التحفظ على المعاهدات الدولية
ايات محمد سعود
الحوار المتمدن-العدد: 5760 – 2018 / 1 / 17 – 19:35
المحور: دراسات وابحاث قانونية
التحفظ على المعاهدات الدولية
أولا تعريف التحفظ: يعد موضوع التحفظ على المعاهدات الدولية من بين المواضيع القانونية الدولية المهمة , لما يترتب عليه من آثار تتعلق بأطراف المعاهدة في علاقاتهم التعاقدية بعضهم ببعض الناجمة عن المعاهدة فتعفي الدولة المتحفظة نفسها – بعد قبول الدولة أو الدول الأخرى فيها- من الالتزام ببعض نصوصها أو أحكامها ، وقدعرفت إتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 التحفظ بأنه (( تصريح من جانب واحد تتخذه الدولة عند التوقيع على المعاهدة أو التصديق عليها أو الانظمام اليها أو قبولها مستهدفة من ورائه استبعاد أو تعديل الأثر القانوني لبعض أحكام المعاهدة في مواجهتها))
ثانيا أنواع التحفظ: والتحفظ نوعان:
1-تحفظ استبعاد : ويهدف هذا النوع الى إستبعاد الأثر القانوني للنص محل التحفظ بأن لا ينطبق على الدولة التي أبدت التحفظ.
2-تحفظ تفسيري : وهو يهدف الى اعطاء النص المتحفظ عليه معنى معينًا يطبق في إطاره على الدولة المبدية للتحفظ أو أن يطبق النص وفق تفسير لا يتعارض مع القيم والمبادئ التي يقوم عليها النظام القانوني للدولة المتحفظة .
ثالثا الشروط القانونية الواجب لتحقق التحفظ: :يحق لاية دولة ان تبدي تحفظها في بعض فقرات المعاهدات او موادها وذلك لدى توقيعها او ابرامها او قبولها او الانضمام اليها ويشترط في ذلك:
1- ان لا تتضمن المعاهدة اي نص قانوني يحظر ابداء التحفظات عليها .
2- ان يكون التحفظ الذي تبديه احدى الدول مسموحا به وغير وارد في عداد التحفظات التي تحظرها المعاهدة.
3- أن لا يتعارض التحفظ مع اغراض المعاهدة المعقودة واهدافها.
فمتى ماتوفرت الشروط القانونية السابقة استطعاعت الدولة ان تستخدم حقها في ابداء التحفظ على نصوص المعاهدة المبرمة.
رابعاً اجراءات التحفظ : وقد تناولت إتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 كيفية إبداء التحفظ حيث نصت المادة (23) من الاتفاقية على الأجراءات الخاصة بالتحفظ والتي جاء فيها :
1- يجب أن يتم التعبير عن التحفظات والقبول الصريح لها والاعتراض عليها في شكل مكتوب أي مدون وليس شفهاً يرسل إلى الدول الاخرى التي من حقها أن تصبح طرفًا في معاهدة .
2- اذا ابدي التحفظ لدى اقرار نص المعاهدة او توقيعها بشرط تصديقها من قبل الدولة المعنية فيترتب على هذه الاخيرة تأكيد هذا التحفظ صراحة في وثيقة تصديق هذه المعاهدة وفي هذه الحالة يعد التحفظ نافذاً اعتباراً من تاريخ التصديق .
ويتميز التحفظ الذي يبدى عند التوقيع بانه يكون معلوما للمتعاقدين وقت ابرام المعاهدة ، ومن ثم فانه يبعد عنصر المفاجأة، اما التحفظ عند التصديق على المعاهدة فهو الذي تجريه الدولة عند ايداع وثائق التصديق او تبادلها وهو امر شائع في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي مثل الولايات المتحدة الاميركية (ويجب ان يكون التحفظ صريحا قاطعا وهذه هي القاعدة التي جرى عليها العمل) فلا يتصور ان يكون ضمنيا او مفترضا ولكن البعض يرى ان التحفظ يمكن ان يكون ضمنيا وهذه الاتجاه تزعمه بعض قضاة محكمة العدل الدولية في ارائهم المخالفة التي الحقوها بالحكم الصادر في قضية حضانة الطفل امام محكمة العدل الدولية سنة 1958 فلقد اصدرت المحكمة في القضية باغلبية 12 قاضيا ضد اربعة قضاة ذهب ثلاثة منهم الى ان تصرف حكومة السويد كان وفقا لاتقاقية لاهاي المبرمة سنة 1902 والمتعلقة بحل تنازع القوانين الداخلية في مسألة حضانة الاطفال مستندين في ذلك الى ان تصديق الدول على هذه الاتفاقية هو تصديق مقرون ضمناً وهو عدم مخالفة النظام العام الداخلي لكل دولة.
خامساً الآثار القانونية للتحفظ:
-أثر التحفظ في المعاهدات الثنائية: إن تكون المشكلات الناجمة عن التحفظ على المعاهدات الثنائية قليلة قياسًا بالمعاهدات المتعددة الاطراف لأن الدول في المعاهدات الثنائية أما تبرم الاتفاقية مع التحفظات المضافة اليها أو ترفضها ومن ثم تقضي على الاتفاقية بالكامل ، فالتحفظ الوارد في هذه المعاهدات يعد في تكيفه السليم بمثابة إيجاب جديد أو إقتراح بالتعديل ومن ثم يتوقف مصير الاتفاقية على موقف الطرف الآخر منه ،, فإن قبله الأخير ينتج أثره القانوني بصورته الجديدة المعدلة وإن رفضه فأنه رفض العلاقة التعاقدية بشكل كامل إذ لا نكون أمام معاهدة لا في صورتها الاصلية ولا حتى المعدلة وان التحفظ من أي نوع يجب موافقة الطرف الآخر عليه وإذا رفض فهذا يعني فشل الاتفاقية .
وهذا يؤدي بنا إلى القول أن التحفظ على المعاهدات الثنائية لايمكن وصفهُ تحفظ بالمعنى الدقيق وذلك إذا رفض التحفظ من قبل الدولة الاخرى تنتهي المعاهدة من الاساس بخلاف التحفظ على المعاهدات متعددة الاطراف فإن رفض التحفظ في المعاهدات من قبل دولة أو أكثر فإنه لا ينهي وجود المعاهدة الدولية وإنما يعدل الآثر القانوني لاحكام المعاهدة بين الدولة المتحفظة والدولة او الدول الاخرى التي قبلته وتظل المعاهدة قائمة
-أثر التحفظ في المعاهدات المتعددة الأطراف:
إنّ الآثار المترتبة على التحفظ في المعاهدة متعددة الاطراف تختلف عن التحفظ في المعاهدة الثنائية لان رفض التحفظ من قبل دولة أو أكثر في هذا النوع من المعاهدات لا يترتب عليه بطلان الاتفاقية فالاتفاقية تبقى سارية في مواجهة الدول الاخرى حتى أمام الدول التي لم ترفض التحفظ صراحةً، بخلاف الحال بالنسبة للمعاهدات الثنائية.
ويمكن أن نمييز هنا بين ثلاثة أنواع من التحفظات في المعاهدات المتعددة الاطراف الأول وهو الذي تجيزه المعاهدة صراحة والثاني التحفظ الذي تجيزه المعاهدة ضمنًا والثالث التحفظ الذي لا يتعارض مع موضوع المعاهدة والغرض منها , بالنسبة للحالة الاولى أي التحفظ الذي تجيزه المعاهدة صراحة فهو لا يحتاج الى قبول لاحق من أي من الاطراف الآخرين في المعاهدة لكي ينتج أثره ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك فهذا النوع من التحفظ ينتج أثره في تعديل نصوص المعاهدة التي ورد عليها التحفظ وفي حدود التحفظ حصرًا وذلك في العلاقه بين الدولة المتحفظة والاطراف الآخرين في الاتفاقية , أما بالنسبة الى التحفظ الذي تجيزه المعاهدة ضمنًا في حالة سكوت المعاهدة عن بيان حكم التحفظات يتبين من العدد المحدود من الدول التي تفاوض على إبرامها ومن موضوعها والغرض منها , وإن سريان أحكام المعاهدة بين أطرافها شرط أساسي لارتضاء كل الاطراف بها فهذا يحتاج الى قبول من جميع الدول الاطراف في الاتفاقية لكي ينتج أثره أي يتوقف على القبول الجماعي من قبل الدول الاطراف ففي هذه الحالة يطبق الاجماع لكي ينتج التحفظ أثاره .
أما بالنسبة للنوع الثالث من التحفظ وهو الذي لا يتعارض مع موضوع المعاهدة والغرض منها بحيث إن الاتفاقية لاتتضمن نص تجيزه أو تمنعة فإن التحفظ يكون جائزًا إذا لم يتعارض مع موضوع المعاهدة والغرض منها بشرط أن يقبله طرف أو أكثر.
موقف فقهاء القانون والقضاء الدولي من التحفظات :
يرى الاستاذ الفاريز ان التحفظات تعد امتيازاً خاصاً للدول التي لجأت اليها فضلا عن انها تخرق وحدة الاتفاقيات وقال ايضا الاستاذ فوشي :ان استعمال التحفظات يتعارض من الناحية القانونية مع فكرة المعاهدة.
غير ان الاجتهاد الدولي الحديث اجاز التحفظ بصورة عامة اذا كان لا يتعارض مع اهداف المعاهدة بدليل ان محكمة العدل الدولية رفضت مبدئيا الفكرة القائلة بمنع الدول الموقعة او المنضمة الى اتفاقية متعددة الاطراف من حق ابداء اي تحفظ بشأنها اذا كانت الاتفاقية نفسها لم تحظر ذلك (الرأي الاستشاري الذي اصدرته بتاريخ 28 ايار 1951 حول صحة التحفظات المتعلقة باتفاقية 9 كانون الاول 1948 الخاصة بمكافحة جريمة ابادة الجنس البشري) وتتخلص وقائع هذه القضية بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وافقت في قرارها المرقم 260 في 9/2/1948 على اتفاقية منع وقمع جريمة إبادة الاجناس على أن الاتفاقية تدخل دور النفاذ بعد فترة من ايداع وثيقة الايداع أو التصديق أو الانضمام العشرين .
ونظرًا لاقتران بعض الوثائق العشرين الاولى المتضمنة التصديق أو الانضمام بتحفظات تنصب اساسًا على المادة التاسعة من الاتفاقية المنصوص فيها على الاختصاص الالزامي لمحكمة العدل الدولية بالفصل في المنازعات بتفسير الاتفاقية وتطبيقها وتنفيذها ظهرت آراء في الأمم المتحدة حول القيمة القانونية للتصديق أو الانضمام المقترن بمثل هذا النوع من التحفظ ثم حول تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ .
1- بعض الآراء تتأسى بموقف الفقه الدولي التقليدي وتقول ببطلان التحفظات الواردة على المادة التاسعة وببطلان ما اقترنت به من تصديق أو انضمام مالم تقبلها كافة الدول الاطراف في الاتفاقية .
2- اما الاتجاه الاخر فهو يعد الدولة المتحفظة طرفًا في الاتفاق في حدود تحفظها في مواجهة الدول الموافقة على تحفظها وعدم عدها طرفًا في الاتفاق في مواجهة الدول التي رفضت تحفظها , وهذا الاتجاه تأخذ به الدول الأمريكية .
وبالنظر لأهمية الموضوع من الناحية القانونية فقد انتهت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الصادر عام 1950 الى طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية عن مدى اعتبار الدولة التي اقترن تصديقها وانضمامها للاتفاقية بتحفظ بعض أطرافها قبله البعض دون البعض الاخر الاطراف في الاتفاقية وهذا هو السؤال الاول , أما السؤال الثاني فكان بخصوص إذا كانت الاجابة على السؤال الاول بالإيجاب فما تأثير علاقة الدولة المتحفظة بمن قبل وبمن رفض تحفظها من أطراف الاتفاقية الاخرين , أما السؤال الثالث فيتعلق بالقيمة القانونية للاعتراض على التحفظ إذا صدر من قبل دولة وقعت على الاتفاقية ولم تصدق عليها بعد , أو صدر من قبل دولة لها الحق في التوقيع أو الانضمام ولكنها لم تمارس هذا الحق .
للإجابة على السؤال الاول , فقد استندت المحكمة من المبدأ العام القائل إن الدولة في علاقاتها العامة لا يمكن أن تكون ملزمة بدون موافقتها وأن أي تحفظ لا يمكن أن يكون مؤثرًا إزاء أي دولة دون موافقتها وطالما أن الاتفاقية متعددة الاطراف نتيجة اتفاق ابرم بشكل حر فإن أحد الاطراف المتعاقدة غير مخول بإحباط أو الحاق الضرر بهدف المعاهدة أو الاسباب الموجبة لها عن طريق القرارات الفردية والاتفاقيات الخاصة وهذا المبدأ مرتبط بفكرة تكامل الاتفاقية وان هذه المبادئ لا تنطبق على اتفاقية منع جريمة ابادة الجنس البشري فحسب وإنما على جميع الاتفاقيات متعددة الاطراف.
وفيما يتعلق بمعاهدة أو اتفاقية منع أبادة الجنس البشري فإنه على الرغم من عدم وجود مادة في هذه الاتفاقية تحظر التحفظات فقد استنتجت المحكمة إن الدولة التي قدمت تحفظًا عند التوقيع أو التصديق أو الانضمام وواجهت اعتراضا من قبل طرف واحد أو أكثر من اطراف المعاهدة ولكن ليس من قبل كل الاطراف الاخرين يمكن أن تعد طرف في المعاهدة إذا كان التحفظ يتطابق مع هدف وسبب المعاهدة , وإن كان غير ذلك لا يمكن للدولة التي أبدت تحفظها أن تكون طرف في المعاهدة لكن ما هو التحفظ الذي ينسجم أو لا ينسجم مع موضوع المعاهدة وسببها , ذهبت الغالبية في المحكمة الى الاعتماد على الاختيار الذاتي المطبق من قبل كل طرف من اطراف المعاهدة .
وقد اكدت المحكمة ان الدولة المتحفظة اذا ما كان تحفظها متفقًا مع موضوع المعاهدة والغرض منها فإنها تعد طرفًا في مواجهة الدولة التي قبلته , أما الدولة التي رفضت التحفظ فأنها غير ذلك , أي لا تكون طرفًا في المعاهدة , وبخصوص الجواب على السؤال الثالث فإن المحكمة قد بينت أن الاعتراض ليس له أي آثار قانونية الا إذا صدر من قبل دولة قد اكتسبت بالفعل وصف الطرف في المعاهدة موضوع التحفظ ومن ثم لا يعد الاعتراض ذات قيمة قانونية إذا ما صدر من دولة لم تصدق على الاتفاقية أو لم تنضم اليها بعد ، وإن هذا الرأي وإن كان أساسه يخص اتفاقية منع ابادة الجنس البشري الا أنه وضع قاعدة عامة مؤداها وجوب التحقق من قاعدة الاجماع والسماح للدولة المتحفظة – وبشروط خاصة تتعلق بطبيعة التحفظ نفسه- باكتساب وصف الطرف في المعاهدة موضوع التحفظ في مواجهة من قبل تحفظها من الاطراف دون غيرهم ممن رفضه .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً