أنواع الاحتيال الوظيفي
علاء أبونبعه
للأسف الكثير من المختصين والكتاب لا يفرقون بين الكثير من المصطلحات المرتبطة بعلم الاحتيال بشكل عام وعلم الاحتيال الوظيفي بشكل خاص، فهم لا يفرقون ويخلطون بين الاحتيال والفساد والاختلاس والسرقة والنصب والخداع والغش وغيرها من المصطلحات ذات الصلة بهذا الموضوع. وفي كثير من محاضراتي العامة ولقاءاتي المهنية في العديد من الدول العربية وعند الحديث عن هذا الموضوع أسأل الحضور الأسئلة التالية:
1)ما الفرق بين “الاحتيال” و”الخطأ” ؟
2)هل كل “فساد” يعتبر “احتيال” ؟ أم كل “احتيال” يعتبر “فساد” ؟
3)هل كل عملية “احتيال” تعتبر “سرقة” ؟ أم كل عملية “سرقة” تعتبر “احتيال” ؟
4)ما الفرق بين “الاختلاس” و”السرقة” ؟ وما وجه الشبه بين “الاختلاس” و”خيانة الأمانة” ؟
5)هل كل “اختلاس” يعتبر “احتيال” ؟ أم كل “احتيال” يعتبر “اختلاس” ؟
6)ما الفرق بين “النصب” و”الاحتيال” ؟
7)هل “الغُش” هو نفسه “الاحتيال” ؟
وغيرها من الأسئلة. وفي مقالي هذا سوف أوضح العلاقة بين هذه المصطلحات والفروقات الدقيقة بينها.
كل الجمعيات المهنية والمنظمات الدولية عرفت الاحتيال (Fraud) بطريقة مختلفة عن الأخرى وأقرب إلى نشاطها وأهدافها، فالجمعيات المهنية التي تعنى بمهنة مراقبة الحسابات (المدققين الخارجيين المستقلين) ركزت في تعريفها للاحتيال على الاحتيال في البيانات المالية، فمثلاً “معهد المحاسبين القانونيين المعتمدين بالولايات المتحدة الأمريكية” (AICPA) عرف الاحتيال بأنه: “فعل مقصود يؤدي إلى أخطاء مادية في البيانات المالية التي تخضع لتدقيق الحسابات”، و”مصلحة التجارة والصناعة بالمملكة المتحدة” عرفت الاحتيال بأنه: “أي تصرف بالخداع يؤدي إلى الإضرار بمصالح عملاء شركات الأعمال أو مستهلكيها أو الإضرار بمساهميها”، و”المعهد الدولي للمدققين الداخليين” (IIA) عرف الاحتيال بأنه ” أي أعمال أو تصرفات غير قانونية أو غير مشروعة تتسم بالغش أو الخداع أو الإخفاء أو انتهاك الثقة، ولا تعتمد مثل تلك الأعمال أو التصرفات على استخدام التهديد باستخدام العنف أو القوة المادية”، وهكذا تنوعت تعريفات الاحتيال. الجامع المشترك بينها هو أن الاحتيال عبارة عن فعل:
1)مقصود (هذا ما يميزه عن الخطأ بشكل عام)، و
2)ينتج عن ضرر لطرف أو مجموعة أطراف ومنفعة لطرف أو مجموعة أطراف آخرين، و
3)غير قانوني، و
4)غير أخلاقي.
وسبب تفريقي بين الفعل “غير القانوني” والفعل “غير الأخلاقي” هو أن كل الأفعال غير القانونية هي أفعال غير أخلاقية، ولكن ليس كل الأفعال غير الأخلاقية تعتبر غير قانونية.
في مقالي هذا سوف أركز على أحد أنواع الاحتيال الشائعة وهو “الاحتيال الوظيفي” (Occupational Fraud)، والذي من خلاله سوف يزول بإذن الله اللبس في المصطلحات التي أشرت لها أعلاه.
عرفت جمعية فاحصي الاحتيال المعتمدين الأمريكية (ACFE) “الاحتيال الوظيفي” بأنه: “استغلال المنصب الوظيفي في المؤسسة للإثراء الشخصي من خلال تعمد سوء استخدام أو استغلال موارد أو أصول المؤسسة”، فالمُحتال في هذا النوع من الاحتيال قد يكون مالكاً للمؤسسة أو مديراً أو موظفاً فيها، ويهدف من خلال فعله إلى تحقيق منفعة مباشرة أو غير مباشرة. المستفيد والضحية من الاحتيال الوظيفي قد يكون أحد أصحاب المصالح (Stakeholders) الخارجيين مثل الحكومة والموردين والعملاء وغيرهم أو الداخليين مثل المساهمين والموظفين وغيرهم. الجمعية قسمت هذا النوع من الاحتيال إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1)الفساد (Corruption) ويشمل كل من الرشوة (Bribery)، وتضارب المصالح (Conflict of Interest)، والإكراميات غير القانونية (Illegal Gratuities)، والرشوة بالإكراه (Economic Extortion)، والعمولة الخفية (Kickback)، وافتعال عمل مناقصة أو مزايدة (Bid Rigging)، وغيرها.
