كيفية قيام المحضر بالتنفيذ العيني:
غير أن المشرع لم يعن ببيان ما يقوم به المحضرون من اجراءات التنفيذ الا بالنسبة لما يتم منه بطريق الحجز. أما التنفيذ العيني أو المباشر كما في حالة الطرد ا الازالة أو الغلق، فلا يتضمن القانون المصري نصوصا لتنظيم الاجراءات في هذه الحالات مع أن ثمة من الفروض ما يثير التساؤل، كما لو صدر الحكم بإجراء عمل مادى كترميمات أو اصلاحات أو هدم أو ردم، فهل جيب في هذه الحالة الالتجاء إلى المحضرين لتنفيذ هذه الأحكام؟
لا نرى في ذلك شكا – لا في ظل القانون الجديد ولا في ظل القانون القديم (يراجع نص المادة السادسة والمادة 279 من قانون المرافعات الجديد – ونص المادة السابعة من القانون السابق) فكل تنفيذ انما يكون بواسطة المحضرين، ما لم يوجد نص استثنائي يقرر خلاف ذلك. وانما يثور التساؤل عن الكيفية التي يتبعها المحضر في تنفيذ مثل هذه الأحكام لأن المشرع المصري لم يبين الخطوات أو الاجراءات التي يجب على المحضر اتباعها في هذا السبيل([15]) وحتى قانون المرافعات قد جاء خلوا من مثل هذه النصوص([16]).
ونرى أن التنفيذ يمكن أن يتمم في هذه الأحوال عن طريق اجراء مناقصة بين التجار أو المقاولين، فكما أن المحضر يجرى بيع المنقولات المحجوزة عن طريق المزايدة، فإنه هنا يستطيع أن يجرى شراء الأشياء المطلوبة بالطريق العكسي، أي طريق المناقصة، وكذلك الأمر بالنسبة لإجراء الأعمال المطلوبة من ترميمات أو اصلاحات أو انشاءات أو هدم أو غير ذلك مما قد يقضى به الحكم، فان المحضر يجرى عندئذ مناقصة علنية ويحرر بذلك محضرا يثبت فيه ما فعل، وقد يستعين بخبير لتقدير قيمة الأشياء أو الأعمال المطلوبة، أو لمراقبة أو مباشرة هذا التنفيذ العيني. وكل هذه أمور يمكن أن تتم بمنتهى السرعة إذا خلصن النوايا وكان القضاء رقيبا. ونرى أن للمحضر إذا احتاج الأمر – بل وعليه أن يرجع إلى القاضي المختص في المحكمة التي يتبعها، ليستأذن في ذلك، أو يطلب الدائن الالتجاء إلى ذلك القاضي لاستئذانه في ندب خبير لهذا الغرض([17]) يدفع له طالب التنفيذ الأجر الذى يقدره القاضي، ثم يرجع به على المدين في النهاية. أما قيام الدائن بتنفيذ تلك الأحكام دون الالتجاء إلى المحضرين فلا يجوز ولا يعد تنفيذا صحيحا من الناحية القانونية. إذ لا يجوز للمرء أن يقتضى حقه لنفسه بيده([18]) ويحق للمدين في هذه الحالة أن يتمسك ببطلان هذا التنفيذ.
ولما كان لا يوجد تنظيم تشريعي لإجراءات وخطوات التنفيذ في مثل هذه الأحوال فلا مناص من ترك الأمر لتقدير المحضر، ليتصرف حسب ظروف كل تنفيذ فقد يرى أن يجرى التنفيذ عن طريق مناقصة بين المقاولين يعلن عنها في الصحف، فيحرر محضرا بذلك، ويقوم بعد ذلك بالنشر والاعلان، ثم يجرى المناقصة علنا في الموعد المحدد لها، أما إذا كان التنفيذ مما يستدعى العجلة فإنه قد يجرى المناقصة بين جملة مقاولين يستدعيهم لهذا الغرض، أو يعهد بالعمل إلى مقاول يختاره لذلك وبطريق الممارسة، على أن يعلن المدين، في جميع الأحوال بهذه الاجراءات حتى يتمكن من الاعتراض عليها إذا كان ثمة وجه للاعتراض. ومن المستحسن دائما أن يسترشد المحضر في ذلك برأي القاضي المختص في المحكمة التي يتبعها، خصوصا بعد ادخال نظام قاضى التنفيذ. وإذا لم يرق تصرف المحضر لطالب التنفيذ فإن في ويسعه أن يرفع الأمر للقاضي المذكور ليقرر ما يلزم اتخاذه من اجراءات.
كذلك إذا احتاج الأمر لتشغيل بعض العمال لتنفيذ الحكم، كما لو كان حكما صادراً بإزالة بناء، فان المحضر يستطيع أن يلجأ إلى مقاول يقوم بهذا العمل أو يقدم العمال اللازمين، وقد يتم الالتجاء إلى المقاول بطريق المناقصة أو بطريق الممارسة، وذلك حسب أهمية كل حالة وظروفها ودواعي العجلة فيها، وقد يقوم المحضر بنفسه بإحضار العمال والاتفاق معهم على الأجر وصرفه لهم([19]). ونرى مما تقدم على كل حال أن تشريعنا ناقص من هذه الوجهة. ويا حبذا لو عمد المشرع إلى سد الثغرة بتنظيم اجراءات التنفيذ العيني في مثل هذه الأحوال مستهديا في ذلك بالقانون الألماني والإيطالي والليبي، ونحن نقترح في هذا الشأن اتباع طريق المناقصة العلنية حيث ينبغي ذلك على ما سبق ايضاحه، ما لم يأذن قاضى التنفيذ باختيار من يلزم لإجراء العمل اما لأن التنفيذ أهون من أن يحتمل كل تلك الاجراءات، واما لدواعي العجلة فيه.
وإذا رأى طال بالتنفيذ أو المطلوب التنفيذ ضده أن يرفع الأمر إلى القضاء على صورة اشكال في التنفيذ فعندئذ يتبع ما يحكم به القاضي المختص. وقد يكون في نظام قاضى التنفيذ ما يؤدى إلى التيسير في هذه المسائل إذ يتبع المحضر في ظل هذا النظام ما يأمر به قاضى التنفيذ طبقا لظروف كل حالة، على أننا لا نرى بأسا، حتى مع وجود نظام قاضى التنفيذ، من وضع ضوابط تشريعية، يتم في حدودها التقدير الذى يراه القاضي كأن يتقرر مثلا اتباع نظام المناقصة العلنية – الذى نقترحه، وذلك على الأقل في حالات التنفيذ الهامة، أو عندما تبلغ قيمة النفقات المتوقعة التي يتطلبها التنفيذ حدا من الجسامة يقتضى ذلك([20]).
والذى يخلص لنا مما قدمناه على كل حال – هو أن كيفية التنفيذ ونقص التشريع في هذا المقام بالنسبة للتنفيذ العيني، وعدم وجود اجراءات محددة في هذا الشأن، كل ذلك لا ينفى أن التنفيذ في هذه الأحوال يجب أن يتم عن طريق المحضرين، وبعد اعلان المدين بالسند التنفيذي كما أنه يجب أيضاً أن يحرر المحضر محضرا بالخطوات التي يتبعها في هذا السبيل، ويعلن به المدين، ليكون على بينة مما يجرى ضده إذ الأصل في الاجراءات المجابهة والمواجهة ليتسنى الاعتراض لمن يشاء أن يعترض. والغموض الملحوظ في هذه المسائل لا يبرر – من جهة – قيام الدائن باقتضاء الحق لنفسه بيده، كما يمكن – من جهة أخرى – التغلب عليه بالرجوع إلى قاضى التنفيذ، ونتبين من ذلك حكمة اعلان المدين بالإجراءات التي يزمع الدائن أو المحضر اتخاذها، إذ أن ذلك قد يؤدى إلى قيام المدين برفع اشكال إلى قاضى التنفيذ الذى يبدد – بحكمه في الاشكال ما قد يشوب التنفيذ من غموض أو حيرة، ويمنع كل تواطؤ أكيد.
التنظيم القانوني لعمل المحضرين:
والأصل أن المحضر ملتزم بإجراء التنفيذ، فلا يجوز له أن يمتنع عنه متى طلب منه، وإذا امتنع جاز لطالب التنفيذ أن يرفع أمره إلى قاضى التنفيذ عن طريق تقديم عريضة بذلك اليه (المادة 279 مرافعات جديد). والقانون يحمى المحضر في عمله، إذ يقرر في المادة 279 (الفقرة الثالثة) مرافعات جديد أنه إذا لقى المحضر مقاومة أو تعديا، وجب عليه أن يتخذ جميع الوسائل التحفظية لمنع الاختلاس. وأن يطلب معونة القوة العامة والسلطة المحلية. وبذلك أوجد المشرع للمحضر ضمانة كافية للقيام بعمله إذ أنه يستطيع أن يطلب معونة رجال الضبط والقوات العسكرية عند الاقتضاء لاستخدام القوة في التنفيذ.
وبذلك لا يكون هناك مبرر لامتناع المحضر عن التنفيذ مادام يجد له ظهيرا من القوة العامة إلا إذا كان المحضر يرى أن الحكم غامض محتاج إلى تفسير أو أن ثمة اجراءات أساسية لم يقم طالب التنفيذ باستيفائها. كما لو لم يكن الحكم مشمولا بالصيغة التنفيذية مثلا. أو أن تكون هناك اعتبارات متعلقة بالأمن العام، يقدر المحضر ازاءها عدم ملائمة التنفيذ، ويقره رؤساؤه الاداريون عليها. والصيغة التنفيذية([21]) التي تذيل بها الأحكام “تتضمن أمرا إلى السلطات المختصة بالمعاونة على اجراء التنفيذ أي بأن يعاونوا المحضر على اجراء التنفيذ ولو باستعمال القوة الجبرية متى طلبت منهم المساعدة والمعاونة. كما أن في قانون العقوبات نصوصا في باب مقاومة الحكام تعاقب على اهانة الموظفين العموميين أو التعدي عليهم أو مقاومتهم أثناء تأدية وظائفهم (المواد 123 عقوبات).
وهذه النصوص تسبغ على المحضرين في عملهم حماية كبرى. وبذلك يتضح أن الدائن حين يسعى إلى التنفيذ يجد الدولة كلها وراءه. تظاهره وتؤازره وتحيطه بالضمانات القوية ممثلي السلطة العامة الذين ينهضون إلى اجراء التنفيذ لصالحه بما يكفل اخضاع المدين المطلوب التنفيذ ضده مها كانت قوته إذا ما حاول المقاومة أو رفض الخضوع للتنفيذ الجبري. والمحضر مقيد في التنفيذ بضرورة مراعاة القواعد والتزام الاجراءات المنصوص عليها في القانون، فانه يجب – مثلا – أن ينتقل إلى مكان التنفيذ، وأن يحرر محضرا بكل ما يتخذه من الاجراءات، وعليه أن يحترم المواعيد المقررة في القانون، فلا يجوز له مثلا أن يحدد لبيع المنقولات موعداً يقل عن ثمانية أيام من تاريخ اعلان محضر الحجز. ويجب أن يبين المحجوزات بالتفصيل لمنع تغييرها، كما أنه – على الجملة – ملزم بأن يحترم الأوضاع المقررة في القانون وهو أدرى الناس بها. وتكون الحكومة مسئولة عنه باعتباره من تابعيها إذا امتنع عن التنفيذ أو تأخر فيه أو أخطأ في مراعاة القواعد والاجراءات التي يجب اتباعها فيه – سواء أكان ذلك الخطأ عمديا أو راجعا إلى الاهمال.
وكون المحضر ممثلا للسلطة العامة، لا ينفى أن له صفة أخرى. وهى أنه يعتبر بمثابة وكيل عن طالب التنفيذ لأنه يقوم بالتنفيذ بناء على طلب الدائن ولحسابه. وقد كانت الماد 461 من قانون المرافعات السابق تنص على ضرورة تفويضه من قبل طالب التنفيذ في القبض واعطاء المخالصة سواء عند قيامه بإعلان السند التنفيذي، أو عند قيامه بإجراء التنفيذ، ولذلك جرت العادة عند تسليم السند التنفيذي إلى المحضر أن يقترن ذلك بتزويده بتوكيل من قبل طالب التنفيذ. ولكن المشرع في المادة (282) من قانون المرافعات الجديد استغنى عن ذلك واعتبر المحضر نائبا عن طالب التنفيذ دون حاجة إلى تفويض خاص. ولهذا يقال أن للمحضر صفة مزدوجة: فهو ممثل للسلطة العامة من ناحية، ووكيل عن طالب التنفيذ من ناحية أخرى، ويؤدى ذلك إلى اعتبار طالب التنفيذ مسئولا عن عمل المحضر إذا أخطأ بإجراء التنفيذ على غير أساس من الحق أو في حالة لم يكن يجوز فيها ذلك، أو استمر في التنفيذ حيث كان يجب عليه التوقف عنه، أو تجاوز عن مراعاة الاجراءات التي كان ينبغي عليه التزامها في التنفيذ.
ويخلص لنا مما تقدم أن دور المحضر في التنفيذ تنظمه قواعد تستهدف من جهة حماية طالب التنفيذ من تعنت المحضر، فيما لو امتنع عن التنفيذ. كما تحمى المنفذ ضده من خطأ المحضر أو عسفه، إذ أن سلطة المحضر مقيدة بضرورة مراعاة الأوضاع والمواعيد التي حددها المشرع، كما أن تلك القواعد تكفل للمحضر نفسه حماية القانون، ودرء أي اعتداء عليه سواء من جانب طالب التنفيذ أو المطلوب التنفيذي ضده. إذ يحميه قانون العقوبات من الاهانة والتعدي والمقاومة، كما أن فيما تنطوي عليه الصيغة التنفيذية ونصوص قانون المرافعات ما يخول للمحضر سلطة الاستعانة بقوات الدولة وبالنيابة العامة، عند الاقتضاء للتغلب على ما يصادفه من عقبات في سبيل التنفيذ، وفى نصوص قانون العقوبات ما يحفظ للمحضر هيبته وكرامته.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً