الاطار القانوني لظاهرة غلق الطريق العمومي
-Iمفهوم ظاهرة قطع الطريق في القانون والشريعة
تقوم المجتمعات على مر العصور على قيم خلقية ومبادئ إنسانية تسعى هذه المجتمعات بأنظمتها القانونية المحافظة عليها وديمومتها أمام جميع الإغراءات النفعية والتخريبية الهدامة ، ولضمان نجاح الإقتناع بضرورة بقاء هذه القيم كان لابد من وجود نصوص عقابية تتكامل مع قواعد الدين والأخلاق لمواجهة كل أنماط الجريمة على اختلافها ، في ظل وجود مؤسسات الدولة التي تنص المادة 9 فقرة 3 من الدستور على :” لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بأي سلوك مخالف للخلق الإسلامي وقيم ثورة نوفمبر”.
فجمع الوقائع والظواهر وإحصائها لا يفيد شيئا فالغاية لا تتوقف عند تفسير هذه الظواهر والوقائع وإنما تتعداها بالتحقق في قانون عقابي يحكم الكل بشكل يجسد التوازن الحقيقي بين الجزاء والعقاب كموجودات موضوعية في علم الاجرام والعقاب وبين العقل والسلامة الذاتية للمجتمع .
وإذا كانت الظواهر متعددة فإن من أخطرها ما يمس حقوق الأفراد ويهدد الدولة ومؤسساتها الدستورية وينطبق هذه الوصف على ظاهرة قطع الطريق العمومي التي أصبحت سبيل فئات المحتجين لتحقيق مطالبهم الفئوية .
ورغم قدم هذه الظاهرة في الفقه الإسلامي إلا أنها حديثة كدراسة قانونية تبين ذالك في قلة الأبحاث في هذا المجال، وتعد هذه الأفعال في حقيقتها جريمة يعاقب عليها القانون، ونصوص تجريم هذه الأفعال منصوص عليها في قانون العقوبات منذ فترة طويلة، إلا أنه في الواقع العملى لم يتم تفعيلها لأنه لم يكن لها وجود حقيقى، أما الآن فقد أصبحت تحدث في الواقع بشكل متزايد وهى من الجرائم الجديدة على مجتمعنا تفشت في ظل أزمة الحراك السياسي في الدولة العربية ، ورغبة البعض إلى نقل مآسي تجارب بعض الدول العربية إلى الجزائر بما قد يهدد الأفراد ومؤسسات الدولة.
لهذا نحاول ضبط مفهوم هذه الظاهرة في القانون الوضعي وفي الفقه الجنائي الإسلامي.
-1-Iالتعريف القانوني لظاهرة قطع الطريق العمومي :
إن حرية التعبير من الحريات العامة الدستورية نصت عليه المادة 41 :” حريات التعبير …..مضمونة للمواطن “، وأساليب التعبير عن الرأي اختلفت فلم تعد المظاهرات أو الإضراب كافيا وأصبح الشكل الجديد بقطع الطريق العمومي بغرض المطالبة بتحقيق مطالب فئوية.
ويمكن تعريف قطع الطريق العمومي بأنه قيام مجموعة من الأشخاص بإغلاق طريق بري بقطع جماعى للطريق العمومي للاحتجاج أو بهدف الحصول على منافع عامة، وقطع الطريق احتجاجاً على تعثر الدولة في علاج مشكلة ما أو إيجاد الحلول لها .
ويعرف الطريق العام بأن:” كل طريق يباح للجمهور المرور فيه في كل وقت وبغير قيد ويستوي أن يكون الطريق العام ممتدا خارج المدن والقرى، لكي يربط بين أحيائها المختلفة ويدخل في معنى الطرق العامة الزراعية والصحراوية التي تربط بين المدن والطرق التي تربط القرى بالمدن أو القرى ببعضها البعض1.
