مقال قانوني رائع حول الإرتباط الذى لا يقبل التجزئة و حجية الشىء المقضى به
الدكتور رؤوف عبيد
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإرتباط الذى لا يقبل التجزئة :
لم يورد المشرع تعريفاً للإرتباط ؛ ولكن المقصود بذلك هو الصلة التى تربط بين عدة جرائم دون أن تفقد كل جريمة من هذه الجرائم ذاتيتها أو استقلالها .
قد تكون الصلة أو الرابطة بسيطة أو ضعيفة بحيث تختفى أهميتها أمام استقلال كل جريمة عن الأخرى .
وقد تكون قوية ومعقدة بحيث تبدو الجرائم المتعددة إزاءها وكأن كلا منها جزءا من وحدة مترابطة واحدة يتعذر فصل واحدة منها عن الأخرى . وهذا الفرض الأخير هو الذى قصده المشرع فى المادة 32/2 وأجرى عليه حكم التعدد المعنوى أو الصورى إمعانا فى التدليل على قوة الإرتباط بين هذه الجرائم وعدم إمكان الفصل بينها . إلا أنه نظرا لاستقلال كل جريمة عن الأخرى بأركانها كاملة ؛ فقد اشترط المشرع شرطاً آخر لتأكيد هذا الإرتباط وهو وحدة الغرض الذى أرتكبت كل هذه الجرائم من أجله .
وضعت محكمة النقض المصرية ضابطاً لذلك الإرتباط الذى لا يقبل التجزئة بقولها أنه يتحقق إذا كانت إحدى الجرائم المتعددة هى النتيجة المقصودة من ارتكاب الأخرى ؛ أو بأنه يتحقق إذا ارتكبت الجرائم المتعددة لسبب واحد أو انتظمها فكر جنائى واحد أو صورة إجرامية واحدة .
التمسك بقيام الإرتباط أو بانتفائه لا يكون إلا أمام محكمة الموضوع ولا يجوز اثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
يستند قاضى الموضوع فى تقدير قيام الإرتباط الذى لا يقبل التجزئة من عدمه على ظروف الدعوى بصفة عامة بمالايتنافر مع العقل والقانون ( لا تتدخل محكمة النقض إلا إذا كانت الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه تخالف ماانتهى إليه من نتيجة بشأن توافر الإرتباط أو عدم توافره . ففى هذه الحالة يكون الحكم المطعون فيه قد وقع فى خطأ قانونى ممايوجب على محكمة النقض تصحيحه ) .
حالة الإرتباط الذى لا يقبل التجزئة تعبر عن مشروع إجرامى واحد رسمه الجانى فى ذهنه بحيث سيطرت على تفكيره غاية واحدة ؛ تكون جرائمه المتعددة بالنسبة لها مجرد وسيلة للوصول إليها ومن ثم يتعين الإكتفاء بعقوبة الجريمة الأشد وصفا دون ماعداها .
لا حظ : حكم المادة 32/2 عقوبات لا يعنى أن كلا من الجرائم المرتكبة قد فقدت ذاتيتها المستقلة وإنما يعنى فقط أن هذالجرائم تعتبر حكما وكأنها جريمة واحدة فيمايتعلق بالعقوبة الأصلية فقط .
أثر الإرتباط الذى لا يقبل التجزئة على حجية الشىء المقضى به :
الفرض أن المتهم ارتكب عدة جرائم مرتبطة ببعضها البعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة إلا أن بعض هذه الجرائم لم يكتشف إلا بعد الحكم النهائى فى البعض الآخر .
يتعين التفرقة بين حالتين :
الأولى هى حالة ماإذا كانت الجريمة التى صدر فيها الحكم هى الجريمة الأشد ؛ ثم رفعت الدعوى بعد ذلك عن الجريمة الأخف .
فيتعين على المحكمة متى اتصل علمها بحالة الإرتباط ( الذى لا يقبل التجزئة ) أن تقضى ” ولو من تلقاء نفسها ” بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها . وهذا هو مايتفق مع جوهر المادة 32/2 عقوبات .
وينطبق ذات الحكم المتقدم إذا تساوت عقوبة الجريمة التى حكم فيها فعلا مع عقوبة الجريمة التى رفعت عنها الدعوى بعد ذلك .
الثانية إذا كان المتهم قد حوكم أولا عن الجريمة ذات العقوبة الأخف فليس هناك مايمنع من نظر الدعوى المرفوعة عن العقوبة الأشد والحكم بهذه العقوبة فعلا ( على أن تستقطع منها العقوبة التى سبق الحكم بها على المتهم فى الجريمة الأخف ) .
بعبارة أخرى : إذا كان الحكم البات قد فصل فى الجريمة الأخف ؛ فلا يصح الدفع بقوة الأمر المقضى عند رفع الدعوى عن الجريمة الأشد التى أكتشفت بعد صدور ذلك الحكم ؛ وتكون العقوبة الجديدة هى الواجبة التنفيذ مع الأخذ فى الإعتبار مقدار مانُفذ من العقوبة الأولى .
( شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية – الدكتور عبد الرءوف مهدى – الجزء الأول – الطبعة الثانية 1992 م. _ ص 444 ) .
بعبارة أخرى : عند توافر الإرتباط المادى الذى لا يقبل التجزئة إذا كان قد حكم أولا فى الجريمة التى عقوبتها أخف ؛ وقضى فيها بالإدانة ؛ فيجب أن ينص الحكم الجديد على خصم العقوبة الأولى منهما عند التنفيذ . أما إذا كان قد حكم أولا فى الجريمة الأشد فإنه لا يجوز نظر الدعوى بعد ذلك بالنسبة للجريمة الأخف طبقا لأرجح الآراء فى العمل ؛ كذلك يكون الحكم أيضا عند تساوى العقوبتين ؛ وذلك نتيجة حتمية لما نصت المادة 32/2 عقوبات من وجوب اعتبار الجريمة التى عقوبتها أشد دون غيرها . ( مبادىء الإجراءات الجنائية فى القانون المصرى – الدكتور رؤوف عبيد – الطبعة السابعة عشرة 1989م . ص 166 ) .
اترك تعليقاً