الاضراب عن العمل –
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار / حنا ناشد مينا حنا نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة : فـاروق على عـبـد القـادر وعلى فكـرى حـسـن صـالـح وعلى رضـا عـبـد الرحـمن رضـا وعـبـد السـمـيع عـبـد الحـمـيـد بريك نواب رئيس مجلس الدولة
* إجراءات الطعن
إنه فى يوم الأربعاء الموافق 26/4/1989 أودع الأستاذ / …………………… المحامى بالنقض بصفته وكيلا عن الطاعن بموجب التوكيل الرسمى العام رقم 1158 لسنة 1987 توثيق أسيوط سكرتارية المحكمة الإدارية العليا – تقرير طعن قيد تحت رقم 1932 لسنة 35 قضائية عليا – ضد المطعون ضده فى حكم المحكمة التأديبيـة بأسـيوط الصادر فى الدعوى رقم 285 لسنة 15 قضائية – بجلسة 26/2/1989 والقاضى ” بمجازاة الطاعن بخـصم شـهر من أجـره وطلب فى خـتـام طعنه للأسباب التى أوردها فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءته مما نسب إليه. وبتاريخ 29/4/1989 أعلنت صحيفة الطعن المطعون ضده.
أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونـى ارتأت فى خـتامه، للأسباب التى بنى عليها الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحـو الوارد بمحـاضر الجلسات .
وبجـلسة 3/3/1993 تقـرر إحـالة الطعن إلى المحكمـة الإدارية العليـا لنظره بجـلسـة 4/5/1993 وبجلسة 30/11/1993 حـجر الطعن للحكم بجـلسة 4/1/1994 ومد النطق به لجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .
* المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحـات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد أقيم فى الميعاد المقرر قانونا مستوفيا سائر أوضاعه الشكلية فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
من حـيث إن عناصر المنازعة تتحـصل، حـسبما يبين من الأوراق فى أن النيابة الإدارية أودعت سكرتارية المحكمة التأديبية بأسيوط – تقرير اتهام نسبت فيه إلى الطاعن أنه فى يومى 12، 13/7/1987 بمصنع غزل المنيا – وبوصفه عامل صيانة بمصنع غزل قنا من الدرجـة الخـامسة – خـرج على مقتضى الواجب، وخـالف القـانون بأن قـام بطبع منشـورات تضـمنت عبـارات تؤدى إلى إثارة العاملين بالشركة وتحريضهم على الإضراب مما من شأنه الإضرار بالسلم على النحـو المفصل بالأوراق .
وقد خلصت النيابة الإدارية إلى أنه بذلك ارتكب المخـالفات الإدارية المنصوص عليـهـا بالمواد 79/15، 80/1 من القـانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العـاملين بالقطاع العام، وبناء عليه طلبت محاكمته إعمالا للمادتين سالفتى الذكر والمادتين 82، 84 من ذات القـانون والمادة 14 من القـانون رقم 117 لسنة 1958 بإعـادة تنظيم النيابة الإدارية والمحـاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 والمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 المعدل بالقانون رقم 172 لسنة 1981 بتطبيق أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على العاملين بالهيئات والمؤسسات العـامة والمواد 15/أ أولا، 19/1 من القـانون رقم 47 لسنة 1972 بشـأن مجلس الدولة. وبجـلسة 26/2/1989 أصدرت المحـكمة حكمـها محـل الطعن الفـاصل على النحـو آنفى البـيان ” وذلك تأسيـسا على أنه بمطالعة المنشور الذى اعترف الطاعن بتوزيعه يوم 12/7/1987 خـارج البـوابة على الوردية الأولى والثانية فـى أثناء خـروج ودخـول العاملين وكـذلك فى صباح يوم 13/7/1987، يبـين أنه فضلا عن ما جاء به فى تحريض العاملين على الإضراب لتحقيق مطالب ذكرها باعتبارها رأس الأسلحـة التى تساعدهم على تحقيق هذه المطالب فإنه يحـاول بث التفرقة بين فئات الشعب فى ظروف تقتضى تماسك فئات الشعب بجميع طبقاتها لتحقيق أقصى أهداف التنمية الاقتصادية وإذ كـان ما نسب إلى المتـهم ثابت فى حـقه باعترافه وبشهادة من سمعت أقوالهم فى التحقيقات ومن مطالعة المنشورات التى قام بتوزيعها مما يشكل فى حـقه ذنبـا إداريا قوامه،
الإخـلال بواجـبات وظيفته والخـروج على مقتضياتها والتى تتطلب من العامل ألا يتخـذ من معاناة الطبقة الكادحة ذريعة لحثهم على الإضراب عن العمل وأن لا يحدث الفرق بين صفوف العاملين بالشركة لذلك فإنه أيا كان الرأى بالنسبة لحق الإضراب ومدى مشروعيته حتى بعد انضمام مصر للاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والثقافية التى وقعت عليها جمهورية مصر العربية والتى تعهدت فيها الدول الأعضاء للأطراف فى الاتفاقية على أن تكفل الحق فى الإضراب طبقا لقوانين القطر المختص فـإنه هناك بونا شاسعا بين الإضراب وهو عمل تلقائى جماعى وبين التحريض على الإضراب والحث عليه وكل عامل يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته يعاقب تأديبيا فالذنب التأديبى يختلف عن الجريمة الجنائية لا يخضع لقاعدة لا جـريمة بغير نص. وإنما يجـوز لمن يملك قانونا سلطة التأديب أن يرى فى أى عمل إيجابـى أو سلبى يقع من العامل عند ممارسته أعمال وظيفته ذنبا تأديبيا إذا كان ذلك لا يتفق مع واجبات الوظيفة ومن حيث إن ما نسب إلى المتهم ثبت فى حقه على النحو سالف الذكر وقد بات يشكل ذنبا إداريا على النحو المشار إليه، الأمر الذى يستأهل عنه العقاب التأديبى والذى تقدره المحكمة بخصم شهر من أجره.
ومن حيث إن الطاعن أقام طعنه الماثل بالطلبات أنفة الذكر ناعيا على الحكم المطعون فيه بالبطلان لما يشوبه من قصور فى التسبيب ومخالفة القانون وذلك للأسباب الآتية :
أولا : أن الحكم فى الوقت الذى يسلم فيه بمشروعية حق الإضراب وفقا لما أوضحه المتهم بدفاعه فإن الحكم يعود قيدين الطاعن على أساس قيامه بتحريض العاملين على الإضراب باعتباره رأس الأسلحـة التى تساعدهم على تحـقيق مطالبهم المشروعة، ولا يمكن تفهم كيف يمكن أن تكون الدعوى لحق من الحقوق المشروعة أمرا مؤثما مستوجبا للعقوبة.
ثانيا : أنه كـان يمكن أن يكون مقبـولا أن يقوم الحكم المطعون فيه بإدانة الطاعن تأديبيا رغم تسليمه الجدلى بمشروعية الإضراب، لو أن الطاعن كان قد قام بتوزيع بيانه الانتخابى داخل أسوار المصنع وذلك على أساس مخالفة توزيع البيانات بدون الحصول على إذن من الإدارة، ولكن الثابت من التحقيقات بما – لا يدع أى مجال للجدل أو المناقشة أن الطاعن قد قام بتوزيع بيانه على العاملين خارج أسوار المصنع .
ثالثا : أن ما ورد بالحكم المطعون فيه بشأن ما يسمى ببث التفرقة بين فئات الشعب فى ظروف تقتضى تماسك فئات الشعب بجميع طبقاتها لتحـقيق أقصى أهداف التنمية الاقتصادية فإن مثل هذه العبارات محلها صفحات الجـرائد المسماة بالقومية وليس فى أسباب الأحكام القضائية وبالبيان على ما تقدم يخلص التقرير إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما هو منسوب إليه .
من حـيث إن دساتير الدول تخـتلف من حيث سماحـها بسريان الاتفاقيات الدولية فى النطاق الداخلى فمنها ما يجـعل الاتفاقيات الدولية سارية تلقائيـا باعتبارها جزءا من التشريع الداخلى متى تمت الموافقة عليها واعتمادها دونما حاجة إلى صدور قانون بالتصديق -عليها وفقا للإجراءات المنصوص عليها فى الدستور، ومنها ما يستلزم لسريانها بالداخل واعتبارها من التشريع الداخلى وجوب صدور قانون تصديق السلطة التشريعية على الاتفاقية الدولية بالإجراءات المقررة قانونا قى الدستور وبالصورة التى يتطلبها صدور تشريع داخلى. وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 151 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية على أنه ” رئيس الجـمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يتناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة. وتنص الفقرة الثـانية منها على أن مخالفات الصلح والتحـالف والتجـارة والملاحـة وجـميع المعاهدات التى يترتب عليـها تعديل فى أراضى الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة، أو التى تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة فى الموازنة يجب موافقة مجلس الشعب عليها.
ومن حيث إنه ولئن كان رئيس الجمهورية قد أصدر بتاريخ 1/10/1981 قراره رقم 537 بالموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق الاجتماعية والثقافية التى أقرتها الجـمعية العامة للأمم المتحدة فى 16/12/1966 والتى وقعت عليها جـمـهورية مصر العـربيـة 4/8/1967 كـمـا تم التصـديق عليـها بتاريخ 8/12/1981 ومن ثم أصدر نائب رئيس الوزراء ووزير الخـارجـية قـراره بنشر هذه الاتفاقية بالجريدة الرسمية على أن يعمل بها اعتبارا من 14/4/1982 وكان مقتضى ما تقدم أن هذه الاتفاقية التى نصت الفقرة (د) من المادة الثامنة منها على الحق فى الإضراب على أن تمارس طبقا لقوانين القطر المختص سارية فى جمهورية مصر العربية اعتبارا من التاريخ المذكور إلا أن هذه الاتفاقية فضلا عن أنها لا تعطى للعامل فى شركات القطاع العام الحق فى أن يدعو للإضراب ويحرض عليه بما فى ذلك من زعزعة للأمن العام وإخـلال بالسكينة العامة ويؤدى إلى شيوع الفوضى داخل العمل مما ينعكس بالضرورة على سير العمل وانتظامه بالوحدات الاقتصادية ويعد إخلالا جسيما من العامل بواجبات وظيفته تلك التى تحتم عليه ألا يقوم بما من شأنه الإخلال بحسن سير العمل بانتظام واطراد أو ما يؤدى إلى قلقلة الأمن الاقتصادى للوحدة التى يعمل بها.
ومن حيث إنه فى ضوء ما تقدم، وكان الثابت أن الطاعن باعترافه قد قام بتوزيع منشورات على عمال المصنع الذى يعمل به تتضمن بعض المطالب داعيا إلى استخدام سلاح الإضراب لتحقيقها فإن المحكمة إذ أدانت سلوكه إنما تكون قد استخلصت النتيجة التى انتهت إليها استخـلاصا سائغا ومقبولا من أصول تنتجـها ماديا وقانونا، يكون الطعن والحـالة هذه على غير أساس سليم من القانون متعينا رفضه. ولا وجـه لقول الطاعن بأنه قام بتوزيع المنشورات خـارج الوحـدة الاقتصادية التى يعمل بها بعد إذ كـان الثـابت أنه يقوم بتوزيع هذه المنشورات على العاملين بالمصنع الذى يعمل به مما ينعكس بالضرورة على حسن سير العمل وانتظامه .
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
اترك تعليقاً