لجان التدقيق على شركات الأموال
أولى المشرع عناية خاصة بالمساهمين/الشركاء في شركات الأموال؛ وذلك بغية المحافظة على حقوقهم وعدم تغول الإدارة عليها وذلك تماشياً مع مبادئ الحاكمية المؤسسية وانسجاماً مع حماية حقوق المستثمرين المحليين والاجانب على حد سواء، وبما يعزز عملية جذب وتوطين الاستثمار في ظل بيئة استثمارية آمانة تسهم في توفير المزيد من فرص العمل ونمو الاقتصاد.
وفي هذا الاطار فقد أبرز المشرع عدة وسائل قانونية (ادارية) تكفل تحقيق مستوى جيد من حماية المستثمر، ومن ضمنها حقه في حضور اجتماعات الهيئات العامة العادية وغير العادية وحق المناقشة والاعتراض و/او اللجوء الى الجهات الرقابية و/او القضائية ومن ضمن هذه الامور حق المساهم/الشريك بطلب تشكيل لجان تدقيق على أعمال الشركة المالية والادارية ان كان هناك اسباب مبررة لذلك، وبحيث تقوم الجهات الرقابية (دائرة مراقبة الشركات) بتولي زمام هذا الأمر لغايات تعزيز أمن وحماية الاستثمار في المملكة.
وسوف نتعرض في العجالة التالية لاجراءات وموجبات تشكيل لجان التدقيق على أعمال الشركات وأسس تشكيلها وخطوات عملها، وفقاً لما يلي:
أولاً: التحقيق من صحة الابلاغ عن وجود مخالفات (لجنة التجاوزات الادارية):
اوجب القانون على رئيس مجلس او احد اعضائها او المدير العام او مدقق حسابات الشركة ((المحاسب القانوني)) ان يبلغ مراقب عام الشركات عن اي تجاوزات قد تؤثر على الشركة و/أو من شانها أن تلحق ضررا بالمساهمين. وفي حال عدم قيام المذكورين اعلاه بالتبيلغ، فإنه/انهم سيقعون تحت طائلة المسؤولية التقصيرية بالاضافة الى ما هو منصوص عليه بالمواد (157، 158،159) من قانون الشركات.
ومن جهة أخرى، وبتطبيق روح النص القانوني، فإنه وفي حال امتناع أي ممن تقدمت صفاتهم عن الادلاء بوجود اخلالات وتجاوزات قد تؤثر على الشركة، فانه يحق لاي مساهم التقدم بطلب لمراقب الشركات بذلك، موضحاً فيه نقاط الخلل بالادارة واثره على المساهمين والاطراف ذات العلاقة، وفي هذه الحالة وكون الادارة لم تبلغ مراقب الشركات بوجود تلك التجاوزات، فإن على مراقب الشركات ومن باب الرقابة الوقائية تشكيل لجنة للتحقيق حول هذا البلاغ الذي قدم إليها بالسرعة الممكنة، تحقيقاً لدور دائرة مراقبة الشركات بوصفها جهة رقابية.
وإن ما يحدث في بعض الأحيان من مماطلة دائرة مراقبة الشركات للقيام بهذا الاجراء والتريث لحين مخاطبة ادارة الشركة لغايات قيام أحد الاعضاء بتقديم الشكوى، ما هو إلا تفسير غير سوي لنصوص القانون ويعكس انعداماً بفهم الغاية التي تم اقرار النص من أجلها؛ إذ أن الحكمة من ايراد النص هو الضلوع بواجب الرقابة، لا ترك الفرصة أمام المقصر ليزيد في تقصيره -حال كان كذلك-.
ثانياُ: لجان الرقابة التلقائية (اللجان الفرعية – لجنة التحقق):
على صعيد آخر، فقد منح المشرع حق لوزير الصناعة والتجارة ومراقب عام الشركات ومن تلقاء نفسه التحقق من خلال لجان خاصة يشكلها، للتأكد من ان الشركة ملتزمة باحكام القوانين والانظمة والعقود والقرارات التي يتخذها مجلس الادارة وفحص حسابات الشركة ودفاترها والتأكد من التزام الشركة بالغايات التي اسست من اجلها وهي صلاحية مرنة للوزير و/او المراقب وحماية لصغار المساهمين الذين لا يملكون السبب القانوني الكافي لغايات تشكيل لجنة تدقيق.
ونلاحظ بصورة عامة، أن دائرة مراقبة الشركات نادراً ما تقوم من تلقاء نفسها بمتابعة أي من الشركات و/أو تشكيل اللجان الخاصة لغايات متابعة و/أو الرقابة على أي من الشركات.
ثالثا: لجان الرقابة التلقائية (اللجان الفرعية – اللجنة الخاصة):
لغايات تأكيد حوكمة الشركات واحكام الرقابة الوقائية والمحافظة على حقوق المساهمين والعاملين والاطراف ذوي العلاقة فان المشرع منح صلاحيات لوزير الصناعة والتجارة بناء على تنسيب المراقب بتشكيل لجنة خاصة للقيام بتدقيق حسابات الشركة واعمالها والاطلاع على سجلاتها ودفاترها ومستنداتها وتدقيقها في مقر الشركة ومنح اللجنة حق توصية الاستيضاحات لموظفي الشركة ومدقق حسابات الشركة.
وهذه اللجنة لها صلاحيات ومهام اكثر من لجنة التحقق المذكورة اعلاه ويتم غالباً تشكيل مثل هذه اللجان اذا وصلت معلومات عن الشركة بوجود بعض التجاوزات او بناء على طلب مقدم من مساهم او اكثر او من المتعاملين مع الشركة او العاملين فيها.
وهذه ميزة مرنة لتوكيد الرقابة الوقائية والمحافظة على الاستثمار.
رابعاُ: اللجان الأساسية – لجنة التدقيق (المرحلة الأولية):
حصر القانون تشكيل لجنة التدقيق على أعمال الشركة واجراءات تشكيلها ضمن اسس محددة، وبحيث يتم تشكيل هذه اللجنة (حصراً) بناءً على طلب مقدم من أي من التالية صفاتهم:
مساهمين/ شركاء يملكون اكثر من (15%) من رأسمال الشركة. (راجع مقالتنا السابقة حول تعديلات قانون الشركات الأردني لعام 2017 لغايات الوقوف على النسب الجديدة المؤهلة لتشكيل اللجان).
او ربع اعضاء مجلس الادارة او هيئة المديرين على الأقل.
حيث يستطيع ان يتقدم المساهمون الذين يملكون اكثر من 15% او ربع اعضاء مجلس الادارة/هيئة المديرين، بطلب موقع من جميع المساهمين مبيناً فيه اسم المساهم/الشريك وعدد الاسهم/الحصص والتوقيع بجانب كل اسم، يبين فيه الاسباب الموجبة لطلب تشكيل لجنة تدقيق على أعمال الشركة.
وبعد التحقق والدراسة من قبل مراقب عام الشركات، وما يتلوه من اقتناعه بالطلب وجديته، فانه يقوم بالطلب من طالبي التدقيق على اعمال الشركة بتقديم كفالة بنكية لصالح وزارة الصناعة والتجارة والتموين وفق ما يحدده المراقب لغايات تغطية نفقات التدقيق. وبعد ذلك يقوم بتشكيل لجنة من خبير او اكثر وتقدم اللجنة تقريرها.
وتكون نفقات التدقيق على طالبي التدقيق في حال لم يكونوا محقين بطلبهم وبخلاف ذلك تكون نفقات التدقيق على عاتق الشركة المطلوب التدقيق على أعمالها.
وفي هذا الصدد، فنرى بأن نفقات لجنة التدقيق يجب أن تتحملها ادارة الشركة (مجلس الادارة/هيئة المديرين/المدير العام) حال ثبوت كونها مقصرة؛ كونها المسؤولية عن تلك المخالفات التي تم ايرادها في التقرير؛ إذ أن من غير المنطقي تحمل الشركة المطلوب التدقيق على أعمالها هذه النفقات -التي قد تكون مرتفعة- لسبب يعود لخطأ ادارتها.
خامساً: اللجان الأساسية – لجنة التحقيق (مرحلة متقدمة):
اذا ظهر في لجنة التدقيق وفق ما ورد بالبند رابعاً اعلاه مخالفات على الشركة المطلوب التدقيق على أعمالها، فإن المشرع وابتغاءً منه الى تثبيت عجلة الاقتصاد وحرصاً منه على عدم المساس بمجلس الادارة/ هيئة المديرين والاساءة الى سمعتهم، ولمزيد من الحيطة والحذر، قد مكن مراقب عام الشركات بامكانية التنسيب لوزير الصناعة والتجارة لغايات احالة التقرير الصادر عن لجنة التدقيق الى لجنة تحقيق يتم تشكيلها من موظفي دائرة مراقبة الشركات.
ولجنة التحقيق هي مرحلة متقدمة -نادرة التشكيل في الواقع العملي- وهي تمثل صلاحية اختيارية لوزير الصنعاة والتجارة. ويكون لهذه اللجنة الاطلاع على الاوراق والوثائق التي تراها مناسبة و/او التدقيق مجدداً في بعض الامور التي عالجتها لجنة التدقيق.
وللجنة التحقيق صلاحية أوسع من لجنة التدقيق، إذ تملك هذه اللجنة توجيه الشركة لتصويب اوضاعها وفق توصيات محددة واطار زماني محدد و/أو إحالة الأمر الى المحكمة المختصة من تلقاء نفسها.
وعليه، وفي اطار الحديث الضيق عن لجان التدقيق على أعمال شركات الأموال، فقد لاحظنا وجود نوعين أساسيين من اللجان المعنية بالتدقيق، ولعل أساس التفرقة الجوهرية فيما بينهما هو آلية تشكيل تلك اللجان، ففي حين تتطلب اللجان الفرعية مجرد لفتة نظر من قبل أحد المساهمين و/أو ذوي المصلحة الى مواطن التقصير و/أو التجاوز في الشركة، فإن اللجان الأساسية تتطلب وبصورة حصرية وجود نصاب معين و/أو جهة معينة لتقديم طلب تشكيل لجنة التدقيق على الأعمال.
وعلى الرغم من الاختلاف المتقدم فيما بين أنواع اللجان، إلا أن تشكيلها جميعاً مرهون بموافقة مراقب الشركات وصلاحياته التقديرية على تشكيل مثل هذا النوع من اللجان ووفق ما ينص عليه قانون الشركات.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً