شروط وحالات الإفلاس التجاري
د. عبد القادر ورسمه غالب –
إشهار الإفلاس التجاري والأحكام الصادرة بخصوصه ينتج عنه آثار عديدة، وبصفة خاصة على العقود التجارية المبرمة بين المدين أو الدائن. وهذه الآثار لها تبعات قانونية بعيدة المدى ولا بد من الاحتياط لها وأخذها في الحسبان. وبعض العقود قد تكون بين عدة أطراف في بلدان متعددة، وهناك احتمال أن يتعرض بعض أطراف العقد لمصاعب مالية قد تؤثر سلبا على بقية الأطراف المتعاقدة. ومثلا بالنسبة للعمليات المصرفية المجمعة (السيندكيت) في عقود التمويل، ربما يتعرض طرف من الأطراف المتعاقدة في أحد البلدان للإفلاس فجأة، فما هو العمل ؟ واستعدادا لمثل هذا الوضع فهناك عدة نقاط مهمة يجب مراعاتها ووضعها في الحسبان عند إعداد وصياغة هذه العقود ذات الصبغة «الدولية» حتى تكون الأمور واضحة وبينة بالنسبة للجميع. ونقول، إنه لا بد من مناقشة هذه النقاط والاتفاق عليها وتوضيح رأي كل طرف ثم الاتفاق على الصياغة المقبولة للعقد قبل توقيعه.
من النقاط المهمة التي يجب ذكرها، أن يتم تضمين عقود التمويل الجماعية بنودا خاصة بغرض توضيح «حالات الإفلاس» بالنسبة لأطراف العقد وإذا حدثت أي من هذه الحالات يعتبر الطرف «مفلسا» وفي حالة إفلاس. ومما يتم الاتفاق على صياغته في العقد، مثلا، اعتبار الطرف مفلسا إذا اعترف كتابة وقدم دليلا ماديا بعدم قدرته على سداد المديونية في وقتها المحدد، أو إذا قام بعمل ترتيبات للاتفاق أو الصلح الواقي من الإفلاس مع أو لصالح الدائنين، أو إذا عمل ترتيبات لحل أو تصفية الشركة وإنهاء وضعها القانوني بأي شكل من الأشكال، أو إذا قام أي طرف أو سلطة مختصة باتخاذ إجراءات قانونية ضده أو في مواجهته لإشهار الإفلاس أو عمل أي ترتيبات إدارية أخرى للسيطرة على أو للحد من التصرفات القانونية مع الآخرين أو الدائنين وذلك بموجب قوانين الإفلاس والإعسار أو غيره من القوانين السارية، أو إذا قام أي طرف باتخاذ أي إجراءات قانونية للحد من حقوق الدائنين مثل إشهار الإفلاس أو حل الشركة وإنهاء وضعها القانوني، أو إذا صدر قرار من مجلس إدارة الشركة نفسها بحل أو تصفية الشركة أو وضعها تحت تصرف أو إدارة طرف آخر أو وضعها تحت الحراسة أو الوصاية أو الرقابة على كل أو بعض أصول الشركة، أو إذا قام طرف من أصحاب الرهن وحقوق الامتياز بالحيازة والسيطرة على أصول الشركة أو جزء مهم منها تنفيذا لحكم قضائي أو ما شابهه أو إذا حدثت أو ظهرت بوادر لحدوث مثل هذه الإجراءات وفشل الطرف المعني في إلغاء أو إبطال أو مواجهة أي من الحالات المذكورة والعمل علي إزالة آثارها في أسرع وقت.
إن ذكر النقاط أعلاه وغيرها يعتبر من النقاط القانونية المهمة خاصة بالنسبة للعقود الجماعية (المجمعة) لأن القوانين المنظمة للإفلاس تختلف من بلد لآخر، إذ قد تعتبر إحدى الحالات «حالة إفلاس» بموجب القانون في أحد البلدان ولا تعتبر كذلك في بلد آخر والخروج من هذه المعضلة يتم عبر الاتفاق على حالات الإفلاس بموجب العقد المبرم بين الأطراف المتعاقدة، ولتلافي ما قد ينجم من مثل هذه الحالات تظهر أهمية الاتفاق التعاقدي على «حالات الإفلاس» منذ البداية. وقد يكون مفيدا الاطلاع مسبقا على القوانين المنظمة للإفلاس في بلدان الأطراف التي تشاركك في عقد التمويل الجماعي للعلم والمقارنة مع القانون المحلي وقوانين البلدان الأخرى المرتبطة بالعقد.
والإفلاس التجاري، يعني الفشل في سداد الدين عند حلوله. وأيضا قد يشمل بعض الحالات الأخرى التي يجب الاتفاق علي تضمينها في العقد «كحالة إفلاس» مثل إقرار الطرف مسبقا بعدم مقدرته على السداد في الوقت المحدد أو عمله على إيقاف السداد بسبب التعرض لمصاعب مالية أو غيرها.
وكما يتضح فهناك حالات عديدة للإفلاس ومن هنا تظهر أهمية تضمين العقود التجارية وخاصة العقود الجماعية نصوصا تحدد الحالات التي يعتبر فيها الطرف «مفلسا» لأنه قد أخفق وفشل في سدد دينه أو التزاماته. ولكن السؤال الذي يطرأ، هل كل حالات عدم السداد تعتبر إخفاقا وفشلا يستدعي تطبيق أحكام الإفلاس؟ إن هذه النقطة مهمة من الناحية القانونية لأن هناك حالات فشل في السداد ولكنها لا تعتبر تحت طائلة أحكام الإفلاس. وما يجب التنبيه له هنا وخاصة بالنسبة للعقود الجماعية فلا بد من الاتفاق على مثل هذه الحالات وصياغتها وتضمينها للعقد، ومن هذه النقاط مثلا أن يحدث عدم السداد نتيجة لخطأ إداري أو فني خارج عن الإرادة، أو إذا لم يتم الالتزام بالسداد في الوقت المحدد ولكن هناك فترة سماح (فترة عرفية) للسداد، أو إذا كان السداد يتوقف على شروط مسبقة معينة لم يتم تحقيقها أو تنفيذها، أو إذا كانت هناك أسباب قانونية تستدعي الامتناع عن السداد مثل اكتشاف الغش أو التدليس في العرض أو غير ذلك مما يؤثر على الوضع القانوني (قانونية) للعقد، أو إذا كان السداد يشكل مخالفة قانونية، أو إذا تم اتخاذ الإجراءات القانونية لإشهار الإفلاس … وغيره. وفي مثل هذه الحالات بالطبع لا يتم السداد في حينه ولكن بالرغم من هذا لا يتم تطبيق أحكام الإفلاس وعليه لا يعتبر الطرف في «حالة إفلاس»، ولهذا من الأفضل الإشارة لهذه الحالات ولمثلها في العقد وعلي حسب رغبة واتفاق الأطراف، والعقد شريعة المتعاقدين وعبر نيتهما يتم تحديد حالات الإفلاس العامة التي تؤثر على العقد.
والآن هناك مساع قانونية حثيثة، في معظم الدول، لإصدار قوانين بنظرة حديثة لتنظم الإفلاس وكل ما ينجم عنه، آخذين في الاعتبار أن الإفلاس قد يأتي كـ «أمر واقع» و أنه «شر لا بد منه» وقد يحدث لأي طرف وفي أي وقت وأي مكان. ومن هنا تأني أهمية المعالجة التشريعية لمثل هذه الأوضاع «غير الحميدة» سعيا لخلق بيئة تجارية سليمة يستفيد منها التجار في السراء والضراء.. وفي هذا عدالة تطال الجميع في أحلك الظروف…
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً