الاحصاء الجنائي ودوره في رصد ومكافحة الظاهرة الاجرامية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بحث للدكتور محمد عبد المحسن المجتومي
الإحصاء الجنائي ودوره في رصد ومكافحة الجريمة
د.محمد عبد المحسن سعدون
مدرس
المعهد التقني في النجف الاشرف
ملخص البحث:
تعد الجريمة مرضا خطيرا تسعى المجتمعات كافة جاهدة إلى تشخيصه وعلاجه والوقاية منه، ولن يتأتى ذلك إلا بالحصول على المعلومات كافة عنها والتي يوفرها لنا الاحصاء الجنائي .ويهدف هذا البحث إلى التعرف على ماهية الاحصاء الجنائي، وأهميته و فوائده والمصادر التي يستقى منها والمعوقات التي تعترض الإحصاء الجنائي.وصولا إلى وضع أسس تطوير الاحصاء الجنائي.
وخلص البحث إلى ضرورة التحول إلى نظام الحاسب الآلي والشبكات الالكترونية في العمل الإحصائي، وتوزيع مدخّلي البيانات وفقا لحجم العمل في مختلف المحاكم ومديريات الشرطة والسجون، وتفريغهم للعمل الإحصائي، وتوحيد النظام الإحصائي في الدولة واستخدام البرامج والحزم الإحصائية الجاهزة.
Abstract
This research is aiming to recognize the reality of criminal statistic
Nature of criminal statistic, its importance, firstly understand the
, its benefits and the quality.
Obstacles facing those who deal with the statistic system and we are going to clarify its mechanism.
We shall know the material and human capabilities and the restraints of statistic performance through explaining the technical state of the utilized problems facing data. And how we progress the criminal statistics.
The study concluded to a result that it is necessary to introduce the
Computerization and electronic net in the statistic work
To distribute data introducers according to the volume of the
Work in the different police departments and sections as well as they
Shall be devoted to the statistic work. The system of statistics in the
State should be unifies this system have to be used in all
Departments in the State, which can be connected by
The electronic net.
المقدمة
لقد اكتسب الإحصاء أهمية متزايدة في العلوم الإنسانية والاجتماعية ولاسيما علم الإجرام ،ولم يعد قاصرا على ميادين علمية صرفة أو علوم تتعامل بالأرقام كما وكيفا كعلم الاقتصاد أو التجارة وغيرها من العلوم.بل أصبحت للإحصاء الجنائي مكانة متميزة بين سائر ميادين الإحصاء الأخرى، وقد تطورت هذه الإحصاءات على اختلاف أنواعها خلال العقود الثلاثة الماضية بوتائر أعلى من تلك التي تحققت في ميادين الإحصاءات الأخرى، حيث تؤكد الإحصاءات الجنائية في كثير من دول العالم اتساع نطاق الإجرام وتعدد صوره وألوانه، مما يضع المجتمعات أمام مشكلة كبيرة لابد من التصدي لها ومواجهتها بمختلف الوسائل والسبل.
وللإحصاء الجنائي دور كبير في مواجهة هذه المشكلة من خلال تسليط الأضواء على الظاهرة الإجرامية وما تتصف به ، والوصول إلى حجم هذه الظاهرة وأبعادها ،والعوامل المؤثرة بها ،وتحديد العلاقة بين الجرائم والمجرمين ، وعلاقة ذلك بالزمان والمكان ، وبالظروف الاجتماعية والتربوية والنفسية والاقتصادية ، وبالتغيرات التي تطرأ على هذه الظروف ، ومدى تأثيرها على ظاهرة الإجرام ، وقدرتها على الحد من إجرام المجرمين من جهة ، أو دفعهم إلى ذلك من جهة أخرى .ولا شك أن ذلك سيمهد السبل أمام إعطاء الحلول المناسبة للحد من الظاهرة الإجرامية.
اهميةالبحث:
اكتسب الإحصاء الجنائي أهمية كبيرة في الآونة الأخيرة نتيجة للتطور الكبير في وسائل وأدوات التحليل الإحصائي،حيث مكنت أجهزة العدالة الجنائية من التعامل مع الكم الهائل من المعلومات المتفرقة وتحليلها واستخراج المؤشرات الإحصائية ذات الدلالة العلمية والعملية في قياس حجم الجريمة، والكشف عن طبيعتها وأسبابها ودوافعها، وتحديد اتجاهات تغيرها، وتوضيح آثارها وانعكاساتها على الفرد والأسرة والمجتمع ، وذلك تمهيدا لاقتراح أنجع السبل وانسب الإجراءات لمواجهتها ومعالجتها والوقاية منها.
ونظرا لهذه الأهمية فقد عمدنا لدراسة هذا الموضوع، وكلنا أمل أن يكون بحثنا إضافة جديدة، تسلط الأضواء على مدى أهمية هذه المشكلة في العراق وغيره من الدول.
مشكلة البحث:
بالرغم من كل تلك الجهود التي تبذل في ميدان الإحصاء الجنائي فما زال المتحقق دون مستوى الطموح والسبب يعود إلى تفاوت الاهتمام بالإحصاء الجنائي بين مختلف الدول ، وتعدد الجهات المعنية بالبيانات الإحصائية الجنائية في الدولة الواحدة، وتفاوت التكييف القانوني الجنائي للجرائم والنظرة القاصرة إلى مسألة دقة البيانات الإحصائية الجنائية، ولا شك أن هذه الأمور وغيرها تسهم في إضعاف مصداقية بيانات وأرقام الجريمة في المجتمع. ولابد لجهات القرار أن تعيد النظر في موقفها من الإحصاءات الجنائية، وتوفر القاعدة العلمية لها، وتهتم بتنمية الكوادر والملاكات المتخصصة، وتطور كفاءة الملاكات الإحصائية الوطنية، وتوفر البيانات الدقيقة عن الجريمة في مجتمعنا لكي تتمكن مراكز البحوث والدراسات والجامعات من أن تسهم في تحليل اتجاهات الجريمة وتعين المخطط الأمني في وضع البرامج الوقائية اللازمة للحد من معدلات الجريمة.
أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى مناقشة مجموعة من الأهداف يمكن استعراضها على النحو الآتي:
1. المقصود بالإحصاء الجنائي
2. التعرف على أهمية الإحصاء الجنائي وفوائده.
3. التعرف على مصادر الإحصاء الجنائي، وأي مصدر من هذه المصادر يمكن أن يعكس الحقيقة عن حجم الجريمة في مجتمع ما.
4. معوقات العمل الإحصائي بوجه عام.
5. كيف يمكن أن نضع أسس مشروع تطوير الإحصاء الجنائي.
منهجية البحث:
يعتمد هذا البحث منهجا وصفيا وتحليليا يسعى إلى الوقوف على الطرق المتبعة في الإحصاء الجنائي والمصادر التي يعتمد عليها في جمع المعلومات والبيانات وتحليل تلك المصادر وإبراز جوانبها الايجابية والسلبية للوصول إلى أفضل السبل التي يجب إتباعها في الإحصاء الجنائي.ويتكون البحث من:
المبحث الأول:مفهوم الإحصاء الجنائي
المطلب الأول:تعريف الإحصاء الجنائي وتطوره
المطلب الثاني:أغراض الإحصاء الجنائي
المطلب الثالث: مصادر الإحصاء الجنائي
المبحث الثاني:واقع الإحصاء الجنائي وتطويره
المطلب الأول: واقع الإحصاء الجنائي الرسمي
المطلب الثاني: عيوب الإحصاء الجنائي
المطلب الثالث: أسس تطوير الإحصاء الجنائي
المبحث الأول
مفهوم الإحصاء الجنائي
لقد بدأ مفهوم الإحصاء يتبلور منذ أن عرف الإنسان العد ولقد وردت كلمة إحصاء في المخطوطات القديمة للفراعنة وكذلك الإغريق والرومان ( ) ومن اجل الوقوف على مفهوم الإحصاء الجنائي سنتناول تعريف الإحصاء الجنائي وتطوره في المطلب الأول ، أما المطلب الثاني فنتناول فيه أغراض الإحصاء الجنائي.ونتناول مصادر الإحصاء الجنائي في مطلب ثالث
المطلب الأول
تعريف الإحصاء الجنائي وتطوره
كلمة إحصاء مشتقة من الفعل (يحصي) و (أحصى).وأحصى الشيء أحاط به, واحصيت الشيء عددته, والإحصاء :العد والحفظ( ) وقد أشار القران الكريم إلى الإحصاء في حوالي ثمان وثلاثين أية نذكر منها ما يليالاحصاء الجنائي ودوره ومكافحة الظاهرة ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها)( ).(وكل شيء أحصيناه كتابا)( )(وأحصى كل شيء عددا )( ).
ويختلف مدلول كلمة إحصاء فهي تعني عند البعض مجرد البيانات والأرقام المتاحة، بينما تعني عند البعض الآخر طرق جمع وتلخيص وعرض ووصف هذه البيانات، وتمثل عند آخرين وسيلة من وسائل اتخاذ القرار في مواجهة ظروف عدم التأكد( )
يعرف الإحصاء اصطلاحا بأنه علم يبحث في طريقة الحقائق الخاصة بالظواهر المختلفة، وذلك بالمشاهدات المتعددة، وفي كيفية تلخيصها بشكل رقمي قياسي يسهل معرفة اتجاهات هذه الظواهر( ).ويعرف الإحصاء كذلك بأنه أسلوب علمي لجمع البيانات عن إحدى الظواهر وتبويبها وتصنيفها وعرضها وتحليلها ( )
والإحصاء كعلم، يعتبر الآن من أهم العلوم لان التخطيط الحديث في أي مجال لا يعد علميا إلا إذا تم بعد الحصول على المعلومات الصحيحة ، وقد ارتبط علم الإحصاء بكل نواحي العلوم المختلفة وأصبح يمثل العمود الفقري لأي دراسة علمية عن أي ظاهرة يمكن الاعتماد عليها.
أما الإحصاء الجنائي فهو وسيلة من وسائل البحث العلمي الذي يترجم خصائص وسمات الظاهرة الإجرامية إلى أرقام بأسلوب يركز على دراسة الشخصية الإجرامية متبعا إياها باستعراض أساليب الفعل الإجرامي وسماته من حيث الحجم والنوع والزمان والمكان والأسلوب والنمط والدافع مستهدفا التوصل من خلال ذلك إلى العلاقة بين الجريمة والمجرم، وبين المتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية وغيرها ، التي تساعد الشخص أو تدفعه إلى ارتكابها( ).
والإحصاء الجنائي اعتمد رسميا في فرنسا كأحد وسائل رصد الجريمة منذ عام 1826م ( ) ، وفي بريطانيا فان أول من اهتم بموضوع الإحصاء الجنائي العالم البريطاني (جريمي بنثام)وذلك عام 1778م حيث أوصى المحاكم بان تحصي الأحكام الصادرة منها( )، وقد اعتمد رسميا في بريطانيا عام 1856 م، ومنذ ذلك الوقت اهتمت المحاكم بإحصاء عدد القضايا التي تم النظر والتصرف فيها، وبدأت المحاكم بعد ذلك تحتفظ بسجلات لهذه الإحصاءات.أما في الولايات المتحدة الامريكية فقد اعتمد الإحصاء الجنائي رسميا في سنة 1933 م من طرف مكتب التحقيقات الفدرالية تحت مسمى التقرير الإحصائي الموحد( ).
أما في العراق فقد كان الإحصاء في الثلاثينات شعبة في وزارة الاقتصاد والمواصلات ، بعد أن تم تقسيمها إلى وزارتين. في سنة 1939 ألحقت هذه الشعبة بوزارة الاقتصاد باسم (الدائرة الرئيسية للإحصاء). بموجب قانون الإحصاء رقم 42 لسنة 1939.وفي سنة 1956 أدمجت معها الدوائر والأقسام الإحصائية الموجودة في بعض دوائر الدولة ومنشاتها وعلى اثر ذلك سميت بـ (دائرة الإحصاء المركزية).
وفي سنة 1959 صدر قانون السلطة التنفيذية الذي استحدثت بموجبه وزارة التخطيط وألحقت بها دائرة الإحصاء المركزية ورفعت درجتها إلى مديرية عامة بتاريخ 1/7/1959.
و في سنة 1968 صدر نظام وزارة التخطيط الذي استحدث بموجبه الجهاز المركزي للإحصاء. وفي سنة 2004 أعيد النظر في الهيكل التنظيمي والفني للوزارة التي أصبحت تسميتها(وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي) لتنسجم مع طبيعة الاهتمامات والأنشطة التي تمارسها الوزارة على ارض الواقع وأصبح اسم الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات بعد إن استحدثت فيه دائرة عامة باسم (دائرة تكنولوجيا المعلومات). يختص الجهاز بالعمليات الإحصائية المتعلقة بتعداد السكان العام والتعداد بالعينة وجميع العمليات الإحصائية الزراعية والصناعية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية والثقافية وغيرها مما له علاقة بالدوائر الرسمية وشبه الرسمية والمؤسسات العامة والخاصة والشركات عموما والإفراد وحالة المواطنين وفعالياتهم بما يخدم التخطيط والتنمية القومية والبحث العلمي.
ويستعين الإحصائيون الجنائيون بقواعد الإحصاء العامة وبقواعد العلوم الاجتماعية والجنائية، وأصول البحث العلمي لإجراء تحليل علمي منهجي لتبيان عناصر الظاهرة الإجرامية والتعرف على سماتها من خلال ملاحظة التكرارات، والمؤشرات والمعدلات الإحصائية، ومعامل التباين والارتباط، والقيم المرجحة والنسب…ونحو ذلك, من أجل تفسير البيانات واستنباط الحقائق المرتبطة بالظاهرة محل الدراسة .
ويتضح مما تقدم أن هناك فرقا بين كلمة “إحصاء” وكلمة “إحصائيات” حيث تعني كلمة إحصاء مجموعة من الأساليب العلمية التي تستخدم في جمع وتصنيف وتبويب وعرض البيانات الإحصائية ومن ثم معالجتها بالتحليل والتفسير بهدف التعرف إلى الظاهرة قيد الدراسة. أما كلمة إحصائيات فتطلق على البيانات الإحصائية الرقمية التي تصف ظاهرة ما، مثل عدد الجرائم المرتكبة خلال فترة معينة وكذلك تقارير المواليد والوفيات أو إحصاءات البطالة والعمالة….ونحو ذلك, ويعد الإحصاء كبيانات رقمية هو المادة الخام للإحصاء العام.
الطرق الإحصائية لدراسة الجريمة:
هناك طريقتان وهما( ):
1. طريقة إحصاء الجريمة: تعني دراسة الجريمة دراسة كمية بتجميع بياناتها العددية وتصنيفها وتوضيح العلاقة بين حجمها والمتغيرات الفردية والاجتماعية والطبيعية وتحديد العلاقة بين الأحكام الصادرة ضد الجناة وبيانات الذين تم القبض عليهم وتصنيفهم بغرض الوصول إلى تحاليل وافتراضات مبنية على بيانات الفئة العمرية مثلا( ).
ونلحظ إن هذه الطريقة لا تقدم تفسيرا سلبيا للجريمة، إنما تقدم اتجاهاتها التي تربط بين مناسيبها وعامل أو ظرف معين، كما أنها تعد مادة أولية للبحث الجنائي لوضع الفرضيات العلمية من خلال بحث علمي ودراسة ميدانية.
2. طريقة إحصاء المجرمينالاحصاء الجنائي ودوره ومكافحة الظاهرة )وتهتم بجمع البيانات عن مرتكبي الجرائم برصد بيانات ومعلومات كاملة عن سماتهم وخصائصهم وظروفهم وحالاتهم الاجتماعية لتحديد درجة الميل النفسي للجريمة مثلا وسط أي فئة من المجتمع وفي أي الأعمار وأي الجرائم هي ارتيادا لكل فئة ولماذا ؟
وبهذه الطريقة نستطيع أن نربط بين خط سير الظاهرة الإجرامية وبين ظاهرة اجتماعية أو طبيعية معينة في مكان محدد. ومن ثم دراسة تأثير هذه الظواهر والظروف على حجم الظاهرة الإجرامية ارتفاعا أو انخفاضا.
المطلب الثاني
أغراض الإحصاء الجنائي
للإحصاء فوائد عدة جعلت منه الوسيلة الأمثل في تحديد حجم الظاهرة الإجرامية، وفي تهيئة مادة المقارنة بين الجرائم المختلفة بالأماكن والأزمنة المتعددة وتحديد عدد الجناة وبيان الوسائل والآلات التي استخدموها في ارتكاب الجريمة، لذا فقد وصفه البعض بأنه الأساس الذي قامت عليه دعائم البحث في علم الإجرام بمفهومه الحديث( ). ويصفه الأستاذ( ثورستين سيلين) بأنه:مرآة الجريمة وحساب الميزانية فيها( ).ويعده البعض من أهم وسائل البحث الاجتماعية في علم الإجرام وفي بحث الجريمة كظاهرة اجتماعية.
ويمكن إجمال فوائد الإحصاء الجنائي في النقاط الآتية:
1. إن الإحصاء الجنائي هو وسيلة تنير الطريق لبحث ودراسة العلوم الجنائية، حيث يلجأ الباحث إلى البيانات والمعلومات الإحصائية لتلمس النقاط الرئيسة ويوليها اهتمامه ورعايته والإحصاء الجنائي يجعلنا نقف على حقيقة الظاهرة الإجرامية، وعدد الجرائم التي وقعت وعدد المقبوض عليهم وتصنيفهم من ناحية الجنس والعمر والوضع الاجتماعي وحجم الإجرام في فترة زمنية محددة أو في منطقة معينة .
2. إن الإحصاء الجنائي مهم جدا لرسم السياسة الجنائية المستقبلية للدولة ( )، فهو دليل ميسور أمام المشرع ، يسترشد به لتتبع سير الإجرام ، ومراقبة اثر التشريع ، ومدى ملائمته بالنسبة لحجم الإجرام وردع المجرمين وإصلاحهم ، كما لو أريد معرفة اثر تشديد العقوبات على نوع معين من الجرائم أو استثناء آخر من التجريم ، أو ملاحظة مدى اثر الإفراج أو إيقاف التنفيذ في الأحكام .
3. يعد الإحصاء الجنائي وسيلة لتقويم مستوى الأداء في المؤسسات المرتبطة بإدارة العدالة الجنائية( ) سواء الإدارية أو القضائية أو العقابية حيث سيظهر مدى كفاءة تلك الأجهزة في منع ومكافحة الجريمة وفي معاملة المجرمين وإصلاحهم ، أو مدى تأثير السياسة العقابية على حالة العود لارتكاب الجريمة.
4. الإحصاء الجنائي يعطي الشرطة معيارا لتوزيع قواتها وإمكاناتها، فتعدل وتبدل خططها ونشاطها على نحو يحقق المزيد من الفعالية في منطقة معينة تشير الإحصاءات إلى زيادة جرائم بعينها ، كما إن الشرطة قد تكثف حملاتها في ساعات معينة في اليوم أو في يوم معين من الأسبوع أو موسم معين في السنة وذلك حسب مؤشرات الإحصائية الجنائية بتزايد معين من الجرائم في تلك الفترة .كذلك فأنها تعكس لمن هو خارج جهاز الشرطة مدى كفاءة وفعالية جهاز الشرطة ككل أو أي جزء منه.أو قد تكشف المفارقات بين الجرائم المبلغ عنها وتلك المكتشفة، وهذا بدوره يعكس مدى مقدرة الشرطة أو عجزها في مجال اكتشاف الجريمة( ).
5. إعلام الرأي العام عن أوضاع الإجرام في المجتمع وحصيلة جهود مؤسسات العدالة الجنائية وذلك تحقيقا وتدعيما لحق رقابة الرأي العام وكسبا لثقته وتدعيم مشاريع الإصلاح والتطوير ، وإتباع الطريقة السليمة لتربية النشيء وحماية الأحداث من الانحراف .
وفي نهاية الأمر فلابد أن نركز على إن الاحصاء الجنائي تعد مؤشرا هاما لمعرفة نجاح الدولة أو فشلها في محاربة الجريمة بصفة عامة.
المطلب الثالث
مصادر الإحصاء الجنائي
هناك بعض الأجهزة الرسمية التي يعتمد عليها في الإحصاء الجنائي، وذلك أثناء مرحلة إدارة العدالة الجنائية وهي:
1. إحصاءات الشرطة:
تذكر المصادر أن شرطة نيويورك هي أول مديرية شرطة شرعت بجمع أرقام مذكرات إلقاء القبض في عام 1840 م كما أنها استخدمت منذ عام 1858 م لتحديد أو لتبرير مدى حاجة ميزانية الشرطة إلى الزيادة سنوياً.
وتعد أجهزة الشرطة في مقدمة مصادر الإحصاء الجنائي نظراً لكون مراكز الشرطة هي غالبا أول من يتلقى الإخبار أو الشكوى عن الجريمة، لذلك يتم الاعتماد على محاضر الشرطة وملفاتها في تحديد أعداد الجرائم المبلغ عنها، أي الجرائم التي وصلت إلى علم السلطات الرسمية.
وهذه السجلات تعكس الحركة اليومية للظاهرة الإجرامية المسجلة وتحدد أبعادها بشكل يعد من أقرب الاحصاء الجنائي إلى الواقع وأوسعها نطاقاً في تبيان عدد الجرائم بأنواعها وتوزيع مناطقها وظروفها والمتهمين بها والتصرف بهم. ويتوقف مدى تقليص أو توسيع تفاصيل هذه البيانات على نوعية النظام الإحصائي المتبع وطرق تنميط وتوصيف الجرائم وأيضاً على مدى الدقة والاهتمام من قبل القائمين على شؤون الإحصاء.
وعندنا في العراق فان مديريات الشرطة في المحافظات تقوم بإعداد تقارير سنوية عن إحصاءات الجرائم المسجلة لديها وكنموذج على ذلك فقد حصلنا على عدد من الإحصاءات من مديرية شرطة الديوانية قسم الإحصاء،والجدولان الآتيان(جدول رقم 2،1 ) يوضحان نموذجا عن الإحصاء الجنائي في مديرية الشرطة في محافظة الديوانية.
جدول رقم (1)عدد الجرائم المسجلة لدى مديرية شرطة الديوانية
السنة عدد الجرائم المسجلة لدى مديرية شرطة المحافظة
2003 1210
2004 4001
2005 4984
2006 5635
جدول رقم (2) عدد الجرائم المسجلة في مديرية شرطة محافظة الديوانية حسب الأشهر والسنوات
الشهر عدد الجرائم لسنة 2005 عدد الجرائم لسنة 2006
كانون الثاني 305 402
شباط 273 504
آذار 330 595
نيسان 364 492
أيار 389 429
حزيران 565 452
تموز 668 470
آب 525 562
أيلول 563 466
تشرين الأول 406 500
تشرين الثاني 335 386
كانون الأول 261 377
المجموع 4984 5635
ويبدو من خلال الجداول هذه إن هذه الإحصاءات تفتقر إلى الكثير من المعلومات عن أعمار المتهمين وجنسهم ووظائفهم وطبقاتهم وأسرهم وكذلك الجريمة التي ارتكبت والظروف والملابسات التي أحاطتها ، وبالنتيجة فان هذه الإحصاءات تجعل المرء غير قادر على تكوين فكرة واضحة وشاملة عن أوضاع الجريمة في العراق إضافة إلى ان إحصاءات الشرطة تسجل كل الجرائم المبلغ عنها سواء أكانت كيدية أم غير كيدية ، وكذلك فإنها تفتقر إلى عدد الجرائم التي لم تصل إلى علمها لأسباب مختلفة يرجع بعضها إلى طبيعة الجريمة ذاتها لكونها من الجرائم التي تقع في الخفاء كجرائم الإجهاض مثلا ، ويرجع البعض الآخر منها إلى طبيعة المجني عليهم كالجرائم الماسة بالشرف والتي كثيرا ما يحجم المجني عليهم عن تقديم إخبار أو شكوى الى مراكز الشرطة تجنبا للفضيحة، ولذا فان إحصاءات الشرطة لا تعطي تعريفا دقيقا للأفعال المبلغ عنها .
وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه إلى إحصاءات الشرطة، فإننا نذهب إلى ما ذهب إليه العديد من باحثي علم الإجرام والبحث الجنائي، حيث كانت وما زالت إحصاءات الشرطة المعول عليها والأصلح نظراً لشموليتها وكونها الأكثر تعبيراً عن الواقع الجنائي من غيرها ولأنها تعكس على الأقل نسبة الجريمة التي وصلت إلى علم السلطات الأمنية.
2. إحصاءات القضاء:
إحصاءات القضاء هي الطريقة الأقدم لقياس الجريمة، وتعنى الاعتماد على حساب عدد الإدانات التي تصدرها المحاكم الجنائية، حيث أن إحصاءات الإدانة القضائية تعتمد على قرارات المحاكم بالإدانة، وتتضمن عدد القضايا المحالة إليها للنظر فيها وعدد الأشخاص الذين تمت إدانتهم بواسطتها. وبذلك تعد (سجلات المحاكم) المصدر الأقدم للمعلومات بصدد حجم الجريمة، وقياس ما إذا كانت الجرائم في ازدياد أم في نقصان.
وقد بدأ في استخدام إحصاءات الإدانة في بريطانيا في القرن التاسع عشر الميلادي على يد الباحث البريطاني (غريمي بنثام) الذي كان أول من بدأ بإحصاء قرارات الإدانة الصادرة عن المحاكم، وأما في فرنسا فقد ابتدأ العمل بإحصاءات القضاء عام 1827م، أما أقدم إحصاءات الجريمة في الولايات المتحدة الأميركية فكانت تحتوي في بداياتها على معلومات الاتهام والإدانة لمنطقة نيويورك عام 1829 م.
ويدافع مؤيدو الاستعانة بإحصاءات المحاكم عنها، بأنها أكثر دقة من إحصاءات الشرطة، لأنه في هذه المرحلة (مرحلة القضاء) يثبت قضائياً ارتكاب المتهم للجريمة, في حين كان من قبل في نطاق الشرطة مجرد (متهم) قد يدان وقد يُبَرّأ!!. وتشمل إحصائيات المحاكم أيضاً أنواع العقوبات التي أصدرتها تلك المحاكم في فترات مختلفة، وهذا يفيد الباحث في معرفة اتجاهات التشديد والتخفيف في العقوبة, ومدى ميل المحاكم إلى الأخذ بها في مختلف أنواع الجرائم.ولدينا عدد من الجداول تبين إحصاءات الجرائم أمام المحاكم في العراق( ) كما في الجدول رقم (3)
جدول رقم (3)الإحصاءات التفصيلية للأعمال المنجزة لمحاكم التحقيق في العراق لعام 2004 ( )
أنواع الدعاوى العدد
القتل العمد 5478
الشروع بالقتل 3446
القتل الخطأ 836
القتل الخطأ بسبب حوادث المرور 3009
السرقات الواقعة في الطريق العام 10437
سرقة المساكن أو المحلات 7462
السرقة البسيطة 4147
الشروع بالسرقة 2052
حيازة الأموال المسروقة 2824
تزوير المحررات الرسمية 945
تزوير المحررات العادية 384
استعمال المحررات المزورة 492
تقليد و تزوير الأختام و الطوابع 60
تزوير العملة و أوراق النقد و المستندات 107
خيانة الأمانة 4774
الاحتيال 5390
خطف الأحداث 2816
الإيذاء الشديد 16742
الإيذاء الخطأ 980
الاعتداء على الموظفين و المكلفين بخدمة عامة 1949
القذف و السب 8778
الاغتصاب و اللواط و هتك الأعراض 1193
انتهاك حرمة المساكن و ملك الغير 1830
جرائم الفعل الفاضح المخل بالحياء 586
الضرب المقضي إلى الموت 486
التهديد 12337
إعطاء صك بدون رصيد 1935
الإجهاض 23
الرشوة 112
الاختلاس 433
الإخبار أو الشكوى الكاذب و الأحجام عن الإخبار أو الشكوى 2076
شهادة الزور و اليمين الكاذب 922
الزنا 78
لعب القمار 225
التسول 317
مخالفات قانون الأسلحة 5908
مخالفات قانون تنظيم التجارة 17
جرائم متفرقة 101552
المجموع 213084
لكن النقد الذي وجه إلى هذا النوع من الإحصاءات أنها تتسم بالنقص وعدم الانتظام إما من جراء عدم اهتمام جميع القضاة بدرجة واحدة بالإحصاءات، أو لأن الرقابة القضائية لا تأخذها بالحسبان ( ). ونخلص إلى القول بان هذا النوع من الإحصاءات لا يعكس الحجم الحقيقي للجرائم الواقعة فعلاً، حيث هناك عدد كبير من الجرائم تعجز الأجهزة المختصة عن القبض على مرتكبيها فتبقى مقيدة (ضد مجهول) أو (لا تصل إلى مرحلة الحكم القضائي).
3. إحصاءات السجون:
وهي إحصاءات خاصة بالمؤسسات العقابية والإصلاحية (السجون) تتضمن عدد المحكوم عليهم بعقوبات أو تدابير سالبة للحرية ومدد هذه العقوبات وأنواع جرائمها، وحركة النزلاء الداخلين والخارجين. وهذه الإحصاءات تقتصر فقط على الذين تصدر عليهم المحاكم أحكاماً بعقوبات سالبة للحرية (الحبس) ومن ثم يتم إرسالهم إلى تلك المؤسسات لتنفيذ العقوبة. ومن هنا نشأت وانبثقت الانتقادات التي توجه لهذا النوع من الاحصاء الجنائي، فمن الناحية العملية ليس كل من يصدر عليه حكم جنائي من محكمة ما، يرسل إلى المؤسسة العقابية, فهناك عقوبات تصدر مع وقف التنفيذ، وهناك عقوبات مالية كالغرامة التي تسدد في المحكمة ولا تصل إلى المؤسسات العقابية, وهناك عقوبات الحبس التي تكون أقل من مدة التوقيف (الحبس الاحتياطي) التي أمضاها المتهم قبل المحاكمة، فيطلق سراحه اكتفاء بما أمضاه في التوقيف، من دون إرساله للمؤسسة العقابية.
لذلك يرى كثير من الباحثين وخبراء علم الإجرام، أن إحصاءات السجون لا تكفي لإعطاء صورة متكاملة عن حجم واتجاهات الجريمة في بلد ما( ).
إلا إننا نرى إن السجون توفر مكانا جيدا للباحثين عن طريق الاستبيان أو المقابلة الشخصية أو دراسة ملفات النزلاء كبحث ميداني يتعلق بالجريمة.
المبحث الثاني
واقع الاحصاء الجنائي وتطويره
إن الخطوات المتخذة في تطبيق طرق الإحصاء الجنائي وأساليبه ، والحصول على النتائج المفيدة من خلال البيانات المجموعة، لم تتكامل بعد في كثير من بلدان العالم ، ومن ضمنها العراق ، وان مؤسسات العدالة الجنائية بوجه خاص ذات العلاقة بتناول الجريمة والمجرمين مدعوة بحكم الضرورة إلى أن تجعل إحصاءاتها جامعة شاملة للبيانات مما هو مسجل لديها أو مما يجب تسجيله لديها ، سواء أكانت أجهزة الشرطة أم قضائية أو مؤسسات عقابية .
ولن يتوقع لأي مشروع أن ينجح عند التنفيذ ما لم يتكاتف على إنجاحه، وما لم يستقر الاعتقاد والاقتناع بأهمية الإحصاء الجنائي في أذهان العاملين الصغار فيه والمسئولين الكبار على حد سواء، لكونه عاملا أساسيا وأداة علمية في مجال دراسة الجريمة ومجال الإعداد للتخطيط للمنع والمكافحة .
ومن اجل وضع أسس تطوير الاحصاء الجنائي لابد لنا أن نبين عيوب الإحصاءات في المطلب الأول، ومن ثم نبين واقع الاحصاء الجنائي في المطلب الثاني وصولا إلى وضع أسس تطوير الاحصاء الجنائي في المطلب الثالث.
المطلب الاول
واقع الاحصاء الجنائي الرسمية
ينظر البعض بحذر شديد إلى الاحصاء الجنائي الرسمي على أساس أنه لا يعكس سوى ما وصل إلى علم السلطات وتم الإخبار أو الشكوى عنه وتم تسجيله, ومنهم العلامة (سيلين Sillin) حيث يرى أنه يجب الاعتماد على إحصائية الأشخاص الذين تمت إدانتهم أو ثبتت حقيقة ارتكابهم للجريمة, منطلقاً من حقيقة ما أثبتته دراسة جرت في ألمانيا أن نسبة الإدانات في الجرائم التي وصلت إلى علم الشرطة تبلغ ما بين (20% – 30%) في جرائم القتل و (25%) لجرائم السرقة و (5%) للجرائم البسيطة .
ولكننا نرى إن الاعتماد على الاحصاء الجنائي التي تعكس الإدانات لا تعطي صورة صحيحة عن نسبة الإجرام في المجتمع , لان هناك من يرتكبون الجرائم ولكن لا تتم إدانتهم لأسباب قانونية أو إن جرائمهم لاتصل إلى المحاكم بسبب الصلح الذي يتم قبل المحاكمة وبصورة عامة فان هناك بعض المعوقات التي تواجه الاحصاء الجنائي وتثير الكثير من الإشكاليات حولها ومن ذلك :
أ. إن اعتماد تقسيم الجرائم حسب جسامتها على وفق ما يرد في قانون العقوبات, قد لا يفيد الباحث الجنائي الذي يهمه أثر الفعل الجنائي وخطورته على الجماعة أكثر مما يهمه الفعل كعدد مجرد.
ب. إن التصنيف بحسب الوصف القانوني قد يتغير خلال مراحل التحقيق الجنائي, فقد تسجل الواقعة على أنها من صنف معين وتسجل على أساس ذلك ولكن بمرور الوقت يتضح أنها من صنف آخر.
ج. تلجأ أجهزة الشرطة والقضاء إلى تسجيل الجريمة الأخطر والأهم في حالة تعدد الجرائم المرتكبة من قبل الجاني بوصفها الجريمة ذات الجسامة الأكبر دون بقية الجرائم فقد يرتكب الجاني جريمة قتل وسرقة واغتصاب في آن واحد لكن الجريمة تسجل قتلاً.
د. قد تكون الجريمة واحدة ولكن البلاغات عنها تكون متعددة كما في حالة تسجيل بلاغ عن العثور على رأس جثة في مركز ما وتسجيل بلاغ آخر في محل العثور على بدن الجثة فتسجل على أنها (واقعتان) بدلا من (واحدة).
ه. كما سبق أن ذكرنا قبل قليل فهناك جرائم تقع ولا يصل علمها إلى السلطات لأسباب عدة.
و. إن الإحصاء الجنائي يساوي بين الأفعال الموصوفة على وفق مادة قانونية واحدة
(القتل مثلا) أو (السرقة مثلاً) دون تصنيفها حسب خطورتها وأثرها على المجتمع، كما في القتل المقترن بالسرقة، حيث تصنف الواقعة إلى (قتل) فقط وفقا للوصف الأشد. كما أن الإحصاء الجنائي لا يركز على الدوافع والبواعث.
ز. أن الاحصاء الجنائي الرسمي في حقيقة الأمر لا يعكس إلا نشاط الشرطة في مكافحة الجريمة، كما في جرائم المخدرات والتهريب (عموم الجرائم التي ليس فيها مشتكي)، فكلما زاد نشاط الشرطة في منطقة من المناطق، كلما ازداد عدد المسجل من الجرائم، وهذا يعطي انطباعاً خاطئاً بأن هناك زيادة في الإجرام في تلك المنطقة في حين أن واقع الحال غير ذلك، وهو أن تزايد نشاط الشرطة أدى إلى ارتفاع في مؤشرات وأرقام الجريمة.
ح – يوجه بعض الباحثين( ) اتهاماً بصدد إساءة استعمال الاحصاء الجنائي وخاصة فيما يسمى بـ (موجة الجريمة The Crime Wave) حيث إن بعض الجهات، قد تكون منها الشرطة، أو شركات التأمين، تستفيد من هذه الظاهرة في إعطاء التبريرات لعملها، فعلى سبيل المثال، ورد في البحث الذي قام به الباحثان (مكلنتوك )و (أفيسون )عام 1968 بشأن مناسيب التحقيق (إن بعض التباينات الكبيرة في مناسيب التحقيق يمكن ردها إلى صيغ التباينات في ممارسات الشرطة، في تنفيذ القانون الجنائي وفي تسجيل الجريمة) ويشير الباحثان إلى تعاظم أعداد جرائم السرقة نتيجة لأتساع ممارسة الناس للتأمين على ممتلكاتهم، والذي كان له الأثر الواضح في زيادة أرقام جرائم السرقة رغم أنه لا يوجد دليل على أن هذه الزيادة كانت ناتجة عن حجم حقيقي أو زيادة في السكان.
ومن اجل تقليل تأثير المعوقات السابقة على الاحصاء الجنائي نرى من الضروري توحيد النظام الإحصائي في الدولة على اختلاف أجهزة العدالة الجنائية (شرطة , محاكم , سجون).وكذلك نرى ضرورة توحيد المصطلحات والتعريفات القانونية للجرائم ومرتكبيها بما يضمن أفضل أداء للنظام الإحصائي واعتماد استمارة جمع بيانات واحدة .
المطلب الثاني
عيوب الاحصاء الجنائي
إن المعلومات التي توفرها الاحصاء الجنائي تعبر عما وصل فعلاً إلى علم الجهات الرسمية من بيانات عن النشاط الإجرامي، ومن الطبيعي أن هذا لا يعني (كل) النشاط الإجرامي الفعلي الذي حصل، وقد لا يكون للسلطات الحكومية أو الرسمية علم به. فالاحصاء الجنائي يشير إلى ما تم الإخبار أو الشكوى عنه رسمياً إلى السلطات أوما تم اكتشافه منها ، حيث أن هناك نسبة لا يستهان بها من النشاط الإجرامي لا تصل إلى علم السلطات، ولا يعرف عنها الكثير، وإنما تسمى( بالجرائم الخفية)، أو( الجرائم المستترة)، أو( الأرقام السوداء) ، أي الجرائم التي لم تظهر على السطح لتعرف، أي ظلت خفية مستترة لم يعلم بها أحد.
وهناك جملة من الأسباب التي تدعو إلى عدم ظهور بعض النشاط الإجرامي ضمن الاحصاء الجنائي ومنها :
أ. قد يتردد الأشخاص الذين علموا بوقوع الجريمة، عن الإخبار أو الشكوى عنها ضماناً لمصلحتهم أو حفاظاً على سمعتهم أو خشية من بطش الجاني إذا تم الإخبار أو الشكوى عنه.
ب. قد يكون سبب عدم الإخبار أو الشكوى هو جهل المواطن بالقانون وعدم إدراكه أن الفعل المرتكب هو مخالف للقانون.
ج. قد يرى المتضرر أو المجني عليه أن الضرر الواقع عليه بسيط ولا يستدعي تحمل عناء إخبار أو شكوى الشرطة أو الجهات المسئولة.
د. كون الشخص من أقرباء الجاني أو معارفه فيتردد عن الإخبار أو الشكوى عنه.
ه. قد تكون الجريمة المرتكبة أو الواقعة ذات طبيعة خاصة تدعو إلى التكتم أو الخوف من فضيحة اجتماعية مثل: الجرائم الجنسية والإجهاض وسرقة الفروع من الأصول فيفضل أهل المجني عليه عدم الإخبار أو الشكوى ( ).
و. قد يشعر صاحب المعلومات أن أجهزة العدالة لن تسهل له السبل في الإخبار أو الشكوى نتيجة عدم ثقته بها وعدم قناعته بجدوى ذلك، واعتقاده إن تلك الأجهزة لن تحقق له غايته في القصاص من الجاني.
ز. التقاليد الاجتماعية الخاطئة قد تدفع الشخص إلى التكتم وعدم الإخبار أو الشكوى حيث قد يشعر أن ذلك يسبب له عيباً اجتماعيا،لذا يفضل البعض اللجوء لحل مشاكلهم الناجمة عن وقوع الجريمة من خلال المصالحة والتراضي أو من خلال اللجوء إلى الانتقام والثأر.
ح. قد يكون السبب في عدم الإخبار أو الشكوى هو عدم وجود وسيلة اتصال قريبة أو بعد مركز الشرطة عن مكان الحادث فيركن ذوو العلاقة إلى السكوت تفادياً لمتاعب السفر ومصاريفه.
ط. وقد يكون السبب عائداً إلى تقصد من قبل بعض جهات التحقيق في تخفيض أرقام المسجل من الجرائم تحاشياً للمسائلة من قبل الجهات الأعلى، أو الاتهام بالتقصير أو عدم الكفاءة في منع وقوع الجرائم.
وخلاصة ما تقدم فانه لا توجد دولة في العالم يمكنها التأكيد بان لديها إحصاءات دقيقة وكاملة حول الجريمة ومرتكبها. فالاحصاء الجنائي يشوبها دائما نقص لسبب ما سواء كان ذلك السبب تنظيميا أو قانونيا أو إداريا أو غيرها من الأسباب.ولكن ليس معنى ذلك إن الإحصاءات المتوفرة في هذه الدولة عن الجريمة والمجرمين لا يمكن الأخذ بها أو أنها غير ذات قيمة , بل العكس فهذه الإحصاءات تعطينا فكرة شاملة شبه كاملة عن الظاهرة الإجرامية في الدولة, وبالتالي فان الاستنتاجات التي تبنى على هذه الإحصاءات يمكن الاعتماد عليها والأخذ بها .
المطلب الثالث
أسس تطوير الإحصاء الجنائي
إن نظام الإحصاء الجنائي في كل دولة يعتمد في المقام الأول على الأرقام الجنائية التي تصل، وهذه الأرقام تشكل الوقود الدافع إلى عملية الإحصاء الجنائي المتكامل والمنتج، والأرقام لن تكون منتجة إلا إذا تم تطبيقها على الحالات لتصبح فيما بعد قرارات، فتجيء أهمية الأرقام في نظام العدالة الجنائية مرتبطة مع الأسئلة عن : كيف ؟ومتى ؟ ومن ؟ وهكذا، وأيضا في مواجهتها للمشاكل التي حدثت والقرارات التي يراد اتخاذها.
وكما يقال إن مفتاح التقدم للنظام الإحصائي الجنائي لأي دولة ليس بعدد الأرقام التي يجمعها ولكن في قيمة الأسئلة التي تثيرها هذه الأرقام. أما المعلومات الجنائية فهي تشمل أكثر من مجرد أرقام فهي أسماء المجرمين ومعلومات عن أعمارهم ووظائفهم وجنسهم وطبقاتهم واتجاهاتهم وأسرهم، وكذلك الجريمة التي ارتكبت والظروف والملابسات التي صاحبتها وهكذا ( ).لذلك فان الاحصاء الجنائي هي نتاج عدة عمليات من الأرقام والمعلومات والتقارير والتواريخ والوثائق الجنائية.
ومن خلال الرجوع إلى بيانات الاحصاء الجنائي في العراق، سواء منها ما يصدر عن مديريات الشرطة أم إحصاءات المحاكم ، يجد المرء نفسه غير قادر على تكوين فكرة واضحة جامعة وشاملة ومفيدة عن أوضاع الجريمة في العراق (هذا في حال ما إذا تيسرت البيانات بسهولة )، وبهذا فإن أكثر البيانات لا تساعد في الوقوف على تفسير كيفية تغير مناسيب الجريمة, ومدى تفشيّها وانتشارها خلال فترة زمنية معينة، أو التعرف على سمات وظروف هذه الجرائم ومرتكبيها، أو السلوك الإجرامي الحاصل، أو الاتجاهات العامة لمثل هذه الأوضاع ( ). فلازالت هناك حالة من عدم الاهتمام بالبيانات والمعلومات المسجلة لدى أجهزة العدالة الجنائية ، إضافة إلى عدم انتهاج أصول وخطط التبويب والتصنيف.
ويلحظ المرء أنه على الرغم من أن هناك نشاطاً جيداً مبذولاً من قبل أجهزة العدالة الجنائية في تناول قضايا الجرائم على اختلاف أنواعها من حيث القبض على المتهمين، والتحقيق معهم، ومحاكمتهم، وإيقاع العقوبات والتدابير عليهم، وما تبذل من جهود تصل إلى حد الاستشهاد والتضحية في مطاردة الجريمة، إلا أن هذه المؤسسات رغم ممارستها كل هذه الأنشطة المتتابعة والمستمرة، وتدوينها جميع مجرياتها وتفاصيلها في سجلاتها، نجد معظمها غير مستطيع غالباً أن يقدم عن نفسه صورة واضحة ودقيقة لتفاصيل مواجهته أوضاع الجريمة ونوعية وخصائص المجرمين، إلا بقدر محدود. إن الوصول إلى ذلك لا يتم إلا من خلال الاهتمام بالإحصاء الجنائي واعتماد الطرق الحديثة والمنهج العلمي، والاهتمام بإعداد الكوادر الكفوءة في مجال إحصاءات الجريمة. وقد اشار مؤتمر الأمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين الذي نص ضمن توصياته على أهمية وضع إحصاءات أكثر كفاية عن الجريمة والجنوح ويوصي بان تعزز جميع الدول جهودها الرامية إلى تحسين المعلومات والبيانات لاسيما المتعلقة بالجرائم( ).
إن إحصاءات أجهزة العدالة الجنائية (الشرطة، القضاء، المؤسسات العقابية، وهي الجهات المسئولة عن تناول قضايا الجريمة والمجرمين) مازالت تقتصر على التسجيل الروتيني، حيث البيانات مقتضبة ولا تتعدى مجال التعداد على الرغم من أن الإحصاءات المسجلة والمفصلة هي المعين الأول الذي تستقى منه المعلومات، للوقوف على أوضاع الإجرام .
ومن اجل مواكبة التطور الهائل في العلوم نقترح الأخذ بما يلي:=
1- ضرورة التحول إلى نظام الحاسب الآلي والشبكات الالكترونية في العمل الإحصائي، وتوزيع مدخّلي البيانات وفقا لحجم العمل في مختلف المحاكم ومديريات الشرطة والسجون ، وتفريغهم للعمل الإحصائي ،وتوحيد النظام الإحصائي في الدولة للاحصاء الجنائي وهناك برامج وحزم إحصائية جاهزة(SAS&SPSS)لمعالجة مسائل التحليل الاحصائي، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر برامج(spss) وبرامج(sas) والتي تعد من أكثر برامج الحاسوب استخداما في التحليل الإحصائي.
2- إنشاء هيئة مركزية متخصصة بشؤون الإحصاء الجنائي ضمن الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات في العراق يكون لها فروع في المحافظات وهذا يتطلب وجود شبكة الكترونية واسعة تصل بين المكاتب المختلفة على مستوى المحافظات من جهة وبين الجهاز المركزي للإحصاء الجنائي من جهة أخرى كما في الشكل رقم (1) .
الخاتمة
قلنا إن الإحصاء هو الوسيلة الأساسية لقياس حجم الجريمة في منطقة ما ، ولفترة ما ، حيث تحتوي الاحصاء الجنائي على الكثير من البيانات حول مرتكبي الجرائم، مثل النوع والعمل ومستوى الدخل ومستوى التعليم وغيرها من المؤشرات –كما يفترض أن تقدم البيانات نفسها حول الضحية وبذلك يتم رسم صورة واضحة لأهم خصائص مرتكبي الجريمة وكذلك الضحايا.
ولقد كان للتقدم العلمي الذي حدث في مجال الإحصاء واستخدام الحاسوب اثر كبير في تغيير النظرة إلى الاحصاء الجنائي بحيث أضحت معطياتها أداة فعلية وموثوقة ليس فقط في تقييم أداء أجهزة العدالة الجنائية – بل أيضا لمعرفة الدوافع الإجرامية وتتبع تطورها واعتماد السياسة الوقائية المناسبة .
وفي ختام بحثنا هذا توصلنا إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات وكما يأتي:-
الاستنتاجات:-
1- إن الاحصاء الجنائي من أهم العلوم المساعدة في صناعة واتخاذ القرارات التي تخص السياسة الجنائية والقرارات الأمنية بشكل خاص، ولعل السبب الرئيس وراء هذه الأهمية هو أن الإحصاءات تتعامل مع الأرقام وتعبر عن الحقائق وتهتم برصد حركة الجريمة والظواهر التي يواجهها المجتمع والربط بينها وبين هذه المتغيرات.
2- لقد وجدنا إن مصادر الاحصاء الجنائي الرسمية تنحصر بين الشرطة والمحاكم والسجون وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى كل واحد من هذه المصادر إلا إن إحصاءات الشرطة تبقى الأصلح في هذا المجال لأنها تعكس على الأقل نسبة الجريمة التي وصلت إلى علم السلطات.
3- هناك فرق بين كلمة “إحصاء” وكلمة “إحصائيات” حيث تعني كلمة إحصاء مجموعة من الأساليب العلمية التي تستخدم في جمع وتصنيف وتبويب وعرض البيانات الإحصائية ومن ثم معالجتها بالتحليل والتفسير بهدف التعرف إلى الظاهرة قيد الدراسة. أما كلمة إحصائيات فتطلق على البيانات الإحصائية الرقمية التي تصف ظاهرة ما، مثل عدد الجرائم المرتكبة خلال فترة معينة وكذلك تقارير المواليد والوفيات أو إحصاءات البطالة والعمالة….الخ, ويعد الإحصاء كبيانات رقمية هو المادة الخام للإحصاء العام.
4- على الرغم من الانتقادات التي توجه إلى إحصاءات الشرطة، إلا إننا نرى أنها كانت ولا زالت المعول عليها والأصلح نظراً لشموليتها وكونها الأكثر تعبيراً عن الواقع الجنائي من غيرها ولأنها تعكس على الأقل نسبة الجريمة التي وصلت إلى علم السلطات المختصة.
5- على الرغم من أن هناك نشاطاً جيداً مبذولاً من قبل أجهزة العدالة الجنائية في تناول قضايا الجرائم على اختلاف أنواعها من حيث القبض على المتهمين، والتحقيق معهم، ومحاكمتهم، وإيقاع العقوبات والتدابير عليهم، وما تبذل من جهود تصل إلى حد الاستشهاد والتضحية في مطاردة الجريمة، إلا أن هذه المؤسسات رغم ممارستها كل هذه الأنشطة المتتابعة والمستمرة، وتدوينها جميع مجرياتها وتفاصيلها في سجلاتها، نجد معظمها غير مستطيع غالباً أن يقدم عن نفسه صورة واضحة ودقيقة لتفاصيل مواجهته أوضاع الجريمة ونوعية وخصائص المجرمين، إلا بقدر محدود. إن الوصول إلى ذلك لا يتم إلا من خلال الاهتمام بالإحصاء الجنائي واعتماد الطرق الحديثة والمنهج العلمي، والاهتمام بإعداد الكوادر الكفوءة في مجال إحصاءات الجريمة.
التوصيات والمقترحات:
1- دعم الجهات التي تقوم بالإحصاء الجنائي، بتهيئة الموظفين والعاملين في هذه الأجهزة بشكل خاص قبل توليهم العمل من خلال تلقيهم دورات في الإحصاء الجنائي، وتوفير البيانات والمعلومات المتعلقة بالجرائم للمختصين والباحثين فيها ، وأيضا توفير الميزانية المناسبة لتحقيق ذلك لتتمكن تلك الجهات من مواكبة التطور الهائل الذي أصاب هذا العلم .
2- تعديل قانون الإحصاء رقم (21) لسنة 1972 ليصبح الإحصاء الجنائي جزء من اختصاصات وواجبات الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات في العراق.
3- إقرار مادة الإحصاء الجنائي كمنهج دراسي في أكاديميات وكليات الشرطة والقانون.
4- ضرورة قيام مراكز الدراسات والأبحاث القانونية والأمنية بتشجيع الدراسات والبحوث الاستشرافية الجنائية للوصول إلى رؤية قادرة على توقع ما يحتمل من جرائم مستحدثة والتنبؤ بإمكانية وضع الخطط والاستراتيجيات الشاملة للتصديالجريمة.
5- تشجيع المؤسسات الإعلامية على نشر الإحصاءات الجنائية المتعلقة بالظواهر الإجرامية بأسلوب رصين يتسم بالموضوعية بعيدا عن التهويل والمبالغة الإعلامية من اجل كسب ثقة المواطن العراقي في الإعلام وتوعيته وتحصينه من مخاطر الجريمة .
6- إنشاء هيئة مركزية متخصصة بشؤون الإحصاء الجنائي تابعة للجهاز المركزي للإحصاء, يكون لها فروع في المحافظات وهذا يتطلب وجود شبكة واسعة تصل بين المكاتب المختلفة على مستوى المحافظات من جهة وبين الهيئة المركزية للإحصاء الجنائي من جهة أخرى.
7- ضرورة التحول إلى نظام الحاسب الآلي والشبكات الالكترونية في العمل الإحصائي، وتوزيع مدخّلي البيانات وفقا لحجم العمل في مختلف المحاكم ومديريات الشرطة والسجون، وتفريغهم للعمل الإحصائي، وتوحيد النظام الإحصائي في الدولة.
,و المصطلحات والتعريفات القانونية للجرائم ومرتكبيها بما يضمن أفضل أداء للنظام الإحصائي واعتماد استمارة جمع بيانات واحدة
اترك تعليقاً