الإكراه في النظام السعودي وأثره في بطلان الاعتراف
إن مما دعاني للبحث في موضوع أثر الإكراه على الإعتراف كثرة ما يتعرض له الإنسان من أخيه الإنسان من ظلم وجور وتعسف لاسيما في وقتنا هذا لكثرة الحروب والمشاكل السياسية وقد يكون نتيجة لعدم الكفاءة لدى رجال الضبط القضائي والتي بدورها أدت إلى امتهان كرامة الإنسان والإعتداء على حريته وسلامة جسمه بدافع الحصول على الحقيقة أو أي معلومات أخرى تحت ضغط الإكراه والتعذيب والوعد و الوعيد والتهديد ، واستلاب الإعتراف بطرق غير مشروعه وغير إنسانيه يجعله دليلاً غير صحيح ولا يعول عليه لصدوره من إنسان مسلوب الإرادة والاختيار ، والإكراه أو التعذيب فيه إهانة لكرامة الإنسان وإعتداء على حريته الشخصية التي منحها الله سبحانه وتعالي في قوله عز من قائل ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) سورة الإسراء أية (70) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (( إن دماكم وأعراضكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا )) كما في الحديث أو ما معناه وفي الحديث الشريف “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أستكرهوا عليه” لذا أكدت الشريعة الإسلامية الغراء عدم مشروعية الإكراه والتعذيب وما ينتج عنهما من إعتراف مأخوذ بالإكراه والقوة، وبغير الطرق الشرعية الصحيحة التي يصدر بها الإعتراف الصحيح المعتد به كدليل شرعي يبنى عليه الحكم الذي يتسم بالحقيقة ، كما أن المنظمات العالمية لحقوق الإنسان والإعلانات العالمية والمؤتمرات الدولية حرصت أيضاً على تأكيد احترام كرامة الإنسان وتحظر تعذيبه أو معاملته معاملة غير إنسانية وتجريم أي فعل من أفعال التعذيب أو الإكراه بأي صورة من صوره بغرض الحصول على إعتراف أو معلومة قد تكون دليلاً ضد المتهم ناهيك عن أن دستور الجمهورية اليمنية و قوانينها قد حرمت ذلك عملا بمبادئ الشريعة الإسلامية وتأكيداً لما جاء في إعلانات حقوق الإنسان المدنية والسياسية.
جديرٌ بالذكر أن الجذور التاريخية للإكراه على الاعتراف عائدةٌ إلى العصر الحجري في المجتمعات البدائية والمجتمعات القبلية ففي هذه الحقبة من التاريخ القديم كان الإكراه الوسيلة الوحيدة للحصول على الإعتراف ومن تلك الوسائل مثلاً (( الاحتكام إلى المصادفة البحتة)) كمراقبة حركة بعض الحشرات أو اتجاه الطيور في طيرانها, ومن وسائل الإكراه في المجتمعات القبلية كان الإثبات يتم عبر استغلال الصفة الدينية فكانوا عادة ما يلجئون إلى اليمين والصرافة والابتلاء كوسائل للإثبات ، إستمر بعدها التعذيب للمتهم في العصور الوسطى بأوربا وما تلاها حتى الثورة الفرنسية ، ثم أتى التطور العلمي بوسائل علمية حديثة من اجل الوصول إلى كشف الحقيقة ومع ذلك فمنها ما يمس سلامة الجسم ومنها ما يؤثر على اختيار المتهم لعلى أهمها: مصل الحقيقة ، التنويم المغناطيسي ، جهاز كشف, الكذب وترجع جذورها التاريخية إلى فكرة المدرسة الوضعية وعلى وجه الخصوص إلى أحد كبار أقطاب هذه المدرسة وهو (فريكو فري)(1) أما الأصل فيعود إلى العصور البدائية ، ويعتبر جهاز كشف الكذب من الأجهزة الحديثة وإن كانت الفكرة قديمة حيث يعود تاريخ معرفة التغيرات التي تحدث للإنسان إذا حاول الكذب أو إخفاء الحقيقة إلى سنه 30 قبل الميلاد وأول من قام بذلك أرسطو ثم تطورت هذه الفكرة بعدها إلى أن قام العالم (موسو)(2) في العام 1875م بمحاولته مستفيداً من الإجابات السريعة أو البطيئة حيث استخدم ساعة رصد مع وضع كلمات عادية بينها عدة كلمات تتعلق بموضوع الاختيار ليوجه أسئلة إلى الشخص لمعرفة زمن للإجابة فإذا كان الزمن متأخر دل ذلك على محاولة الكذب والعكس.
أنواع الإكراه في الشريعة الإسلامية:
1.إكراه ملجىء: وهو الذي يعدم الرضاء ويعدم الإختيار لأنه يجعل المكره كالآلة في يد الفاعل.
2.إكراه غير ملجىء : وهو الذي يعدم الرضاء ولا يفسد الاختيار ، وهو مالا يخشى معه فوات النفس أو الأعضاء.
المطلب الثاني : أقسام الإكراه وشروطه في الإصطلاح القانوني :
1. الإكراه المادي:
وهو قوة إنسانية عنيفة ومفاجئة أو غير مفاجئة تجعل من جسم الإنسان أداة لتحقيق حدث إجرامي معين ، دون أن يكون بين هذا الحدث وبين نفسية صاحب الجسم أي اتصال( ).
طبيعة الإكراه المادي:
الإكراه المادي يعدم المسؤولية لانعدام الإرادة كلياً ولا يمكن إسناد الجريمة إلى الفاعل لأن الإكراه المادي يقطع الرابطة السببية بين عناصر الركن المادي باعتبار الإنسان المكره مادياً يستخدم كالآلة في ارتكاب الفعل ولم تتجه إرادته إلى تحقيق النتيجة المترتبة على الفعل لذا تنعدم مسؤوليته لانتقاء أهم عناصرها وهي الإرادة .
2.الإكراه المعنوي :
وهو الضغط على الإرادة بما يؤدي إلى شلل حركتها والذهاب بقيمتها من حيث القدرة على الاختيار ، لوقوعها تحت تأثير الخوف من خطر وضرر جسيم وشيك الوقوع وليس في الإمكان دفعه أو الإفلات منه إلا بارتكاب الجريمة. ( )
طبيعة الإكراه المعنوي :
الإكراه المعنوي لا يعدم الإرادة بل تضيق فيه حرية الاختيار فقط وهو مانع من موانع المسؤولية لعدم توافر شروط الركن المعنوي وذلك لممارسته الفعل تحت ظروف شاذة لا تسمح له بتكوين إرادة حرة فينتفي الإثم والخطاء ما عدا حالات القتل والجراح فلا تنتفي المسؤولية الجنائية.
شروط الإكراه:
1.أن تكون القوة غير قابلة للرد:
وهي القوة التي تعدم المسؤولية وتبلغ حداً من الجسامة تجعل من المستحيل على المكره تجنبها وعدم الامتثال لأمرها بالفعل أو الامتناع عن الفعل الذي تقوم به الجريمة.
2.أن تكون القوة غير متوقعة:
وأن لا يكون للفاعل دخل في حلول الخطر,كما هو منصوص عليه في المادة (36)من قانون العقوبات اليمني حيث اشترطت (( … لم يتسبب هو فيه عمداً)) أي أن لا يكون الفاعل قد أوجد بفعله هذا الخطر ولم يكن متوقعاً له والمادة (61) عقوبات مصري (( أن لا يكون للفاعل دخل في حلول الخطر)).
كما جاء في قضاء محكمة النقض المصرية (إنه متى كانت الواقعة ناشئة عن حادث قهري لا يد للمتهم فيه وليس بمقدوره منعه فلا مسؤولية عليه) ( ).
3.أن يكون الخطر مهدداً للنفس والمال:
وهو ما نصت عليه المادة (36) عقوبات يمني في شطرها الأول ((أن لا مسؤولية على من ارتكب فعلا ألجأته إليه ضرورة وقاية نفسه أو غيره أو مال غيره من خطر جسيم محدق))، وهو ما تشترطه الشريعة الإسلامية في الإكراه المعنوي ما نجده حرفياً في نص المادة (61) عقوبات مصري (.. لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى إرتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس ) وفي ذلك توافق مع القانون اليمني إلا أنه استبعد ما يهدد المال ولم يجعله سببا للإكراه كما في القانون اليمني.
4.أن يكون الخطر جسيماً على قدر من الجسامة:
وهو ما نصت عليه المادة (36) عقوبات يمني والمادة (61) عقوبات مصري بأن يكون الخطر الذي يهدد الإنسان على قدر من الخطورة بما يهدد الكيان المادي للإنسان كالموت أو العاهة المستديمة أو الجراح البالغة أو المساس بالكيان المعنوي للإنسان كالاعتداء على الشرف أو السمعة أو العفاف شريطة أن يؤدي هذا إلى انعدام حرية الإختيار أو تضييقها .
ويتطلب القضاء المصري أن يكون الخطر جسيما على قدر من الجسامة حيث قضى بأنه لا يعفَ من العقاب من كان صغير السن واشترك في جريمة إحراز مواد مخدرة مع متهم آخر من أهله يقيم معه ويحتاج إليه, ذلك أنه ليس في صِغر سنه وإقامته مع المتهم الآخر وحاجته إليه ما يجعل حياته في خطر جسيم ما لم يشترك مع هذا المتهم في إحراز المواد المخدرة ( ).
5.أن يكون الخطر حالا:
حيث تطلب المشرع اليمني بأن يكون الخطر حال أو وشيك الحلول إذ تنص المادة (36) عقوبات (لا مسؤولية على من ارتكب فعلا ألجأته إليه ضرورة وقاية نفسه أو غيره أو ماله أو مال غيره من خطر جسيم محدق ) فطبقاً لنص المادة يتبين عدم الاكتفاء بأن يكون الخطر ممكن أو محتمل الوقوع بل يجب أن يكون محقق الوقوع ، ولا يدع لدى المكره مجالاً للاستعانة بالسلطة العامة أو الهروب أو التخلص بأي وسيلة ممكنه.
وقد قُضِيَ في هذا الخصوص بأنه كان من البين في محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن قد أشار إلى أن إكراهاً قد وقع عليه من مالك الباخرة وهذا في حقيقته دفع بامتناع المسؤولية الجنائية لقيام حالة الضرورة المنصوص عليها في المادة(61) عقوبات وكان الحكم قد نفى هذه الحالة ، وأما ما ذكره المتهم الأول في إكراهه فإنه لو صح قوله فإن اثر الإكراه يكون قد زال بوصوله إلى المياه المصرية ، واتصاله بسلطات هيئة القناة ( ).
المبحث الثاني
شروط صحة الإعتراف وضماناته
المطلب الأول : تعريف الإعتراف:
في اللغة: يطلق على عدة معان منها الثبوت والإقرار ، فاقر بالحق إعترف به ، وأقره في مكانه فاستقر ( ).
وفي الاصطلاح: الإعتراف بحق مالي أو غيره ، وقيل هو إخبار المكلف عن نفسه أو عن موكله بحق يلزم( ).
وهو في قانون الإثبات اليمني : إخبار الإنسان شفاهةً أو كتابةً عن ثبوت حق لغيره على نفسه ( ).
وفي الفقه القانوني : إقرار المتهم على نفسه بإرتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها ( ).
لذا فإعتراف متى توافرت شروط صحته وإطمأنة المحكمة إلى صدقه فهو سيد الأدلة,لأن الشخص المعترف يعرف جيداً نتائج اعترافه ومن ثم يكون اعترافه عنوان الحقيقة والأخذ بالإعتراف والعمل به مشروع لقول الله تعالى ((الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين)) ( ), ومن السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( يا أنس أعد الى مرأة هذا,فإن اعترفت بالزنا فارجمها ) ومن ذلك قيامه صلى الله عليه وآله وسلم برجم ماعز والغامدية بعد إقرارهما ( ).
المطلب الثاني : شروط صحة الإعتراف:
لا يكون الإعتراف صحيحاً إلا إذا صدر عن إرادة حرة ولا يكون كذلك إلا إذا توافرت له عدة شروط للأخذ به كدليل إثبات في الدعوى الجنائية هي :
1.الأهلية الإجرائية للمتهم:
أي أهليته لمباشرة نوع من الإجراءات على نحو يُعد معه هذا الإجراء صحيحاً وتنتج آثاره القانونية, ولكي تتوافر الأهلية الإجرائية يجب أن يكون المعترف متهماً ويتمتع بالإدراك والتمييز سواء كان فاعلاً أصلياً أو مساهماً وينعدم الإدراك والتمييز بصغر السن والجنون والعاهة العقلية والغيبوبة الناشئة عن السكر والمواد المخدرة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق ) ( ).
2.تمتع المعترف بحرية الاختيار:
لا يعتد بالإعتراف الصادر عن المتهم إلا إذا كان إراديا صادراً عن إرادة حرة واعية دون أي تدخل من المحقق بضغط أو تهديد ويستبعد من ذلك أي دليل أو إعتراف تم الحصول عليه تحت تأثير أي صورة من صور الإكراه المادي أو المعنوي التي يمكن أن يتعرض لها المتهم, حيث أكدت محكمة النقض المصرية ضرورة أن يكون الإعتراف إرادياً، لأنه لا يصح التعويل على الإعتراف ، ولو كان صادقاً متى كان وليد الإكراه كائناً ما كان قدره ( ).
3. أن يكون الإعتراف صريحاً ومطابقاً للحقيقة :
إذ أن غموض أقوال المتهم من حيث دلالتها على ارتكابه للجريمة المنسوبة إليه ينفي عنها صفة الإعتراف,لأنها تحتمل أكثر من تأويل,ولهذا لا يجوز بأي حال من الأحوال استنتاج الإعتراف من هروب المتهم إثر وقوع الحادث ، كما لا يجوز اتخاذ صمت المهتم قرينة على إدانته بل الواجب أن ينص الإعتراف على الواقعة الإجرامية لا على ملابساتها ، كما يجب أن يكون الإعتراف مطابقاً للحقيقة لأن الواقع العملي أثبت أن الإعتراف قد يكون مصدره مرضاً عقلياً أو نفسياً وقد يكون صادراً عن الإيحاء أو التخلص من الاستجواب المرهق أو التضحية من أجل المتهم الأصلي بسبب رابطة القرابة أو الصداقة أو المحبة ، وما لم يكن الإعتراف مطابقاً للحقيقة فلا يعول عليه( ) .
الشريعة الإسلامية في موقفها من الإعتراف اشترطت أيضاً ضرورة أن يكون صريحاً ظاهر الدلالة والوضوح لما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه إستفصل ماعزاً عندما اقر بالزنا كما في رواية ابن داود أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لماعز: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت,قال : لا، فقال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها,قال:نعم ، قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر, قال: نعم ) ( ).
4.أن يكون الإعتراف وليد إجراءات صحيحة :
يقع الإعتراف باطلاً إذا كان ثمرة إجراءات باطلة كأن يصدر الإعتراف نتيجة إستجواب مطول للمتهم أو تحليفه اليمين أو عدم دعوة محاميه للحضور قبل الاستجواب في غير حالتي التلبس والإستعمال ، أو نتيجة قبض أو تفتيش باطلين ؟أوكان وليد تعرف الكلب البوليسي وهو ما قضت به محكمة النقض المصرية ( ).
والشريعة الإسلامية حريصة على تطبيق القاعدة القائلة أن (ما بني على باطل فهو باطل) وهناك أدلة كثيرة على هذا أبرزها حادثة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما يروى أنه ذات ليلة مر في المدينة فسمع صوتاً في أحد بيوتها ، فساوره الارتياب من أن يكون صاحب البيت يرتكب محرماً ، فتسلق المنزل وتسور الحائط فرأى رجلاً وامرأة ومعهما خمر ، فقال له الرجل: لا تستعجل يا أمير المؤمنين إن كنت عصيت الله في واحدة فقد عصيته أنت في ثلاث ، قال الله تعالى (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً ) ( ) وأنت قد تجسست وقال تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون ) ( ) وأنت لم تفعل ذلك,وقال تعالى (يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) ( ) وأنت لم تسلم ،فخجل عمر وبكى ، وقال للرجل : هل عندك من خير إن عفوت عنك قال نعم : قال اذهب فقد عفوت عنك( ).
المطلب الثالث : ضمانات حرية المتهم في إبداء أقواله:
كفل المشرع للمتهم مجموعة من الضمانات حتى تتوافر له حرية الإرادة عند الإدلاء باعترافه كضمانة الإحاطة بالتهمة ، وحق الصمت وحق الاستعانة بمحامي ومترجم وحق عدم تحليف المتهم اليمين.
1.حق الإحاطة بالتهمة المنسوبة إليه :
يجب إخطار المتهم بالتهمة المنسوبة إليه حتى يتمكن من الدفاع عن نفسه وفي هذا المعنى أكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بوجوب إخطار المقبوض عليه بالتهمة المنسوبة إليه كما في المادة (9/2) وإخطاره في اقصر فترة باللغة التي يفهمها بتفاصيل التهمة المنسوبة إليه وفقاً للمادة (14/3) إلى جانب تأكيد مشروع حقوق الإنسان على المبادئ المتعلقة بالحق في عدم الخضوع للقبض أو الحبس التعسفي كما في المادة (9).
وفي جميع الأحوال يجب إحاطة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه قبل استجوابه لأول مره من قبل النيابة العامة ، ولهذا الضمان قيمة دستورية في اليمن فقد نصت المادة (48/ج) على أن (( كل من قبض عليه بصفة مؤقتة بسبب الاشتباه في ارتكاب جريمة يجب أن يقدم إلى القضاء خلال أربع وعشرين ساعة من تاريخ القبض عليه على الأكثر وعلى القاضي أو النيابة العامة تبليغه بأسباب القبض واستجوابه وتمكينه من إبداء دفاعه واعتراضاته ويجب على الفور إصدار أمر مسبب لإستمرار القبض أو الإفراج عنه )).
وقد أتت المادة (76)إجراءات جزائية موافقة لنص الدستور كما دعت المادة (182)إجراءات جزائية إلى ضرورة مواجهة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه ، ناهيك عن توافق الدستور المصري في المادة (71) مع ما جاء في الدستور اليمني في وجوب إحاطة المتهم بالتهمة الموجهة إليه وكذا نص المادتين (123، 139) من قانون الإجراءات المصري اللتان أوجبتا مواجهة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه .
ومنطلق ذلك ما أقرته الشريعة الإسلامية للمتهم من حقوق عظيمة بما فيها حق الفرد في المحاكمة العادلة وحقه في الإحاطة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر).
2.حق المتهم في الصمت:
يقصد به حرية المتهم في الإجابة أو الامتناع على ما يوجه إليه من أسئلة ، كون الأصل في ذلك عدم إجبار الشخص على الكلام بأي وسيله كما في مضمون المادة (25) من مشروع لجنة حقوق الإنسان (( لا يجوز إجبار الشخص على الشهادة ضد نفسه)) وكل مقبوض عليه أو محبوس يجب قبل استجوابه أو سماع أقواله أن يخطر بحقه في السكوت وفقاً للمادة (14/2) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والمادة (155/2ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ومن ثم لا يجوز للنيابة العامة أن تستخلص من صمت المتهم قرينة ضده لأنه حق مقرر بمقتضى القانون.
وبالرجوع إلى نصوص قانون الإجراءات الجزائية اليمني يتضح بأنه لا يوجد نص صريح يلزم المتهم بالكلام أو الإدلاء بأقواله ، وإنما تقرر ضمناً حق المتهم في الصمت وذلك في مرحلة المحاكمة حيث نصت المادة (360) إجراءات جزائية في فقرتها الأولى (( لا يجوز للمحكمة أن تستجوب المتهم إلا إذا قبل ذلك)) والمادة (361) (( إذا أمتنع المتهم عن الإجابة أو إذا كانت أقواله في الجلسة مخالفة لأقواله في محضر جمع الاستدلالات والتحقيق ، جاز للمحكمة أن تأمر بتلاوة أقواله الأولى)) في حين أن الدستور قد نص صراحة في المادة( 48/ب)على حق المتهم في الامتناع عن الإدلاء بأية أقوال إلا بحضور محاميه,وعلى ذات النسق قضت محكمة النقض المصرية بحق المتهم في الصمت وعدم الإجابة على الأسئلة الموجهة إليه (نقض 3يونيو 1968م س(19) رقم (133) ص(657)).
3.حق المتهم في الدفاع عن نفسه بنفسه أو الاستعانة بمحامي:
أ/ للمتهم الحق في الدفاع عن نفسه أو الاستعانة بمحامي ليتولى الدفاع عنه:
ويظهر ذلك جلياً في نص المادة (49) من دستور الجمهورية اليمنية بأن حق الدفاع أصالة أو وكالة مكفول في جميع مراحل التحقيق وأمام جميع المحاكم ، والمادة (179) إجراءات جزائية ((على المتهم أن يعلن اسم محاميه بتقرير في دائر الكتاب أو إلى مأمور المنشأة العقابية ويجوز لمحاميه أن يتولى ذلك عنه … )).
كما تنص المادة (181) إجراءات جزائية ((في غير حالة الجرائم المشهودة وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة لا يجوز للمحقق في الجرائم الجسيمة أن يستجوب المتهم أو يواجه بغيره إلا بحضور محاميه )) ومفاد ذلك كله أن المشرع تطلب ضمانات خاصة بكل متهم في جريمة جسيمة وجوب دعوة محاميه قبل الاستجواب عن طريق خطاب أو محضر أو أحد رجال السلطة العامة وأن توجه إليه الدعوة في وقت مناسب كما جاء في المادة (180)إجراءات جزائية (( يسمح للمحامي بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة, ما لم يقرر المحقق غير ذلك)).
ب/ حق الاستعانة بمترجم:
إذا تبين للمحقق أن المتهم يتكلم لغة أجنبية أو لهجة غير معروفة بحيث يصعب التفاهم معه باللغة الرسمية وهى اللغة العربية فإنه يتعين وفقاً للمادة (335) إجراءات جزائية ((في حال كان المتهم أو احد الشهود غير ملم باللغة العربية فللمحكمة أن تستعين بمترجم وتسري على المترجمين أحكام الخبراء)).
متناغماً في ذلك مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان وتحديداً المادة (14/ز) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حيث أوجب تزويد المتهم مجاناً بمترجم إذا كان لا يفهم أو لا يتكلم اللغة المستخدمة في المحكمة والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المادة (6/هـ) والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والدستور المصري في مادته(71) وفي نص المادة (77) من قانون الإجراءات الجزائية المؤكدة على أن (( للنيابة العامة وللمتهم وللمدعي بالحقوق المدنية وللمسئول عنها ولوكلائهم أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق وللخصوم الحق دائماً في استصحاب وكلائهم في التحقيق)) وكذا ما نصت عليه المادتين (139)،(141) من نفس القانون.
4.عدم جواز تحليف المتهم اليمين:
القاعدة العامة أنه لا يجوز إرغام أي شخص متهم بارتكاب فعل جنائي على الإعتراف بالذنب أو الشهادة على نفسه .
ما نجده في المادة(14/3) من العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية (( لا يكره على الشهادة ضد نفسه أو الإعتراف بالذنب)),والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان بالمادة (5) في تقريرها لحق المتهم (( أن لا يجبر على أن يكون شاهداً ضد نفسه أو أن يعترف بالذنب)).
فلا يجوز للمحقق عند استجوابه للمتهم أن يحلفه اليمين لأن ذلك اعتداء على حريته في الدفاع عن نفسه أو إبداء أقواله كما أنه يضعه في حرج.
وقد تنبه المشرع اليمني إلى ذلك في نص المادة (178) من قانون الإجراءات الجزائية (( لا يجوز تحليف المتهم اليمين)).
وعليه فمتى وجه عضو النيابة المحقق اليمين للمتهم عند سؤاله أو إستجوابه استجوابه له وحلفها فهو من قبيل الإكراه المعنوي المترتب عليه بطلان الاستجواب وما ترتب عليه من أدلة ومنها الإعتراف ، كون البطلان متعلق بالنظام العام، لا يجوز للمتهم التنازل عنه.
المبحث الثالث |صور التأثير على حرية المتهم في إبداء أقواله واعترافه
المطلب الأول : الوسائل التقليدية :
العنف والإكراه المادي من أهم صور التأثير على إرادة المتهم وحرية اختياره عند الإستجواب والعنف.
والإكراه المادي : هو كل قوة مادية خارجية تطال جسم المتهم ويكون من شأنها تعطيل إرادته .
ويتحقق الإكراه المادي بأي درجة من العنف مهما كان قدرها طالما أن فيها مساس بسلامة الجسم وبغض النظر عن إلحاقه الألم بالمتهم من عدمه يظل عنفاً كتعذيب المتهم أو قص شعره أو شاربه أو حرمانه من الاتصال بأهله أو حرمانه من الغذاء أو الغطاء أو النوم أو وضعه في زنزانة مظلمة قبل استجوابه ، أو الإطالة في الإستجواب حتى يرهق المتهم أو الضرب أو نزع أظافره وإطفاء السجائر في جسده ….
وحق المتهم في عدم التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية حق كفلته كافة الدساتير والقوانين وإعلانات حقوق الإنسان كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948م والذي حظر تعذيب المتهم في المادة (5) المؤكد أيضاً في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المادة(7) كما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر عام 1975م إعلاناً خاصاً بشأن حماية جميع الأشخاص ضد التعذيب وغيره من العقوبات أو المعاملات القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة (القرار رقم (3453) )حيث نصت المادة الأولى منه على أن التعذيب يشمل ((كل فعل يستلزم إحداث ألم أو معاناة بدنية أو عقلية ضد أحد الأشخاص بواسطة موظفين عموميين أو بناءًا على تحريضهم وذلك لتحقيق أهداف معينة وخاصة فيما يتعلق بالحصول على المعلومات أو الاعترافات …)) بينما حظرت المواد (4، 5، 6، 7 ) الالتجاء إلى التعذيب أما المادة (12) من الإعلان المذكور فقد نصت على أن الأقوال التي تصدر بناءًا على التعذيب لا يمكن الاستناد إليها كدليل سواء ضد المتهم أو ضد أي شخص آخر.
هذا وقد نصت الفقرة الثانية من المادة (32) من مشروع المبادئ على حماية جميع الأشخاص الخاضعين لأي شكل من أشكال الحجز أو الحبس و عدم جواز استعمال الإكراه أو التهديد دون حق أو استعمال أو أي سائل أخرى من شأنها حرمان المتهم من حريته في القرار أو الذاكرة أو الحكم على الأمور.
وللإكراه المادي أو التعذيب أو العنف الواقع على المتهم صور متعددة قاسمها المشترك هو حدوث الألم أو المعاناة البدنية أو النفسية أو العقلية التي تصيب المتهم جراء ذلك الإكراه أو التعذيب.
فإذا وقع على المتهم عنف أو إكراه مادي قبل الاستجواب كان هذا الاستجواب باطلاً ما يعني بداهة امتداد البطلان إلى جميع الأدلة المستمدة منه بما فيها الاعتراف حينها يتوجب استبعادها كدليل إثبات وفقاً للمادة (27) من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة للحقوق المتعلقة بالأشخاص.
ناهيك عن احتمال دفع التعذيب في بعض الأحيان شخصاً بريئاً إلى الإعتراف للتخلص من آلامه ولعله الباعث لتوجه المشرع الدولي إلى وضع القوانين الحاضرة على المحقق اللجؤ إلى وسائل الإكراه لحمل المتهم على الإدلاء باعتراف يحمل دليلاً ضده وقد نصت المادة (48/ب) من الدستور اليمني على(( أن كل إنسان تقيد حريته بأي قيد يجب أن تصان كرامته ويحظر التعذيب جسدياً أو نفسياً أو معنوياً ويحظر القسر على الاعتراف أثناء التحقيقات ويحرم التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية عند القبض أو أثناء فتره الاحتجاز أو السجن
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً