الجرائم الإلكترونية.. «الألعاب الإلكترونية» أنموذجاً
منصور الزغيبي
أصبحت الألعاب الإلكترونية ظاهرة جديدة ترتبط بحياة الأجيال الجديدة «الجيل الخامس» بشكل يومي لافت، وهذه الظاهرة لها تأثيرات كبيرة في الجوانب التربوية والسلوكية للجيل الجديد، وانتشارها ليس فقط في منطقتنا العربية، بل في معظم أرجاء العالم، وكان من ضمن آخر هذه الألعاب وأشهرها لعبة «البوكيمون جو».
هذه الظاهرة تحتاج إلى أن توضع تحت مجهر البحث والتحليل والرصد الدقيق، والعمل على استشراف المستقبل، من أجل قراءة الواقع بشكل موضوعي، وتوظيف ذلك بشكل إيجابي فعّال يسهم في خدمة الوطن، والحد من الإفرازات السلبية القاتلة لمعاني الحياة.
نحن نعيش هذه الأيام مرحلة مختلفة وحرباً جديدة (إلكترونية)، وكما هو معلوم أن كل زمان له أدواته الخاصة، وهي تعتبر من أهم أدوات هذه المرحلة، لذلك من الذكاء العلمي والنفسي والاقتصادي والأمني الاستعداد لمواجهة هذه الجرائم، التي بدأت تقفز وتنمو بشكل لافت وغريب في المنطقة العربية في الوقت الراهن، لدينا الأدوات القادرة على مواجهة هذه الجرائم والأمراض الإلكترونية، بداية من القانون الذي يعالج هذه الجرائم، وكبار الخبراء في جميع المجالات والمواهب والمبدعين، فمن الضروري استثمار العقول الرقمية وتوظيف خبراتها في ذلك.
الآن، الجهود يجب أن تكمل بعضها بداية من الأسرة، فهي معنية بمتابعة الطفل والإشراف عليه، وتمتين العلاقة بينهم وتجديدها، وتعزيز الحوار ومهارة الإقناع داخل الأسرة، والاستفادة من المختصين في ذلك، ومساعدته في اختيار أشيائه خصوصاً ألعابه، وهذا لا يعارض منحه حرية الاختيار، وتحديد أوقات للعب، لحمايته من الإدمان الإلكتروني، وغيرها من السلبيات التي من الصعب التعريج عليها في هذه المقالة، وأيضاً الجهاز التعليمي يقع عليه عبء كبير كذلك، فلديه الوسائل والإمكانات التي تساعد في تحصين وتعميق الوعي داخل المجتمع. ووزارة التجارة والاستثمار معنية بحكم أنها مشرفة على القطاع التجاري، لاسيما محال الألعاب والحاسب، ويقع عليها عبء تكثيف الرقابة، والصرامة في إيقاع العقوبات، وإغلاق المحال التي تروّج للألعاب الخطرة والضارة، وكذلك بحكم الإقبال على هذه الألعاب الإلكترونية، فالأمر يحتّم عليها المبادرة في استثمار وصناعة الألعاب وإنتاجها، والاستغناء عن الاستيراد من الخارج، لتعزيز وتنوع الاقتصاد الوطني وحماية له.
وهي تعتبر، بحسب أحد التقارير المنشورة، الذي تضمن تصريح رئيس الاتحاد المصري للألعاب الإلكترونية شريف عبدالباقي، ثاني أكبر حجم أعمال على شبكة الإنترنت بعد الإعلانات، وتختلف التقديرات حول قيمتها عالمياً، فالبعض يقدر قيمتها بين 60 و80 بليون دولار، وأضاف عبدالباقي أن الاتحاد قدر حجم الألعاب الإلكترونية في المنطقة بنحو 3,5 بليون دولار، منها 300 مليون دولار في الأردن، وفقاً لما جاء في التقرير، وقال: «إن نسبة النمو في الألعاب الإلكترونية حول العالم تصل إلى 45 في المئة سنوياً في جميع أنواع تقسيماتها، سواءً التي تتم ممارستها على الحاسبات الشخصية وألعاب المنصات مثل بلاي ستيشن وإكس بوكس، أم أجهزة التليفون المحمول، وتُضاف إليها أجهزة الربورت». وكذلك وزارة الاتصالات وهيئة الاتصالات ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وشركات الاتصالات، يقع عليها عبء كبير وكبير جداً في ذلك، بداية من الاستفادة من هذه الشركات العالمية، خصوصاً من الناحية المالية، وفرض القانون الوطني والدولي عليهم، ومطالبتهم بالالتزام بالخصوصية الوطنية والهوية، وهم بحاجة إلينا أكثر من حاجتنا إليهم، لأن الهدف الذي يحكم هذه الشركات الكبرى كسب المال، والمملكة تتميز وتتفرد بالقوة الشرائية على المستوى العالمي.
من الواجب على الجهات المعنية على المستوى العام والخاص خلق حلول ذكية، مثلاً برامج جديدة وألعاب معروف مضمونها وأبعادها النفسية وأن تكون إيجابية، وكذلك مزاحمة السوق بالألعاب التي تفيد وتكون مساعدة للعملية التعليمية والإبداعية، والانتقال من مرحلة الاستقبال والاستهلاك إلى مرحلة الصناعة والتصدير دولياً، وتحفيز الإبداع في مجال التقنية.
خلاصة القول، ضرورة التركيز على تعظيم الاستفادة من التقنية مما توفره من قدرات وإمكانات معرفية هائلة لم تكن متاحة لمن قبلنا، وكذلك المطلوب من الجميع من دون استثناء الإسهام جدياً في بناء وطننا، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها قيادتنا الحكيمة. والمسؤولية تكون بداية من الأسرة في مراجعة العلاقة من الداخل وترميمها لحماية أفرادها من الشرور، وتكتمل بتعاون الجهات جميعها والتعاون معها.
ومن يتابع الحراك التقني بالمملكة يعرف حجم الجهود الضخمة المبذولة من القطاع الرسمي، وبهذه المناسبة أشير إلى اقتراحات موجزة بحكم ظروف المرحلة، تستوجب تحديث قانون الجرائم المعلوماتية، وإضافة مواد تخص الألعاب الإلكترونية، وترسم مسار العلاقة مع الشركات المشغّلة والمنتجة، وتعالج الإشكالات والجرائم الناتجة منها، وكل ما يتعلق بذلك، وإلزام مشغّل الخدمة والبائعين في ما يخدم مصلحة الوطن، وضرورة إنشاء الاتحاد السعودي للألعاب الإلكترونية، وتفعيل برنامج «بادر» لحاضنات التقنية، الذي تم تأسيسه عام 2007 أحد برامج مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وهو برنامج وطني شامل يسعى إلى تفعيل وتطوير حاضنات الأعمال التقنية، والاستفادة من تجارب الدول في عالم التقنية والتعامل معها مثل الصين وغيرها. يبقى هذا الموضوع كبيراً جداً يستحق الطرح المكثف ومعالجته من جميع الزوايا.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً