المشكلات القانونية والعملية في تطبيق وصية الأجنبي غير المسلم داخل دولة الإمارات العربية المتحدة
يقول حكيم العرب زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وطيب ثراه أن تحقيق العدالة هو الطريق إلى الديمقراطية وأي انتقاص من العدالة هو ضد الديمقراطية، وإيماناً من الأبناء بحكمة أبيهم وقائدهم العظيم فقد دأبت دولة الامارات العربية المتحدة خلال العقود الماضية على ان يكون منهجهم ونبراسهم الذي يسيرون على هديه هو تحقيق العدالة والمساواة بين كافة المقيمين على أرض الدولة حتى أصبحوا الان الرائدون والمتفردون في جميع المجالات وأصبحت دولة الامارات النموذج الفريد للتعايش والتسامح والرقي والسلام.
والتزاماً من الدولة في استمرار النجاح والتقدم وتحقيق منظومة العدالة على الوجه الامثل وبالشكل الذى يرضى طموحات المقيمين على أرض الدولة فقد كان لازماً لغايات تحقيق العدالة بث روح الطمأنينة في نفس الأجنبي غير المسلم المقيم بالدولة و خاصة حين يقوم بإجراء تصرفاً يتعلق بأمواله الخاصة ، ولهذا فقد أرست دولة الامارات بعض التشريعات التى تقوم على حماية الأجنبي المقيم بالدولة في تصرفاته المالية و التى منها على سبيل المثال لا الحصر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت وعلى وجه الخصوص الوصية التي يحررها الأجنبي عن تركته .
و قد ظهرت فى الفترة الاخيرة ومن خلال الواقع العملى بعض الغموض والمشكلات التى تواجه الاجنبى فى تنفيذ و تطبيق الوصية داخل دولة الامارات ولهذا كان واجبا علينا أن نتصدى لهذه المشكلات كمحاولة منا لإيجاد الحلول والتيسير علي أصحابها .
و بداية و نحن بصدد توضيح اللبس و الغموض الذى يحيط بموضوع الوصية فإنه ينبغى علينا أن نبين ماهى الوصية و الأحكام المتعلقة بها: فالوصية عرفها فقهاء القانون و الشراح على أنها تصرف في التركة مضافاً إلى ما بعد موت الموصي، ومن نتائجها أن يكسب الموصى له ملكية المال الموصى به، وقد أفرد المشرع الإماراتي أحكاما عديدة تتعلق بتحرير الأجنبي غير المسلم للوصية وذلك في قانوني الأحوال الشخصية رقم 28/2005 وتعديلاته والمعاملات المدنية رقم 5/1985 وتعديلاته، بل و من باب العدالة و التفرد قرر المشرع فى أحكام الوصية استثناءاً فريداً بأحقية الأجنبي الموصى له أن يطلب تطبيق قانون جنسية الموصي المنظم لأحواله الشخصية على هذه الوصية إذا ما نشأ نزاع بشأنها داخل دولة الامارات حتى ولو كانت أحكام هذا القانون تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية المطبقة داخل دولة الإمارات.
ولكن يثور التساؤل عادة في ما الحال إذا ما طلب الأجنبي تطبيق قانون دولة الإمارات على الوصية حال حدوث نزاع بشأنها داخل الدولة؟ وهل يجوز تطبيق القانون الأجنبي داخل دولة الإمارات فيما يتعلق بالوصية إذا ما اشتملت وتضمنت عقارات مملوكة للموصي داخل دولة الإمارات أم؟
وللإجابة على هذا الطرح الذى واجه الكثير من الاجانب فى تنفيذ الوصية ينبغي بداية أن نعرض في الأفق الأحكام والمواد التي قررها المشرع الإماراتي في قانوني الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية بشأن الوصية والقانون الواجب التطبيق عليها والاستثناءات الواردة بشأنها.
حيث قرر المشرع في قانون الأحوال الشخصية الإماراتي رقم 28/2005 المادة (1/2) أنه:
” تسري أحكام هذا القانون على مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة ما لم يكن لغير المسلمين منهم أحكام خاصة بطائفتهم وملتهم، كما تسري أحكامه على غير المواطنين ما لم يتمسك احدهم بتطبيق قانونه”.
كما قرر في قانون المعاملات المدنية الإماراتي رقم 5/1985 المادة (17/3،4،5) أنه:
“تسري على الأحكام الموضوعية للوصية وسائر التصرفات المضافة الى ما بعد الموت قانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته من صدر منه التصرف وقت موته، ويسري على شكل الوصية وسائر التصرفات المضافة الى ما بعد الموت قانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته من صدر منه التصرف وقت صدوره أو قانون الدولة التي تم فيها التصرف، على أن يكون قانون دولة الإمارات العربية المتحدة هو الذي يسري في شأن الوصية الصادرة من أجنبي عن عقاراته الكائنة في الدولة”.
ويستفاد من الأحكام والمواد السابقة التي قررها الشارع في قانوني الأحوال الشخصية والمعاملات أن هناك قاعدة عامة وأساسية هي تطبيق أحكام قانون الأحوال الشخصية الإماراتي على مواطني دولة الإمارات كافة والأجانب المقيمين فيها ولكن هل هذه القاعدة خلقت على علتها ولم ينشأ لها المشرع استثناءً؟ والحق أقول ان المشرع الإماراتي تفرد و لم يكتفي بتلك القاعدة وأورد استثناءً عليها إيماناً منه بتحقيق العدالة وهي أنه إذا ما تمسك الأجنبي وأراد تطبيق قانونه فإن في هذه الحالة يتعين تطبيق قانونه الذي يتمسك به حتى لو كانت أحكامه لا تتفق مع الشريعة الإسلامية شريطة أن يكون أطراف النزاع غير مواطنين وغير مسلمين وقد احسن المشرع بذلك صنعاً حين أورد هذا الاستثناء حيث أننا إذا ما قمنا بتطبيقه مثلاً على موضوع الوصية الذي هو مثار حديثنا اليوم فسوف نجد أنه لن تتأذى الشريعة الاسلامية بتطبيق القانون الأجنبي عليها إذ أن الشريعة الإسلامية قد تركت غير المسلمين من غير المواطنين المقيمين على أرضها على دينهم ومعتقدهم غير مجبورين على قبول ما يخالف شريعتهم، فإنه يكون من باب أولى قبولها تطبيق القانون الذي ارتضوه منظماً لأحوالهم الشخصية باعتبار أن الأثار المالية للوصية إنما تنصرف إلى الأجنبي دون سواه مع العلم أن ما سلف هو الاستثناء الذي أورده المشرع الإماراتي من تطبيق قاعدة اقليمية القانون الوطني طبقاً لقاعدة الاسناد وبالتالي فإن الأجنبي ووفقاً للقانون يحق له أن يطلب تطبيق القانون الإماراتي على الوصية حال حصول نزاع بشأنها ويحق له أيضاً المطالبة بتطبيق قانون دولة الموصي إذا ما تمسك بتطبيقه وفقاً للشروط السابق ذكرها.
أما بالنسبة لإمكانية تطبيق القانون الأجنبي داخل دولة الإمارات فيما يتعلق بالوصية إذا ما اشتملت أو تضمنت عقارات مملوكة للموصي داخل دولة الإمارات فإن المشرع الإماراتي في هذا الصدد أورد حظراً مطلقاً وقرر أن القانون الواجب التطبيق في تلك الحالة هو قانون دولة الإمارات العربة المتحدة فقط وفي ذلك مصلحة عامة لن يتأذى بها الأجنبي أو غيره لما فى قانون دولة الامارات من خصوصية فريدة وقوة و حماية في النواحي العقارية.
والواقع العملي زاخر بالتصدي للطرح السالف ذكره في العديد من الأحكام ومنها على سبيل المثال لا الحصر الحكم الصادر في الطعن بالتمييز رقم 92/2013 طعن أحوال شخصية والذي قرر صراحة أن العقارات المملوكة للموصي والكائنة بدولة الإمارات العربية المتحدة يسري بشأنها قانون دولة الإمارات العربية المتحدة إعمالاً لما تقضي به نص الفقرة الأخيرة من المادة (17) معاملات مدنية وبالتالي فإنه يستفاد من ذلك أن المشرع الإماراتي قد أرسى مبدأً ليس به استثناءات أن يكون قانون دولة الإمارات العربية المتحدة هو الذي يسري في شأن الوصية الصادرة من أجنبي عن عقاراته الكائنة في الدولة، كما قرر الحكم أيضاً أنه إذا ما تمسك الأجنبي وأراد تطبيق قانونه فإن في هذه الحالة يتعين تطبيق قانونه الذي يتمسك به حتى لو كانت أحكامه لا تتفق مع الشريعة الإسلامية شريطة أن يكون أطراف النزاع غير مواطنين وغير مسلمين، حيث أنه لن تتأذى الشريعة الاسلامية بتطبيق القانون الأجنبي عليها إذ أن الشريعة الإسلامية قد تركت غير المسلمين من غير المواطنين المقيمين على أرضها على دينهم ومعتقدهم غير مجبورين على قبول ما يخالف شريعتهم، فإنه يكون من باب أولى قبولها تطبيق القانون الذي ارتضوه منظماً لأحوالهم الشخصية باعتبار أن الأثار المالية للوصية إنما تنصرف إلى الأجنبي دون سواه و هو الاستثناء الذي أورده المشرع الإماراتي من تطبيق قاعدة اقليمية القانون الوطني طبقاً لقاعدة الاسناد وبالتالي فإن الأجنبي ووفقاً للقانون يحق له أن يطلب تطبيق القانون الإماراتي على الوصية حال حصول نزاع بشأنها ويحق له أيضاً المطالبة بتطبيق قانون دولة الموصي إذا ما تمسك بتطبيقه وفقاً للشروط السابق ذكرها.
و الله من وراء القصد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً