اختصاص رئيس الدولة في حل البرلمان
المؤلف : علي سعد عمران
الكتاب أو المصدر : ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة في بعض النظم الدستورية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
ان حل البرلمان يمثل الطريق المبتسر في انهاء المجلس النيابي قبل حلول الموعد القانوني الطبيعي المحدد لانتهاء وكالته عن الشعب وحق الحل يتخذ مفهوماً مختلفاً واكثر خطورة عن سائر الوسائل الاخرى التي تملكها السلطة التنفيذية للدفاع عن نفسها في مواجهة البرلمان كفض دور الانعقاد وتأجيل انعقاد البرلمان إذا ان هذه الوسائل تمثل في الحقيقة رقابة محدودة التاثير ،فلا يترتب على استخدامها فقدان المجلس النيابي لكيانه ووجوده ،لذا فحق الحل يعد من اخطر الإختصاصات التي يمارسها رئيس الدولة في ميدان التدخل في سير العمل البرلماني وفي مجال الرقابة على السلطة التشريعية بوصفه رئيسا للسلطة التنفيذية(1) ، فحق الحل يعد من أهم وسائل السلطة التنفيذية الفعالة في مواجهة السلطة التشريعية وهو يعد ضروريا لحفظ التوازن بينهما إذ هو المقابل الطبيعي بل الحتمي للمسؤولية الوزارية(2) ، وحق الحل يعد سلاحا ذا حدين فهو من ناحية يعمل على حفظ التوازن بين السلطتين ومن ناحية اخرى يعد سلاحا خطرا بيد رئيس الدولة يستطيع من خلاله ان يشل عمل البرلمان إذا تم اللجوء اليه باستمرار ،وقد يتخذه وسيلة للوصول إلى أغلبية متفقة مع ميوله ورغباته سواء بتكرار استعماله أو باستعماله في وقت يعتقد مناسبته لاغراضه(3) .
وحل البرلمان قد يتخذ الصور الاتية :-
1- الحل الرئاسي :– قد يسند الاختصاص في حل البرلمان إلى رئيس الدولة وحده دون ان يشاركه فيه احد،وذلك من منطلق ان هذه السلطة تعد وسيلة لدفاع رئيس الدولة عما يعتنقه من اراء و افكار يعتقد ان الرأي العام يؤيده فيها(4) ، فالحل هنا يتم بواسطة رئيس الدولة عند نشوب نزاع بينه من جهة والبرلمان والوزارة من جهة اخرى وتكون الوزارة في هذا الفرض متمتعة بثقة الأغلبية البرلمانية(5) ، لذا يعمد رئيس الدولة إلى اقالة الوزارة وتشكيل اخرى من الأقلية أو من خارج البرلمان لتدبير شؤون الدولة وتكون هذه الوزارة مؤيدة لوجهة نظره وقادرة على تحمل مسؤولية حل البرلمان ،ويترتب على حل البرلمان إجراء انتخابات جديدة(6)، تعد بمثابة إستفتاء شعبي حيال تصرف رئيس الدولة(7) ، فاذا اسفرت الانتخابات عن أغلبية برلمانية تؤيد الوزارة الجديدة التي جاء الحل على يديها فهذا يعني ان تصرف رئيس الدولة كان سليما وانه كان محقا في اقالة الوزارة السابقة وحل البرلمان وانه في ذلك يتفق مع اتجاهات الرأي العام إزاء سياسة البلاد اما إذا تمخضت هذه الانتخابات عن فوز الأغلبية القديمة باغلبية مقاعد البرلمان دل هذا الاتجاه الشعبي على خطا تصرف رئيس الدولة عندما اقال وزارة الأغلبية وانه قد اساء التقدير عندما عمد الىحل البرلمان ، الذي وقف معه جمهور الناخبين مما يجعل مركز رئيس الدولة في غاية الاحراج ، ويترتب على هذا الفرض ضرورة استقالة وزارة الأقلية وتعيين وزارة جديدة متمتعة بثقة الأغلبية النيابية ، ويضطر رئيس الدولة إلى دعوة زعماء الأغلبية الذين اقالهم سابقا لتاليف الوزارة ، وهذا مايؤدي إلى زعزعة الثقة برئيس الدولة فاذا كان النظام جمهوريا فقد يضطر رئيس الدولة إلى الاستقالة، اما إذا كان النظام ملكيا فان وضع رئيس الدولة يكون اكثر احراجا(8) ، فرئيس الدولة لايستطيع ان يستخدم حق الحل ما لم يكن له تأثير واسع على أغلبية الرأي العام(9)، وكانت هناك دلائل واضحة على ان أغلبية الناخبين مستعدة لتاييد سياسته ضد سياسة البرلمان(10) ، فحق الحل الرئاسي مبني على رغبة رئيس الدولة وتقديره الشخصي(11) .
2- الحل الوزاري : ان حل البرلمان عن طريق الوزارة يتم عند نشوء خلاف حول السياسة العامة للدولة بين الوزارة من جهة والبرلمان من جهة اخرى بحيث يصبح من العسير التعاون فيما بينهما ،لذا يتم رفع الامر إلى رئيس الدولة لتقرير ما يراه في هذا الصدد سواء بحل المجلس اواقالة الوزارة فرئيس الدولة يلعب دور الحكم بين السلطات في هذا المجال فاذا قرر حل البرلمان يصدر عندئذ مرسوم الحل(12)، والوزارة إذ تتقدم بطلب الحل بسبب الخلاف الناشب بينها وبين البرلمان بقصد تحكيم هيأة الناخبين في هذا النزاع تكون هي المسؤولة عن هذا الطلب(13)، ويتضن مرسوم الحل دعوة الناخبين لاجراء انتخابات نيابيةجديدة ،فاذا اسفرت عن ذات الأغلبية البرلمانية السابقة فان الامر يكون قد حسم لصالح البرلمان ،اما إذا لم تات بهذه الأغلبية فان ذلك يعني ان الوزارة كانت على حق عند تمسكها بصدد موضوع النزاع(14)، فحق الحل الوزاري وان كان يتم بطلب من رئيس الوزارة غير ان استخدامه قاصر على رئيس الدولة وحده بموجب مرسوم يصدر خصيصا لذلك(15) .
3- الحل الشعبي :– ويعد هذا الاجراء أحد اشكال الاخذ بوسائل الديمقراطية غير المباشرة حيث يجعل الشعب في حالة مشاركة دائمة في شؤون الحكم ورقيبا على ممثليه في مدى تحقيقهم مصالح صاحب السيادة الحقيقي(16) ، ومقتضاه ان يكون حل البرلمان منوطا بارادة الناخبين الذين لهم الحق في طلب إجراء هذا الحل، إذ يكون لعدد من الناخبين يحدد في الدستور ان يطلبوا حل البرلمان فيعرض الامر حينئذٍٍ على مجموع الناخبين فاذا وافقت الأغلبية على الاقتراح بالحل ينحل المجلس وتجري انتخابات نيابية جديدة، ونظرا لخطورة هذا الاجراء فان بعض الدساتير التي تاخذ به تشترط موافقة اغلبية عدد الناخبين المقيدين في جداول الانتخابات على الاقتراح بالحل ، وعدم الاكتفاء باغلبية من ادلوا باصواتهم، وهذه الطريقة لحل البرلمان تاخذ بها بعض المقاطعات السويسرية(17) ويتخذ نظام الحل الشعبي احدى صورتين ،فقد يحدث بصورة مباشرة بأن يكون الإستفتاء الشعبي منصبا على موضوع حل البرلمان ذاته،وقد يكون بصورة غير مباشرة بأن يكون موضوع الإستفتاء ليس هو حل البرلمان وانما مسألة اخرى يكون الإستفتاء عليه بمثابة الحكم على البرلمان ببقائه أو حله وهذا ما يحدث دائما في حالة الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية(18) .
الــحـل الــذاتي:- ومقتضى هذا الحل ان يكون للمجلس النيابي الحق في حل نفسه بقرار يصدر منه(19)، فاذا اراد البرلمان استخدام حقه هذا فلا بد من إصدار تشريع خاص بذلك فهذا الحل لايتم وفق إجراء بسيط من البرلمان ،وهذا الحق لايمكن ممارسته الا إذا نص الدستور عليه صراحة، ويتمتع الحل الذاتي باهمية كبيرة عندما يكون اللجوء إلى الحل الرئاسي اوالوزاري امرا عسيرا(20) .
اما الغاية المتوخاة من حل البرلمان فتتمثل باحدى الغايات الاتية:-
1- حل النزاع بين السلطات الدستورية في الدولة :وصور النزاع الممكن حدوثها متعددة فتارة يكون النزاع بين الحكومة والبرلمان وتارة اخرى يكون النزاع بين رئيس الدولة من جهة والبرلمان والوزارة من جهة وتارة ثالثة قد يقع النزاع بين مجلسي البرلمان في الدول التي تاخذ بنظام المجلسين بحيث يصبح من المتعذر تجاوبهما معا ، كما قد يقع هذا النزاع بين الأحزاب السياسية المكونة للاغلبية البرلمانية ، ويلاحظ ان النزاع قد ينشب بين البرلمان والشعب ذاته الذي قد تتغير اراؤه وميوله السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية مجاوبا بذلك سنة التطور ، فينعزل بذلك عن اراء وميول ممثليه التي مازالت على سجيتها الأولى فيحدث النفور وعدم الانسجام بينهما .
2- لتحقيق الاستقرار للنظام السياسي :وتتمثل هذه الغاية في تدعيم وتثبيت الأغلبية البرلمانية القائمة أو لاعادة هذه الأغلبية ،وقد ينتج عدم الاستقرار السياسي في الدولة عن الازمات الوزارية المتكررة فيتخذ الحل عادة في تلك الظروف أسلوب التهديد الذي يقوم بدور ذي تأثير (وقائي) يرمي إلى تحقيق الاستقرار الوزاري ،كما يتخذ الحل التاثير ذاته إذا دبت الفرقة والتنافر داخل الحزب الحاكم ،لذا يعمد إلى استخدام حق الحل لتكوين أغلبية برلمانية اكثر تماسكا وتكون منقادة لسياسة رئيس السلطة التنفيذية ، وبذلك تعمل على تقوية مركزه ونفوذه السياسي ،وبذلك يتحقق الاستقرار للنظام السياسي الذي قوامه ذلك الحزب الحاكم ،وقد يتم حل البرلمان لامتصاص غضب المعارضة من خارج البرلمان وبالتالي عودة الاستقرار السياسي للدولة.
3- وقد يتم حل البرلمان عند حدوث كل مسألة هامة يترتب عليها تغيير جوهري في نظام الانتخابات النيابية أو تعديل الدستور كليا أو جزئيا أو إذا تعلق الامر بمسائل سياسية هامة تمس مصالح البلاد الحيوية كالتصديق أو الانضمام إلى بعض المعاهدات(21) وهناك مجموعة من الضمانات الدستورية لضمان عدم التعسف في استخدام حق الحل وهي:
1- ضرورة استشارة بعض الجهات الدستورية والسياسية قبل الاقدام على استخدام حق الحل.
2- تضمين مرسوم الحل الاسباب التي ادت إلى حل البرلمان حتى تتمكن هيأة الناخبين من الحكم على سلامة إجراء الحل ،وكذلك تضمين المرسوم الدعوة لاجراء انتخابات نيابية جديدة خلال فترة زمنية محددة حتى لاتنفرد الحكومة بتصريف امور البلاد دون رقابة برلمانية.
3- عدم جواز حل البرلمان خلال فترة زمنية معينة من تاريخ الحل الأول .
4- عدم جواز حل البرلمان لنفس السبب الذي حل من اجله المجلس السابق(22) .
وقد نص الدستور الفرنسي لعام 1958 في المادة(12) بأن (( لرئيس الجمهورية بعد مشاورة الوزير الأول ورؤساء مجلسي البرلمان ان يعلن حل الجمعية الوطنية ، وتجري الانتخابات العامة بعد مدة لاتقل عن عشرين يوما ولاتزيد على اربعين يوما على الاكثر من تاريخ الحل ،وتنعقد الجمعية الوطنية بقوة القانون في يوم الخميس بعد التالي لانتخابها ، اما إذا وقع الاجتماع هذا خارج الفترة المحددة لدور الانعقاد العادي ،يتم بقوة القانون افتتاح دور الانعقاد ولمدة خمسة عشر يوما .ولا يجوز إجراء حل جديد للجمعية الوطنية خلال العام التالي على هذه الانتخابات )) .
فالدستور الفرنسي قد جعل من سلطة رئيس الدولة في حل البرلمان سلطة تقديرية ومن امتيازات رئيس الدولة ، فحل البرلمان يعد من السلطات الشخصية لرئيس الدولة التي لاتحتاج إلى توقيع الوزير الاول(23) ، فرئيس الجمهورية الفرنسي عند ممارسة هذا الاختصاص لايكون ملزماً نهائياً ببيان السبب الذي دفعه إلى حل الجمعية الوطنية واما ماورد في نص المادة المذكورة من وجوب استشارة الوزير الأول ورئيسي مجلسي البرلمان فهذا لايعد قيدا على سلطته في هذا الشأن حيث لايعدو ان يكون سوى مجرد إجراء شكلي لمعرفة وجهة نظرهم دون اي التزام من قبله بارائهم(24)، غير ان القيد الوحيد الوارد بالنص يتمثل بعدم امكانية حل الجمعية الوطنية خلال السنة التي تلي الانتخابات(25)، وهذا القيد لايستمر سوى عام واحد يستطيع بعده رئيس الجمهورية حل الجمعية الوطنية(26) .
وقد استعمل رئيس الجمهورية حقه في حل البرلمان مرات عدة وذلك لتحقيق العديد من الغايات ، فالحل الأول للجمعية الوطنية عام 1962 قد تم على يد الرئيس ((CH.DEGAULLE)) إذ جاء هذا الحل على أثر سحب الجمعية الوطنية الثقة من حكومة ((G.POMPIDOU)) التي كانت مؤيدة لسياسة رئيس الجمهورية الرامية إلى إحداث تعديل دستوري مهم بجعل إختيار رئيس الجمهورية يتم بالاقتراع العام ،يضاف إلى ذلك السياسة العدائية التي اتبعتها هذه الجمعية تجاه سياسة رئيس الجمهورية(27) ، وعلى أثر هذا الحل تمت دعوة الناخبين لانتخابات نيابية جديدة ، اسفرت عن أغلبية مؤيدة لسياسة رئيس الجمهورية وهذا ما عزز موقفه تجاه باقي المؤسسات الاخر(28)، لذا فقد ادى حل البرلمان إلى حل النزاع بين السلطة التشريعية والتنفيذية ممثلة برئيس الدولة كما ان هذا الحل تحققت من خلاله غاية اخرى والمتمثلة بتحقيق الاستقرار الوزاري فالجمعية الوطنية كانت على خلاف شديد مع الحكومة التي كانت بدورها مساندة لسياسة رئيس الدولة ولا سيما فيما يتعلق بدعمها لمشروع تعديل الدستور المقترح من رئيس الجمهورية لتعديل طريقة انتخابه والجمعية الوطنية ذاتها كانت على خلاف مع حكومة ((M.DEBRE))
وقد تمخض عن ذلك الخلاف اقالة الحكومة باكملها من قبل رئيس الدولة ، وكنتيجة لما سبق عمد الرئيس ((DEGAULLE)) إلى حل الجمعية الوطنية وذلك بعد ان تقدمت بلائحة لوم الحكومة بالاكثرية المطلقة لاعضائها غير ان رئيس الجمهورية رفض استقالة الحكومة وعمد إلى حل الجمعية لتجنيب البلاد من ازمة وزارية يترتب عليها عدم استقرار البلاد(29) ، فضلاً عن ما سبق فقد تحقق من الحل المذكور غاية في ذات الاهمية والمتمثلة بايجاد أغلبية برلمانية مطابقة لاتجاه وسياسة رئيس الجمهورية على أغلبية المقاعد النيابية(30) ، وقد جاء الحل الثاني للجمعية الوطنية عام 1968 في عهد الرئيس ((CH.DEGAULLE)) وذلك على أثر المظاهرات الطلابية التي حدثت في كلية الاداب في جامعة ((NANTERRE)) احتجاجا على سوء الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وحدث على اثرها مصادمات عديدة بين المتظاهرين والشرطة ، وقد شملت المظاهرات انذاك العديد من شرائح المجتمع لذا فقد عمد رئيس الدولة إلى حل الجمعية الوطنية واجراء انتخابات جديدة رغبة منه في تهدئة الاوضاع وبالفعل تحقق ذلك ،وبذلك فقد حقق الحل المذكور الهدف منه والمتمثل بتحقيق الاستقرار السياسي داخل الدولة عن طريق امتصاص غضب المعارضة خارج البرلمان بل والتصويت لصالح الحزب الذي يتزعمه رئيس الجمهورية وحصوله على أغلبية متماسكة اكثر وبذلك فقد حقق هذا الحل غاية اخرى(31)، لذا فان هذا الحل وما تبعه من تاييد شعبي لسياسة رئيس الدولة عن طريق حصول حزبه على اكثرية مقاعد البرلمان يعد بمثابة الإستفتاء الشخصي ،لأن المقصود منه في الأساس تاييد أو رفض سياسة رئيس الجمهورية عن طريق هذه الانتخابات النيابية(32) ، وفي عام 1981 وبعد مرور يوم واحد على إنتخاب الرئيس ((F.MITTERRAND)) عمد إلى حل الجمعية الوطنية وذلك لتحقيق وايجاد أغلبية برلمانية مساندة لسياسة رئيس الجمهورية ومنفذة لها(33) ، وهو ما عمد اليه الرئيس ((F.MITTERRAND)) في عام 1988 بعد مرور يوم واحد على اعادة انتحابه لولاية ثانية ، إذ عمد إلى حل الجمعية الوطنية وذلك لإيجاد أغلبية برلمانية مساندة لرئيس الجمهورية ، وذلك بعد ان فقدت في الانتخابات التي جرت عام 1986وبالفعل قد تحقق له ذلك(34).
وقد لعب التهديد بحل البرلمان دوراهاما في تحقيق الاستقرار السياسي في فرنسا ولا سيما في عهد الرئيس((V.G.DESTAING)) ، وذلك في اثناء الحكومات المتعاقبة برئاسة (((R.BARRE) ، فقد أعلن رئيس الجمهورية عام 1978 بانه سيلجا إلى استخدام حق الحل بوصفه السلاح الأساسي لمواجهة السلطة التشريعية إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك كما هدد باستخدام حق الحل عندما عارض نواب الحزب الديغولي (التجمع من اجل الجمهورية) الخطة الثانية للاصلاح الاقتصادي المقدمة للبرلمان من قبل الوزير الأول ،وايضا لجا رئيس الجمهورية في عام 1979 إلى التهديد بحل الجمعية الوطنية عندما رفض النواب الأعضاء في الحزب الديغولي التصويت على الميزانية العامة للدولة(35) ، اما حل الجمعية الوطنية للمرة الخامسة فتم في عهد الرئيس (((J.CHIRAC) عام 1997 وكانت الغاية من هذا الحل العمل على تهدئة الاوضاع الداخلية لتحقيق الاستقرار السياسي ، ففي عام 1997 عمت المظاهرات الشارع الفرنسي نتيجة الاجراءت الاقتصادية الشديدة التي اتخذها رئيس الدولة مع وزيره الاول((A.JUPPE)) ، وذلك بتقليل الانفاق العام وتخفيض العجز في الميزانية ومواجهة البطالة ،غير ان هناك اسباب اخر اثرت في الرأي العام وزادت من حدة السخط الشعبي ، والمتمثلة بالانقسامات السياسية داخل الحزب الحاكم نفسه والفضائح المالية التي اتهم بها الوزير الأول مع تردي الاوضاع السياسية والاقتصادية بشكل ملحوظ ، لذا فقد عمد رئيس الجمهورية إلى حل الجمعية الوطنية معللا ذلك بضعف الاداء الحكومي وعدم قدرته على تحقيق مطاليب الجماهير، ومن بينها القضاء على البطالة وتوحيد العملة الاوربية ،غير ان النتائج التي اسفرت عنها تلك الانتخابات هي مالم تكن بالحسبان فقد اسفرت عن فوز أغلبية اشتراكية في حين كانت الأغلبية السائدة هي اليمينية ، وبذلك فقد اجبر رئيس الدولة على التعايش مع أغلبية وحكومة اشتراكية(36) ، ومع ذلك فقد حقق الحل الغاية منه في تهدئة الشارع الفرنسي وامتصاص غضبه .
وقد نص الدستور التونسي لعام 1959 في المادة (63) في الفقرة الأولى بان((يمكن لرئيس الجمهورية إذا صادق مجلس النواب على لائحة لوم ثانية باغلبية ثلثي اعضائه اثناء نفس المدة النيابية اما ان يقبل استقالة الحكومة أو ان يحل مجلس النواب ،ويتحتم ان ينص الامر المتخذ لحل مجلس النواب على دعوة الناخبين لاجراء انتخابات جديدة في مدة لاتتجاوز الثلاثين يوما)) .
فالنص السابق يبين ان الحل في النظام السياسي التونسي انما يتم كرد فعل على مجلس النواب ،و ذلك في حالة مصادقة هذا المجلس على لائحة لوم ثانية باغلبية الثلثين في المدة النيابية نفسها (37) ، وعلى ذلك فان رئيس الجمهورية سيكون حكماً وخصماً في الوقت ذاته لأن الحكومة هي من اختياره ومنفذة لسياسته فقط دون ان يكون لها سلطة التقرير إبتداءً فهي تخضع خضوعاً تاماً لرئيس الدولة الذي يكون له السلطة التقديرية في تكوينها وحلها فضلاً عن مسؤوليتها امامه(38) ، وايضا يمكن لرئيس الحمهورية حل المجلس في حالة إجراء انتخابات رئاسية سابقة لاوانها(39) ، وهو مانصت عليه الفقرة الاخيرة من المادة (57) التي تتحدث عن شغور المنصب بسبب الوفاة أو الاستقالة اوالعجز التام ، فبينت انه بعد الإعلان عن شغور المنصب واجراء الانتخابات الرئاسية فان ((…لرئيس الجمهورية الجديد ان يحل مجلس النواب ويدعو لانتخابات تشريعية سابقة لاوانها …)) ، ويتضح مما سبق ان رئيس الجمهورية يملك صلاحية مهمة ذات أثر خطير والمتمثلة بحل البرلمان دون ان يشترط الدستور اية شروط للحد من هذه السلطة ، ومما يلاحظ في هذا المجال عدم امكانية تصور أي حرج قد يقع فيه رئيس الدولة إذا لجأ إلى حل البرلمان في حصول نفس الاغلبية السابقة على اغلبية المقاعد النيابية بعد الانتخابات التشريعية الجديدة – خصوصا في الحل الأول –وذلك لأن رئيس الجمهورية هو زعيم الأغلبية البرلمانية المطلقة فهو زعيم الحزب الحاصل على هذه الأغلبية والذي يشغل اكثر مقاعد البرلمان(40) .
وقد نص الدستور المصري لعام 1971 في المادة (136) بأن ((لايجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس الشعب الا عند الضرورة وبعد إستفتاء الشعب ويصدر رئيس الجمهورية قرارا بوقف جلسات المجلس واجراء الإستفتاء خلال ثلاثين يوما ،فاذا اقرت الأغلبية المطلقة لعدد من اعطوا اصواتهم الحل، أصدر رئيس الجمهورية قرارا به ،ويجب ان يشتمل القرار على دعوة الناخبين لاجراء انتخابات جديدة لمجلس الشعب في ميعاد لايجاوز ستين يوما من تاريخ إعلان نتيجة الإستفتاء ويجتمع المجلس الجديد خلال الايام العشرة التالية لإتمام الانتخاب)) . ويتضح من النص ان حق الحل قد ورد باسم رئيس الجمهورية(41) ، وهذا يعني ان استعمال هذا الحق امر منوط برئيس الجمهورية فقط كما ان رئيس الجمهورية يجب ان يمارس هذا الحق بنفسه(42) ، فحق الحل الوارد في المادةالسابقة يعد حقا شخصيا لرئيس الدولة، غير ان سلطته في استخدام هذا الحق مقيدة بقيدين الأول يتمثل بتوافر حالة الضرورة والثاني يتمثل بموافقة الشعب على حل المجلس بالاستفتاء ،فبالنسبة للقيد الأول فقد ذهب الفقه إلى ان توافر حالة الضرورة امر متروك لتقدير رئيس الجمهورية وحده(43) ، والمقصود بالضرورة في هذا المجال توافر اسباب قوية تستدعي حل مجلس الشعب (44) ،
اما بالنسبة للقيد الثاني وهو ضرورة موافقة الشعب على حل المجلس بالاستفتاء الشعبي فالشعب من خلال ذلك يعد رقيبا على سلطة رئيس الجمهورية عند تقديره لحالة الضرورة(45)، غير ان هذا القيد وعلى الرغم من اهميته البالغة لم يكن سوى قيد شكلي وذلك بسبب ان الإستفتاء الشعبي يتطلب توافرقدر من الوعي السياسي لدى جمهور الناخبين فضلاً عن ما يستوجبه من كفالة حرياتهم في التعبير عن ارائهم.ونزاهة العملية الاستفتائية بحد ذاتها حتى لايتحول الإستفتاء إلى وسيلة لفرض الاستبداد تحت ستار ارادة الشعب، فضلاً عن ضرورة قيام وسائل الاعلام بتوضيح موضوع الاستفتاء،غير ان ما يحصل في مصر يجري على خلاف ذلك،فالامية السياسية متفشية في الشعب ووسائل الاعلام مسيرة من جانب السلطة التنفيذية التي تؤثر إلى حد كبير علىالرأي العام من دون ان تمكن المعارضة من ابداءرأيها في موضوع الإستفتاء، لذا فان نتائج الإستفتاء دائما لاتقل نسبة الموافقين فيها على موضوع الإستفتاءعن 95%(46) ، لذا فالاستفتاء الوارد في المادة (136) يصطبغ بصبغة الاستفتاء الشخصي لانه يؤيد سياسة رئيس الدولة وقراره بحل البرلمان أو برفضه –وهو ما لم يحدث –ولذا فلايعد ضمانة جدية في هذا المجال(47) ، وقد اثبتت الأحداث بالفعل صورية الإستفتاء لحل مجلس الشعب وتجلى ذلك عند حل البرلمان لاول مرة في ظل دستور عام 1971 الذي اجرى عام 1979(48) ، وقد ورد حل المجلس في المادة(127) وهي بصدد بيان مسؤولية رئيس الوزراء فقد بينت المادة ان لرئيس الجمهورية ان يعرض موضوع النزاع القائم بين مجلس الوزراء والبرلمان على الإستفتاء الشعبي فاذا جاءت نتيجة الإستفتاء مؤيدة للحكومة يعد منحلا وذلك بقوة القانون والا قبل رئيس الجمهورية استقالة الحكومة(49) ، غير ان شرط الإستفتاء في حل المجلس في ظل المادة (127) لايعد ضمانة حقيقية لعدم التعسف في استخدام هذا الحق في ظل النظام السياسي المصري فاستخدام الحل لحسم الخلاف بين السلطات الدستورية يصبح عديم الاثر إذا تم استخدامه في مجتمع لايتمتع بالقدرة الكافية على فهم دوافع الخلاف واثاره ومدى اهمية المسائل المعروضة على الشعب ، وهذا يؤدي إلى ان النتائج لاتكون معبرة عن الارادة الحقيقة لهيأة الناخبين(50) ، بل هو في الحقيقة يعد سلاحاً بيد رئيس الجمهورية الذي هو الرئيس الفعلي للحكومة(51) .
وقد تم حل مجلس الشعب المصري أول مرة في ظل دستور 1971 في عهد الرئيس ((محمد انور السادات )) عام 1979 وذلك عقب توقيع معاهدة السلام المصرية – الاسرائيلية، فقد كان هناك عددا من النواب لم يكن راضيا عن عقد هذه المعاهدة وما تضمنته من بنود ، وعلى أثر هذه المعارضة البرلمانية والجدل الكبير الذي اثارته هذه المعاهدة في الشارع المصري ، عمد الرئيس (السادات) إلى حل البرلمان ، وقد كانت الغاية من حل هذا البرلمان ،تتمثل بالرغبة في التخلص من (14) نائبا من المعارضة لعدم موافقتهم على هذه المعاهدة(52) وكان حل المجلس تحت عنوان اعادة تنظيم الدولة تدعيماً للديمقراطية(53) ، لذا فقد عد هذا الحل أول اساءة لاستخدام الحل في ظل دستور 1971 حيث اتخذ كوسيلة لفرض سياسة رئيس الدولة على بعض العناصر المعارضة(54) ، اما الحل الثاني للمجلس فقد تم في عهد الرئيس ((محمد حسني مبارك)) ، وذلك في عام 1987 وقد حدث هذا الحل نتيجة تعديل قانون انتخاب مجلس الشعب والعدول عن نظام الإنتخاب الفردي إلى الانتخاب بالقائمة النسبية وقد تم ذلك بموجب القانون رقم 114 لسنة 1983 وقد نصت المادة (17) منه بان ((ينتخب أعضاء مجلس الشعب طبقا لنظام القوائم الحزبية بحيث يعطى لكل قائمة عدد من مقاعد الدائرة بنسبة عدد الاصوات الصحيحة التي حصلت عليها وتعطى المقاعد المتبقية للقائمة الحاصلة اصلا على اكثر الاصوات ، ولايمثل بالمجلس الحزب الذي لاتحصل قوائمه على ثمانية في المائة على الاقل من مجموع الاصوات الصحيحة التي اعطيت على مستوى الجمهورية)) ، وازاء هذا النص احتدم السجال والنقاش حول مدى دستورية هذا القانون وكثرت الطعون أمام القضاء بعدم دستوريته ، وازاء ذلك أصدر رئيس الجمهورية قرارا بحل مجلس الشعب ودعوة الناخبين لانتخابات نيابية جديدة وبعد ان أصدر رئيس الجمهورية ذلك القرار عرض على الإستفتاء وجاءت النتيجة كالعادة بما يشبه الاجماع 99% ومن ثم اجريت الانتخابات النيابية وتم تشكيل مجلس جديد بدء اعماله في 22/4/1987(55) ، اما الحل الثالث فقد تم في عهد الرئيس ((محمد حسني مبارك)) ، وذلك في عام 1990 حيث ان المجلس الذي شكل على أثر الحل الثاني قد شكل وفق القانون رقم 188 لسنة 1986 الذي قضى في المادة (الخامسة مكررة) منه بالاخذ بالنظام المختلط ما بين القائمة النسبية والانتخاب الفردي فيكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الإنتخاب الفردي ويكون إنتخاب باقي الأعضاء الممثلين بالقوائم الحزبية ،ولم يكد المجلس يبدأ في ممارسة دوره التشريعي والرقابي حتى اندلع الجدل الفقهي الشديد حول مدى دستوريته وقد قدمت طعون عدة للقضاء الاداري بعدم دستورية هذا القانون، فاوقفت المحكمة الفصل في طلبات الالغاء وأمرت باحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادتين الثالثة فقرة اولى والخامسة مكررة من القانون رقم 38 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 وكان ذلك في 31/4/1987 ، وفي 19/5/1990 صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة (الخامسة مكررة) من القانون المذكور وعلى أثر ذلك أصدر رئيس الجمهورية قرارا بحل المجلس والدعوة إلى إجراء انتخابات نيابية جديدة ، وقد تمت العودة إلى نظام الإنتخاب الفردي(56) .
غير ان التساؤل الذي يثار حول مدى القيمة القانونية للتشريعات التي صدرت عن المجلس في ذلك الوقت؟ اجابت المحكمة الدستورية عن ذلك في حكمها الصادر في 19/12/1991 بأن ((القضاء بعدم دستورية النص التشريعي الذي اجريت انتخابات مجلس الشعب بناء عليه وآل بالتالي إلى بطلان تكوين المجلس منذ انتخابه لايستتبع لزوماً الغاء ما اقره المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من اجراءت منذ انتخابه وحتى تاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية بل تظل على اصلها من الصحة ونافذة إلى ان يتقرر الغاءها أو تعديلها أو النعي بعدم دستورية نصوصهاالتشريعية ان كان لذلك وجه اخر غير ما بني عليه هذا الحكم))(57). ومن الملاحظ ان جميع حالات حل مجلس الشعب لم تتم بسبب الخلاف بين الحكومة والبرلمان ومرد ذلك إلى ان التوجهات السياسية لكل منهما لم تكن متباينة حيث ان الحزب الحاكم يسيطر على الأغلبية العظمى من المقاعد في المجلس النيابي الامر الذي يؤدي إلى عدم قيام هذا الخلاف اصلا وبالتالي تنتفي الحاجة إلى حل البرلمان(58) .
وقد نص القانون الأساسي العراقي لعام 1925 في المادة (26/2) بأن ((الملك…ويحل مجلس النواب وفقا لاحكام هذا القانون )) . وبذلك يكون لرئيس الدولة (الملك) حل مجلس النواب وذلك حفظا للتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية(59)، ويلاحظ ان هذا الحق لم يرد مطلقا وانما مقيد مع باقي الحقوق الاخرى التي وردت في المادة ذاتها بانه لابد ان يتم ((وفقا لاحكام هذا القانون )) وهي مقيدة جميعا بنص المادة(27)(60) ، فدورالملك في حل مجلس النواب يكون شكلياً مقتصراً على إصدار الارادة الملكية بالحل بناء على قرار مسبق من مجلس الوزراء(61) ، غير ان الواقع العملي كان يشير إلى غير ذلك فلم تكن هناك قيودا تحد من سلطة الملك في حل البرلمان فكان الملك يلجأ إلى تأليف وزارة تقبل مسبقا تنفيذ رغبة الملك في حل مجلس النواب فيكون بذلك القرار الذي تصدره في هذا المجال ستاراً يغطي الدور الحقيقي للملك في حل مجلس النواب(62) فالملك كان يتمتع بسلطة تقديرية في حل المجلس وكانت له بذلك اليد الطولى(63) ، فنجد ان الملك كانت له سلطة في رفض طلب الوزارة في حل المجلس(64) ، ومن خلال هذه السلطة التقديرية في حل المجلس اصبحت للملك هيمنة متزايدة على مجلس النواب(65) ، ومما يلاحظ بهذا الشأن انه من بين ستة عشر مجلسا للنواب منذ عام 1925-1958 لم يكمل أي مجلس دورته سوى مجلس واحد. بينما تم حل اثني عشر مجلسا بواسطة الوزارة واما المجالس الباقية فقد حُلّ اثنان منهما استناداً إلى نص المادة(119) التي اوجبت حل مجلس النواب عند تعديل الدستور ، واما المجلس الثالث فقد حل بسبب قرب انتهاء مدته النيابية(66) ، وكان الهدف من حل مجلس النواب اما الحصول على أغلبية مساندة للوزارة أو التخلص من بعض عناصر المعارضة ، فبالنسبة للهدف الأول نجد ان حل المجلس الذي تم في عام 1934 بطلب من وزارة (علي جودت الايوبي) والذي تذرعت من خلاله بانها ترغب من وراء الحل إستفتاء الامة حول سياستها ،في حين كان الهدف الحقيقي يكمن في ايجاد أغلبية مؤيدة لها في المجلس ، ولذلك عمدت إلى مختلف الوسائل للتاثير على نتائج الانتخابات لضمان فوز مرشحيها ،والفت لذلك حزباً برلمانياَ لاسنادها ، واما بالنسبة لتحقيق الهدف الثاني نجد ان المجلس الرابع عشر قد تم حله من قبل وزارة (نوري السعيد) في عام 1954 في يوم تاليفها نفسه مع ان المجلس لم يكن قد اجتمع سوى مرة واحدة وقد تذرعت الوزارة باستفتاء الشعب على سياستها ،اما السبب الحقيقي فيتمثل بالتخلص من أحد عشر نائبا من أعضاء الجبهة الوطنية الذين تمكنوا من الفوز في الانتخابات(67) .
اما بالنسبة لدستور العراق لعام 1970 فلم ينص الدستور على حق الحل ، غير ان قانون المجلس الوطني رقم 55 لعام 1980 نص في المادة(60) بان ((لمجلس قيادة الثورة ضمانا لحسن سير مؤسسات الجمهوريةان يحل المجلس الوطني)) . وقد انتقد هذا النص بانه وان كان يتفق مع واقع الحياة السياسية في العراق انذاك باعتبار ان مجلس قيادة الثورة (المنحل) هو اعلى هيأة في الدولة غير انه لابد وان يناط هذا الحق برئيس الجمهورية حصراً(68) ، وقد جاء قانون المجلس الوطني رقم 26 لسنة 1995 ونص في المادة (72) بأن ((لرئيس الجمهورية ضمانا لحسن سير مؤسسات الجمهورية ان يحل المجلس الوطني))
وبذلك أصبح حل المجلس الوطني ما هو الا سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية لأن النص لم يضع اية قيود على سلطته في هذا المجال فالنص يشير إلى انه يحل المجلس ((ضمانا لحسن سير مؤسسات الجمهورية )) ، وهو نص من السعة بحيث يستوعب الفكرة التي تضمنها الدستور والمتمثلة بوضع دستور يجعل من شخص الرئيس الحاكم الاوحد فهو المتنفذ في جميع مؤسسات الدولة والمهيمن عليها ،هذه المؤسسات التي يربطها حزب واحد وهو الحزب الحاكم وبذلك فان حل المجلس الوطني كان رهناً بالارادة المنفردة لرئيس الدولة ، غير ان السؤال الذي يطرح على بساط البحث عن ماهية الغايات الممكن تصور تحقيقها انذاك من حل المجلس ؟
من غير الممكن تصور وجود اية غاية ممكنة التحقيق إذا ما تم اللجوء إلى حل المجلس الوطني ،فلا يتصور حله لايجاد أغلبية برلمانية متماسكة تدعم سياسة رئيس الدولة لأن العراق كان يقوم انذاك على اساس الحزب الواحد فضلاً عن ان الوضع السياسي كان دائما في حالة ثبات بسبب عدم وجود معارضة داخل المجلس واستعمال العنف والقسوة في حكم الشعب وفي تكميم الافواه المعارضة فضلاً عن ان جميع المعاهدات كانت تقر وتصادق حتى من دون الرجوع إلى المجلس الوطني الذي لم يكن له أي دور في هذا المجال سوى دور استشاري ضئيل الاهمية ،اما بالنسبة للقوانين الانتخابية فكانت جميعها صادرة عن السلطة القائمة انذاك ، ولم يكن يوجد في العراق انذاك اية رقابة قضائية على دستورية القوانين حتى يمكن القول بحل البرلمان نتيجة عدم دستورية هذه القوانين الانتخابية –كما في مصر-وعليه فلم يكن المجلس الوطني سوى مرآة صادقة عن القابضين على السلطة فكل عضوفيه لابد ان يكون منتميا إلى الحزب الحاكم أو معروفا بولائه له. وانطلاقا مما سبق لم يتم حل المجلس الوطني منذ تشكيله عام 1980 حتى سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003.
_____________________
1- د.علاء عبد المتعال :حل البرلمان في الأنظمة الدستورية المقارنة ،القاهرة ،دار النهضة العربية،2004،ص2-3 .
2- د.نعمان احمد الخطيب: الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري ،ط1،عمان ،مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ،1999 ، ص382 .
3- د. السيد صبري : مبادئ القانون الدستوري ، ط3 ، القاهرة ، مكتبة عبد الله وهبة، 1946، ص586 .
4- د. محمد عبد الحميد أبو زيد : مدى سلطة الحاكم إزاء التشريعات الظنية والوضعية شرعاً وقانوناً ، ط2 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1995،ص204 .
5- د. محمد المجذوب : القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان (واهم النظم الدستورية والسياسية في العالم) ، ط4 ، بيروت ، منشورات الحلبي الحقوقية، 2002 ،ص 117 .
6- د. عبد الحميد متولي : القانون الدستوري والأنظمة السياسية مع المقارنة بالمبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية ، الإسكندرية ، منشأة المعارف ، 1993 ، ص333 .
7- د. علاء عبد المتعال : المصدر السابق ،ص 39 .
8- حول اهمية وخطورة الحل الرئاسي وتطبيقاته ينظر: خالد عباس مسلم:حق الحل في النظام النيابي البرلماني،اطروحة دكتوراه،جامعة عين شمس ،كلية الحقوق ،1997 ،ص134- وما بعدها ، د.محمد عبد الحميد ابو زيد:المصدر السابق،ص204-وما بعدها .
9- د.عبد الحميد متولي : القانون الدستوري والانظمة السياسية ،المصدر السابق،ص333 .
10- خالد عباس مسلم : حق الحل في النظام النيابي البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، جامعة عين شمس ، كلية الحقوق ، 1997،ص124 .
11- د.محمد عبد الحميد ابو زيد :المصدر السابق،ص 205 .
12- خالد عباس مسلم :المصدر السابق،ص138 .
وللاطلاع على دور رئيس الدولة في قبول طلب الوزارة بحل البرلمان من عدمه ينظر: خالد عباس مسلم : المصدر نفسه، ص145- 146 د.علاء عبد المتعال :المصدر السابق،ص74-75 .
13- د. عمرو فؤاد أحمد بركات : المسؤولية السياسية لرئيس الدولة في الأنظمة الدستورية المقارنة ، القاهرة ، بلا سنة طبع،ص69 .
14- د. . محمد انس قاسم جعفر : النظم السياسية والقانون الدستوري ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1999،ص365-366 .
15- د.محمد عبد الحميد ابو زيد:المصدر السابق،ص203 ،د.احمد سلامة بدر:المصدر السابق،ص65 .
16- د.علاء عبد المتعال :المصدر السابق،ص105
17- د. محسن خليل : علاقة القانون باللائحة ، مجلة الحقوق ، السنة (14) ، العدد (3-4) ، جامعة الإسكندرية ، 1969،ص518 ، د. حسن سيف أبو السعود : القانون الدستوري ، بغداد ، مطبعة الجزيرة ، بلا سنة طبع ،ص129 – 130 .
18- د. علاء عبد المتعال:المصدر السابق،ص105-وما بعدها .
19- د. حسن سيف ابو السعود:المصدرالسابق،ص429
20- د. علاء عبد المتعال :المصدرالسابق ،ص86-87 .
21- لمزيد من التفاصيل ينظر: د.علاء عبد المتعال :المصدر السابق،ص192-وما بعدها د. سليمان محمد الطماوي : السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي ، ط5 ، القاهرة ، مطبعة جامعة عين شمس ، 1986،ص604-606 ،د.السيد صبري :المصدر السابق،ص588.
22- لمزيد من التفاصيل ينظر: د.محمد عبد الحميد ابو زيد :المصدر السابق،ص223-226 د.علاء عبد المتعال:المصدر السابق،ص129 وما بعدها ،خالد عباس مسلم :المصدر السابق،ص227-وما بعدها .
23- موريس دوفرجيه : المؤسسات السياسية والقانون الدستوري ، ترجمة د. جورج سعد، بيروت ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، 1992 سابق ،ص240 .
24- Benoit Jeanneau: op. cit، p. 182.
25- أندريه هوريو : القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، ترجمة علي مقلد ، شفيق حداد وعبد الرحمن سعد ، الجزء الثاني، بيروت ، الأهلية للنشر والتوزيع ، 1977،ص401 .
26- د. حسان محمد شفيق العاني : دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة –نشأته تفاصيله مستقبله للحريات العامة- ، بغداد ، 2005 ،ص26 .
ولابد لنا من الاشارة إلى ان هناك قيود اخرى وردت على سلطة رئيس الدولة في حل الجمعية الوطنية وهي ما تضمنته المادة (7) من الدستور من عدم جواز حل الجمعية الوطنية في فترة الانابة لرئاسة الجمهورية وكذلك ما تضمنته المادة (16) التي حظرت على رئيس الدولة حل الجمعية الوطنية خلال الظروف الاستثنائية .
27- د. محمد عبد الحميد ابو زيد :المصدر السابق،ص206 .
28- موريس دوفرجيه: المؤسسات السياسية والقانون الدستوري ،المصدر السابق،ص253 .
29- لمزيد من التفاصيل حول اجراءات هذا الحل وخلفيته ينظر: اندريه هوريو:القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،الجزء الثاني ،المصدر السابق،ص377-وما بعدها ، د.علاء عبد المتعال:المصدر السابق ، ص28- وما بعدها خالد عباس مسلم :المصدر السابق ص317-319 .
30- موريس دوفرجيه :المؤسسات السياسية والقانون الدستوري ،المصدر السابق،ص253-255 .
31- لمزيد من التفاصيل حول أحداث 1968 وما تبعها من حل البرلمان ينظر: اندريه هوريو: القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،الجزء الثاني ،المصدر السابق ،ص341-وما بعدها ، جابرييل ايه . الموند ، جي . بنجهام باويل : السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر –نظرة عالمية- ، ترجمة هشام عبد الله ، مراجعة سمير نصار ، ط5 ، لبنان ، شركة الطبع والنشر اللبنانية ، 1998 ص371، رسل جي دالتون : دور المواطن السياسي في الديمقراطيات الغربية ، ترجمة د. أحمد يعقوب المجذوب ومحفوظ الجبوري ، عمان ، دار البشير ، 1996،ص81-82.
32- اندريه هوريو: المصدر نفسه ، ص462 .
33- Benoit Jeanneau: op. cit، p. 183.
34- د. علاء عبد المتعال : المصدر السابق ، ص 46-47 .
35- د.علاء عبد المتعال :المصدر نفسه، ص252-253 هامش رقم (1) .
36- لمزيد من التفاصيل ينظر: خالد عباس مسلم:المصدر السابق،ص325-وما بعدها .
37- سالم كرير المرزوقي : التنظيم السياسي والإداري بالبلاد التونسية ، ط6، تونس، مطبعة المنار ، 2000،ص113 .
38- طه حميد حسن العنبكي : النظام السياسي التونسي 1956 – 1989 ، رسالة ماجستير ، جامعة بغداد ، كلية العلوم السياسية ، 1992،ص77، 79 .
