الاهمية القانونية و السياسية للتقطيع الانتخابي في المغرب
التقطيع الانتخابي بالمغرب بين المنظور القانوني.. والفعل السياسي / الدكتور محمد زين الدين
يشكل التقطيع الانتخابي أهمية مركزية في رسم السياسات الانتخابية في إطار الآنظمة الانتخابية الديمقراطية والتنافسية حيث يتحول إلى أداة لمنح مختلف المرشحين حظوظا متساوية للفوز بمقاعد البرلمان أو المؤسسات المحلية المنتخبة. فالأمر هنا لا يتعلق بمسألة شكلية ؛ بل بعامل أساسي في توجيه الانتخابات؛ فهو آلية سياسية قبل أن يكون آلية تقنية لذلك يعد من العوامل الأساسية المؤثرة في النتائج الانتخابية؛ إذ يحدث أثرا مباشرا على نتائجها[1] كأن يتم رسم حدود بعض الدوائر بطريقة تؤدي إلى جمع الأصوات الموالية لحزب أو مرشح منافس داخل حي واحد أو اثنين على الأكثر بحيث يحصل هذا الحزب أو المرشح على أغلبية ساحقة هنا في حين يصبح نصيبه من الأصوات في بقية الدوائر هزيلا للغاية[2] لذا تحرص الدول الديمقراطية على أن تسند مهمة التقطيع الانتخابي إلى هيئة مستقلة عن الحكومة والبرلمان مثلما هو عليه الحال في بريطانيا استراليا؛ كندا ؛ جنوب إفريقيا[3] ؛
كما تحرص العديد من الأنظمة الديمقراطية على تحقيق المساواة في مسألة التقطيع الانتخابي ؛ فقد قضت المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية بأن شرط الحماية على قدم المساواة يعتبر مشروع تقسيم الولاية لدوائر في انتخابات الكونغرس غير دستوري لأنه أخفق في تحقيق المساواة بين الناخبين في كل دائرة؛ بحيث أن تفاوتا صغيرا يصل إلى 0.6984 في المائة يعتبر غير دستوري .[4]
و يتأثر التقطيع الانتخابي بنمط الاقتراع بشكل ملحوظ؛ فالاقتراع الأحادي الاسمي يقتضي وجود دوائر صغيرة فيما يتطلب الاقتراع بالتمثيل النسبي توزيع الدوائر الى دوائر كبرى قد يفضي عدم استحضار هذه المعطيات إلى إحداث نوع من اللاتناسب بين الاطار المرجعي للانتخابات والوحدة الادارية القائمة حيث يتم توزيع الناخبين على دوائر لحاجات الانتخاب مثلما كان عليه حال المغرب قبل أن يتبنى نظام الاقتراع بالتمثيل النسبي وفق اللائحة المغلقة.
إن السؤال المركزي هنا هو:
ما هي شروط حقيق تقطيع انتخابي فاعل وفعال ؟
يقتضي تحقيق تقطيع انتخابي فاعل وفعال استحضار جملة من المعايير أهمها :
أولا: ضمان مساواة سياسية للأحزاب والمرشحين: إن التقطيع الانتخابي العادل يتوقف على ضرورة تحقيق شرطين أساسيين أولهما استحضار مبدأ مساواة كافة المرشحين في الانتخابات وثانيهما تحقيق مساواة بين مختلف التنظيمات الحزبية المشاركة في العملية الانتخابية؛ والواقع أن الشرطين معا يتداخلان هنا بقوة.
ثانيا: تحقيق توازن ديمغرافي: نعني به تحقيق توازن بين عدد السكان وعدد المقاعد المخصصة لتمثيلهم؛ بحيث ينبغي أن تنشأ الدوائر الانتخابية بناء على معطيات ديمغرافية؛ إدارية ؛ بحيث يراعى التوازن الديمغرافي بين الدوائر، حتى لا يكون الفرق صارخا، مما يمس بمبدأ التمثيلية.
إن هذا التوجه نجده حاضرا في ذهنية المشرع الفرنسي الذي ألح في قرار صادر سنة 1985 على أن النواب ينتخبون على أساس المعطى الديمغرافي؛ فيما اختار المغرب وفقا للمرسوم رقم 2-97-786 تحديد المقاعد المخصصة لكل عمالة أو إقليم وكذا تحديد التركيبة الترابية للدوائر الانتخابية على معيار عدد السكان في وحدة من هذه الوحدات الادارية انطلاقا من إحصاء للسكان بحيث أن معدل السكان في كل دائرة انتخابية يتحدد في 80000 نسمة.
بيد أن هذه الاعتبارات كثيرا ما يجنح المشرع إلى الانحراف عنها بدعوى المصلحة العمة وهو التوجه الذي نجده حاضرا في ذهنية المشرع الفرنسي.
حيث سجل أصحاب المؤلف القانون الانتخابي المغربي الباحثون عسو منصور واحمد مفيد ونعيمة البالي وجود استثناءات ترد على قاعدة التوازن الديموغرافي للدوائر ليتم رصد ثلاثة تليينات في فرنسا واثنتان في المغرب يجب إعمالها في حدود ضيقة كي لا تصبح هي القاعدة والتوازن هو الاستثناء نجد بمقتضى التليين الأول الذي يؤخذ به في المغرب امكانية استبعاد التوازن الديمغرافي وذلك من أجل التمثيل الأدنى لكل عمالة أو اقليم مثلما توضحه مقتضيات مرسوم رقم 786-97-2.
إن استبعاد التوازن الديمغرافي ينتج أو لا عن مبدأ القاضي بتخصيص مقعدين على الأقل لكل عمالة أو إقليم مهما كان عدد سكانها وذلك لضمان رابطة متينة بين الناخبين ومنتخب الدائرة.
أما التليين الثاني فيهم أساسا فرنسا لكن لا بأس من ذكره ويستخلص من المميزات الخاصة بأراضي ما وراء البحار التي قد تتطلب استعمالا مختلفا للمعيار الديموغرافي.
ويهدف التليين الثالث إلى الأخذ بعين الاعتبار الحقائق الطبيعية لبعض الوحدات الجغرافية والمتضمنات التي توحدها بشرط ألا يتجاوز فارق التمثيل لدائرة على أخرى من نفس المقاطعة 20 في المائة بالنسبة لمعدل الساكنة وقد استعمل المرسوم 786-97-2 هذه الصيغة للتعبير عن هذا التليين الثالث .[5]
ثالثا :ينبغي في التقطيع أن يحترم مبدأ الاستمرارية الترابية والمجالية.
المحور الثاني
مميزات التقطيع الانتخابي بالمغرب
ظلت إشكالية عدم اختصاص السلطة التشريعية بالبث في التقطيع الجماعي بالمغرب محط نقاش قوي بالمغرب على اعتبار أن هناك دول مثل موريتانيا والجزائر ترجع التقطيع الانتخابي للسلطة التشريعية ليتم ذلك بموجب قانون؛ فيما يعتبر التقطيع الانتخابي في المغرب من اختصاص السلطة التنظيمية وفي حالة الجماعات المحلية يتم التقطيع بواسطة مرسوم الوزير الأول باقتراح من وزير الداخلية.
ويتميز التقطيع الانتخابي في المغرب بجملة من المحددات، يمكن إجمالها في بداية المسلسل الانتخابي بوجود تمثيل ممركز للبوادي بينما اليوم أمسى هذا التمثيل يتراجع بشكل ملحوظ نتيجة للتقارب الحاصل في عدد سكان القرى والحواضر دون أن ننسى وجود فوارق كبرى في حجم الدوائر… وإن كان التقطيع الانتخابي قد سار في اتجاه حصر الدوائر الانتخابية القروية في نسبة 9 في المائة، فإن حوالي 58 في المائة من الدوائر هي دوائر مختلطة، يغلب عليها المكون القروي. كما أن نسبة 20 في المائة كهامش للفرق الديمغرافي بين الدوائر، كما وضعته مراسيم التقطيع،هي نسبة في الغالب لم يتم احترامها.
وقد تقُرر الاحتفاظ بالتقطيع الانتخابي الذي تم اعتماده في انتخابات 2002 مع ملاءمته مع بعض التغييرات التي أدخلت على التقسيم الإداري خصوصا بعد تطبيق نظام وحدة المدينة.
فكيف ينظر الفرقاء السياسيون إلى مسألة التقطيع الانتخابي؟
ثمة تصورات متباينة في مواقف الأحزاب السياسية بخصوص مسألة التقطيع الانتخابي ؛ بحيث تتحكم اللحظة الانتخابية وغياب أفق سياسي واستحضار التكتيكات الانتخابوية الضيقة لدى الفاعل الحزبي في تعاطيه مع هذه المسألة دون تحديد استراتيجية شمولية تؤطر لانتخابات مغرب 2030.
الأمر الذي يفرض على سلطة الوصاية استحضار كل هذه المعطيات؛ فبعدما نجحت وزارة الداخلية مؤخرا في إدارة سلسلة مشاورات جادة حول الميثاق مع مختلف المعنيين بالمجال يطرح اليوم رهان من نوع آخر يكمن في إيجاد قدر كبير من التوافق والتراضي حول طبيعة التقطيع الانتخابي المزمع تطبيقه في الاستحقاقات الجماعية لسنة2009 بغية إصلاح الاختلالات التي أنتجها التقطيع السابق بعيدا عن منطق الإرضاء والإقصاء واستجابة لحكامة محلية جيدة.
وتبعا لنتائج الإحصاء العام يفرض التوجه توسيع نظام وحدة المدينة[6] مقابل تقليص عدد المقاطعات على أساس أن يتم إشراك فعلي لرؤساء المقاطعات في مجلس المدينة من خلال توسعة حجم مشاركتهم التمثيلية داخل مجلس المدينة .
ووفقا لتقارير صحفية سيشمل التعديل 300 جماعة معنية بالتغيير من أصل 1497 جماعة، مما قد يضيف حوالي 3000 مقعد من أصل حوالي 23 ألف مقعد، مع الإشارة إلى أن بعض الجماعات هي معنية بالنقصان وليس الزيادة، وسيخضع ذلك لمجموعة من المعايير ذات العلاقة بما هو ديموغرافي وجغرافي واقتصادي واجتماعي، وتقدمت وزارة الداخلية لتعلن أنه سيتم تشكيل لجنة وطنية تشمل فعاليات سياسية واقتصادية وخبراء للنظر في مشروع التقسيم. .[7] وهو توجه سليم اختطه السلطة المعنية من خلال إشراف فعلي لمختلف الفاعلين ذلك أن هذا الاشراك هو الذي سيضمن للقوانين الانتخابية القادمة استمرايتها ونجاعتها لأنها منبثقة من القواعد ومبنية على أسس علمية جادة.
بيد أن نجاح التقطيع الانتخابي لا يتوقف فقط على الحياد القانوني للسلطة بل يتوقف كذلك على ضَرورة فتح نقاش سياسي صريح بين مختلف الفرقاء ومحاولة إيجاد نوع من الحلول التوفيقية بين مختلف هؤلاء الفرقاء حتى لا يشعر أي طرف سياسي بأنه مستهدف من تموضع هذا التقطيع أو ذاك.
اترك تعليقاً