2)إساءة ائتمان الأصول (Asset Misappropriation) أو الاختلاس (Embezzlement) ويشمل كل من السرقة (Larceny/Theft)، سرقة التحصيلات النقدية قبل التسجيل (Skimming)، إخفاء العجز في النقدية (Lapping)، والتزوير (Forgery)، وسوء الاستغلال (Misuse)، والصرف غير النظامي (Fraudulent Disbursement)، والتلاعب بالسجلات المحاسبية، وغيرها.
3)احتيال القوائم المالية (Financial Statements Fraud) ويشمل كل من تعظيم أو تقليل الأصول والإيرادات (Asset/Revenues Overstatement/Understatement)، وتقليل أو تعظيم الالتزامات والمصاريف (Liabilities/Expenses Understatement/Overstatement)، والتلاعب بالافصاحات المالية (Improper Disclosures).
يوجد تصنيف آخر لـ “الاحتيال الوظيفي” مبني على الغرض منه وعلى النحو التالي:
1)الاحتيال بغرض تحقيق منفعة للمؤسسة والذي تتحقق المنفعة الشخصية للمحتال عن طريق استغلال ميزة غير منصفة أو غير أمينة قد تخدع أي طرف خارجي، مثل بيع أو التنازل عن أصول وهمية أو صورية أو مختلفة في حقيقتها عن البيانات التي تم الإدلاء بها، والإدلاء المتعمد بإفادات وبيانات أو تقييمات غير سليمة عن الصفقات أو الأصول أو الخصوم أو الدخل، والاحتيال الضريبي، والامتناع المتعمد عن تسجيل أو الإفصاح عن أي معلومات هامة بقصد تحسين الصورة المالية للمؤسسة أمام الأطراف الخارجية.
2)الاحتيال بغرض الإضرار بالمؤسسة من أجل تحقيق مصلحة مباشرة أو غير مباشرة لأحد الموظفين في المؤسسة مثل قبول الرشاوى أو العمولات أو الإكراميات غير القانونية، والاختلاس، وتحويل إحدى الصفقات التي يحتمل أن تحقق أرباحاً للمؤسسة إلى أحد الموظفين في المؤسسة.
جميع هذه الأنواع من الاحتيال الوظيفي تعتبر صورة من صور “خيانة الأمانة”. وفي هذا السياق من المهم معرفة الفرق أيضاً بين “الاختلاس” و”السرقة”. يعتبر ”الاختلاس” صورة من صور “خيانة الأمانة”، والمختلس يجب أن تتوفر فيه صفة معينة وهي أن يكون وظيفياً بالمؤسسة، بينما هذه الصفة ليست شرط توفرها لدى خائن الأمانة، فقد يخون أحد الزبائن أو الموردين الأمانة وهنا لا يسمى مختلساً. وللتوضيح أكثر، وعلى سبيل المثال في “الاختلاس” يفترض أن المال موجود بين يدي الموظف بسبب وظيفته، أما في حالة “خيانة الأمانة” فتقتضي أن يكون المال مسلماً إلى شخص مستأمن بمقتضي عقد من عقود الأمانة. وفي حالة “السرقة” لا يكون السارق مسؤولاً عن ذلك المال أساساً، وهذا ما يجعله يختلف عن ”الاختلاس” مهما كان أسلوب السرقة. فعلى سبيل المثال لو فقدت مؤسسة أحد أجهزتها وكان الذي أخذ الجهاز بطريقة غير قانونية موظفاً فيسمى مختلساً، أما إذا كان الذي أخذ الجهاز بطريقة غير قانونية من غير موظفي المؤسسة فيسمى سارقاً.
الكثير من الناس يعتبر أن “النصب” هو نفسه “الاحتيال”، و”الغُش” هو نفسه “الاحتيال”، وهذا خطأ شائع للأسف، حيث أن “النصب” و”الغُش” يعتبران من وسائل ارتكاب “الاحتيال” باستخدام الحيلة والتدليس. “الغُش” نقيض “النُصح”، وهو نوع من أنواع الخيانة، لأن فيه إخفاء للواقع وإظهار لخلافه، ويتحقق “الغُش” بإخفاء العيب أو تزيينه لتضليل طرف آخر.
الاحتيال يعتبر من أهم التحديات التي تواجه المؤسسات الخاصة والعامة وغير الهادفة للربح، فهو يهدر المال والموارد ويعيق الأداء ويلحق الضرر بالمؤسسة وبسمعتها وبمصداقيتها وبقدرتها التنافسية. وهذا الضرر قد يكون له أثر مالي مباشر يمكن قياسه أو غير مباشر صعب قياسه، وقد يكون الضرر أيضا غير مالي.
وعلى جميع الموظفين بكافة مستوياتهم التنظيمية أن يعوا أهمية الولاء للمؤسسة ومسؤولياتهم في الكشف عن الاحتيال ومكافحته، وعلى أعضاء الإدارة العليا في المؤسسة أن يكونوا القدوة بإتباعهم إجراءات الرقابة الصحيحة في أعمالهم اليومية وعدم خرق الإجراءات النظامية بحكم مواقعهم.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً