالي سوف تكون في جانب هام منها بمثابة القيود لذلك فانه من الواجب أن نتساءل من الناحية القانونية البحتة و لو بصورة نظرّية[196] عن مدى جديّة إعتبار إختلاف الجنس بمثابة الشرط المادي للزواج؟
علما و أن كل شرط يقّره القانون لغاية التمتع بحق أو بحريّة في أي مجال يعتبر بمثابة التقييد و التضييق لذلك فانه لابد من التنصيص عليه تشريعيّا وإذا لزم الأمر تدعيمه بقاعدة زجريّة تستوجب إلزاميّة إحترامه و نقول هذا الرأي بما أن الأصل في الأمور الإباحة والعكس هو إستثناء يجب تحديده والتنصيص عليه حتى لا يقع التوسع فيه وخاصة إذا ما تعلق الأمر بحقوق طبيعيّة تفرضها الطبيعة البشرية مثلما هو الحال في الزواج.
غير أن العرف السّائد في المجتمع العربي الإسلامي و الإنساني بصفة عامة يكرّس هذا الإختلاف في الجنس كشرط بديهي و ضروري لإمكان الحديث عن زواج[197].
و ربّما يبرز الإختلاف في الجنس كشرط لقيام الزواج هو أن هذه المسألة لم تطرح بصفة صريحة أمام القضاء التونسي و لكن هذا لا يحجب عنّا بعض القضايا التي طرحت وفي جوهرها تقترب كثيرا من مسألة الاختلاف في الجنس ضرورة أنها تتّعلق بحالات مرتبطة بعدم إكتمال الأجهزة التناسلية لأحد الزوجين أو إصابة أحدهما و خاصة الرّجل بالعجز الجنسي وقد ورد في إحدى قرارات محكمة التعقيب[198] أنه من المسلّم به فقها وواقعا وتشريعا أن من أبرز مقوّمات الزواج والوجبات المتبادلة بين الزوجين تحقيق الاتصال بينهما دون موانع إختيارية ولا خلقية تحول دونه باعتباره الغاية المقصودة من الزواج المرتّبة للنتائج المؤملة منه وفي طليعته الإحصان والتعفف والإنجاب وهي مقومات أساسية يقوم عليها الزواج.
الفقرة الثانية: واجب الإتّصال الجنسي
يحتاج الفرد إلى عديد الضروريّات البيولوجيّة وربما يصبح الأمر ملحّا عند بلوغ سنا معيّنة ومن أهمّها نذكر الغريزة الجنسيّة التي يتحتم إشباعها حتى لا يكون الفرد عرضه لاضطرابات نفسيّة تؤثّر سلبا على صحته وحياته بصفة عامة و لابد هنا من وضع الإطار الأمثل لتلبيتها حتى لا تكون لها نتائج سلبية يصعب تجاوزها و ترميم آثارها الوخيمة من ذلك الفوضى من ممارسة الجنس و ما يترتّب عليه من أمراض وإختلاط الأنساب وإنتهاك الأخلاق والقيم الإنسانية. لذلك عد الزواج كأنجع غطاء شرعي يمكن الرجل والمرأة من تحقيق عدة مقاصد يصبو إليها كل إنسان طبيعي على غرار إطفاء الشهوة الجنسية التي تساهم بدرجة كبيرة في توازن الحياة النفسيّة للفرد. وخاصّة إنجاب الأبناء حيث ورد بكلامه المقدس:” المَالُ وَ البَنُونُ زِينَةُ الحَياَة الدُنيَا”[199].
وهو ما يؤكد أن الزواج يقوم على أهمية الإتصال الجنسي الذي يعتبر حقا وواجبا لكل من الزوجين و قد ذهبت محكمة التعقيب في إحدى قرارتها إلى أنه “حيث لا خلاف و أن قانون الأحوال الشخصية قانونا إستثنائيا بتعلقه بالنظام العام و بإعتباره قانونا يرمي من خلاله المشرع المحافظة على المجتمع و على الأجيال القادمة من خلال محافظته على الكيان الأسري[200].
فالرضا بالزّواج الذي أقرّه الفصل 3م أش يمكن إعتباره القدرة الجنسيّة من أهم مبرّرات هذا الرضا فإذا كان المشرّع يمنع تعدّد الزوجات من خلال الفصل 18م أش و إذا كانت الزوجة المحمولة على عدم الاتصال جنسيّا بغير زوجها وكذلك إعتبار ممارسة الجنس خارج إطار الرابطة الزوجية من قبل أحد الزوجين يعتبره المشرع جريمة فانه من غير المعقول أن يجمع الزواج طرفين غير قادرين على أداء الواجب الجنسي بينهما. كما أن واجب الإخلاص المحمول على الزوجين والذي يؤكّده المشرّع من خلال تسليط عقاب جزائي على مخالفته من خلال الفصل236م.ا.ج لذلك يعتبر إشباع الغريزة الجنسية بالنسبة للجنسيين حق يجب حصره في إطار الرابطة الزّوجية[201].
فواجب الإتصال الجنسي بين الزوجين أقرّه المشرّع صلب الفصل 23م أش الذي يعتبر أن كلّ من الزوجين مطالب بالقيام بواجباته الزّوجية وفق ما يقتضيه العرف والعادة. وكما أشرنا سابقا إلى غياب تعريف الزواج من قبل المشرّع فإن فقه القضاء قد أعطاه تعريفا مرتبطا بأهميّة العلاقة الجنسية و يتضح ذلك من خلال المشاكل المتعلقة بالإخلال بواجب الاتصال الجنسي والذي يعتبر جوهر الزّواج وهدفا من أهدافه يترتّب عن الإخلال به تصدع الرابطة الزوجية[202] و لعل فقه القضاء يعجّ بعديد القضايا في هذا الشأن[203].
و يعتبر الدّخول نقطة انطلاق الاتّصال الجنسي بين الطرفين فهو إن لم يكن شرط صحة عقد الزواج فهو شرط لازما طبيعيا للزواج وأنّه من أبرز مقومات الزواج و الواجبات المتبادلة بين الزوجين.”[204] فالإتصال الجنسي يعتبر واجب على الزّوجين وبالتالي فان الإخلال به يلحق الضرر بالطرف الآخر لذلك إعتبرت محكمة التعقيب أن بقاء الزوجة على عذريتها أكثر من سنة من تاريخ الدخول بها يعتبر ضررا للزوجة. فرفض البناء يمثّل إخلالا بأهم الواجبات الزوجية وينتج عنه ضرر للطرف المقابل بما يجعله سببا قويا لطلب الطلاق للضرر. أي أنّه مادامت الرّابطة الزّوجية قائمة فإنّه لا شيء يحول دون تواصل الاتصال الجنسي بين الطرفين مما يجعل التوقف عن هذا الاتصال مبررا بإتفاق الطرفين أو نشوز الزوجة أو إعراضها عن تحقيق الرغبة الجنسية لزوجها في إطار الزواج. كما يمكن أن يكون سبب الإخلال بواجب الإتصال الجنسي ناتجا عن العجز بالقيام بهذا الواجب و يكون ذلك راجعا إلى أمراض بدنية أو نفسية فالأمراض الخلقية الفزيولوجية التي تظهر بالبدن يمكن أن تمنع صاحبها من الإتصال الجنسي و تعيق هذه العملية. وتوجد عدة أمراض أخرى تمنع حصول الاتصال الجنسي لأنها ذات خطورة لإنتقالها عبر العملية الجنسية مثل مرض “السيدا”[205].
كما يذهب العديد إلى إعتبار أن الغلط في القدرة الجنسيّة للقرين يعتبر غلطا في صفة من صفاته مما يبرر القيام على أساس الفصل 46م إ ع لإبطال الزواج إذا لم يكن القرين على علم به عند التعبير عن الرضا بالارتباط به إلا أنه إجرائيا و عادة ما يقع القيام بدعوى الطلاق للضرر.
فهذا الواجب المتعلّق بالإتّصال الجنسي كرسّه الفقهاء المسلمون[206] وإشترطوه صراحة من خلال وجوب سلامة الزوجين من العيوب الجنسية وهي الجب والعنة والخصاء والاعتراض عند الرجل بينما تختص المرأة بالقرن و العفل و الرتق وبخر الفرج[207] ويمكننا القول أن المشرّع لم يحد عن هذه الواجبات بما أن الفصل 23م أش قد أتى على الواجبات الزّوجية وحتى إن لم يقع التنصيص عليها صراحة.
فإنه لا خلاف في إعتبار أن الإتصال الجنسي من بين الواجبات المفروضة على الزوجين ويحقق بالتالي أوفر الحظوظ لإستمرارية الزواج. لذلك يمثل العجز الجنسي بالنسبة للرجل إحدى المشاكل الحادة التي تضر بالرابطة الزوجية و تمثل حاجزا أمام إستمراريتها نظرا لما يحدثه الفراغ الجنسي من آثار سلبية في حياة الزوجين بإعتبار أن هذه الأخيرة تتطلب إنسجاما روحيا و جسديا لضمان تواصلها وغياب أحد هذين العنصرين يحدث إختلالا بيّنا في توازن علاقة الزوجين وينهى حياتهما في أقرب وقت ممكن.
لذلك يؤدي فشل العلاقة الجنسية بين الزوجين في غالب الأحيان إلى البحث عن أنجع السبل لوضع حد لهذه الرابطة الزوجية وربما يعتبر الطلاق أبرزها وأقربها إلى كل متضرّرا. وبما أن الفصل 31م أش يتضمن حالات للطلاق فإنه إذا إعتبرنا صورة الطلاق بالتراضي و بين الزوجين فإنها لا تثير أية إشكال بما أن الزوج الذي يعاني العجز الجنسي والذي يتحقق من عدم إمكانية شفاءه و يرى في مواصلة هذه الرابطة الزوجية فيه إضرار بزوجته فيتفقا على الطلاق بالتراضي بما أن الحياة الزوجية أصبحت مفرغة من محتواها.
أما الصّورة الأخرى فتتعلّق بالطلاق إنشاءا وهي لا تثير أيّة إشكال أيضا بما أن طلب الطلاق من طرف المرأة هو الأقرب للمنطق لأنه عادة ما يريد الرجل الحفاظ على زوجته خاصة إذا ما تمّ إنجاب مولود ثم تمت إصابة الأب بالعجز الجنسي.
و أخيرا فإنّ صورة الطّلاق للضّرر تطرح مسألة إثبات الضّرر المتمّثّل في العجز الجنسي لدى الرجل و لابدّ هنا من التذكير بالفصل 23م أش و الذي يشير إلى عدم إحداث الضرر بين الزوجين لذلك فإنه يجب الوقوف على الوضعية التي يكون فيها الرجل على بينة من أمره أنه عاجزا جنسيا[208] قبل الدخول في الرابطة الزوجية وتكون الزوجة قد إشترطت من خلال آلية الفصل 11م أش سلامة الزوج من الناحية الجنسية حتى يمكنّها من طلب الطلاق للضرر دون حاجة إلى إثبات ذلك.
أمّا إذا حصل العجز الجنسي بعد الزّواج فانّه لابد من إثبات السلوك المخطئ للقرين العاجز جنسيا كأن يكون رافضا العلاج بما أن الحديث في الجانب الجنسي يعد مصدر حياء خاصة إذا تعلّق الأمر بالرجل متسببا في هذا العجز جراء بعض الممارسات كإدمانه على الكحول أو بعض المخدرات التي من شأنها أن تشكّل خطرا على القدرة الجنسيّة[209].
لكن ورغم أنّنا نشاطر الرأي القائل بأنّ العّجز الجنسي يعدّ جوهر الزّواج و لا يعقل أن تكون رابطة زّوجية خالية من معاشرة الزوج لزوجته فإننا لا نجاري حتميّة طلب الطلاق للضرر خاصّة إذا حصل العجز الجّنسي نتيجة عائق نفسي حاصل بعد الزواج فالأمر هنا يكون خارجا عن نطاقه كذلك إذا ما حصل العجز الجّنسي نتيجة الإدمان مثلا على شرب الخمر والكحول بصفة عامة فإن حصول عجزه الجّنسي لا يمكن أن يتحمّله الزوج من خلال الطلاق للضرر لأنه فيه نوع من المغالاة في هذه الصورة خاصّة إذا ما كانت حالته الصحيّة مستقرّة و عاديّة قبل الزّواج وبعده. ولابد من الإشارة إلى غياب فقه القضاء وانعدام القضايا التّي تم فيها طلب إبطال الزواج بسبب العجز الجنسي للزوج. فالمترّشح للزّواج يعتبر محمولا على التأكّد من توفّر قدرته الجنسيّة نظرا لأهميّة هذا العنصر في إطار الحياة الزوجيّة لذلك فإنّه إذا إتّجهت نيّة القرين إلى طلب إبطال الزواج فإنّه لابدّ أن يكون العجز الجنسي حاصلا قبل الدخول في الرّابطة الزّوجية وهو أمر يبقى نادرا جدا لأنّه قلما أن يتعمّد أحد الزّواج وهو غير قادر على أداء واجبه الجنسي فهذا ما يفسّر الإلتجاء إلا طلب الطلاق عوض طلب البطلان ويعتبره البعض الطريقة المثلى لوضع حد لزواج أحد طرفيه لم يلتزم بتنفيذ إحدى واجباته داخل الرّابطة الزّوجية[210].
ونستخلص أخيرا أن إنعقاد الزواج يستوجب إختلاف الجنس بين الزوجين وربما يعتبر هذا الشرط محل إجماع تشريعي يبرهن بدوره أهميّة الاتصّال الجنسي في إطار الزواج وهو ما يجعل أهليّة الزواج بمثابة القيد النسبي لدخول الرّابطة الزّوجية بما أنّه يمكن في إطار ممارسة الحرّية الشخصيّة في الزواج أن يسعى البعض إلى إبرام الزّواج وهم في حالة عجز جنسي وفي هذه الحالة فقط يمكن القول بأنّ أهليّة الزّواج التي تضمّ عنصر إختلاف الجنس أو التباين في الجنس في الزوجين يمكنها أن تحدّ وتقيّد من دخول الرّابطة الزّوجية فهل يمكن تجاوز الإختلاف في الجنس لانعقاد الزّواج؟
المبحث الثاني: تجاوز شرط التباين في الجنس:
إنّ تفشّي عديد الظواهر الغريبة في المجتمعات المعاصرة نجد لها جذورا قديمة في المجتمعات البدائية ولكن يبدو أن مجتمعنا العربي الإسلامي خال منها إلا أنه عكس ما يتوقّعه البعض حيث لم تسلم كل المجتمعات من حالات الشذوذ الجنسي مثلا و كذلك الرغبة الملّحة للعديد في الإنتماء إلى الجنس المخالف لجنسه. ولكن فسّر العديد هذه الظواهر بحرية التصرّف في البدن أو كذلك حرّية الانتماء إلى الجنس الملائم وخاصّة الحريّة الجنسيّة فإن الأمر يبقى متحفظا عليه إن لم نقل غير مقبول من عديد النواحي القانونيّة والأخلاقيّة لذلك سوف نعرج على ظاهرة تغيير الجنس (الفقرة الأولى) خاصة من ناحية الإمكانية والآثار لنمر تباعا بإمكانية “الزواج” من نفس الجنس (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ظاهرة تغيير الجنس
إنّ الخروج عن المألوف قد يكون نتيجة عوامل طبيعيّة أو نتيجة لإرادة شخصيّة نابعة من ميولات تبقى غريبة عن النظم القانونيّة والحضاريّة بصفة عامّة ونذكر من أهمّها ظاهرة تغيير الجنس حيث يسعى الرجل إلى تغيير جنسه فيصبح حاملا لمظاهر المرأة وكذلك الشأن بالنسبة للمرأة وهذه الحالات الشاذة عرفها المجتمع البشري منذ القديم (اليونان، الفراعنة، القرطاجيون، الرومان، و الحضارة العربيّة الإسلاميّة). حيث يتولّد لدى بعض الأشخاص رغية ملحّة في إنتماءهم إلى الجنس المعاكس وهو ما يفسّر شعور المرأة بأنّها رجل محبوس في جسم إمرأة و شعور رجل بأنه إمرأة محبوسة في جسم رجل. الأمر الذي يولد لديهم كرها شديدا لجنسهم الظاهر ويزعزع في نفوسهم شعور بالظلم يعتقدون أن الطبيعة سلّطته عليهم وهو ما يدفعهم إلى بحث السبل كإجراء العمليات الجراحيّة لتحقيق مبتغاهم[211].
وبطبيعة الحال فإنه إذا حصل تغيير في الجنس سوف يتبعه بعض الإشكاليات إذ أنه إذا تمت عمليّة التغيير بصفة طبيعيّة و لم تتدخل إرادة الشخص في ذلك و ما يمكن أن تطرحه هذه الصورة من تغيير الحالة المدنيّة أما صورة تغيير الجنس عن طريق عمليّة جراحيّة فإنه لا بد من الإقتداء بإجراءات قانونيّة معيّنة لأن الأمر ليس بالسهولة كما يتصورها البعض. ولكن المتأمل في القانون التونسي لا يجد أي إجراء قانوني بخصوص جواز أو عدم جواز تغيير شخص لجنسه من ذكر إلى أنثى بواسطة إجراء عملية جراحية.
لذلك يتجّه البحث عن النظام القانوني لمسألة تغيير الجنس من خلال فقه القضاء وكذلك المرور إلى القانون المقارن أما فيما يخّص فقه القضاء التونسي فإن المسألة طرحت بخصوص تغيير الحالة المدنيّة وذلك بعد أن تمّت عملية تغيير الجنس لذلك إتجهت المحكمة للبت في الإشكال المتعلّق لمدى مشروعيّة إجراء عمليّة تغيير الجنس وكذلك إجراءات تغيير الحالة المدنيّة[212].
و لقد رأت محكمة الاستئناف بتونس في هذا القرار أن مسألة تغيير الجنس لم تحظى بتنظيم تشريعي مما يستدعي سد هذا الفراغ بالإتّجاه إلى المصدر المادي لمجلة الأحوال الشخصية وهو الفقه الإسلامي وحيث ورد بإحدى الحيثيات:” و تحَتّم الرجوع للفقه الإسلامي بإعتباره المصدر الأساسي لقانون الأحوال الشخصيّة.”
فالقاضي في قضيّة الحال لم يَجدْ نصا قانونيا ينظم مسألة تغيير الجنس فأستعان بالفقه الإسلامي للحسم في هذا الإشكال ورغم الجدل القائم حول إعتماد الفقه الإسلامي كمصدر مادي لمجلة الأحوال الشخصية ورغم التنافر والتقارب في عديد المستويات[213]. إلا أنّ محكمة الإستئناف بتونس وفي قرارها المؤرّخ في 22 ديسمبر 1993 إعتبرت أنّه و إستنادا على الدين والفقه الإسلامي لا يجوز صراحة إجراء عمليّة جراحية لغاية تغيير الجنس و إعتبرته من المحرّمات معتمدة على عديد الآيات القرآنية منها قوله تعالى:” اللهُ يعلَمُ مَا تَحْملُ كلُّ أُنثَى ومَا تَغيضُ الأرْحامُ ومَا تَزدَادُ وَكُلُّ شيءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار.”[214] و كذلك قوله تعالى:” ولأَمُرَنَّهُمْ فلْيغيِّرُنَّ خَلْقَ الله وَمَنْ يَتَّخِذَ الشَّيْطَانَ وَلِيَّا مِنْ دُونَ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا”.[215]
وكذلك من السنّة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.” واللعنة تعني الحرمان والإخراج من رحمة الله. إلا أنها و في نفس هذا القرار أقرّت إمكانية تجاوز هذا المنع إعتمادا على إجماع الفقهاء بخصوص القاعدة الأصولية القائلة بأن “الضرورات تبيح المحظورات”.