39- سالم كرير المرزوقي :المصدر السابق،ص113 .
40- د.خالد شوكات:انتخابات تونس ،تعددية مخلصة للاحادية http://www.islamonhin.net.
41- د. سليمان محمد الطماوي : النظم السياسية والقانون الدستوري ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1988،ص621 .
42- د.محمد انس قاسم جعفر :المصدر السابق،ص515 .
43- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا : النظام الدستوري المصري ، الجزء الثاني، الإسكندرية، منشأة المعارف ، 1993 ، ص 297 ، د.سليمان محمد الطماوي :النظم السياسية والقانون الدستوري ،المصدر السابق،ص623 د.محمد عبد الحميد ابو زيد : المصدر السابق،ص236 ،د. محمد حسنين عبد العال : القانون الدستوري ، القاهرة ، دار النهضة العربية، 1992،ص261 .
44- د.علاء عبد المتعال :المصدر السابق،ص127 .
45- د.محمد حسنين عبد العال:المصدر السابق،ص261 .
46- د.بشير علي محمد باز: حق حل المجلس النيابي في الدساتير المعاصرة ، الاسكندرية ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،2004،ص 297 ، 311 – 312 ،د.علاء عبد المتعال :المصدر السابق،ص72 .
47- جابر جاد نصار : الاستفتاء الشعبي والديمقراطية ، أطروحة دكتوراه ، جامعة القاهرة ، كلية الحقوق ، 1992، ص336 .
48- لمزيد من التفاصيل حول هذا الإستفتاء ينظر: د. ماجد راغب الحلو : الاستفتاء الشعبي والشريعة الإسلامية ، الإسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية ، 2004،ص263-وما بعدها ، جابر جاد نصار :المصدر نفسه ، ص333 –وما بعدها .
49- د.سليمان محمد الطماوي :النظم السياسية والقانون الدستوري ،المصدر السابق،ص620 .
50- د. بشير محمد علي باز : حق حل المجلس النيابي في الدساتير المعاصرة ، الإسكندرية ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، 2004،ص308،خالد عباس مسلم ،المصدر السابق ص434 .
51- د. بشير علي محمد باز: المصدر نفسه ،ص319، د.علاء عبد المتعال :المصدر السابق،ص72-73، هامش رقم (1) .
52- د.بشير علي محمد باز: المكان نفسه ، خالد عباس مسلم : حق الحل في النظام النيابي البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، جامعة عين شمس ، كلية الحقوق ، 1997،ص436 .
53- د.ماجد راغب الحلو:الاستفتاء الشعبي ، المصدر السابق،ص264 .
54- د.بشير علي محمد باز:المكان نفسه ،خالد عباس مسلم:المكان نفسه
55- د.بشير علي محمد باز: المصدر نفسه،ص320- وما بعدها .
56- ومما جاء في حكم المحكمة الدستورية العليا ((ان الدستور قد كفل حق الترشيح في المادة 62 منه ،ولم يقيد التمتع به بالانتماء الحزبي ،وكفل في المادة 40 منه المساواة بين المواطنين في الحقوق العامة ومنها حق الترشيح مما يعني ان المواطنين جميعا سواء أمام حق الترشيح ،ويقوم ممارستهم له على اساس من الفرص المتكافئة في الفوز بالعضوية للمجالس النيابية بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية وعدمها … وان كان للمشرع سلطة تقديرية في إختيار النظام الانتخابي الا ان سلطته في هذا الشأن تجد حدها في عدم الخروج على القيود والضوابط والمبادئ التي نص عليها الدستور وعدم المساس بالحريات والحقوق العامة … وان المشرع قد نص على تقسيم الجمهورية إلى ثمان واربعين دائرة انتخابية بين نظام الإنتخاب بالقوائم ونظام الإنتخاب الفردي وقد حدد لكل دائرة انتخابية عددا من المقاعد النيابية خص بها مرشحي الأحزاب السياسية ،عدا مقعدا واحدا خصصه لنظام الإنتخاب الفردي يجري التنافس عليه بين المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية والمرشحين غير المنتمين لهذه الأحزاب …ومن ثم فان هذه المادة تكون بذاتها قد تضمنت في صريح نصها اخلالا بحق المواطنين غير المنتخبين لاحزاب سياسية في الترشيح على قدم المساواة وعلى اساس من تكافؤ الفرص مع باقي المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية اخلالا ادى إلى التمييز بين فئتين من المرشحين في المعاملة القانونية …تمييزا قائما على اساس اختلاف الاراء السياسية مما يشكل مخالفة للمواد (8، 40، 62) من الدستور ويستوجب القضاء بعدم دستوريتها …)) لمزيد من التفاصيل ينظر د. جورجي شفيق ساري : النظام الانتخابي على ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا ، ط2 ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 2005،ص171- وما بعدها ، خالد عباس مسلم:المصدر السابق،ص443-وما بعدها .
57- أورده د.عبد الفتاح مراد :شرح الحريات العامة وتطبيقات المحاكم بشأنها ، الاسكندرية ، المكتب الجامعي الحديث، 2002، ص585 .
58- د.بشير علي محمد باز : المصدر السابق،ص283 ، خالد عباس مسلم : المصدر السابق ،ص473 .
59- د. مصطفى كامل : شرح القانون الدستوري والقانون الأساسي العراقي ، ط5، بغداد ، مطبعة السلام ، 1947 – 1948،ص61 .
60- د. فائز عزيز اسعد : انحراف النظام البرلمان في العراق ، بغداد ، مطبعة السندباد ، 1984،ص312-313 .
61- سحر محمد نجيب : العلاقة بين السلطات في الدساتيرالعراقية ،رسالة ماجستير،جامعة الموصل ،كلية القانون ، 1999 ،ص40 ، وقد نصت المادة (127) على ان ((يستعمل الملك سلطته بارادت ملكية تصدر بناء على اقتراح الوزير والوزراء المسؤولين وبموافقة رئيس الوزراء ويوقع عليه من قبلهم)) .
62- د.فائز عزيز اسعد: المصدر السابق،ص214 .
63- د. حميد حنون خالد الساعدي : مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، الموصل ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، 1990،ص163 .
64- لمزيد من التفاصيل ينظر: د.فائزعزيز اسعد:المصدر السابق،ص218-220.
65- د. نوري لطيف : القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، ط2، بغداد ، مطبعة علاء ، 1979،ص240 .
66- د.فائز عزيز اسعد:المصدر السابق، 211 ، 223 ، ، هامش رقم(25،24) .
67- د.فائز عزيز اسعد:المصدر نفسه،ص224-وما بعدها .
68- د.حميد حنون خالد الساعدي :مبادئ القانون الدستوري ، المصدر السابق،ص210 .
اترك تعليقاً