فإذا كان الغرض من قطع الطريق هو تحقيق مطالب أو الإحتجاج على وضع معين ، فإن خطورة هذه الظاهرة أصبح في دوافع هذه الظاهرة التي تخرج عن المطالب الفئوية ، ليصبح قطع الطريق بهدف السرقة بإكراه ، التي يقوم بها عصابات إجرامية جماعية أو يقوم بها فرد بمفرده وهنا تكمن الخطورة وأدى لظهور ما يعرف بـ” السرقة الكبرى” وإطلاق السرقة على قطع الطريق مجاز لا حقيقة لأن السرقة هي أخذ المال خفية وفي قطع الطريق أخذ المال مجاهرة ولكن في قطع الطريق ضرب من الخفية هو اختفاء القاطع عن رجال الأمن والشرطة .
وتحديد نية المحتجين بين قطع الطريق من أجل الإحتجاج وبين قطعها لأجل السرقة هو أساس قيام جريمة قطع الطريق العمومي وهي جوهر الخلاف بين قطع الطريق والحرابة .
-2-Iالتعريف الفقهي لظاهرة قطع الطريق العمومي ” جريمة الحرابة”:
الحرابة هي قطع الطريق على المارة بقصد ارتكاب جريمة ضد النفس أو المال أو إرهاب المارة2، وفي تعريف آخر للحرابة هي قطع الطريق وإخافة السبيل بقصد الإرهاب والبطش سواء أخذ المال مغالبة أو لم يؤخذ وسواء قتلت النفس الآمنة المطمئنة أو لم يقتل أحد وسواء استعمل سلاح أو لم يستعمل3.
وسميت الحرابة في الفقه الاسلامي، إصطلاحا بقطع الطريق، وهي خروج جماعة مسلحة في دار الاسلام لاحداث الفوضى وسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل متحدية بذلك الدين والاخلاق والقانون، وانزل الله في الحرابة قوله تعالى في سورة المائدة الآيتين (33-34) ((إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الارض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)).
وتناول فقهاء الشريعة الاسلامية ومن جميع المذاهب بالشرح والتفسير الاية (33) من سورة المائدة المستمد منها لفظ المحاربة بهدف الوصول إلى وضع تعريف للحرابة.
فقد ذهب فقهاء الحنفية إلى أن الحرابة ” هي الخروج على المارة لأخذ مال المسلمين على سبيل المغالبة على وجه يمنع المارة من المرور ويقطع الطريق سواء كان ذلك من جماعة أو من فرد واحد له شوكة وقوة قطع، وسواء كان هذا القطع بسلاح أو ما يعد في حكمه من عصى وحجارة وسواء كان مباشرة فعل القطع قد وقع من الكل أو من البعض بمساندة البعض الآخر”.
وذهب أبو حنيفة إلى أن الحرابة لا تتحقق من المرأة فإذا قطعت الطريق بنفسها أو مع غيرها من الرجال والنساء وتولت القتل أو اخذ المال فلا حد عليها ولا على من معها ، وقال أبو يوسف يحد من معها من الرجال دون النساء وإن كانت هي التي باشرت الفعل4.
أما فقهاء المالكية فقد ذهبوا إلى القول بأن المحارب هو ” المشهر للسلاح بقصد السلب سواء كان في مصر أو فياء، شوكة أو بمفرده ذكراً كان أم أنثى”، وهم يرون أنه إذا قطع أهل الذمة الطريق إلى مدينتهم التي اخرجوا منها فهم محاربون، سندهم في ذلك عموم نص الآية القرآنية الكريمة التي جرمت الحرابة لأنها لن تقيد أو تخصص من عموم الألفاظ الواردة في صلب الأيتين (33، 34) من سورة المائدة.
أما الشافعية فيعرفون قاطع الطريق بأنه الملتزم المخيف الذي يقاوم من برز له مع البعد عن الغوث، أو هو مسلم أو ذمي أو مرتد ملتزم بأحكام الإسلام، مكلف، له شوكة يتعرض للغير لأخذ ماله مع بعد المجيء عليه عن الغوث.
أما الحنابلة فيعرفون (الحرابة) قطاع الطريق بتعريف يقترب من تعريف المالكية لها، فهم لا يشترطون أن تقع الحرابة في مكان محدد، أو بسلاح محدد، ولا يفرقون بين المصر والصحراء والحجر والعصي، أو أي شيء يقوم مقام السلاح بشرط أن يقع فعل الحرابة مجاهرة وعلانية، حيث قالوا في قطاع الطرق بأنهـم ” الملكفون الملتزمون الذين يتعرضون بالسلاح إلى الناس ولو كان عصى أو حجراً في صحراء أو بنيان، فيغصبونهم مالا محترما متقوما مجاهرة”.
أما ابن حزم الظاهري فيعرف المحارب بأنه :” المكابر المخيف لأهل الطريق المفسد في الأرض سواء وقع فعل الإخافة في مصر أو غيرها، من جماعة أو فرد له شوكة بالسلاح أو من دونه”5.
ويرى البعض من الفقهاء أن الأية 33 و34 من سورة المادة نزلت على النفر الذين ارتدوا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد رواه ابن مردوية من طرق كثيرة عن أنس بن مالك، منها ما رواه من طريقين عن سلام بن ابي الصهباء عن ثابت عن انس بن مالك قال: ما ندمت على حديث ما ندمت على حديث سألني عنه الحجاج ، قال : أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قلت : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة من البحرين فشَكَوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما لقوا من بطونهم ، وقد اصفرت ألوانهم وضمرت بطونهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم فصحوا فارتدوا عن الاسلام، عادوا إلى الراعي فقتلوه واستاقوا الإبل .
فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم في آثارهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا فكان الحجاج إذا صعد المنبر يقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قطع أيدي قوم وأرجلهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا لحال ذود من الإبل فكان الحجاج يحتج بهذا الحديث على الناس6.
فالحرابة اتفق جميع الفقهاء على أنها إشهار السلاح وقطع السبيل خارج مصر واختلفوا فيمن حارب داخل مصر فقال مالك داخل مصر وخارجه سواء ، واشترط الشافعي الشوكة وإن كان لم يشترط العدد وإنما معنى الشوكة عنده قوة المغالبة ولذالك يشترط فيها البعد عن العمران لأن المغالبة إنما تتأتى بالبعد عن العمران7.
وهذه الظاهرة بهذا المفهوم تشكل في المنطق القانوني الجنائي الوضعي والفقه الجنائي الإسلامي جريمة كاملة ذالك لأن الجريمة هي كل سلوك ممنوع أو محرم قطعا.
-IIأركان جريمة قطع الطريق العمومي .
التعريف القانوني للجريمة هي عمل ما تنهي عنه أو الامتناع عن عمل تأمر به القوانين التي ترمي إلى المحافظة على النظام الاجتماعي والأمن العام ، فهي بذالك الفعل أو الترك العمدي الذي يعاقب عليه القانون.
أما تعريف الفقه الجنائي الإسلامي للجريمة بأنها كل محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير، والحد معناه العقوبة المقدرة لله تعالى ومعنى التقدير ليس لها حد أدنى ولا حد أقصى ومعنى أنها حق لله أنها لا تقبل الإسقاط لا من الأفراد ولا من الجماعة .
والتعزير هو تأديب على الذنوب لم تشرع فيها الحدود والمحظورات هي : إما إثبات فعل منهي عنه أو ترك فعل مأمور به .
وقد وصفت المحظورات بأنها شرعية إشارة إلى أنه يجب في الجريمة أن تحظرها الشريعة وتتقرر عليها عقوبة.
مما سبق يتبن أن الفقه الجنائي الإسلامي يتفق مع القانون الوضعي في تعريف الجريمة بأنها عمل يحرمه القانون أو امتناع عن عمل يقضي به القانون ، ولا يعتبر الفعل أو الترك جريمة في القانون الوضعي إلا إذا كان معاقبا عليه طبقا للتشريع الجنائي.
والجريمة بهذا المفهوم تقوم على ثلاثة أركان رئيسية وهي الركن الشرعي والركن المادي والركن المعنوي.
-1-II الركن الشرعي لجريمة قطع الطريق :
ومن خلال تعريف الجريمة في الفقه والقانون وباستقراء ظاهرة قطع الطريق العمومي يتبين أنها جريمة كاملة بموجب المادة التي تعد أساس التجريم لهذه الجريمة.
ويقصد بالركن الشرعي هو الصفة غير المشروعة للفعل هذه الصفة التي خلقها نص التجريم الواجب التطبيق على الفعل ، ونص التجريم هو النص القانوني الوارد في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له .
واشتراط خضوع الفعل لنص التجريم يعني حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص تشريعية بهذا الحصر ينشأ مبدأ أساسي يطلق عليه :” شرعية الجرائم والعقوبات” وهو مرادف لتعبير :” لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمن بغير قانون ” حسب نص المادة 01 من قانون العقوبات8 .
نص المشرع الجزائري علي جريمة قطع الطريق في القسم الثامن تحت عنوان: الهدم والتخريب والأضرار التي تنتج عن تحويل الإتجاه وسائل النقل في المادة 408 من الأمر رقم 66/156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم بنصها :” كل من وضع شيئا في الطريق أو ممر عمومي من شأنه أن يعوق سير المركبات أو استعمل أية وسيلة لعرقلة سيرها وكان ذالك بقصد التسبب في ارتكاب حادث أو عرقلة المرور أو إعاقته يعاقب بالسجن المؤقت من 5سنوات إلى 10 سنوات وبغرامة 500.000 إلى 1000.000 دج”
وقبل التعديل كان نص المادة 408 بموجب الأمر 66/156 كما يلي: كل من وضع شيئا في الطريق أو ممر عمومي من شأنه أن يعوق سير المركبات أو استعمل أية وسيلة لعرقلة سيرها وكان ذالك بقصد التسبيب في ارتكاب حادث أو عرقلة المرور أو إعاقته يعاقب بالسجن المؤقت من 5سنوات إلى 10 سـنوات” وهذه المادة تم تعديلها بموجب الأمر رقم 06/23 المؤرخ في 20/12/2006 وتمت إضافة عقوبة الغرامة المالية وهي500.000 إلى 1.000.000 دج نظرا لخطورة هذه الظاهرة .
وفي نفس السياق جاء تعريف جريمة قطع الطريق في القانون المصري حسب نص المادة 167:”
كل من عرض للخطر عمدا سلامة وسائل النقل العامة البرية أو المائية أو الجوية أو عطل سيرها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو بالسجن” ومدة السجن في القانون المصري من 3 سنوات إلى 15 سنة” .
وتعد هذه الجريمة جناية لأن المشرع الجزائري نص في المادة 27 من قانون العقوبات :” تقسم الجرائم حسب خطورتها إلى جنايات وجنح ومخالفات وتطبق عليها العقوبات المقررة للجنايات والجنح والمخالفات”.
وتعد جريمة قطع الطريق جناية لأن العقوبات المقررة لها بالسجن المؤقت من 5 سنوات إلى 10 سنوات هي عقوبة أصلية في الجنايات حسب نص المادة 05 من قانون العقوبات.
وبالرجوع إلى نص المادة 408 من قانون العقوبات يتبين أنها إقتصرت قطع الطريق أو الممر العمومي أي الطرق البرية دون الطرق المائية والجوية خلاف ما نص عليه قانون العقوبات المصري.
-2-II الركن المادي للجريمة قطع الطريق :
يعرف الركن المادي لجريمة قطع الطريق بأن :” هو الفعل أو الإمتناع الذي بواسطته تتكشف الجريمة وتكتمل جسمها9 ، ولا توجد جريمة بدون ركن مادي إذ بغير مادياتها لا تصاب حقوق الأفراد او الجماعة بأي اعتداء، وهذا الركن المادي يقوم بوجود فعل يمثل السلوك الإجرامي الإيجابي أو السلبي وتسبيب نتيجة وهو التغيير الذي يحدثه السلوك الإجرامي وعلاقة السببية التي تربط الفعل بالنتيجة ، وتثبت أن ارتكاب الفعل هو الذي أدى إلى حدوث النتيجة .
والركن المادي في هذه الجريمة هو القيام بفعل إيجابي يتمثل في قيام شخص أو عدة أشخاص بوضع أشياء على الطريق العام مثل الرمال أو العجلات المطاطية وحرقها أو المتاريس أو الحجارة وأية مواد صلبة أخرى تسبب إعاقة للمرور والسير للمركبات ، وتشكيل دروع بشرية بتجمهر واعتصام الأفراد والمواطنين في الطريق من أجل غلق الطريق سواء كان داخل المدن والقرى أو خارجها ، وغالبا ما يكون في الطرق الرئيسية التي تشل بها حركة المرور، وما يسببه ذالك من ذعر لدى الأشخاص المتنقلين أو المارة فهذه الأفعال تؤثر سلبا إذا كان في الطريق سيارة إسعاف تحمل مريض أو سببت حرق الإطارات المطاطية إلى نشوب الحرائق في الغابات أو في السيارات المارة وغيرها من الأضرار.
التي نص المشرع الجزائري بشأنها على تشديد العقوبة فنصت المادة 408 فقرة 02 على أنه:” إذا نتج عن الجريمة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إزهاق روح انسان يعاقب الجاني بالسجن المؤبد وإذا نتج عن هذه الجريمة جروح أو عاهة مستديمة للغير فإن العقوبة تكون بالسجن المؤقت من عشرة سنوات إلى 20 سنة وغرامة من 1.000.000 إلى 2.000.000 دج “.
فحسب الركن الشرعي يكون الركن المادي بوضع الأشياء على الطريق العام من أجل إرهاب الأشخاص ولفت الانتباه حول وضع معين ، أما في الفقه الجنائي الاسلامي فإن الركن المادي في جريمة الحرابة عند جمهور الفقهاء يتحقق بمباشرة الفعل بقطع الطريق وإخافة السبيل10.
ويذهب جمهور الفقهاء إلى أن جناية قطع الطريق لا يشترط فيها استعمال السلاح فالقاطع أو المحارب بغير سلاح إن استطاع أن يغلب الجماعة باستعمال الضرب بالأيدي والإيذاء يكون قاطعا للطريق.
ويذهب الحنابلة إلى أن فعل القطع يتحقق إذا وقع في مكان بعيد كالصحراء وكان المحارب مسلحا وأن لا تكون هناك شبهة للمحاربين فيما أخذوه من مال يسقط حد الحرابة عنهم .
ويذهب المالكية إلى أن فعل الأخذ يتحقق في الحرابة في كل الأماكن في الطرق11 .
ويرى أبو حنيفة أنه يجب أن تقع الحرابة بعيدا عن العمران سواء وقت ليلا أو نهارا وسواء وقعت بحمل السلاح أو بدونه .
ويذهب مالك والشافعي إلى أن عقوبة الحرابة توقع على الجاني سواء وقع الفعل في العمران أو بعيدا عن العمران فالمحارب محاربا أينما كان .
من خلال ما سبق يتبين الفرق بين القانون الوضعي والفقه الجنائي الإسلامي حول مدلول جريمة قطع الطريق، فإذا كان الغرض من قطع الطريق للإحتجاج عن وضع معين أو المطالبة بحقيق مطالب فئوية ، فإن الحرابة الشرط الأساسي فيها لقيام الحد الشرعي هو المجاهرة بأخذ قاطع الطريق للمال جهرا ، فهنا تتبين أن النية في قطع الطريق هي أساس التفرقة بين قطع الطريق في القانون والحرابة في الشريعة الإسلامية وما يعرف في القانون الجنائي الوضعي ” القصد الجنائي أو الركن المعنوي”.
-3-II الركن المعنوي أو القصد الجنائي للجريمة قطع الطريق :
الركن المعنوي للجريمة هو الإرادة الإجرامية أو الآثمة التي وجهت سلوك الجاني المخالف للقانون ، وهذه الإرادة الآثمة هي حلقة الوصل بين الجريمة كواقعة مادية وبين الإنسان الذي صدرت عنه والذي يعتبره القانون مجرما أو جاني .
فالركن المعنوي هو الجانب الشخصي للمسؤولية الجنائية ويكون بدارسة الإرادة الآثمة وهي النفسية الإجرامية التي دفعت الجاني إلى اقتراف الجريمة وإلى السلوك المخالف للقانون.
والإرادة تقوم على أساسين هما أولا التمييز باعتبارها قدرة الشخص على فهم الفعل المرتكب وما يرتبه من آثار، وثانيا حرية الاختيار بمقدرة الجاني تحديد وجهة إرادته إتجاها معينا .
والصفة الإجرامية التي تلحق إرادة الجاني تكون باتجاه إرادته للمسلك الإجرامي والقيام بفعل معاقب عليه قانونا، وتتخذ صورة القصد الجنائي أو العمد باتجاه إرادة الجاني لإرتكاب الفعل الذي يعاقب عليه القانون .
ويعرف الفقيه جارو القصد الجنائي بأنه:” إرادة الخروج على القانون بعمل أو بامتناع أو هو إرادة الإضرار بمصلحة يحميها القانون الذي يفترض العلم به عند الفاعل”12.
وعموما القصد الجنائي ينحصر في الإرادة الآثمة التي توجه الجاني في نشاطه مع علمه بماديات نشاطه الإجرامي ومن هنا تبدو أهمية القصد الجنائي فهو الشكل القانوني الذي تتخذه الإرادة الإجرامية.
ويقوم القصد الجنائي على عنصرين أساسين وهما اتجاه الإرادة نحو ارتكاب الجريمة والعلم بمادية الجريمة وأركانها التي تطلبها القانون .
أما في جريمة قطع الطريق حسب نص المادة 408 من قانون العقوبات تتبين أن القصد الجنائي يتوفر لدى الجناة من خلال نص المادة بقيام فعل وضع الأشياء في الطريق من شأنه أن يعوق سير المركبات ويكون ذالك :”….. بقصد التسبيب في ارتكاب حادث أو عرقلة المرور أو إعاقته….”، فالمادة حدد القصد في ارتكاب الحادث أو عرقلة المرور أو إعاقة السير فإذا كان قصد المحتجين يخرج عن رغبتهم في وقوع حادث، فإن هدفهم دائما وأبدا كان عرقلة المرور وإعاقة سير المركبات مهما كان نوعها ، لأن رغبتهم هي إعاقة سير المرور لأجل تحقيق مطالبهم .
وحسب هذه المادة فهي تنطبق على فعل قطع الطريق من خلال الركن المادي بوضع الأشياء على الطريق أو الممر العمومي وقصد الفاعلين عرقلة المرور وإعاقة السير فهذه الأفعال وحدها كافية لقيام جريمة كاملة الأركان وهي قطع الطريق ، وإن كان القضاة المعروض عليهم مثل هذا النزاع سأخذون بظروف التخفيف حسب نص المادة 53 من قانون العقوبات بالنظر إلى أن هذا الفعل-قطع الطريق- هو طريقة للتعبير عن مطالب بعض المواطنين واحتجاجهم .
ولكن لا يجب أن تمارس حريات الرأي والتعبير والإحتجاج بجريمة قد تهدد حياة الأفراد أو تودي بحياتهم بحجة حرية التعبير أو تحقيق المطالب الخاصة بفئة معينة وأحيان تكون هذه المطالب مبالغ فيها.
أما بالنسبة للفقرة الثانية فهي تتعلق بما ترتبه هذه الجريمة من ازهاق روح انسان أو التسبب بجروح أو عاهة مستديمة، فهذه النتيجة الحتمية والأكثر عرضة في جريمة قطع الطريق فهنا تكون مسؤولية قاطعي الطريق مسؤولية مفترضة على أساس قصد الفعل بقطع الطريق دون قصد النتيجة وهي الوفاة أو الجرح وتبقى بذالك المسؤولية قائمة جنائية وكذا تقصيرية تباشر من ذوي الحقوق .
في حين أن المظاهر التي أصبح يتخذها قطع الطريق فهو السرقة أو النهب خاصة بعد قطع الطريق وقبل وصول رجال الأمن وهنا تنطبق على القاطعين حد الحرابة باعتبارها السرقة الكبرى.
ويتحقق الركن المعنوي في جريمة الحرابة بتوافر عنصري القصد الجنائي وهو العلم والإرادة ، من خلال العلم بحرمة هذه الجريمة وبالأفعال المكونة لها وهي قطع الطريق وإخافة السبيل لقتل النفس أو أخذ المال أو إرهاب الناس.
والعنصر الثاني وهو الإرادة التي يقصد بها اتجاه النية إلى إحداث فعل قطع الطريق .
وعلى ذالك فإن نية قاطعي الطريق هي المحددة لهذه الجريمة فإذا كنت نيتهم الإحتجاج فإن القضاة سيكون لهم السلطة التقديرية للأخذ بالظروف المخففة ، أما إذا كان النية السلب والنهي طبقت عليهم العقوبات المقررة قانونا.
من خلال استقراء قواعد الأمر رقم 66/156 المتضمن قانون العقوبات يتبين أن أعمال قطع الطريق ورد النص عليها في القسم الرابع مكرر تحت عنوان الجرائم الموصوفة بأفعال ارهابية أو تخريبية المظافة بموجب الأمر رقم 95/11 المؤرخ في 25/02/1995 حيث نصت المادة 87 مكرر:” يعتبر فعلا ارهابيا أو تخريبيا في مفهوم هذا الأمر كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي عن طريق أي عمل غرضه ما يلي :- عرقلة حركة المرور أو حرية التنقل في الطرق والتجمهر أو الإعتصام في الساحات العمومية “.
والقسم الرابع مكرر ورد بعد القسم الرابع المتعلق بجنايات التقتيل والتخريب المخلة بالدولة نظرا لخطورة الأعمال الارهابية، وعليه نتعجب من النصوص المتناقضة للمنظومة التشريعية حيث نصت المادة 408 جريمة قطع الطريق ثم تم النص عليها في المادة 87 مكرر، واعتبرت من الجرائم الموصوفة بأفعال ارهابية او تخريبية وعليه لابد من تعديل هذه المادة لتنسجم نصوص التشريع الجنائي لأنه يتعلق بمبدأ ” شرعية الجرائم والعقوبات” وفيه مساس بحياة المواطنين وحرياتهم.
– العقوبات وحد جريمة الحرابة :
نصت المادة 408 على أنه :” ….. يعاقب بالسجن المؤقت من 5سنوات إلى 10 سنوات وبغرامة 500.000 إلى 1.000.000 دج ” .
أما الفقرة 02 على أنه:” إذا نتج عن الجريمة المنصوص عليها فب الفقرة السابقة إزهاق روح انسان يعاقب الجاني بالسجن المؤبد وإذا نتج عن هذه الجريمة جروح أو عاهة مستديمة للغير فإن العقوبة تكون بالسجن المؤقت من عشرة سنوات إلى 20 سنة وغرامة من 1.000.000 إلى 2.000.000 دج”.
من خلال هذه المادة يتبين أن جريمة قطع الطريق عقوبتها هي عقوبة الجناية وقد عدل القانون 06/23 وأضيفت عقوبة الغرامة المالية تشديد للعقوبة، نظرا لخطورة هذه الجريمة على الأملاك الوطنية وعلى حياة الأفراد ، وأقر المشرع تشديد العقوبة في حالة إزهاق روح الإنسان أو التسبب بجروح أو عاهة مستديمة وذالك لدفع الضرر على المواطنين .
أما حد جريمة الحرابة فمن خلال استقرار آيتي الحرابة يتبين لنا أن القرآن الكريم بين لنا عقوبة الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا وهي إحدى عقوبات أربع وهي :
– القتل .
– أو الصلب .
– أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف .
– أو النفي من الأرض .
وعلى أساس أن الآية أتت معطوفة بحرف”أو” وهنا للتخيير فالإمام يكون مخيرا في توقيع العقوبة على مرتكب جريمة المحاربة غير مقيد بنوع معين من العقوبة ، لأن العقوبة حد للحرابة وقطع الطريق.
اترك تعليقاً