وبما أن الحلّ الطبّي في تطوّر مطرد إذ يمكنّه إجراء عملية جراحية لتغيير الجنس تولد موقفان أحدهما يشاطر مشروعية العملية الجراحية و الموقف الآخر ينزع مشروعية هذه العملية الجراحية و يعتبرون لها مساس بالنظام العام و يقترحون عقابا قانونيّا على كل من تجرى عليه عملية تغيير جنس و كذلك الطبيب الذي يوافق على القيام بهذه العملية و ذلك إعتمادا على النصوص الجزائية التي تمنع الخصي و الضرب و الجرح.
أما الإتجاه المؤيد فيرى أن إجراء عملية جراحية لتغيير الجنس لها هدف علاجي بما أن العلاج الهرموني والنفساني لا يمكن اعتماده إلا في فترة ما قبل البلوغ الطبيعي للمعني بالأمر. لذلك يصبح الحل الوحيد لتلافي بتر الأعضاء التناسلية و كذلك عمليّات الانتحار وكل المشاكل النفسيّة هو إجراء العمليّة الجراحية و يعتبرون أن هذا التغيير لا يعتبر اصطناعيّا ولا إراديّا بإعتبار أن الشعور الذي يمتلك هؤلاء الأشخاص أقوى من كل إرادة معاكسة و بتالي يجب تأطير هذه العملية من الناحية القانونية، بما أنها ذات أبعاد علاجيّة وتساهم بشكل أو بآخر في ضمان الحريّات الشخصيّة و بصفة أدق ضمان الحّرية الجنسيّة.
وتولّد بطبيعة الحال عن هذا الإنقسام طيار تشريعي يسمح بإجراء هذه العملية وتنظيم شروطها عبر إجراءات قانونيّة منظّمة. و يعتبر المشرّع السويدي أوّل من أباح هذه العمليّة ونظمّها قانونيا وذلك في 21 أفريل 1972 و الذي يجيز إجراء عملياّت تغيير الجنس عند إدراك الشخص سنّ البلوغ وتوفّر الشعور و الرّغبة في الجنس الآخر. و قد تبنّت عديد التشريعات الغربيّة هذا الموقف ونظمّت المسألة تشريعيا من ذلك القانون الألماني لسنة 1980 والقانون الايطالي لسنة 1982 والقانون الهولندي المؤرّخ في 24 أفريل 1985.
أمّا التيّار التشريعي الآخر فإنّه لم يتبنى أي المواقف سواء المانعة أو المبيحة لهذه العمليّة الجراحيّة وتركت الأمر لدى القضاء خشية إنتشار هذه الظّاهرة. لذلك يبيح القاضي هذه العمليّة اذا كانت الغاية علاجيّة ولم تكن خارقة للقانون[216].
فإذا تبيّن لهم خلاف ذلك فأنّهم يمنعون هذه العمليّات لمخالفتها للقانون ولغياب الغاية العلاجية[217] وبخصوص القانون الفرنسي فإنه لم يتبنى الموقف المؤيد وحافظ على رفضه إجراء العمليّات الجراحيّة المتعلّقة بتغيير الجنس. غير أنّ جانب من الفقه الفرنسي و إعتمادا على نظريّة الضرورة ذهب إلى إقرار مشروعيّة تغيير الجنس مبررا موقفه على كل عمليّة جراحيّة تكون وراءها ضرورة علاجيّة فإن إنعدمت الضرورة تجردّت العمليّة الجراحيّة من مشروعيتها.
وكما أشرنا إلى غياب الحل التشريعي في القانون التونسي إلا أن فقه القضاء قد اعترضنه بعض الحالات المتعلقة بهذه المسألة و كان أولها سنة 1990 أمام المحكمة الابتدائية ببن عروس[218] وقد تعلّق الأمر بالمطالبة بتغيير رسم الحالة المدنيّة للفتاة التي تبيّن من خلال الفحص الطبي أنها لم تكن بنتا بل هي من جنس الذكور. وإعتبرت المحكمة أن القانون التونسي وفقه القضاء لم يحدد معيارا يمكن اعتماده لتحديد الجنس و بتالي إعتمدت الفقه الإسلامي وإعتبرته المصدر الأساسي في القانون الأحوال الشخصيّة مدعّمة ذلك بالقانون المقارن و بالتالي فالإذن بتغيير رسم الحالة المدنية وتغيير الاسم. أما الفرصة الثانية وهي تتعلق بالقرار المذكور آنفا بتاريخ 22 ديسمبر 1993 والذي يتضمّن قيام شخص بعمليّة جراحيّة لتغيير جنسه إلى إمرأة بعد أن كان يحمل صفات الذكورة وتم تقييده بإسم”سامي” ولمّ تغيرت بعض أعضاءه إستكمل الأمر بإجراء عملية جراحية ودعم ذلك بشهادة طبية تفيد أن الأمر طبيعي وإستوجب لعمليّة جراحيّة.
فقضت محكمة البداية بأن تغيير الجنس الذي كان بفعل فاعل وبصورة إصطناعيّة خلافا لمقتضيات القانون الجزائي والديانات السماويّة. وقد قضت محكمة الإستئناف بتونس بمنع تغيير الجنس و ذلك إستنادا على الفقه الإسلامي. أما مسألة تغيير الحالة المدنيّة فإنها تبدو مسألة لابد منها بإعتبار أن العمليّة الجراحية قد تمت وأن المؤيدات دعمت إجراءها على الأقل من الناحية الصحية وحتى ان تم إثبات مشروعيتها فان تغيير الحالة المدنية أصبح أمرا مستقلا ولابد من اتخاذ إجراء بشأنه ولعلّ الحالة المدنية أمر يفرض نفسه.
و أخيرا لابدّ أن نقّر بأنّ عمليّة تغيير الجنس لها تأثير على الحالة المدنيّة للفرد وكذلك وضعيته القانونيّة. وإذا كان الأمر لا يطرح إشكالا إذا تم تغيير الجنس قبل الدخول في الرّابطة الزوجيّة بما أنه سيكون للشخص إمكانيّة تحديد جنسه و ضبط حالته المدنية وبالتالي تكون الفرصة لإبرام عقد زواجه علما وأن الفقه الإسلامي يمنع زواج الخنثى وهو الشخص الذي لم يتبيّن أمره فلا هو رجل ولا أنثى[219] أما الإشكال فانه يطرح في صورة تغيير الجنس بعد الزّواج أي بعد أن تمّ الدخول في الرابطة الزوجية أي أن تصبح الرابطة الزوجية تجمع بين امرأتين مثلا، وهو ما يعكر صفو الرابطة الزوجية و يؤثّر على توازنها و يعجل بانهاءها.
وبصفة عامّة وحسب رأينا نشاطر الرأي القائل بالسمّاح بإجراء عمليّة تغيير الجنس الذي يكون على أساس ظهور علامات طبيعيّة تدفع بالفرد إلى تغيير جنسه وبتالي فان العملية الجراحية سوف تكون بمثابة الغاية العلاجية بما أن هذا التغيير الطبيعي لا دخل للإرادة الفرديّة وخاصّة إذا كانت العملية الجراحية ستؤدي إلى نتائج إيجابيّة على المستوى الصحّي والنفسي للفرد في حين أننّا نرفض رفضا تامّا مسألة الإرادة الحرّة في تغيير الجنس أي الوضعية التي يسعى فيها بعض الأفراد للظّهور في شكل ومظهر الجنس المخالف لجنسهم وذلك دون أعراض جسمانيّة أو نفسيّة فهذه الظّاهرة سوف تكون لها آثارا سلبية على توازن المجتمع وتؤدي إلى إنتهاك الأخلاق وبالتالي المساس بالنظام العام خاصّة إذا تأكّدنا من تعلّق مسائل الأسرة بالنظام العام.
و نستخلص ممّا ذكر أن مسألة تغيير الجنس و إن كانت لها دوافع صحيّة و طبيعيّة فإن إجراء هذه العمليّة سوف يكون له تأثير إيجابي على حريّة الزواج خاصّة إذا تمّ قبل إبرام عقد زواج أمّا إذا كان هذا التغيير ناتجا عن إرادة حرّة فإنه سوف يكون تمرّدا على حريّة الزواج. ولكن لنذهب أبعد من ذلك هل يمكننا إعتبار الرابطة الزوجية التّي تنشأ بين شخصين من نفس الجنس تأكيدا على أنّ أهلية الزواج دعم لحرية الزواج أم أنّ رفض هذه الرّابطة يجعل أهليّة الزواج قيدا لممارسة الحريات الشخصية والحقوق الطبيعيّة.
الفقرة الثانية: ظاهرة الزّواج من نفس الجنس
وللإحاطة بظاهرة الزّواج من نفس الجنس سوف نحاول الوقوف عند مكانتها في القانون التونسي(أ) والقانون المقارن (ب).
أ- القانون التونسي
لا يختلف إثنان في كون فلسفة الزّواج تحتّم وجود رجل و إمرأة لإمكانية إنشاء رابطة زّوجية و في غياب هذه الثنائية لا يعقل الحديث عن تكوين عقد زواج. فهذا الشرط البيولوجي يستمدّ وجوده أساسا من طبيعة الحياة البشريّة التي تضمن تواصلها وإستمراريّتها عبر التناسل الحاصل بين الذكور والإناث.
والحياد عن هذه القاعدة يؤدّي حتما إلى طمس الطبيعة البشريّة التي تقتضي أن يكون التجاذب الطبيعي حاصلا بين الرجل والمرأة إذ أنّ تواصل النوع البشري لا يتحقق إلا بإحترام هذه القاعدة البديهيّة فكل تصرف مخالف لهذا القانون الطبيعي يعتبر شاذا و يتحتم حده، وهذا ما يفسّر الموقف الرافض للديانات السماويّة إزاء كل سلوك بشري شاذ يبحث عن إيجاد شرعيّة للعلاقات الجنسيّة بين أشخاص من نفس الجنس و أكبر تجسيم لهذا الرّفض نجده عبر قصّة “لوط” عليه السلام الواردة بالقرآن الكريم و التي تتحدث عن قوم يأتُونَ الذّكور و يعْرضُون عن الإناث وأمام تعنتهم وتشبثّهم بهذا التصرف اللا أخلاقي أنزل الله عليهم أقصى العذاب وأهلكهم جميعا وفي ذلك رفض وتحريم من الخالق عزّ و جلّ لهذه العلاقات التي تجمع شخصين من نفس الجنس وهو ما يحتّم ضرورة التباين في الجنس للحديث عن رابطة زوجّية الأمر الذي جعل الفقهاء المسلمون يمنعون زواج الخنثى.
فالتشريع الوطّني و إن لم يعط تعريفا للزواج وإن لم ينصّ صراحة على وجوبية شرط التباين في الجنس لانعقاد الزواج إلا أن هذا لا يعني أن الإمكانية متاحة لانعقاد الزواج بين شخصين من نفس الجنس في القانون التّونسي خاصّة وأن فقه القضاء لم يتعرض إلى هذه المسألة وبالعكس فانه منع تغيير الجنس وأبدى عدم مشروعيتّها وتحفّظ فيما يخصّ تغيير رسم الحالة المدنية. وما تجدر الإشارة في هذا الصدد أن المشرّع التونسي قد نظّم جرائم الاعتداء بالفواحش في إطار المجلة الجزائية و سلّط عن مرتكبيها عقوبات مالية وعقوبات سالبة للحريّة، حيث ورد بالجزء الثاني المتعلق بالاعتداء على الأشخاص وفي القسم الثالث تحت عنوان “الاعتداء بالفواحش حيث تضمّن الفصل 226 ثالثا عقوبة بالسجن وخطيّة ماليّة كما يمكن أن تصل إلى حد الإعدام إذا كان المعني به قاصرا[220].
كما تضمّنت أحكام الفصل 228م ج عقابا بالسجن أدناه 6 أعوام وأقصاه السجن المؤبّد عند الاعتداء بالفواحش تحت إستعمال السلاح أو التهديد به[221] ويضيف الفصل الموالي أن العقاب يتضاعف إذا كانن هناك علاقة قرابة أو سلطة بين المعتدِي والمعتدَى عليه.
و يعتبر الفصل 230م ج أنّ اللّواط و المساحقة إذا لم يكن داخلا في أي صورة من الصور المقرّرة بالفصول المتقّدمة يعاقب مرتكبة بالسجن مدة ثلاثة أعوام.
فهذا الفصل يتحدث عن الالتقاء بين شخصين من نفس الجنس بغاية ممارسة الجنس فإذا كان بين ذكرين عدّ لواطا و إذا كان بين أنثيين عدّ مساحقة وهو في كل الحالات يعد جنحة يعاقب عليها القانون الجزائي بعقوبة بدنيّة سالبة للحرّية.
فإذا كان المشرّع التونسي يمنع ويعاقب هذه العلاقات الجنسية في إطار علاقات خارج إطار الزّواج فإنه ليس من المنطقي أن يسعى إلى إباحة هذه العلاقات في إطار تعاقدي منظّم أي أنّه لم يسمح بإبرام عقود زواج تجمع بين شخصين من نفس الجنس لأنّه اذا كان الاتصال الجنسي جوهر العلاقة الزوجية كما إستقر عليه فقه القضاء فانّه سيكون قد إرتضى وأباح ممارسة الفواحش تحت غطاء قانوني وهو “الزواج” بين شخصين من نفس الجنس.
أمّا فقه القضاء و إن لم تطرح عليه هذه المسألة و هذا لا يعني أن هذه الممارسات غائبة عن مجتمعنا بل إنّها تبقى خارج إطار الزواج وإن وجدت في إطاره فإنّها تؤدي إلى إنحلال العلاقة الزوجية خاصة إذا أراد الزوج مفاحشة زوجته وهي الحالة التي تطرح أمام محاكمنا. في حين أنّها تبقى جرائم ترتكب و تبقى أغلبها متستّرا عليها لأنها تبقى مصدر حياء و خشية من المجتمع و من ردّة فعله لأن المجني عليه لا يمكنه المطالبة بالعقاب، كما أنه توجد بعض هذه العلاقات التي تمارس برضاء الطرفين سواء كان ذكرين أو أنثيين أو بين ذكر و أنثى و عادة ما تمارس تحت غطاء الحريّة الجنسّية[222] وما يبرر موقف فقه القضاء من هذه الممارسات هو اعتباره أن الشذوذ الجنسي عند الزوج يؤدي إلى طلب الطلاق للضرر[223] بما أنّ عديد القرارات التي تبيّن فيها أن الزّوج يعرض عن إتيان زوجته قُبلا بل يسعى الى مباشرتها دُبرا و هو ما يعتبر إخلال بفحوى الواجبات الزّوجية و خاصّة المعاشرة الزّوجية التي اقتضى الفصل 23 م أش القيام بها على أساس العادة والعرف.
و من هنا نستشّف أن القانون التونسي يمنع اللواط والمساحقة كما أنه يمكّن الزوجة من المطالبة بالطلاق للضّرر عند شذوذ زوجها إعتمادا على الفصل 23م أ ش وفي هذا المضمار نذكر بالحديث النبوي:” إِنَ اللهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ لاَ تَأتُوا النِسَاءَ مِنْ أَدْبَارِهنْ.” وقوله تعالى: نٍسَاءُكُمْ حَرَثٌ لَكُم فأْتُوا حَرْثَكُم أَنّى شِئْتُمْ.”[224]
وبالتالي فإن إمكانية الزواج من نفس الجنس في القانون التونسي أمر صعب التحقيق و إن وجدت إرادة بعض الأشخاص في تكوين مثل هذه الرّوابط فإنّها تعتبر مرفوضة أخلاقيا و كذلك حضاريا و بطبيعة الحال فإن المادة القانونيّة سوف يكون لها شأن إذا ما طفحت هذه المسألة في الواقع الاجتماعي التونسي.
فما هو موقف التشريع المقارن؟
ب- القانون المقارن
إنّ في هذا الإطار سوف نتعرّض إلى الإستثناءات التشريعيّة بما أنّه لا يزال يصلنا من الحضارة الغربيّة عديد الأشياء الغريبة عن مجتمعاتنا العربيّة على الأقل و إن لم تخلو منها إلا أنّها تبقى مغيبة عن الحكم القانوني والتأطير التشريعي حتى لا تصبح حقوقا جديرة بالمطالبة.
وفي هذا الصدد نشير إلى أن فقه القضاء الفرنسي كان يعتبر أن إنعدام الجهاز التناسلي أو إستحالة تحديده هما صورتان لا يختلفان عن صورة الإنتماء إلى نفس الجنس وهو ما يجعل هذه الحالات ليس بإمكانها إبرام عقود الزّواج والدخول في رابطة زّوجية وهو يتفّق إلى حد ما مع الفقه الإسلامي الذي يمنع زواج الخنثى. غير أنّ فقه القضاء و منذ سنة 1903 تراجع عن موقفه و إعتبر أن إنعدام الجهاز التناسلي أو ضعفه و إختلاله لا يمنع الدخول في رابطة زوجية مشترطا توفر علامات تدل على الإختلاف في الجنس مثل علامات الذكورة أو الأنوثة الجسدية المعهودة.
وربّما يكون ذلك تأثرا بالأفكار التي كانت تحرّم العلاقات الجنسيّة وقبلت بها في إطار الزّواج عن مضض[225].
وكنتيجة لذلك برزت عديد الحالات التي ترى عدم وجوبيّة التباين في الجنس لإنعقاد الزّواج ورأت أن مسألة العلاقات الجنسيّة تدخل في إطار ممارسة الشخص لحريّته الفرديّة و ليس لأيّ كان أن يفرض نمطا سلوكيا على غيره. كما ذهب مواقف الأشخاص ذوي الميولات الجنسيّة الشاذة إلى إعتبار أنّ العلاقة الجنسيّة الطبيعيّة يجب أن تحصل بين ذوي الجنس الواحد. ولا غرابة من ظهور عديد الجمعيّات في المجتمعات الأوروبيّة ضمّت أصحاب هذه المواقف و أصحاب هذه الميولات الشاذّة مطالبة حكومتها بتأطير وضعياتها القانونيّة و الترخيص لهم في ممارسة حريتهم الشخصيّة وخاصة تمكينهم من الزواج من نفس الجنس وقد ساندهم في مطلبهم عديد من رجال القانون الذين رأوا ضرورة تأطير المسألة من الناحية القانونيّة[226] وأول القوانين الوضعيّة التي إستجابت إلى هذا المطلب المتعلّق بربط علاقات زوجيّة تربط بين أشخاص من نفس الجنس هو القانون الدنمركي وذلك في 26 ماي 1989 وإذا كانت هذه المسألة الغريبة من نوعها والمخالفة لكل القوانين الوضعيّة وكذلك الديانات السماوية إلا أنها استجابت إلى وضعية الأشخاص الذين تميزت حالتهم بالشذوذ الجنسي وأطلقت العنان في ممارسة هذه الحريّة الشخصيّة وإن كانت محدّدة بعدة شروط إلا أنها تبقى جرأه غريبة وفريدة من نوعها.
وهو ما يجعل الإمكانيّة متاحة أمام عديد الأقليات الشاذة في عديد المجتمعات للتحرك داخل أقطارها للضغط على حكومتها لغاية تحقيق طلباتها. وهي ظاهرة سوف تستهوي عديد الأشخاص مما يضخم القاعدة الشعبيّة ويساهم في فساد الأخلاق والقيم. لأنه إذا كان الرجل لا يستهويه ممارسة الجنس مع المرأة وكذلك المرأة مع الرجل فان هذا الأمر لا يحتم السماح لهم بالزواج من نفس الجنس وتنظيمه قانونيا.
و بالتّالي التّشجيع عليه بما أنّ كل شيء محضور أو ممنوع أو غير مألوف سوف تتّجه إرادة النفوس لاكتشافه و تجريبه. وهو ما يرتب آثار سلبية على المستوى الصحي وكذلك على المستوى النفسي للأبناء إذا كان مثلا زواجا يربط رجلين يكون أحدهما له أبناء من زواج سابق مع امرأة وكذلك نفس الشيء بالنسبة للمرأة التي كانت متزوجة و أنجبت أبناء ثم تجد نفسها في رابطة زوجية مع امرأة من نفس جنسها. كذلك إذا كانت المجتمعات الأوروبية تعاني مجتمعاتها من التهرم السكاني فكيف يكون مصيرها بعد استفحال هذه الظاهرة في الأوساط الاجتماعية التي حظيت بتنظيم قانوني.
خاتمة الجزء الثاني
لئن إتجه الفقه الإسلامي إلى إعتبار أن الإختلاف في الدين هو مانع من موانع الزواج إلا أن القانون الوضعي قد إلتزم الصمت في هذه المسألة و لم يحدد موقفه بصورة جلية غير أن فقه القضاء قد شهد عديد القضايا في هذا الشأن وذهب أولا إلى رفض هذه الزيجات وإبطالها إعتمادا عن الفقه الإسلامي الذي يحرم هذه الزيجات وخاصة زواج المسلمة بغير المسلم إلا أنها تراجعت في موقفها وإعتبرت أن الفقه الإسلامي لا يعتبر مصدرا ماديا لمجلة الأحوال الشخصية و استقر فقه القضاء على هذا الحال وإن لم يحسم المشرع الأمر قانونيا رغم الجدل الذي آثاره مصطلح “الموانع الشرعية” الوارد بالفصل 5 من م.أ.ش إلا أن الواقع الإجتماعي أفرز عديد الزيجات المختلطة من كل الجنسيات و الملل خاصة بعد ظهور عديد الإتفاقيات الدولية على غرار إتفاقية نيويورك 1962 وكذلك إتفاقية 1979 المتعلقة بنزع التمييز ضد المرأة والتي دعت كلها إلى حرية ممارسة الحق الطبيعي في الزواج دون إعتبار مانع الدين.
كما نظم المشرع الموانع المؤبدة التي إستمدها من القرآن والسنة تقريبا وكذلك الموانع المؤقتة على غرار تعلق حق الغير بعدة أو تعلق حق الغير بزواج وهي في الحقيقة لا تمثل قيدا حقيقيا لحرية الزواج بما أن الغاية الأولى منها هي حماية إختلاط الأنساب وكذلك المحافظة على صحة طرفي الزواج و كذلك حفظ العلاقات الأسرية التي يمكن أن تقوضها مسألة إثبات النسب.
وأخيرا فإن الإختلاف في الجنس وإن بقي أمرا بديهيا في الزواج لأن الإجماع العالمي على أن الرابطة الزوجية تقوم بين الرجل والمرأة وأن الغاية من الزواج هي الإنجاب وبالتالي فإن واجب الإتصال الجنسي يكون جوهر العلاقة الزوجية مما يجعل الإرتباط من نفس الجنس مقوضا لكل هذه الغايات و خارجا عن المألوف الذي أقرته كل الديانات السماوية والتشاريع الوضعية، ورغم بروز هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية والمتعلّقة “بالزواج” من نفس الجّنس فإن هذه الظّاهرة تبقى غريبة عن المجتمع التونسي والعربي على الأقل من الناحية التنظيميّة والقانونيّة ولكن هذا لا يستبعد إمكانيّة طرحها مستقبلا حتى في المجتمع التونسي.
الخاتمــة العامــة
لقد إهتمّت السياسة التشريعيّة في مادّة الأحوال الشخصيّة بالمعطيات البيولوجيّة للشخص المقدم على الزّواج و ذلك من خلال الإعتناء بشرط سنّ الزّواج و كذلك رعاية الجانب الصحي وآعتباره من إهتمامات المشرّع منذ سنة 1964 وبالطبع فإنّه لا يمكن إنكار أنّ سن الشخص لها دور في إكتمال البنية الجسدية للفرد وكذلك إكتمال وعيه وقدرته على تحمل نتائج قراره بالزواج ولا خلاف في أنّ إكتساب صحة جيّدة للزوجين يجعلهما في إستقرار دائم ولعل هذه المعطيات تدعم الشرط النفسي بالرضا ولا يمكن الحديث عنه في غياب سن وصحّة جسديّة معيّنة يمكن من خلالها الفرد أن يعبّر عن إختياره ورضاه بالدخول في الرّابطة الزّوجية وحيث قيل في هذا الإطار أن الزواج” ليس فيه من الحريّة إلا الرضا به”.
ففي غيابه لا يمكننا الحديث عن الزواج كذلك إستوجب المشرّع فيه عدّة شروط على غرار الجدّية والسلامة من العيوب ورغم عدم التعرّض إلى الزواج الصّوري إلا أنّه عموما يمكن الإقرار بدور أهلية الزواج من خلال هذه المعطيات في تدعيم الحرية في ممارسة الحق الطبيعي في الزواج.
ولكن شهدت بعض الغموض في خصوص مسألة الإختلاف الديني وربّما يعود ذلك المعطى الحضاري والديني للمجتمع التونسي مما جعل المشرّع يخير عدم الإقرار والتقرير في هذا الشأن ويترك الآمر لإجتهاد القضاء الذي يعتبر قد إستقرعلى عدم الإعتداد به في الزواج أما بقية الموانع المؤبدة و المؤقتة فإنه تم تنظيمها في إطار مجلة الأحوال الشخصية وإن كانت الموانع المؤبدة تبررها غايات أخلاقية وأدبية فإن المؤقتة فيها حماية من إختلاط النسب والمحافظة على ضوابط أسرية فهي وإن مثّلت قيدا لحرية الزواج من الناحية النظرية إلاّ أنّها واقعيا تعتبر آلية تنظيمية.
أما فيما يخص مسألة التباين في الجنس ورغم غياب التنصيص عليه صراحة في القانون الوطني إلا أن الإجماع العالمي علي قيامه على ثنائية المرأة والرجل لكن هذا لا ينفي أهمية إقراره صراحة بما أنّ حالات الشذوذ وحالات تجاوز شرط التباين في الجنس أي الإرتباط بين شخصين من نفس الجنس قد برزت على الساحة القانونية في أوروبا من ذلك القانون الدنماركي وهو ما يستدعي إما منعه من خلال التنصيص على وجوبية ثنائية الزوجين في قانوننا حتى نقطع كل أمل أمام الذين تسول لهم أنفسهم القيام بكل ما هو غير قانوني وغير أخلاقي.
[1] سورة الروم، الآية 21.
[2] سورة البقرة، الآية 178.
[3] أحمد نصر الجندي، موسوعة الأحوال الشخصية، الزواج، الطلاق، دار الكتب القانونية، 2006، ص 11.
[4] محمد الحبيب الشريف، النظام العام العائلي، التجليات، مركز النشر الجامعي، 2006، ص 18.
[5] فوزي ابراهيم فوزي، أحكام الأسرة في الجاهلية والإسلام، دراسة مقارنة بين أحكام الأسرة في الجاهلية وفي الشريعة الإسلامية وفي الفقه الإسلامي وفي قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية، دار الكلمة للنشر، طبعة ثالثة، 1983، ص 65. “أهلية الزواج هي الشروط التي يجب توافرها في الزوجين لصحة عقد الزواج”.
الفصل 5 من مجلة الأحوال الشخصية العراقية “تقوم الأهلية في عقد الزواج بتوافر الشروط القانونية والشرعية في العاقدين…”.
[6] أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، لسان العرب، المجلد 11، معجم 3، بيروت 1967، ص 164.
[7] سورة الفتح، الآية 26.
[8] سورة المدثر، الآية 56.
[9] المعجم الوسيط، الجزء الأول، ط 3، ص 32.
[10] محمد الزين، النظرية العامة للالتزامات، 1- العقد، مطبعة الوفاء، 1983، ص 87 – 88 – 89.
[11] أحمد نصر الجندي، مرجع سابق، ص 9.
[12] محمد الرابحي، المفهوم القانوني والاجتماعي للزواج، رسالة ختم التدريب بالمعهد الأعلى للقضاء، 1991-1992، ص 1 و 2.
[13] CARBONNIER (J), Droit civil, la famille, l’enfant, le couple, 20ème édition, PUF, Paris, 1999, p 368.
[14] ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، ص 30.
[15] جميلة جلاصية، ولاية الزواج، مذكرة ختم التدريب عدول الإشهاد، المعهد الأعلى للقضاء، 2004-2005، ص 3-4.
[16] عفيفة الوردي، فقدان أهلية التعاقد لدى الشخص الطبيعي، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، 1992-1993، ص 9 – 10.
[17] هيفاء القضامي، الالتزامات المالية المترتبة عن الزواج، مذكرة للإحراز على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية بتونس، 1997-1998، ص 52.
[18] الطاهر الحداد، إمرأتنا في الشريعة والمجتمع، الدار التونسية للنشر، الطبعة السادسة، 1992، ص 46.
[19] الشاذلي صويد، الأهلية، رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء، 1992-1993، ص 5.
[20] محمد الحبيب الشريف، الزواج المختلط، م.ق.ت، عدد 1، جانفي 1990، ص 14.
[21] « Le mariage mixte est tout simplement interdit et puni d’emprisonnement comme toute relation sexuelle avec les partenaires de couleur ». AUGUSTIN BARBARA, Union sans frontière, hommes et migration, juillet 1993, p 66.
[22] سورة النساء، الآية 23.
[23] أحمد فراج حسين، أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية، دار الجامعة الجديدة، 2004، ص 134 و 135.
[24] عبد الله الدروازي، موانع الزواج، مذكرة ختم التدريب بالمعهد الأعلى للقضاء، 2002، ص 2 و 3.
[25] عبد الفتاح عبد الباقي، الزواج قيامه، أثاره وانقضائه في القانون الفرنسي، مطبعة نهضة مصر، الفيجالة، القاهرة، ص 15 و17.
[26] KORNIKER (H.W), Capacité, mariage, éd. jurisclasseur, 1997, p 13.
[27] محمد الحبيب الشريف، النظام العام العائلي، مرجع سابق، ص 16.
[28] الهادي كرو، المرأة في مجلة الأحوال الشخصية، م.ق.ت، 1977، ص 15 و 16.
[29] عبد الرزاق دنقير، ولاية الأم على القاصر، م.ق.ت، أكتوبر 1995، ص 47.
[30] محمد الحبيب الشريف، الإذن القضائي بالزواج، م.ق.ت، أفريل 1998، ص 3.
[31] الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، اتفاقية نيويورك بتاريخ 10 ماي 1962 المتعلقة بالرضاء بالزواج وبالسن القانونية له وبتسجيل الزيجات، ص 562.
[32] القانون عدد 46 لسنة 1964 المؤرخ في 03 نوفمبر 1964 والمتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج والمنشور بالرائد الرسمي الصادر في 03 جويلية 1964، ص 1483.
[33] وليد البرقاوي، موانع الزواج، شهادة ختم التدريب بالمعهد الأعلى للقضاء، 1999-2000، ص 15.
[34] محمد الحبيب الشريف، النظام العام العائلي، مرجع سابق، ص 134.
[35] فيصل غديرة، زواج المسلمة بغير المسلم، مذكرة لنيل شهادة الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية بتونس، 1978، ص 25 و 26.
[36] محمد كمال حمدي: الولاية على المال، الجزء الأول، الأحكام الموضوعية، دار المعارف بمصر 1966 ص.19.
[37] محمد الحبيب الشريف: الإذن القضائي بالزواج، مرجع سابق، ص.39.
سامية دولة: مجلة الأحوال الشخصية بين الاجتهادات التشريعية و القضائية، م ق ت،جانفى2007، ص.33و34. [38]
[39] الهادي كرو: المرأة في مجلة الأحوال الشخصية، م ق ت، 1977، ص.15و16.
محمد الحبيب الشريف: الإذن القضائي بالزواج، مرجع سابق، ص.37. [40]
[41] المنصف بوقره: دروس غير منشورة في مادة الأحوال الشخصية، سنة ثالثة شعبة قضائية، كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 2003- 2004
الفصل 23 م أ ش “على كل واحد من الزوجين أن يعامل الآخر بالمعروف و يحسن عشرته وتجنب إلحاق الضرر به. [42]
ويقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسب ما تقتضيه العرف والعادة.
ويتعاونان على تسيير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء على قدر حاله وحالهم في نطاق مشمولات النفقة و على الزوجة أن تساهم في الإنفاق على الأسرة إن كان لها مال.
محمد الهادي بوزراعة: “الحرية في ظل مبادئ الدين الإسلامي وقوانينا الوضعية” م ق ت، جانفي1981، ص. 11. [43]
محمد الحبيب الشريف: النظام العام العائلي،مرجع سابق، 83و84.[44]
مداوالات مجلس النواب، عدد 25، الجلسة الـ25 يوم الثلاثاء، 8 ماي 2007 .[45]
[46] سامية دولة: مرجع سابق، ص.59.
[47] الفصل 2 م أ ش : “لكل واحد من الخطيبين أن يستردّ الهدايا التي يقدمها إلى الآخر، ما لم يكن العدول من قبله أو وجد شرط خاص.”
سلوى بالشيخ : هدايا المراكنة، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، 2006-2007، ص.38.
محمد الحبيب الشريف : الإذن القضائي بالزواج، مرجع سابق، ص. 40.[48]
[49] ساسي بن حليمة: درس غير مرقون في مادة الأحوال الشخصية، سنة ثالثة شعبة قضائية كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس،1997-1998.
المنصف بوقره : درس غير مرقون في مادة الأحوال الشخصية ،سنة ثالثة شعبة قضائية ،كلية الحقوق و العلوم السياسية[50]
بتونس، 2007-.2008
[51] محمد الحبيب الشريف: الإذن القضائي بالزواج، مرجع سابق، ص.44.
[52] محمد الحبيب الشريف: الإذن القضائي بالزواج مرجع سابق ص.45.
الفصل 4 مجلة حماية الطفل “يجب إعتبار مصلحة الطفل الفضلى في جميع الاجرءات التي تتخذ بشأنه سواء من قبل المحاكم أو السلطات الإدارية أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية العمومية أو الخاصة . وبراعى علاوة على حاجيات الطفل الأدبية والعاطفية والبدنية، سنه وصحته ووسطه العائلي وغير ذلك من الحالات الخاصة بوضعه “.
[53] الفصل 1 م أ ش “كل من الوعد بالزواج والمواعدة به لا يعتبر زواجا ولا يقضى به.”
[54] ريم الكعبي: السن القانونية للزواج، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الإجرامية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، 2006-2007 ص. 89.
حكم صادر عن المحكمة الإبتدائية بقفصة بتاريخ 23/03/1998، م ق ت ، عدد 6 ، لسنة 1998، ص.181.[55]
[56] فريد بن جحا: الترشيد، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق و العلوم السياسية، بتونس
2003-2004، ص. 73و74.
[57] جميلة جلاصية: مرجع سابق، ص. 29و30.
[58] L’article 148 C C F « Les mineurs ne peuvent contracter mariage sans le consentement de leur père et mère; en cas de dissentiment entre le père et le mère ce partage emporte consentement »
[59] صادقت تونس على هذه الإتفاقية بمقتضى القانون عدد 92 لسنة 1991 المؤرخ في 29 نوفمبر 1991 المتعلق بإتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل المنشور بالرائد الرسمي يوم 10 ديسمبر 1991، ص .1658 . بمقتضى الأمر عدد1865 لسنة 1991 المؤرخ في 10 ديسمبر 1991.
قرار تعقيبي مدني، عدد 437 13، صادر في 3 مارس 1986، ن م ت، القسم المدني، ص. 147 .[60]
الفصل 219 م م م ت :” يمكن للحاكم في كل الصور الرجوع في الأذون الصادرة منه وذلك بعد الاستماع إلى الخصوم [61]
– …
– …
– و الحكم الصادر بمناسبة طلب الرجوع في الإذن يجب تعليله
[62] Belknani Fawzi : La réalité sociale et coutumière de l’intervention des mères dans le mariage de les enfants même majeurs , le mari chef de famille, R.T.D, 2000, p. 80.
الطاهر الحداد: مرجع سابق، ص.151.[63]
[64] Lauré Biardeau : « Le certificat prénuptial » thèse, Paris 1930.
Yvonne Carminol-Deréfus : « le certificat d’examen médical prénuptial »thèse, DIJON 1953.
[65] محمد الحبيب الشريف: النظام العام العائلي، مرجع سابق، ص. 406.
[66] La loi française du 16 décembre 1942 relative à la protection de la maternité et de la première enfance, commentaire de Voirin J C P 1943, 1, 322.
[67] L’ordonnance française de 2 Novembre 1945 sur la protection maternelle et infantile.
محمد الحبيب الشريف : النظام العام العائلي، مرجع سابق، ص. 407و408.[68]
-يسرى محفوظ :المعطيات البيولوجية و الزواج ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص،كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس لسنة 1990،-ص.13.
يسرى محفوظ: مرجع سابق، ص.17. [69]
[70] محمد الحبيب الشريف: االنظام العام العائلي، مرجع سابق، ص. 410.
[71] Jean Carbonnier : introduction à l’étude du droit, 6eme Edition Thémis, Paris, p.317.
محمد الحبيب الشريف :التجليات مرجع سابق ص.410و 411. [72]
[73] القانون عدد 64 سنة 1964 المؤرخ في 3 نوفمبر 1964 والمتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج و المنشور بالرائد الرسمي الجمهورية التونسية الصادر في 3 نوفمبر 1964، ص 1483.
[74] على قدر أهمية الجانب الصحي في الزواج على قدر اهتمام المشرع بمسألة الشهادة الطبية السابقة للزواج وفيما يلي :النصوص القانونية والتشريعية والترتيبية المنظمة لها:
-القانون عدد46-لسنة 1964-المؤرخ في3 نوفمبر1964-والمتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج .
-القرار الصادر عن كاتبي الدولة للداخلية وللصحة العمومية في 24-نوفمبر 1964-والمتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج .
-القرار الصادر عن كاتبي الدولة للداخلية والصحة العمومية في 24-جوان 1965-والمتعلق بالدوائر التي صارت فيها الشهادة الطبية السابقة للزواج إجبارية.
المنشور عدد299/2-الصادر في 4 –سبتمبر 1965-عن وزير العدل والمتعلق بوجوب الإدلاء بالشهادة الطبية السابقة للزواج.
-قرار وزاري مشترك بتاريخ 19-جانفى 1981
-قرار وزاري مشترك بتاريخ 30- جوان 1981
القرار الصادر عن وزير الصحة العمومية في 19-ديسمبر 1985 والمتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج
-القرار الصادر عن وزيري الصحة العمومية والداخلية في 28- جويلية 1995 المتعلق بتعميم الشهادة الطبية السابقة للزواج على كامل تراب الجمهورية .
-القرار الصادر عن وزير الصحة العمومية في 16-ديسمبر 1995-والمتعلق بضبط أنموذج الشهادة الطبية السابقة للزواج والبيانات التي يجب أن تتضمنها.
-المنشور عدد58-96 الصادر في 8-ماى 1996-عن وزير الصحة العمومية والمتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج .
-المنشور عدد63-الصادر في 22-ماى -1996-عن وزراء العدل و الداخلية و الصحة العمومية المتعلق بالشهادة الطبية السابقة للزواج .
[75]الفصل 4-قانون3 نوفمبر1964-“يمكن للفحص المنصوص عليه أعلاه أن يقع حسب إختيار المعنيين بالأمر إما لدى الأطباء وبمخابر التحليلات الطبية المقبولة لهذا الغرض من طرف كتابة الدولة للصحة العمومية والشؤون الاجتماعية وإما بالمستشفيات العمومية.
ويكون الفحص والتحليلات وكذلك تسليم الشهادة الطبية مجانيا إذ وقع القيام بها في المستشفيات .
[76] الفصل الثالث من قانون 3 نوفمبر 1964: ينبغي أن لا يسلم الطبيب الشهادة المنصوص عليها بالفصل الأول أعلاه إلا بعد الإطلاع على نتيجة :
-فحص طبي
-فحص الرئتين بالأشعة و تصويرهما إذا اقتضى الأمر ذلك
-فحص الدم
[77] الفصل 9 م أ ش: للزوج والزوجة أن يتوليا زواجهما بأنفسهما و أن يوكلا به من شاءا و للولي حق التوكيل أيضا.
[78] الفصل7: قانون 3 نوفمبر 1964: ” يقع تتبع ضابط الحالة المدنية و العدول الذين لا يمتثلون لأحكام الفصل الأول من هذا القانون أمام المحكمة الابتدائية ذات النظر ترابيا و يعاقبون بخطية قدرها مائة دينار”.
[79] محمد الحبيب شريف: النظام العام العائلي، مرجع سابق ،ص .413.
[80] َArticle : 169 CCF :-Il peut également dans des cas exceptionnelle dispenser les futurs époux, ou l’un deux seulement de la remise de certificat médical exigé par la deuxième Alenia de l’article 63, le certificat médical n’est exigible d’aucun des futurs époux au cas de péril imminent de mort de l’un d’eux prévu au deuxième Alenia de l’article 75 de présent code.
– محمد الحبيب الشريف: النظام العام العائلي، مرجع سابق، ص. 414[81]
[82] حسين نصار: حقوق المرأة في التشريع الإسلامي والدولي و المقارن. دار النشر. الثقافة للطباعة و النشر: الإسكندرية، الطبعة الثالثة ،ص. 275.
محمد المنصف بوقرّة: خواطر حول الطبيعة القانونية للخطبة، ثلاثينية المجلة القانونية التونسية، 1953-1983، م.ق.ت 1983، ص.83.
[83] الشيخ عبد العزيز جعيط، لائحة الأحكام الشرعية، المذهب المالكي، مطبعة الإرادة بتونس 1982.
الفصل الأول: “كل من الوعد بالنكاح و المواعدة به لا يعتبر نكاحا و لا يقضى بالوفاء به، فللخاطب العدول عن من خاطبها و للمخطوبة رد الهدايا.”
علي الفطناسي: أحكام الخطبة، دراسة مقارنة، م.ق.ت، عدد 5 لسنة 1982،ص.13.
[84] الفصل 30 م أ ش:” لا يقع الطلاق إلا لدى المحكمة”
الفصل 21 م أ ش: الزواج الفاسد هو الذي اقترن بشرط يتنافى مع جوهر العقد او انعقد بدون مراعاة أحكام الفقرة الأولى من الفصل الثالث.
[85] و الفقرة الأولى من الفصل الخامس و الفصول 15-16-17-18-19 و 20 من هذه المجلة.
[86] الأستاذ عبد الرزاق السنهوري: مصادر الحق في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بالفقه الغربي، جامعة الدول العربية القاهرة،1953، ص .170.
[87] إبراهيم فوزي: مرجع سابق، ص. 42.
[88] الفصل الرابع من المدونة المغربية:” ينعقد الزواج بإيجاب من العاقدين و قبول من الآخر بواسطة ألفاظ تفيد معنى النكاح لغة أو عرفا
-الفصل 4 م أ ش عراقية: ينعقد الزواج بإيجاب يفيد لغة أو عرفا من أحد العاقدين و قبول من الآخر.
[89] Alain Benabent : Droit civil, la famille, librairie de la cours de cass 1982, 6éme édition,p.92.N°122.
« les époux doivent être présent, on ne peut se marier par procuration.
[90] الفصل 10 م أ ش : ” لا يشترط في وكيل الزواج المشار إليه في الفصل السابق شرطا خاصا و لكن ليس له يوكل
غيره بدون إذن موكله أو موكلته، و يجب أن يحرر التوكيل في حجة رسمية يتضمن صراحة تعيين الزوجين و إلا عدّ باطلا.”
[91] Ferchichi Bechir : le tutelle des pères et mères sur leurs enfants mineurs dans les droits marocains et Tunisiens. Thèse doctorat d’état endroit privé , F du droit et des sciences politiques et économiques Tunis 1983 p 256.
[92] محمد أبو زهرة: محاضرات في عقد الزواج و أثاره، القاهرة دار الفكر العربي، سنة 1971، ص. 183-184 .
[93] محمد أبو زهرة: مرجع سابق، ص. 65.
-إبراهيم فوزي: مرجع سابق ،ص. 77.
[94] سامية دولة: مرجع سابق، ص. 36 .
[95] الفصل 118 م إع : “كل شرط من شأنه أن يمنع أو يقيّد على إنسان تعاطي ما له من الحقوق البشرية كحق التزوج و مباشرة حقوقه المدنية فإنه باطل وبه يبطل العقد”…
[96] انضمت تونس إلى هذه الاتفاقية بمقتضى القانون عدد 41 لسنة 1967 المؤرخ في 21 نوفمبر 1967 المتعلق بانخراط البلاد التونسية
في اتفاقيات نيويورك الدولية في شأن وضعية المرأة (الرائد الرسمي للجمهورية التونسية الصادر في 21-24 تونس 1967.)
و لقد نشرت هذه الإتفاقيات بمقتضى الأمر عدد 114 لسنة 1968 المؤرخ في 4 ماي 1964 و ذلك بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية الصادر في 07-10 ماي 1968.ص.562.
[97] l’article 146 c c F : Il n y’a pas de mariage lorsqu’il n’y a point de consentement.
[98] Durupty : la convention de New York du 10/12 /1962 sur le consentement au mariage, l’enregistrement des mariages, RTD 1965, P.45.
[99] وليد بن منصور: الرضا في الزواج: مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص: كلية الحقوق و العلوم السياسية بصفاقس 2005-2006 ص 62
[100] الفصل 43 م إ ع: الرضاء الصادر عن غلط أو عن تدليس أو عن إكراه يقبل الإبطال.
[101] ساسي بن حليمة: محاضرات حول قانون مادة الأحوال الشخصية ألقيت على طلبة السنة الثالثة شعبة قضائية كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس سنة 1996-1997
[102] Carbonier (J). (J) droit Civil, T2, La famille ; collection PUF 14ème Edition 1994 p 32.
[103] عمار عبد الواحد الداودي: العلاقات بين الزوجين، جدلية التقليد والتجديد في القانون التونسي: كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس لسنة 2003-2004، ص .25 و 30.
[104] محمد المالقي: محاضرات في القانون المدني التونسي،المطبعة الرسمية 1980، ص .65 .
[105] علي رجب: التغرير في إبرام العقود، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس1990، ص .30 .
[106] أحمد الخمليشي: المسؤولية المدنية للأبوين عن أفعال أبنائهما القاصرين، منشورات مكتبة المعارف، الرباط، مطبعة النجاح الجديدة: الدار البيضاء الطبعة الأولى ،1982 ص. 84.
[107] أحمد الخميليشي: مرجع سابق، ص. 84
[108] محمد المالقي: مرجع سابق، ص. 49
[109] قرار تعقيبي مدني عدد 2523 مؤرخ في 1/10/2004 ن م ت ،2004، ق.م، ص. 475.
[110] الطيب العنابي: من الخطيبة إلى الخليلة، م ق ت 1970 عدد 1، ص. 63
[111] Paris : 12-03-1903. D1903 (la cour a annulé le mariage d’un individu qui s’était fait passer pour membre de la famille Toulouse-Lautrec).
Guy Raymond : mariage, condition à réunir dans les personnes des épouses, collection des jurisclasseurs du droit civil Art 144 à 147 fasc 10.
[112] عبد الرزاق السنهوري : مصادر الحق في الفقه الإسلامي، جزء II، ص.127
[113] إدريس الفاخوري: أحكام الزواج في مدونة الأحوال الشخصية، دراسة مقارنة (الجزائر، تونس، ليبيا )كلية العلوم القانونية 1992، ص. 54.
[114] l’article 180 C C F : le mariage qui a était contracté sans le consentement libre de deux époux ou de l’un deux, ne peut être attaqué que par les époux, ou par celui de deux dont le consentement n’a pas libre.
[115] Chambre réunis du cours de la cassation 24-04-1962 Dalloz 1862 partie I p 153.
قرار تعقيبي مدني عدد 1079 مؤرخ في 22/04/ 1974. [116]
شكري بالشيخ: الغلط كعيب للرضا، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق و العلوم السياسية[117]
بتونس 1990، ص. 91و 92.
محمد المالقي: مرجع سابق، ص.55. [118]
[119] Que sa mère avait battu, pris aux cheveux. Traînée par terre à la quelle elle avait donnée des soufflets le jour de l’acte civil devrait être passée. Pour la forcer à se rendre chez le maire » cass. Civil 4-11-1822 Sirey 1823 I p219.
[120] Agen 1406 /1390 Sirey 1893 p4. Dalloz périodique, 1891, II p 153
[121] Paris 20-05-1983 juris dota DOC N°025-455
[122] سعاد حامدي: الصورية في العقود:،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس1995 ص.5.
[123] الفصل 22 م.أ.ش: “يبطل الزواج الفاسد وجوبا بدون طلاق ولا يترتب على مجرد العقد أي أثر” .
[124] محمد الحبيب الشريف: الزواج المختلط،م ق ت أكتوبر، 1990 ص.13.
[125] الفصل 227 مكرر م ج فقرة 3:” زواج الفاعل بالمجني بها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة.”
[126] قرار تعقيبي جزائي عدد6109 مؤرخ في 06-01-1982، ن ق ج ، ص.9و10.
[127] Lyon 16 juin 1952 revue de droit civil 1960.P17.
عدد 93-933 بتاريخ 22/7/1993 و كذلك قانون عدد 93-1027 « Pasqua » قانون الجنسية الفرنسي وقع تنقيحه بقانون[128]
بتاريخ 24/8/1993.
حكم إبتدائي صادر عن المحكمة الإبتدائية بتونس عدد 23 605 صادر بتاريخ 13/2/2007 ، غير منشور(ملحق عدد1).[129]
[130] Guy Raymond : juris classeur 2002 fas 10 art 144 à 147 p 18 n°73.
[131] Marie lamarche et J.J et Lemouland, mariage deuxième condition de formation Rep. Civil Dalloz Décembre 2002, p. 11.
[132] Faulon plagnol: le mariage simulé: revue de droit civil 1960 p223
[133] وليد بن منصور: مرجع سابق،ص.88
[134] فصل 11م أش: “يثبت في الزواج خيار الشرط و يترتب على عدم وجوده أو على مخالفته إمكان طلب الفسخ بطلاق من غير أن يترتب على الفسخ أي غرم إذا كان الطلاق قبل البناء ”
قرار تعقيبي مدني عدد 319-17-01-1961-م ق ت عدد 3 لسنة 1976ص.174.[135]
[136] محمد الحبيب الشريف: الزواج المختلط،مرجع سابق ،ص. 13.
[137] Gérard Meurand et Marie M’Sili « Mariage mixte et nationale française, les français et leurs conjoints », E.Lamaton, 1995.
سورة البقرة الآية 221. [138]
سورة الممتحنة الآية 10[139]
[140] الهادي كرو:زواج المسلمة بغير مسلم ومصادقة تونس على إتفاقية نيويورك، 10 ديسمبر 1962، م.قت لسنة ،1971 ص.15.
سورة المائدة الآية 5. [141]
[142] القرطبي عبد الله بن أحمد الأنصاري: الجامع الصحيح لأحكام القرآن الطبعة الثالثة، القاهرة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر الجزء الثالث سنة 1967. ص .305.
[143] سورة البقرة الآية 221.
[144] الدكتور أحمد غنيم: موانع الزواج بين الشرائع السماوية الثلاث و القوانين الوضعية مطبعة الاستقلال الكبرى القاهرة، 1969، ص. 275.
[145] من المستحسن الاعتماد على الصحيحين فقط لأنه يجب علينا التحري في قبول ما يبلغنا من الروايات فيجب علينا أن لا نقبل رواية كل أحد و أن لا نسلم بكل ما في الكتب لكثرة الموضوعات و الضعاف فيها.
[146] فيصل غديره: زواج المسلمة بغير المسلم، مرجع سابق،ص.53.
الإمام مالك بن أنس:المدونة الكبرى: بيروت، دار صادر المجلد الأول، ص. 214.[147]
محمد أبو زهرة: مرجع سابق ، ص.144.[148]
[149] هناك رأي يقول بأنه يوجد قليل من الصحابة و بعض من الفقهاء لم يحلوا زواج المسلم بالكتابية، أما الشيعة فان أغلبهم فهم يحرمون هذا الزواج.
[150] محمد أبو زهرة مرجع سابق، ص.146.
[151] Delagrange : le législateur Tunisien et ses interprètes ٌRTD1968 p.19 et 20.
[152] قرار تعقيبي مدني عدد 76020 – مؤرخ في 18-5_1999،: المجلة القانونية التونسية لسنة 2000، ص. 247.
الفصل 29 المدونة المغربية: المحرمات حرمة مؤقتة: زواج المسلمة بغير المسلم [153]
[154] الفصل 17 من مجلة الأحوال الشخصية العراقية: يصح للمسلم أن يتزوج كتابية و لا يصح زواج المسلمة من غير المسلم.
[155] الأستاذ الهادي كررو: زواج المسلمة بغير المسلممرجع سابق،ص.11.
قرار تعقيبي مدني عدد 3384 صادر في 31-01-1966 منشور، المجلة القانونية التونسية لسنة 1968 ص 43 و 44 [156]
Delagrange مع تعليق الأستاذة
القاعدة الفائلة بأن لا توارث بين ملتين و كذلك قول رسول الله عليه الصلاة و السلام لا يرث المسلم الكافر و لا الكافر لمسلم. [157]
[158] قرار تعقيبي مدني عدد 3396 مؤرخ في 2 جانفي 2001 م ق ت جانفي 2002 ص. 203.
حوليات العلوم القانونية و الاقتصادية و التصرف بجندوبة I. العلوم القانونية العدد (1) لسنة 2007 ص 101.[159]
[160] محمد الحبيب الشريف:الزواج المختلط: مرجع سابق ص 530.
[161] محمد الحبيب بو دن: تأصيل مجلة الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، م ق ت عدد8،1982 ، ص.31 و32 و 33.
الهادي كرو: زواج المسلمة بغير المسلم، مرجع سابق ص 13 و 14.[162]
[163] بلاغ صادر عن وزارة العدل بتاريخ 3 أوت 1956: “فأعدوا قانونا عصريا يتماشى مع الزمان لا يتصام مع مبادئ الدين الإسلامي الحديث”.
[164] مجلة القضاء و التشريع جوان 1967 ص 37:”بل يكفي لذلك أن نتوجه إلى تاريخنا و أن نعود إلى مصادر الإسلام و الفقه الحقة.”
[165] الفصل الخامس من الدستور: “الجمهورية التونسية تضمن حرمة لبفرد و حرية المعتقد و تحمي حرية القيام بالشعائر الدينية ما لم تخل بالأمن العام.”
[166] تمت إضافة الفصل 143 مكرر إلى م أ ش بمقتضى القانون المتعلق بقواعد الرد في الميراث و بالوصايا، عدد 77 لعام 1959 المؤرخ في 29 جوان 59 المنشور بالرائد الرسمي للجمهورية عدد 34 الصادر في 23/25 جوان 1959.
فيصل غديرة: مرجع سابق، ص. 125. [167]
[168] المجلة القانونية التونسية: مركز النشر الجامعي: تعليق على قرار عدد 7602 بتاريخ 18_ ماي 2000، ص .260 و 261.
محمد الحبيب الشريف: النظام العام العائلي، مرجع سابق ،ص.181.[169]
[170] -« -Mesgheni Ali : Réflexions sur les relations du C S P avec le droit musulman classique RTD 2 /1975، p. 53.
خمسينية مجلة الأحوال الشخصية: من المساواة إلى الشراكة الفاعلة: م ق ت أكتوبر 2006 ص. 128و 129.[171]
حكم عدد 26855 صادر في 29 جوان 1999: القضاء و التشريع عدد 10 لسنة 2002 ،ص. 13″.[172]
[173] ملتقى وطني بدائرة محكمة الاستئناف بتونس دور فقة القضاء في تدعيم مبادئ مجلة الأحوال الشخصية. يوم 17 جوان 2006 ص 253 و 256.
[174] A- Esnault : les problèmes religieux de la famille endroit privé français, thèse pour le doctorat d’Etat en droit, rennes, 1975. p .148.
– Mr Belin : la liberté et le respect des convictions et croyances dans les rapports de famille, thèse pour le doctorat paris II, 1973. p .70.
محمد أبو زهرة: مرجع سابق، ص.126. [175]
سورة النساء :الآية 24.[176]
[177] أحمد فراج حسين :مرجع سابق ص.170.-(رأى للحنابلة).
[178] أحمد فراج حسين :مرجع سابق ،ص 169.( رأى متفق عليه بين المالكية والحنابلة).
قرار تعقيبي جزائي عدد4428-مؤرخ في 30-03-1966م ق ت 1966-ص.400.[179]
[180] قرار تعقيبي جزائي عدد 15839-مؤرخ في 27-01-1988ن م التعقيب لسنة 1988-ق ج ص. 12.
أنظر الفصلين 18و 21 م أ ش . [181]
[182] العدة لغة تعني الإحصاء فيقال عددت الشيء عدة أي أحصيته إحصاء. والعدة أو الإستبراء إصطلاحا مدة محددة شرعا وقانونا تمنع خلالها خطبة المرأة أو الزواج بها لإنقضاء ما تبقى من آثار زواج سابق فهي مدة تتربص خلالها المطلقة أو الأرملة أو التي حكم بفقدان زوجها للتأكد من براءة رحمها من الحمل لذلك لا تجب العدة على المطلقة قبل الدخول لكنها تجب في كل الحالات على الأرملة أو التي حكم بفقدان زوجها لوجود شبهة دخول ولأن الميت أو المفقود لا يمكنه تأكيد الدخول أو نفيه.
أحمد قراج حسين :مرجع سابق، ص.139.[183]
محمد بن معجوز المنزغرانى : أحكام الأسرة في
اترك تعليقاً