الاحتجاج بمخرجات التقنية … والعقار
من عناصر التقنية الإلكترونية: التوقيع الإلكتروني والهوية الإلكترونية ومدى دلالتهما على شخصية المتعاقدين ورضاهما، والمستخرجات الإلكترونية وقوتها في الاحتجاج وإمكانية نسبتها إلى من صدرت عنه، واختلاف مجلس المتعاقدين وأثره في صحة العقد، وإمكانية اختراق الشبكات والحاسبات وأثرها في الاحتجاج.
ولا يمكن في هذا المقال تفصيل كل ما سبقت الإشارة إليه، إلا أنه للتعرف على موقف المدرسة الفقهية في المملكة – إجمالا- من هذه المستجدات فلابد من الإشارة إلى أن المذهب الحنبلي هو المذهب السائد في المملكة فقها وقضاء، وقد تأثر كثيرا بأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وظاهر مذهب الإمام أحمد، واختاره بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو المعمول به في الفقه والقضاء السعودي، أن العقود تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل، وأن وسائل الإثبات غير محصورة في عدد معين بل تشمل كل ما يظهر الحق ويوضحه، يقول ابن قيم الجوزية: “البينة في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق، فهي أعم من البينة في اصطلاح الفقهاء حيث خصوها بالشاهدين أو الشاهد واليمين”، كما صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (54/3/6) لعام 1410هـ والمتضمن أنه:
أ- إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول)، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي “الكمبيوتر” ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
ب- إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد، وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي فإن التعاقد بينهما يعد تعاقدا بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء.
ج- إذا أصدر العارض بهذه المسائل إيجابا محدد المدة يكون ملزما بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس لـه الرجوع عنه.
د- إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.
هـ- ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات.
وهذه النصوص تدل في مجملها على أن التوجه الفقهي داعم للاحتجاج بمخرجات هذه التقنية وصحة الاستناد إليها، وهو ما أخذت به المحاكم في الجملة، حيث إنها تحتج بهذه المخرجات في أحكامها كما في القرار رقم 105/21/ق وتاريخ 17/3/1426هـ الصادر من المحكمة الجزئية في الرياض، والمؤيد من محكمة التمييز قرارهم رقم 279/ج2/أ وتاريخ 27/4/1426هـ، والمتضمن اعتبار ما ورد في رسائل الجوال والاستناد على مضمونها.
وفي المملكة صدر “نظام التعاملات الإلكترونية”، والذي يهدف إلى ضبط التعاملات والتوقيعات الإلكترونية وتنظيمها وتوفير إطار نظامي لإرساء قواعد نظامية موحدة لاستخدام التعاملات والتوقيعات الإلكترونية، وتسهيل تطبيقها في القطاعين العام والخاص بوساطة سجلات إلكترونية يعول عليها، وإضفاء الثقة في صحة التعاملات والتوقيعات والسجلات الإلكترونية وسلامتها، وتيسير استخدام التعاملات والتوقيعات الإلكترونية على الصعيدين المحلي والدولي للاستفادة منها في جميع المجالات كالإجراءات الحكومية والتجارة والطب والتعليم والدفع المالي الإلكتروني.
إلا أن النظام استثنى بشكل غريب التعاملات المتعلقة بإصدار الصكوك في الأحوال الشخصية والعقار إلا بعد السماح بذلك من الجهة المسؤولة، وإذا كان مقبولا – نوعا ما- استثناء ما يتعلق بالمعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية لما هو معلوم من الخلافات حولها وخطورتها حتى يتم وضع الضوابط المتعلقة بها من قبل الجهة المعنية، فإنه من غير المقبول استثناء ما يتعلق بالعقار، وذلك لأن هذا الجانب وهو السماح بإجراء العقود العقارية وإصدار الصكوك من خلال وسائل التقنية الحديثة من ضرورات التطور المنشود في هذه المجالات، وتقتضيه المعطيات الحالية للسوق العقارية بالدرجة الأولى لما هو معلوم من تنامي هذه السوق في المملكة وكونها تتطلب الكثير من المرونة.
اترك تعليقاً